*الرسول صلى الله عليه وسلّم أُرسل رحمة للعالمين لكن هناك من يرى أن حق المساواة هو مكفول لمن اعتنق هذا الدين من عرب وعجم وأن من لم يؤمن به كان حقهم الإجحاف وعدم المساواة، ما قول سماحتكم في هذا؟
**أعوذ بالله من مقالة أهل الضلال، ومن افتئات أهل الباطل.
أولاً لا يمكن أن يتساوى الناس مبطلهم ومحقهم وبرهم وفاجرهم في أمر معادهم ولا في أمر الولاية، أمر الولاية على أي حال هي لمن أطاع الله ورسوله وانتظم في سلك المؤمنين فإن الله تبارك وتعالى يقول (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة:55)، فهؤلاء هم الذين تحق لهم الولاية، أما أن يتولى الإنسان الكفرة فذلك غير جائز،
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (الأنفال: من الآية73).
أما الحقوق الأخرى فلا ريب أن الحقوق العامة مشتركة، لا ريب أن المسلم يتميز بحقوق بسبب إسلامه لأنه أطاع الله ورسوله وانقاد لأمر الله وأذعن لحكمه فهو أولى بأن يُبر، ولكن إن كان غير مسلم جاراً لمسلم فإن على هذا المسلم أن يقدر حق الجوار، وأن يؤدي هذا الحق، وأن يصرف أذاه عن جاره ولو كان جاره غير مسلم فهو مطالب بذلك.
وكذلك بالنسبة إلى الوالد إن كان غير مسلم فإن حقه يجب ولو كان هو على غير الإسلام، فالله تبارك وتعالى يقول (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً)(لقمان: 14-15) ، أمر الله تعالى بمصاحبتهما بالمعروف .
وكذلك إن كان ذا رحم في هذا خلاف، هل لذي الرحم غير المسلم حق أو لا يجب له حق الرحم بسبب عدم إسلامه، والذي نأخذ به أن للرحم ولو كان غير مسلم حق واجب كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم: إنكم ستفتحون بلاداً يُذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لنا فيهم رحما وصهرا ) ، ويشير إلى الرحم الذي بينه وبين أهل مصر من قِبل جده إسماعيل عليه فإن أمه هاجر من مصر ، مع أن أولئك لم يكونوا في ذلك الوقت على الإسلام عندما وصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم .
وكذلك إذا جئنا إلى حديث : ألا أن آل أبي فلان ليسوا لي بآل .. إلى أن قال : ولكن لهم رحماً سأبلها ببلالها . هذا دليل على أن من كان على غير ملة الإسلام يبقى حق الرحم واجباً له .
وهكذا الأدلة الأخرى التي تدل على هذا، فمن خلال هذا يتبين لنا أن غير المسلم لا يقطع من أي حق ، نعم لا يمكن أن يتساوى البر والفاجر والمسلم والكافر في الحقوق، فلا ريب أن الناس يتفاضلون بقدر تفاضلهم في الأعمال وبقدر تفاضلهم في البر والصلاح والإخلاص لله سبحانه ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )(الحجرات: من الآية13)، فتقوى الله هي ميزان التفاضل بين الناس ، ويجب الأخذ بذلك في الاعتبار.
هناك أيضاً من يحاول من المسلمين في هذه المجتمعات أن يكون فعلاً رسول إسلام غير أنه ربما يسلك باب عدم التشدد وعدم الأخذ بالحزم في كثير من المسائل ويأخذ بما قد يجد فيه قولاً من أقوال العلماء من رُخص أو التجويز فهل مثل هذه الشخصية التي تقوم بدور تمثيل رسالة الإسلام بمثل هذا السلوك في نظركم أنها تخدم فكرة الإسلام؟
*هناك على أي حال اختلاف ما بين الأقوال، هناك قول قد يكون قولاً مرجوحاً ولكنه يستند إلى دليل ولو كان الدليل مرجوحاً، وليس هو معارضاً لنص ثابت عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلّم، فإذن من أخذ بهذا القول لا سيما في المواقف الحرجة لا يقال بأنه خالف الحق أو خرج عن طريقة الإسلام الصحيحة أو خالف الدين، وإنما أخذ بغير القول الأشد.
