طلاب النفط والغاز بالكلية التقنية العليا بين مطرقة التخرج وسندان التدريب
عام كامل من الجري وراء المختصين في الكلية والحل دائما «الطريق»

تحقيق عاصم الشيدي
دخلت مشكلة طلاب تخصص النفط والغاز بالكلية التقنية العليا بالخوير مرحلة صعبة وحرجة قبل أن تؤكد الكلية بعد عام كامل أن الحل قريب وأن الحركة التصحيحية التي تشهدها الكلية أتت بالكثير مما يتمناه الطلاب وبما يتناسب مع المرحلة المتقدمة التي يشهدها سوق العمل في السلطنة.

وتنحصر مشكلة طلاب النفط والغاز في أن أغلبهم أكمل عاما كاملا في حين لم يستطع الحصول على شهادة التخرج لأن من شروط الحصول عليها ان يتدرب الطالب على رأس العمل حيث التدريب من بين مساقات البرنامج الذي يدرسه الطالب ولم يستطع الطالب الحصول على تلك الفرصة في الوقت الذي لم توفرها له الكلية وذلك لأسباب كثيرة مبثوثة في هذا التحقيق.

المشكلة تراكمية

أسعد السعدي يبدأ في سرد الحكاية من الزاوية التي يرى أنها بداية المشكلة، حيث يرى أن الأعداد التي بدأ برنامج النفط والغاز في قبولها هي أكبر من استيعاب سوق العمل، وهذا من وجهة نظره تخالف كثيرا السياسة التدريبية المعلنة والمتمثلة في التعليم من أجل سوق العمل.

وبحماس واضح يقول أسعد السعدي المعروف أن في معظم مؤسسات التعليم العالي هناك مركز يعنى بشكل مباشر بالتنسيق مع الجهات المعنية لتوفير فرص تدريبية للطلاب، إضافة إلى توفير فرص توظيفية وإذا ما عرفنا أن معظم الشركات التي تدرب توظف من تدربه مباشرة فإننا سنعي أن جل المشكلة قد تحل بإيجاد مثل هذا المركز الذي تفتقده الكلية والكليات التقنية التابعة لوزارة القوى العاملة.

ويضيف السعدي يوجد في الكلية موظف مسؤول عن تنسيق التدريب ونقول بكل أمانة «كان الله في عونه» فلديه من المهام الكثير إضافة إلى عمله الأكاديمي.

وكلام أسعد السعدي تجمع عليه غالبية طلاب الدفعتين الأخيرتين والتي عرفت بين الطلاب بالدفعتين المعلقتين حيث أن طلابها لم يحصلوا على شهادتهم حتى الآن لأن الحصول على تدريب شرط أساسي للتخرج، فالتدرب مساق من مساقات البرنامج.

ويوضح عامر المنجي طالب النفط والغاز أيضا بالقول: ان هناك إعلانات تدريبية سبقت إنهاءنا لمساقاتنا الدراسية بحوالي شهر علما بأن الكلية لم تخبرنا بها ويبدو أنها لم تنسق مع الجهات المعنية على عكس مؤسسات التعليم العالي الأخرى.

ويؤكد الطالب عامر المنجي أن مسألة التنسيق مع الشركات المتخصصة مسألة مهمة خاصة وأن أعداد الطلاب الذين يدرسون التخصص ليست أعدادا كبيرة. ويكشف عامر المنجي عن معلومة يقول أنه متأكد منها ويعرفها جميع الطلاب وهي أن اتفاقا مبرما بين الكلية وبين شركة النفط العمانية بأن تستوعب مخرجات القسم إلا أن الاتفاق لم يتحقق ولا أحد يعلم ما الأسباب.

لقد اطلعت على مسودة من العقد المبرم بين الطرفين وشاهدت بنوده (حاولنا الحصول على نسخة من العقد إلا أن المصدر تحفظ كثيرا مؤكدا أن ذلك قد يعرضه للمساءلة الإدارية) ويضيف المنجي: ان فتح التخصص في الكلية جاء مبنيا على طلب من شركة النفط العمانية حيث من أهدافها استيعاب مجموعة من الطلاب العمانيين المؤهلين وفق برنامج يتفق مع احتياجاتها.

