كنت امشط المنطقة وأسير إلى القرى والمدن الصغيرة التي تبعد عن شجرة البلوط المقدسة .
 
 
كانت هذه الشجرة بالذات ضخمة ومرتفعة جدا و منظرها يسر الزائرين والناظرين 
 
 
لها و الجالسين تحت ظلالها الوارفة على المصطبات العامة . 
 
 
وكنت أشاهد الأطفال يلعبون في الساحة المزدانة باللون الأخضر و الزهور
 
 
أوتحت أو فوق أغصان شجرة البلوط . 
 
 
وكانت أمهات الأطفال يجلسن على المصطبات .
 
 
تبعد شجرة البلوط عن الطريق حوالي 20 مترا .
رتبت المصطبات العامة من قبل بلدية المدينة على شكل دائرة كبيرة أمام شجرة البلوط .
 
 
و في وسط الدائرة يلعب الأطفال ، كما أن بعضهم كان يتسلق شجرة البلوط 
 
 
إلى أعاليها أو يجلس و يتعلق على أغصانها الغليظة والمتينة الطويلة .
 
 
و بالقرب من شجرة البلوط المقدسة يوجد موقف لست أو سبع سيارات .
 
 
كنا نوقف سيارتنا بالقرب من هذه الشجرة المباركة و نسير على الطريق لساعة 
 
 
 
أو ساعات وكنا نعطف نحو الطرق الجانبية إلى الغابات الأخرى أو نسير إلى بئر
 
 
أليزابيت التي تبعد حوالي كيلومترين تقريبا .
فوجئنا ، زوجتي وأنا ، في صيف عام 1997 عندما قرأنا في صحيفة مدينتنا 
 
 
اليومية ماربورغر أبورهسيشه برسه أن شجرة البلوط قد أحرقها أطفال مدرسة .

  
ذهبنا عصر ذلك اليوم للإطلاع عليها فوجدناها محروقة من الداخل ، حيث كان 
 
 
جوفها فارغا أسودا كلون الفحم , وكانت رائحة الدخان تتصاعد من جوفها .
 
حزنت كثيرا وتألمت على قيام أحد الأطفال أثناء اللعب بحرقها .
 
 
قلت لزوجتي دعينا نستلق و نصعد وندخل إلى جوفها .
 
 
و نتيجة للحرق تكونت فتحات إحداها تشبة القلب ، قلب الإنسان ، يا سبحان الله . 
 
نزلنا إلى داخلها ، حيث انتابني شعور غريب مزيج بالحزن و الأسى ،
إلتقطت لجدرانها من الداخل عددا من الصور . ثم خرجنا منها وبدأنا نتطلع إليها
من كافة الجوانب ، وكنت ألتقط صورا لها . إبتعدت عنها بمسافة خمسن مترا 
إلى الفرع الأول على جهة اليسار ، فيا دهشتي حين فتحت عيني ونظرت لها ، 
حيث شاهدت القسم المحروق منها الفحمي اللون يبدو وكأنها سيدة إنسانة .
و بعد عودتنا إلى المدينة ذهبت بسرعة و سلمت فلمين لغرض تحميضهما وطبع الصور .
و في اليوم التالي إستلمت الصور ، و قررت رسم إحدى لقطاتي التي تبدو فيها السيدة.
و بعد يومين سافرت بسيارتي إلى شجرة البلوط للقيام بالسير لمدة ساعة ،
إلا أني فوجئت بأن أطفال المدرسة كتبوا إلى شجرة البلوط المقدسة تعزيات 
لأنفسهم وإلتماسات منها أن تغفر للطالب الذي احرقها ، وقد علقوا الرسائل
في مظروفات حولها بشكل حزام مكون من خيط أو حبل غليظ .
سعدت جدا بهذه المبادرة العفوية اللطيفة من الأطفال بطلب العفو والمغفرة 
من الشجرة ، وفتحت إحدى الرسائل و قرأتها حيث أعربت الطفلة أو الطالبة
عن أسفها وحزنها العميق وطلبت من الشجرة الغفران والعفو .
كادت دموعي تنهمر عندما قرأت تلك الكلمات العاطفية الحزينة . للأسف الشديد
لم أصور الرسالة ولم آخذ على الأقل رسالة واحدة معي إلى البيت لكي احتفظ بها .
 
وفي اليوم التالي دعوت إحدى الشاعرات الألمانيات و أمها إلى تناول طعام الغداء .
و بعد الغداء أخذتهما معي وسافرنا إلى منطقة سونن بليك لمواساة و زيارة 
شجرة البلوط . دهشنا جميعا عند قراءة كل الرسائل .
 
ومنذ صيف عام 1997 و ليومنا هذا ألتقط لهذه الشجرة المقدسة صورا في كل فصول السنة .
و بالجدير بالذكر دهشنا ، زوجتي وأنا ، بأن اغصان الشجر كانت تنمو من 
الجانبين و من القمة ، على الرغم بأن جوف الشجرة كان فارغا كما ذكرت أعلاه .
إخترت بعض الصور القديمة التي التقطتها منذ عام 1997 المطبوعة على
 
 
الورق و عملت لها سكننج و عدلتها ببرنامج الفوتوشوب .
لذا أرجو المعذرة عما إذا كانت ألوان بعض الصور ا خافتة .
 
 
إلتقطت صورا لها قبل أيام ، حيث شاهدنا بأن الشجرة قد ضعفت و جفت
و اضمحلت تماما ، حيث قلنا لها الوداع يا شجرة البلوط .
 
تقبلوا مني فائق ودي و تقديري
 
د . عدنان
 
 
ألمانيا في 23 آب 2011