*ما نصيحتكم للعالم الإسلامي وهو يستقبل عاماً هجرياً جديداً؟
نبدأ أولاً بتهنئة المسلمين جميعاً بهذه المناسبة الغالية العزيزة، ونحن نرفع أكف الضراعة إلى الله تبارك وتعالى أن يجعل العام المستقبل عام يمن وبركة وخير ووئام ووفاق ما بين الأمة الإسلامية، بحيث يجمع الله فيه شتاتها، ويؤلف فيه بين قلوبها، ويوحد فيه كلمتها، ويغمرها الله تبارك وتعالى بألطافه، وينتشلها مما وقعت فيه من الضياع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يمن على هذه الأمة بالنصر العتيد والتمكين في الأرض وتمكين دينها الذي ارتضاه لها سبحانه وتعالى.
ثم مع هذا نقول بأن مرور الأعوام فيه عِبر للأفراد وللمجتمعات وللأمم، فلذلك على كلٍ أن يحاسب في مثل هذه المناسبة نفسه.
هذه مرحلة من حياة البشر، مرحلة من حياة الفرد مرت، ومرحلة من حياة المجتمع، ومرحلة من حياة الأمة، فإذن على الأمة أن تحاسب نفسها.
نحن عندما أشرقت إشراقة القرن الهجري الجديد بعدما مر القرن الرابع عشر تطلعنا إلى أن يكون القرن الجديد قرن وئام ووفاق بين الأمة، وأن يريح الله تبارك وتعالى فيه هذه الأمة بعدما أصيبت بما أصيبت به في القرن الذي مضى من التفرق والاختلاف والشقاق والنزاع والهزيمة وضياع المقدسات إلى غير ذلك مما رُزأت به هذه الأمة، ورجونا أيضاً للإنسانية الخير في القرن الهجري الذي نحن فيه، ذلك لأن القرن الذي مضى كان قرن مآسي لا بالنسبة إلى الأمة الإسلامية فحسب بل بالنسبة إلى الإنسانية قاطبة، وحسبنا لو نظرنا نظرة إلى الحربين العالميتين وما خلفتاه من دمار كبير، وما كان فيهما من حصد أرواح لا تحصى، هذا دمار، هذا مما لا يتمناه أي أحد فيه ذرة من خير لهذه الإنسانية، إنما الكل يتمنى أن تكون الإنسانية في خير وأن تسعى إلى الخير دائماً لا أن تسعى إلى دمارها.
ومضى الآن ربع قرن، والآن نستقبل الربع الثاني من هذا القرن الهجري فهل نجد أن المسلمين حاسبوا أنفسهم؟
فنحن على أي حال نذكّر المؤمنين جميعاً بأن من واجبهم أن يحاسبوا أنفسهم، وأن يسعوا إلى جمع شتاتهم وتوحيد صفهم والتفاف بعضهم حول بعضهم من أجل التعاون على الخير، من أجل الدعوة إلى الله، من أجل إبلاغ رسالة الإيمان إلى الخلق، من أجل تبصير هذه النفوس بما فيه صلاحها وبما فيه رشدها وبما فيه منفعتها.
هذا من واجب المسلمين أن تتضافر عليه جهودهم، ومع هذا فإن على كل فرد أيضاً أن يحاسب نفسه بماذا أسهم في هذا، فإن الأمم إنما تتكون من الأفراد، والمجتمعات تتكون من الأفراد، فلا يمكن أن تسعد أمة إلا عندما يكون أفرادها ساعين إلى الخير، دعاة له، حاملين له إلى الناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فهذه مسئولية الأفراد، فعلى كل فرد إذن وهو يمر بهذه المناسبة أن يحاسب نفسه على ذلك.
الدرجة التي بلغها الصحابة مهاجرين وأنصارا في بذلهم وعطائهم، فالمهاجرون تركوا ما تركوا والأنصار استقبلوا المهاجرين بذلك الصدر الرحب فقاسموهم أموالهم وأزواجهم، هل هذا محض توفيق من الله عز وجل، وهو لا شك أنه توفيق، ولكن هل هناك تسبب مسبق من قبل هؤلاء للعناية بأنفسهم زكاة وطهارة، أو أن هذا كان من قبيل الذي قد لا يتصور أنه يتكرر هيأه الله عز وجل للتكوين الإسلامي في ميلاده؟
هذا إنما يعود إلى الإيمان، عمق الإيمان هو الذي يفعل العجب في الإنسان، فالإيمان رسخ في قلوب هؤلاء، وبقدر رسوخ هذا الإيمان كانت العناية الإلهية بهؤلاء الناس حتى استعلوا على الطبائع البشرية المألوفة، فكانوا أمة مثالية في مودة بعضهم لبعض وترحيب بعضهم ببعض وحرص بعضهم على مصلحة بعض، هكذا كل ذلك إنما كان بعمق أثر الإيمان في نفوسهم.
سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي
المفتي العام للسلطنة
جريدة الوطن
الجمعة 27 ذي الحجة 1429 هـ
الموافق 26 من ديسمبر 2008م