وبدأت الحكاية

فصول الحكاية تستمر ومأساويتها تتضح جليا في وجه زهران العبري الذي يؤكد أنه يحاول منذ أشهر البحث عن فرصة تدريبية في أي شركة إلا أن محاولاته باءت بالفشل والسبب يعود على حد قوله إلى الكلية ويفسر ذلك بالقول: الشركات تقول لا نستطيع تدريب أي طالب إلا إذا كان ثمة تنسيق مسبق بين الكلية والشركة حيث أن هذا متعارف عليه بين الشركة ومختلف الكليات والجامعات في السلطنة. وأمام هذه العبارة تجمدت الكثير من الأحلام فزهران يقول لم نستطع الحصول على فرصة تدريبية ولم نستطع الحصول على الشهادة لنجرب حظنا في القطاع الحكومي لأننا وحسب بطاقة القوى العاملة ما زلنا بشهادة الشهادة العامة، لأن شهادة الدبلوم ما زال أمرها معلقا حتى توفر لنا الكلية فرصة تدريبية والوقت يمر، أكثر من سنة ونحن ضمن قائمة «باحث عن تدريب».
والفكرة نفسها تقلق أيمن البلوشي الذي يقول ان من بين 45 طالبا فقط حصل طالبان على فرص تدريبية وبعلاقاتهم الشخصية وليس بمبادرة من الكلية.

مضيفا: طالبنا رئيس القسم والمختصين بتخريجنا وإعطائنا شهادة التخرج إلا أنه بادرنا بالقول: لا يمكن لكم التخرج دون إتمام متطلبات التخرج والتدريب الذي ينقصكم من بين تلك المتطلبات.

ويرى الطلاب أن هذه الفكرة هي أكثر ما يعكر صفوهم حيث أن وضعهم سيستمر ولو لسنوات هكذا ما دامت الفرص التدريبية غير متوفرة وأفواج التخصصات الأخرى تغادر الكلية بعد أن تعيش اجمل اللحظات في حفل التخرج بينما طلاب النفط والغاز يراقبون الوضع من بعيد وفي قلوبهم حسرة تكاد تنسيهم سنوات الدرس في الكلية.

الطالب هو الضحية

هكذا يرى الطلاب ومن بينهم يوسف الزدجالي والذي بدأ حديثه بالقول إن هناك فجوة كبيرة في الخطة الموضوعة لتخصص النفط والغاز وضحيتها الطلاب. وعندما طلبت من يوسف أن يوضح ماهية الفجوة التي يتحدث عنها قال: لدى الكلية قاعدة بيانات تعرف من خلالها كم طالب سيتخرج ومن كل تخصص في كل فصل، وكان على الكلية ان تكلف نفسها باستخدام تلك البيانات التي ستخبرها كم طالب سيتخرج هذا الفصل والتنسيق مع جهات الاختصاص مع الشركات لتوفير الفرص التدريبية. ويضيف يوسف بانفعال واضح: نحن لا نطالب الكلية بتوظيفنا، بل نطالبها بتوفير الفرص التدريبية التي تقودنا في النهاية للحصول على الشهادة ومن ثم سنطرق أبواب الوظائف وحدنا سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص.

ويتحدث يوسف الزجالي عن نقطة غاية في الأهمية كما يراها وهي أن هناك كليات أخرى في إشارة إلى الكليات الخاصة تخرج أعدادا من الطلاب في كل فصل وكلياتهم توفر لهم فرص التدريب والتوظيف وبالتالي كل ذلك يحدث على حسابنا نحن، لأن تدريبنا يتأخر وبالتالي توظيفنا يتأخر إلى أن نصل إلى مرحلة يتوقف فيها سوق العمل عن استيعاب أعداد جديدة من الخريجين.

