كيف يستطيع المسلم أن يوازن بين عمارة دنياه وعمارة آخرته؟
ـ نعم ليعط الدنيا بقدر ما تستحق والأخرى بقدر ما تستحق، ولينظر ما قيمة الدنيا بمقدار قيمة الأخرى، ومعنى هذا أن يجعل الدنيا وسيلة للآخرة، وأن لا يجعلها غاية، إذ لو جُعلت الدنيا غاية لأدى ذلك إلى نسيان الدار الآخرة، فالإنسان يعمر دنياه لتكون وسيلة له إلى آخرته، بحيث يصلح هذه الدنيا من أجل إصلاح الآخرة لا من أجل العناية بالدنيا وحدها، فإن العناية بالدنيا تُنسي الدار الآخرة، وقد قال الله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (هود:15-16)، ويقول سبحانه ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورا ) (الإسراء:18-19)، ويقول (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (الشورى:20)، ويقول (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (النازعـات:37-41)، فعلى الإنسان أن يكون همه في الآخرة وإنما يعمر دنياه لأجل إصلاح آخرته فقط .
مراجعة حساباتها
* ما الدور المرتقب من أمة الإسلام في تمثيل صورة الإسلام الصحيحة أمام تنافس الأمم في إبراز كل أمة محاسنها في خضم هذه الأحداث ؟
ـ أمة الإسلام أمة جعلها الله تبارك وتعالى أمة رحمة وخير هذا إن استمسكت بإسلامها وحافظت على إيمانها وطبّقت شريعة ربها سبحانه وتعالى .
هي أمة رحمة وخير، فلذلك نحن نقول بأن أمة الإسلام أولاً قبل كل شيء عليها أن تعتبر وأن تدّكر وأن تراجع حساباتها وأن تحرص على أن تستمسك بإسلامها من غير تفريط فيه، هذا من ناحية، من ناحية ثانية عليها أن تبادر إلى المعروف والخير والمواساة، ولئم هذا الجرح الذي أصاب المنكوبين، وبذل كل غال وثمين في سبيل الخير، هذا مما نرى أن أمة الإسلام هي مطالبة به.
مسائل الرأي
* ما حكم من يهزأ من آراء من خالفه في الرأي في المسائل الفرعية بحجة أن الصواب والسنة مع العالم الذي يتبعه ؟
ـ مسائل الرأي يجب أن لا يهزأ أحد فيها من رأي غيره، مادامت هي مسائل رأي، أي مسائل ليست أدلتها قطعية، والاختلاف فيها اختلاف محمود، وعلى أي إنسان أن لا يدعي العصمة لنفسه، بل في مسائل الرأي يقول كل واحد منهم قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب، لأنه يرى أن قوله صواب من قبل ما ترجح عنده من الدليل، ويرى قول غيره خطأ بسبب أنه يرى الدليل في غير قول غيره، ولكن صوابه يحتمل الخطأ، وما يراه عند غيره من خطا يحتمل الصواب، فهكذا مسائل الرأي، ليس للإنسان أن يهزأ فيها من رأي غيره، وأن يسفه رأي غيره، والله تعالى أعلم .
التحذير من التعلق بهذه الأماني
* ما هو الفكر الإحداثي والفكر الإرجائي، وما أثرهما على العقيدة؟
ـ أما الفكر الإحداثي فلم أسمع عنه، ولعله يعني الفكر الحداثي، إن كان يعني الفكر الحداثي فهذا فكر دخيل على الإسلام، ولا يمت إلى الإسلام بصلة، وقد ألّف كثير من العلماء فيه وانتقدوه وفندوه وبينوا عواره وكشفوا مخازيه .
وأما الإرجاء فالإرجاء عقيدة يهودية، الله تبارك وتعالى نسب إليهم عقيدة الإرجاء، يقول الله تبارك وتعالى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا) (الأعراف: من الآية169)، وذلك أنهم يقدمون على ارتكاب محارم الله سبحانه وتعالى ومع ذلك هم تسول لهم أنفسهم أنه تبارك وتعالى يغفر لهم ويرحمهم، وكذلك خيل إليهم أن عذابهم إلى أمد محدود إلى أمد موقوت، وأنهم بعد ذلك يُخرجون من دار العذاب ويُنعمون كما ينعم المؤمنون المتقون، وهذا ما دل عليه قوله سبحانه وتعالى فيما نقله عن اليهود يقول عز وجل ( وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:80-81) . وهو سبحانه وتعالى يبين أن هذه العقيدة لزت بهم إلى الفساد، ودفعت بهم إلى ارتكاب الحرم، وأوقعتهم في المعاطب، فالله تعالى يقول ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (آل عمران:23-25) .
وقد حذر الله تعالى هذه الأمة من التعلق بهذه الأماني والتشبث بهذه الآمال فقد قال تعالى ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً ) (النساء:123)، وقال ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النمل:89-90)، ويقول سبحانه ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (القصص:84)، وقال تعالى ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام:160) .
حذر الله سبحانه وتعالى من التعلق بهذه الأماني الفارغة، وبين أن كل أحد مجزي بعمله الذي عمله، فهو يجزى بالإحسان إحسانا ويجزى بالسيئة مثلها .
والأمة وقعت فيما وقع فيه من قبلها تصديقاً لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ: لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى أنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه . وقعت الأمة في هذا الأمر نفسه، فنحن نجد من الأمة يقول بأن الله تعالى إذا وعد وفى وإذا توعد عفا، أين ذلك من قوله سبحانه (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) (قّ:28-29) وقوله تعالى (لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ )(يونس: من الآية64)، وقوله (إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)(آل عمران: من الآية9).
سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي
المفتي العام للسلطنة
صَبَاحُنَا مَضَى وَقَد بَلَّل أياديْنا بِلُؤْلُؤَات ٍ مِن الْنــــــــدَى
حِيْنَمَا نَادَى الْمُؤَذِّنُ " الْلَّه أَكْبَر " وَمطرُ نَدِي ُ يُغَطِّيْنَا
صَلاةُ وَمَطَرُ صيف ... وَسُكُوْن ُ الْفَجْر ِ مَلأ جَوَارِحُنــــا
اسم العميل: البراء
رقم العميل: 004
الحزب: 04
المهمة: اجتياح حصن عمان |
|