((كانت كتب القراءة الخاصة بتدريس اللغة العربية هي المصدر الاهم لاطلاع الاطفال على النصوص الادبية. فقد تضمنت كتب القراءة عددا كبيرا من النصوص الادبية المنقولة عن ادب الكبار العربي وادب الاطفال الاوروبي, سواء كانت ترجمات او اقتباسات او كتابات باقلام كتاب وادباء عرب. وكانت الامثولة احدى النصوص الادبية الاولى التي اطلع عليها الاطفال في كتب القراءة ايضا, ومن الارجح ان يعود السبب في ذلك الى طابعها القصصي والتربوي. لكن من الجائز ان يكون السبب هو كثرة شيوع هذا الجانر في كتب القراءة المعدة للاطفال في اوروبا في عصر الانوار (טורי תשנ"ג, עמ' 78-81). وقد صدر اقدم كتاب قراءة في اللغة العربية, وهو بعنوان تعليم القراءة على الاطفال الصغار وبعض اقوال العرب وامثال لقمان الحكيم, في مالطة عام 1826, لتدريس الاطفال في المدارس المسيحية في الشرق(British Museum, vol. 2, p. 666). وقد تضمن هذا الكتاب – اضافة الى تعليم الحروف الهجائية- عددا متنوعا من النصوص : امثال العرب وامثال لقمان الحكيم. وقد اصدر المستشرق جورج ويلهام بريتج امثال لقمان الحكيم في كتاب عام 1823 (سركيس 1928, ص 1448). ولاحقا انتشرت امثال لقمان الحكيم في كتب القراءة لتعليم المسيحيين, ولم يحتو الا كتاب قراءة واحد لتعليم المسلمين (وهو بعنوان كتاب الغاية والامثال لتعليم الاطفال, والذي صدر بطبعتين عام 1857 و 1866) على نبذة من امثال لقمان. اما كتب القراءة اللاحقة فقد تضمنت اضافة لامثال لقمان امثال لافونتين وامثال ايزوب.))
من خلال كتب القراءة اطلع القراء الصغار على نصوص قصصية تعتبر اليوم من كلاسيكيات ادب الاطفال الاوروبي. مثلا في كتاب الدرة الفريدة الصادر عام 1883, وكان لتعليم الاطفال المسيحيين, نجد القصة الدرامية الشهيرة "الام الشجاعة", حيث وردت بعنوان "النسر الذهبي والطفل". اما في كتاب المباني الاساسية (الجزء الثاني, الطبعة الرابعة, 1924) وهو كتاب قراءة للاطفال المسيحيين صدر لاحقا, فيمكن ان نجد قصة "الفجلة" والقصة التراكمية "قصر الفأر", والتي تتحدث عن الانسجام الاجتماعي والاخلال به (تتحدث القصة عن فأر وجد جذر شجرة مجوفا فاتخذه مسكنا له. ثم انضمت اليه حيوانات اخرى لتشاطره هذا المسكن : الضفدع, الارنب, الثعلب والذئب وعاش الجميع معا بسلام. لكن يأتي الدب في النهاية ويهدم قصر الفأر ويفترس جميع ساكنيه). وقد عدلت هذه القصة الشاعرة ليئة غولدبرغ ونقلتها للعبرية بعنوان "מה בביתן" (صدرت هذه الصيغة مؤخرا بطبعة جديدة). اضافة إلى ذلك فقد تمكن الاطفال من خلال كتاب القراءة من الاطلاع على العديد من النصوص القصصية, والتي سميت "حكايات ونوادر", المقتبسة عن الادب العربي الاسلامي. وقد نشرت هذه النصوص في كتب القراءة المعدة للاطفال المسلمين والمسيحيين على حد سواء. كان هذا استعراضا لعدد من النصوص الادبية التي نشرت اما ككتب او كنصوص في كتب القراءة العربية واستعان بها الاطفال في القرن الاول من الكتابة التمايزية للاطفال. ورغم اننا نتحدث هنا اساسا عن الترجمات والاقتباسات ورغم انه يمكن الافتراض بان جمهور الاطفال الذي اطلع على هذه النصوص لم يكن عريضا, الا انه يمكن ان نخلص من خلال مراجعة هذه النصوص إلى ان الادب الاوروبي كان معينا لا ينضب اقتبست منه النصوص الادبية كما المواد الاخرى في الكتب المخصصة للاطفال. من هنا يمكن ان نقول بثقة كبيرة بان ادب الاطفال العربي نشأ وتطور متكئا على ادب الاطفال الاوروبي والذي اصبح في اواسط القرن التاسع عشر جهازا مستقلا ومنتظما, بعيدا عن جهاز التعليم. لكن لا شك في ان النصوص المقتبسة عن ادب الاطفال الاوروبي تم اختيارها بدقة اكبر من النصوص المقتبسة من ادب الكبار الاوروبي, ذلك ان الاعمال الادبية المخصصة للاطفال والتي اعتبرت بعد انقضاء فترة وجيزة على طباعها لاول مرة من الروائع - مثل اليس في بلاد العجائب بقلم الاديب الانجليزي لويس كارول- لم تترجم ولم تقتبس في حينه للغة العربية. كذلك فان الحكايات الشعبية التي لاقت رواجا كبيرا في كافة البلدان الاوروبية (مثل حكايات الفرنسي تشارلز بيرو, حكايات الاخوين غريم في المانيا, وهانس كريستيان اندرسون من الدنمارك) أُهملت وأُغفلت بسبب التدقيق في اختيار النصوص المقدمة للاطفال في اللغة العربية في القرن التاسع عشر. ولم يتبدل هذا الوضع الا في الثلاثينات من القرن العشرين حيث عمل اديب الاطفال المعروف كامل الكيلاني على اقتباس هذه الحكايات. اضافة إلى عملية غربلة النصوص المقتبسة عن الثقافة الاوروبية فقد لوئمت هذه النصوص للثقافة العربية بحيث حذفت من غالبيتها او استبدلت معظم العناصر التي كانت تشير إلى اصلها الثقافي الاجنبي. كما اسلفت فرغم سعة نطاق حقل كتب الاطفال, الا ان توثيق هذه الكتب مقارنة بتوثيق كتب الكبار كان عشوائيا ومشتتا. وهذا يعكس قطعا المكانة التي تشغلها هذه الكتب ومكانة متلقيها في الثقافة العربية.
المصدر
مقالة بقلم نيتسة معوز (أدب الأطفال، children's literature