وعليكم السلام والرحمة والإكرام.
شكرا يا درة الإيمان على هذا الموضوع المهم لإنه يتعلق بنوع آخر من الغذاء الذي يحتاجه الإنسان وهو "الغذاء الفكري" وعلاقته بالتنمية البشرية خاصة في جانبها الفكري.
وكما قلتي أن الكثير منا قد يدمن القراءة والمطالعة ويلتهم الكتب التهاما كل حسب ميولاته، من الأدبية إلى العلمية إلى الدينية إلى التاريخية. ورغم أن هذه الأخيرة داخلة أيضا في سياق "التنمية الفكرية البشرية"، وبالتأكيد أنت تقصدين الكتب المتخصصة في هذا المجال.
تطرح هذه الإشكالية في ظل بروز -خاصة في الآونة الأخيرة- متخصصون في التنمية الفكرية البشرية سواء عبر الكتابات أو عبر القنوات الفضائية وفي ظل طغيان ثقافة وسائل الإعلام على فكرنا وهذا في غياب وانحصار مصار أخرى للمعرفة.
وكما نعلم أن أول مبدأ في ثقافة وسائل الإعلام يقول: "إن حاجة الناس إلى المعلومات حول العالم الذي يحيط بهم، يجعلهم في حالة تبعية دائمة لأولئك الذين يرسلون الإعلام". وفي هذه الحالة وكما أشرت في أحد ردودي على موضوع مشابه أن هذا الأمر يخلق ما يسمى في سوسيولوجية الإعلام الثقافي بـ"الأنماط المقولبة" بمعنى أن الذي يستمد ثقافته من مختلف وسائل الإعلام يصبح مجرد قالب يصب فيه ثقافة والإنتاج الفكري لللآخرين، يتبنى آراءهم وأفكارهم ويحلل وفق منظورهم الخاص ويناقش بمبرراتهم وأساليبهم ويساهم في نشر قيمهم ومبادئهم الثقافية.
وأنا شخصيا لم أطلع على أي كتاب خاص بالتنمية إلاّ عبر بعض الحصص والاستضافات التلفزيونية لبعض المتخصصين في هذا المجال (ولا أذكر أي اسم)، إلاّ أنني لم أقتنع بعد بفحوى ومدى فعالية هذا النوع من التخصص، لأنني أرى التنمية البشرية لا يمكن حصرها في مجال معرفي معين ولا يمكن ضبطها بمناهج معينة.
هذه الأخيرة هي مجرد تجارب وسير شخصية لأصحابها تم إعادة صياغتها في شكل مناهج وكتب أدرجت في علم جديد -إن صح التعبير- يطلق علية اسم "التنمية البشرية".
من جهة أخرى أرى (وكلمة "أرى" قد تحتمل الخطأ)، أن الثقافة الإنسانية هي محصلة النشاط الإجتماعي بنوعيه الأدبي والمادي، فالثقافة الأدبية (أو الروحية) تشمل الإطلاع على مختلف الآداب والفنون ..المسرح السنيما..الخ، والثقافة المادية تشمل أساليب وطرق المأكل والملبس والمسكن ..الخ.
والإنسان المثقف هو أحد ركائر المجتمع يساهم بشتى الطرق في بلورة أفكاره، ويكمن الفرق بينه وبين الآخرين هو أنه يجمع كم هائل من المعلومات (بنك معلومات) بالإضافة إلى قدرته الفائقة على التحليل والإستنباط.
والتنمية البشرية يستطيع كل فرد أن يستدمها ليس فقط من خلال تطببيقة تعليمات هذه الكتب المتخصصة في التنمية، ولكن عن طريق المطاعة المستمرة وإجراء عملية "تحديث" دائم للمعلومات، خاصة ونحن نعيش في زمن يشهد تطورا مذهلا في مختلف العلوم ويشهد تسارعا رهيبا للأحداث، لدرجة أن مكتشف العلوم وصانع الأحداث لا يمكنه حتى التحكم واحتواء هذه العلوم و الأحداث.
من هذا المنظور وفي رأيي الشخصي، أن تلك الكتب الخاصة بالتنمية يمكن الإستفادة منها جزئيا من ناحية الإقتباس من التجارب الشخصية لللآخرين.
ولذلك ومن خلال تجربتي الشخصية المتواضعة أقول أن الإنسان كي يصل إلى تنمية نفسه، عليه أن ينوّع مصاد رمعرفته وثقافته بمطالعة الصحف والكتب بجميع أشكالها وحضور المحاضرات والملتقيات والنشاطات الثقافية المختلفة (المحلية والجهوية والدولية) والقيام بزيارات سياحية ثقافية ميدانية بالاضافة إلى الاحتكاك والتفاعل والتواصل مع تجارب وأفكار الطرف الآخر: (واحد + واحد يساوي أكثر من اثنين).
|