النفط والغاز تعهدت بتوظيف 2000 خريج

من جانبه يقول الطالب أحمد الوشاحي نعرف جميعا ان هناك عقدا مبرما بين وزارة القوى العاملة ووزارة النفط والغاز وشركة تنمية نفط عمان وتستوعب الشركة بموجبه 2000 خريج وهو العدد الذي طلبته الشركة وبموجبه فتح برنامج النفط والغاز في الكلية ولكن المفاجئ أن الشركة توقفت عن استيعاب الخريجين، مضيفا أن 1000 طالب الذين تخرجوا استوعبت منهم 500 طالب شركة أخرى غير شركة تنمية نفط عمان.

ويضيف الوشاحي والكثير من علامات الاستغراب تظهر في محياه: تحدثنا مرارا وتكرارا مع عميد الكلية، الذي وعدنا بحل المشكلة (ويركز الوشاحي على كلمة مشكلة فهو يرى أن العميد يعرفها بالمشكلة) وأن أمورا كثيرة في هذا الصدد في طريقها للحل، ويضيف: انتظرنا الفرج ولم يأت ثم انتظرناه فلم يأت وعدنا للعميد مرة أخرى وأخبرنا أنه اجتمع مع الجمعية العمانية للخدمات النفطية إلا أنه لم يستطع الخروج منهم بشيء. ويضيف الوشاحي.. ولا تزال «المشكلة قائمة».

ويحاول خالد الجابري البحث عن سبب يقنع به نفسه وربما زملاءه أيضا في السبب الذي جعل الشركات المتعهدة بتدريبنا واستيعابنا كموظفين لديها فيقول: لا توجد أسباب واضحة فمعظم الطلاب معدلاتهم مرتفعة جدا. إلا أنه يستدرك فيقول ربما أن مواد البرنامج ضعيفة إلى حد ما ويركز الجابري على كلمة «ربما» حيث ان الطالب الحاصل على الدبلوم من هذا البرنامج إذا أراد أن يكمل دراسته للحصول على درجة البكالوريوس فإن الكلية التي تقبله لن تعاد له جميع المواد بل ربما لن تعادل له إلا 6 مواد فقط وهذا ما يعانيه خريجو هذا التخصص. ويضيف الجابري: نعم ربما هذه الكليات كليات خاصة وهدفها الربح المادي ولكن يبقى السؤال حول مساقات البرنامج مطروحا ويثيره الكثيرون ومن بينهم أساتذة الكلية.

ولا تختلف رؤية جمعة الحسني عن بقية زملائه إلا أنه يؤكد على أهمية علاج المشكلة قبل أن تتفاقم مع تعاقب الدفعات القادمة بإنشاء مركز يختص بالتنسيق مع الشركات لتوفير الفرص التدريبية وكذلك فرص التوظيف .
ويضيف الحسني : لا بد من تعميق العلاقة بين الطالب والكلية عن طريق هذا المركز بطرح أكثر شفافية يجعل الطالب في صورة المشهد من حيث توفر الفرص من عدمها فتعليق الطالب عاما كامل دون تخرج مسألة صعبة جدا خاصة إذا ما عرفنا أن مسألة توفير الفرص التدريبية مسألة تخص الكلية ولا تخص الطالب .

الضوء القادم يزيح قتامة المشهد

ورغم قتامة المشهد الذي صوره الطلاب من زاوية الرؤية لديهم إلا أن ثمة زاوية أخرى يرى منها المعنيون في الكلية يمكن أن يوصف المشهد من خلالها بالمشهد الذي تفتح عليه الإضاءة شيئا فشيئا حتى ينير بأكمله أو هكذا يرى الدكتور عمار العجيلي رئيس قسم الهندسة بالكلية التقنية العليا الذي نقلنا إليه الكثير من الأسئلة والاستفسارات التي دارت في أذهان الطلاب أو تلك التي اصطدموا بواقعها.

يبدأ الدكتور رئيس قسم الهندسة بالحديث عن برنامج النفط والغاز وبرامج كلية الهندسة بشكل عام بالقول انها برامج تم تصميمها بالتنسيق مع القطاع الخاص وبالتعاون كذلك مع الجمعيات المهنية المتخصصة مثل جمعية النفط والغاز وجمعية المهندسين مشيرا إلى أن هذه الجمعيات في الوقت نفسه تقدم للكيلة تغذية راجعة حول مدى ملاءمة البرامج مع متطلبات سوق العمل.

