سماحة الشيخ : ما قولكم في المبهور بالعلم بالحديث ويجعلها في المقام الأول دون ما جاء في القرآن الكريم ؟
الجواب :
حقيقة الأمر لا ريب أن العلم الحديث كشف كثيرا من الأمور التي كانت غامضة بالنسبة إلى الناس ، ونحن لسنا مع الجامدين الذين يريدون أن يغمضوا أبصارهم عن معطيات العلم الحديث ، بل نؤيد الانتفاع بهذا العلم دينياً ودنيوياً ، ولكن مع ذلك كله لا نأخذ من هذا العلم الحديث قشوره وندع لبابه ، فالعلم الحديث هو وسيلة لتعميق الإيمان في النفوس ، فالله سبحانه وتعالى عندما يخاطب عباده بترسيخ عقيدة التوحيد في نفوسهم يأخذ ببصائرهم وأبصارهم ليطوف بها في هذا العالم الفسيح مُعرّفاً للإنسان بأن وراء هذا العالم تدبيراً وتقديراً من لدن عزيز حكيم لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، فقد قال سبحانه وتعالى ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (البقرة:163) ، ثم أتبع ذلك قوله ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164) ، نعم هذه الآيات إنما تُوصل الإنسان لتعميق مفهوم الاعتقاد الحق ، اعتقاد وحدانية الله لأن الكون كله وحدة متكاملة ، نظامه نظام متوحد يجمع ما بين أطرافه المترامية ، فهذا يدل على أن مكوّنه واحد ، إذ لو كان هنالك أكثر من مُكّون لكان لكل واحد منهم إرادة مستقلة عن إرادة الآخر وذلك مما يؤدي إلى الاختلاف في المراد كما يؤذن به قوله سبحانه وتعالى ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا )(الأنبياء: من الآية22) ، وكذلك الآيات الكثيرة .
كذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى يعد عباده بأن يكشف لهم حقائق الوجود ليتبين لهم من خلال هذا الكشف سواء كان في آياته في الأنفس أو في آياته في الآفاق ليتبين لهم من خلال هذا الكشف أن القرآن حق من عنده ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ )(فصلت: 52-53) .
فنحن نؤيد التقدم في مجالات العلم مع الاستمساك بالعقيدة وترسيخ العقيدة من خلال النظر في آيات الله تعالى في الأنفس وفي الآفاق حتى لا نكون نعلم ظاهراً من الحياة ونحن عن الآخرة غافلون ، بل علينا أن نتوصل بهذا العلم إلى تعميق إيماننا بالله سبحانه وتعالى وإيماننا باليوم الآخر .
أما بالنسبة إلى هذه الظواهر الكونية فمهما كانت مرتبطة كما قلت بأسباب إلا أن تلكم الأسباب لا تُفضي إلى مُسَبَباتها بنفسها وإنما تُفضي إليها بتأثير قدرة مُسَبّب الأسباب سبحانه وتعالى الذي هو على كل شيء قدير .
وفي هذا المقام ننتهز هذه الفرصة لنوجه نداءنا إلى العالم بأسره أن يستبصر ويدّكر فإن هذه آية لجميع الناس ، نحن ندعو المؤمنين وغير المؤمنين .
ندعو المؤمنين إلى مزيد من الإيمان ، وإلى الاستمساك بحبل الإيمان من ناحية العمل والتطبيق ، بحيث لا يكون هذا الإيمان إيماناً نظرياً فحسب مع الغفلة عن العمل والتطبيق ، بل يجب أن يكون هذا الإيمان إيماناً يتجسد في الأعمال والتصرفات بحيث تكون جميعاً مستوحاة من عند الله سبحانه وتعالى .
وندعو غير المؤمنين إلى أن يراجعوا حساباتهم ، وأن يفكروا في المنقلب ، فهذه آية تُصوّر لهم مشاهد القيامة ، وتُصوّر لهم ما يقع بما أخبر الله سبحانه وتعالى به عند قيام الساعة من اختلال نظام هذا الكون وتهاوي الأجرام ووقوع بعضها على بعض حتى تُدك هذه الأرض دكاً دكا ، وتُسيّر جبالها تسيارا بسبب هذه الاندكاك الذي يقع فيها .
فنحن ندعو هؤلاء إلى أن يستبصروا ، وأن يراجعوا وأن ينظروا في ما وصلوا إليه من الحقائق العلمية مع ما جاء في كتاب الله تعالى المُعجِز الذي لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه مما يدل دلالة قاطعة على أنه حق من عند الله سبحانه وتعالى . فعليهم أن لا يُفوّتوا هذه الفرصة ، هذا ما ندعوهم إليه ، والله تعالى المستعان .
السؤال
ما الدور المرتقب من أمة الإسلام في تمثيل صورة الإسلام الصحيحة أمام تنافس الأمم في إبراز كل أمة محاسنها في خضم هذه الأحداث ؟
الجواب :
أمة الإسلام أمة جعلها الله تبارك وتعالى أمة رحمة وخير هذا إن استمسكت بإسلامها وحافظت على إيمانها وطبّقت شريعة ربها سبحانه وتعالى .
هي أمة رحمة وخير ، فلذلك نحن نقول بأن أمة الإسلام أولاً قبل كل شيء عليها أن تعتبر وأن تدّكر وأن تراجع حساباتها وأن تحرص على أن تستمسك بإسلامها من غير تفريط فيه ، هذا من ناحية ، من ناحية ثانية عليها أن تبادر إلى المعروف والخير والمواساة ، ولئم هذا الجراح الذي أصاب المنكوبين ، وبذل كل غال وثمين في سبيل الخير ، هذا مما نرى أن أمة الإسلام هي مطالبة به .
سؤال
قد تحدث فتن للمسلمين هنا وهناك تعصف بحياتهم وتريد منها أن تكون ممرغة في التراب ، هذه الفتن التي تتربص بالمسلمين كيف يتعاملون معها ؟
الجواب :
يجب على المسلمين أن يدركوا قيمة إسلامهم ، وأن يدركوا أن الإسلام رباط بين أهله ، فالإسلام يشد المسلم إلى المسلم ، ويجعله يحرص على أداء حقوقه .
النبي صلى الله عليه وسلّم يقول : المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يقتله ولا يحقره ، حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه .
فالمسلم لما انتمى إلى الجامعة الإسلامية التي تشد المسلم إلى المسلم سواءً كانوا عرباً أو كانوا عجماً وسواءً كانوا من الجنس الأبيض أو الأحمر أو الأسود على هذا المسلم أن يحرص على حقوق المسلمين جميعاً ، ومن هذه الحقوق كف الأذى عن جميع المسلمين .
المسلم يمنع يده من أن تبطش بمسلم اللهم إلا إن كان هذا البطش من أجل تنفيذٍ لحكم الله سبحانه وتعالى كما إذا قتل هذا المسلم النفس المحرمة بغير حق أو زنى بعد إحصان أو ارتد عن الإسلام فنعم عندئذ يعامل تلك المعاملة التي يستحقها ، أما بدون ذلك فإن المسلم يكف يده عن سفك دم أخيه المسلم كما يكف يده أيضاً عن إيذاء أخيه المسلم ، ويكف لسانه عن انتهاك عرضه ، ويكف يده عن التطاول على ماله ( كل المسلم على المسلم دم وماله وعرضه ) ، كل منه حرام على أخيه المسلم .
فالمسلمون مطالبون بأن يدركوا قيمة إسلامهم ، ثم أن يدركوا ماذا يريده بهم عدوهم . إن العدو يسعى لهدم هذه الرابطة التي تربط المسلم بالمسلم ، يسعى إلى قطع هذه الوشيجة التي تشد المسلم إلى المسلم ، يسعى إلى أن يغرس البغضاء في نفوس المسلمين تجاه بعضهم حتى لا يضمر مسلم لأخيه المسلم إلا الحقد الأسود .
على المسلمين أن يتفطنوا لذلك ، وأن يدركوا ماذا يُراد بهم ، وأن لا يسعوا وراء مخططات الآخرين التي تسعى لنسف هذه الأمة حتى لا يبقى لها وجود .
فالمسلمون مطالبون أن يدركوا هذه الحقيقة ، وعليهم جميعاً أن يتناصحوا ، وأن يتآمروا بالمعروف وأن يتناهوا عن المنكر ، وأن يحرصوا على ما يصلح ذات بينهم ، الله سبحانه وتعالى نهى عن كل ما يؤدي إلى سوء العلاقة بين المسلمين يقول ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )( الحجرات : 11-13) ، هذه الآداب التي شُرعت في الإسلام ، وهذا هو الأدب الإيماني الذي يجب أن يتحلى به المسلم تجاه إخوانه المسلمين ، لا أن يكون فظاً غليظاً عليهم ، ولا أن يكون سافكاً لدمائهم أو باطشاً بهم أو منتهكاً لحرماتهم أو مختلساً لأموالهم أو منتهكاً لأعراضهم ، هذا كله مما يجب أن يترفع عنه المسلمون جميعاً ، وأن يسعوا إلى ما يرأب صدعهم ويجمع كلمتهم .
ثم إن التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر من أسباب الرباط والوحدة بين المسلمين كما قال سبحانه وتعالى ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ)(التوبة: من الآية71) ، عندما توجد هذه الروح ، روح الغيرة على حرمات الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المسلمين تتوحد كلمتهم وتجتمع ، لأن هذه هي الوشيجة التي تشد المؤمنين بعضهم إلى بعض حتى يكون بعضهم أولياء بعض .
سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي
المفتي العام للسلطنة
صَبَاحُنَا مَضَى وَقَد بَلَّل أياديْنا بِلُؤْلُؤَات ٍ مِن الْنــــــــدَى
حِيْنَمَا نَادَى الْمُؤَذِّنُ " الْلَّه أَكْبَر " وَمطرُ نَدِي ُ يُغَطِّيْنَا
صَلاةُ وَمَطَرُ صيف ... وَسُكُوْن ُ الْفَجْر ِ مَلأ جَوَارِحُنــــا
اسم العميل: البراء
رقم العميل: 004
الحزب: 04
المهمة: اجتياح حصن عمان |
|