ويقول رئيس قسم الهندسة إن الكلية استضافت في عام 2003م مؤتمرا كبيرا من أجل تقييم برامج الكلية وحدثت في عام 2007م حركة تصحيحية كبيرة للبرامج المطروحة في الكلية كان من شأنها أن تلقى الكثير من الإشادة من قبل المختصين.

أما فيما يخص عدم اعتماد المساقات التي درسها الطالب فيما إذا رغب في مواصلة دراسة البكالوريوس بالنسبة لطلاب الدبلوم فيقول الدكتور ان ذلك راجع بشكل أساسي إلى توجهات تلك الكليات التي يرغب الطالب في الدراسة بها ومدى توجهاتها المادية ونحن نؤكد أن لدينا اعترافات ضمنية من قبل جامعات عالمية مرموقة بمدى جودة البرامج التي نقدمها.

65 فرصة تدريبية قادمة

ويدخل الدكتور عمار في قلب الأزمة التي يعاني منها الطلاب وهي عدم الحصول على برامج تدريبية تمكنهم من التخرج على الأقل ليتمكنوا من الحصول على وظائف فيقول: أود أن اطمئن جميع الطلاب بأن مشكلتهم في طريقها للحل في القريب العاجل حيث ان 15 فرصة تدريبية في انتظارهم خلال الأيام القادمة ومعظمها ستكون تدريبا يتبعه التوظيف. كما أننا توصلنا مع جمعية النفط والغاز إلى تفاهم يتم بموجبه توفير خمسين فرصة تدريبية تبدأ اعتبارا من الأسبوع الثاني من شهر يناير ليصبح مجموع الفرص التدريبية 65 فرصة بينما عدد طلابنا الذين يبحثون عن فرص تدريبية 45 مما يعني أن لدينا فائضا في مجال التدريب. مشيرا إلى أن أهمية اغتنام مثل هذه الفرص من قبل الطالب حتى يعطي عن نفسه صورة جيدة تدفع بالشركات لقبوله للعمل فيها.

السبب تدني المعدلات


وحول تأخر حصول الطلاب على فرص تدريبية يقول رئيس قسم الهندسة إن السبب غالبا يعود إلى تدني معدلات الطلاب خاصة وأن طبيعة التدريب في شركات النفط والغاز تكون من اجل التوظيف وليست من أجل التدريب فقط.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور لدى الكلية خطة تعمل عليها الآن من اجل إنشاء مركز للإرشاد الوظيفي يكون مهمته التنسيق مع الشركات المختصة لتوفير الفرص التدريبية للطلاب وكذلك التنسيق من أجل توفير الوظائف متى كان ذلك متاحا. وعن الموعد المحدد لانطلاق المركز قال الدكتور: ليس هناك محدد نهائي لأن مثل هذه المراكز تحتاج إلى الكثير من العمل قبل انطلاقها.

نفط عمان ليست ملزمة

أما فيما يخص اتفاق الكلية مع شركة تنمية نفط عمان لاستيعاب طلاب النفط والغاز فقال ان الشركة تستوعب الكثير ولكن قسم الهندسة بالكلية فيه 2000 طالب ولا يمكن لأي شركة أن تستوعب هذا العدد مرة واحدة، مضيفا إن لكل شركة قدرتها الاستيعابية وهي في الحقيقة شركة متعاونة وبشكل كبير.
وأضاف: هناك شركة أخرى مرموقة كانت قد وظفت الكثير من الطلاب في مراحل سابقة وعدتنا بأنها ستجري مقابلات خلال الشهرين القادمين معلقا أن المنتج أعجب الشركة ولذلك عادت لتطلب توظيف أعداد كبيرة أخرى.

تحقق الهدف

هكذا يبدو أن المشكلة في طريقها للحل والأكيد أن الطلاب كان لهم دور كبير في تحريك الراكد واقتراح الحلول التي بدأت الكلية في الأخذ بها أو هي في طور الأخذ بها مثل إنشاء مركز للإرشاد الوظيفي يعنى بالبحث عن فرص تدريبية للطلاب وكذلك الفرض التوظيفية.