وقد يكون القول شاذاً لا دليل عليه بل الأدلة تضاده وتعاكسه، وهنا لا يُسمح للمسلم أن يهجر الدليل وأن يأخذ بالقول الذي لا دليل عليه قط، إذ لا قول لأحد مع قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلّم، ولا عبرة بالرأي ، الله تبارك وتعالى يقول (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً) (الأحزاب : 36 ) .
وفي هذا يقول الإمام السالمي رحمه الله تعالى :
ولا تناظر بكتاب اللهِ *** ولا كلام المصطفى الأواهِ
معناه لا تجعل له نظيرا *** ولو يكون عالماً خبيرا
لو قدرنا أن أحداً من العلماء نسي أو ذهل عن الدليل الشرعي، ذهل عن الدليل من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلّم وقال قولاً مخالفاً للأدلة الشرعية فإنه لا عبرة بقوله مهما كان قدره ومهما كان شأنه ولكن لا يُعارض بكلامه كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلّم، كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلّم مقدمان على كلام أي أحد من الناس، والله تعالى الموفق.
*كيف نوفّق بين حديث الرسول الكريم (ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فعني وما خالفه فليس عني) وبين وجود السنة النبوية التي تنفرد بأحكام عن القرآن الكريم؟
**تلك الأحكام هل هي معارضة لما في القرآن أو هي مخصصة لعمومات القرآن أو مقيدة لمطلقات القرآن، فإن كانت مخصصة فلا تعارض بين الخصوص والعموم، حكم القرآن يحمل على العموم وهذا يحمل على الخصوص، والخصوص يُقدّم على العموم، لأن العام ظني الدلالة وإن كان قطعي المتن، ولو كان متنه متلقى بطريق القطع كالقرآن أو الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلّم إلا أنه بما أنه عام والعام يحتمل التخصيص بل احتماله للتخصيص احتماله قوي فإن معظم العمومات مخصصات ما عدا العمومات التي لا يمكن أن يطرقها التخصيص وبما أنها بمثل هذه الحالة أحكام العمومات يمكن أن يطرأ التخصيص ولو من الأحاديث الآحادية فيؤخذ بالحديث الآحادي عندما يكون مخصصاً في شيء يحتمل التخصيص لا فيما لا يحتمل التخصيص، في ما لا يحتمل التخصيص لا يمكن أن يؤخذ، لأن هناك أمورا لا تحتمل التخصيص قد يكون ذلك راجعاً إلى العقل، العقل لا يقبل التخصيص في بعض العمومات، بل العقل والشرع جميعاً مثل قول الله تعالى (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ) (المؤمنون: من الآية91)، فلو جاءت رواية ذُكرت، قد يكون بعض المغرضين ينسب رواية يذكرها السلف هذه ترد مهما كان لأن العقل والنقل قاضيان باستحالة التخصيص، لا يمكن إن يتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ، كذلك مثل قول الله سبحانه وتعالى ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (الإخلاص:3-4) ، وقوله ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )(الشورى: من الآية11) ، وقوله سبحانه وتعالى (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ )(الأنعام: من الآية103) ، وقوله سبحانه وتعالى ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(الكهف: من الآية49) ، وقوله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ)(الإسراء: من الآية111) ، هذه العمومات لا يمكن أن تُخصص بحال من الأحوال .
وقد يكون مَنْعُ التخصيص بسبب الإجماع على أنه لا يُخصص هذا الحكم مثل قول الله سبحانه وتعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أرضعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فإن لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ )(النساء: من الآية23) ، فإن الأمة متواطئة جميعاً بلا خلاف أن الأمهات داخلات في الحكم ولا يمكن أن يُخصص عموم من هذا بحيث تحل الأم لولدها بحال من الأحوال ، وكذلك البنات وكذلك الأخوات وكذلك العمات وكذلك الخالات .... ، فمثل هذا لا يمكن أن يُخصص لو جاءت رواية تفيد التخصيص ، هذه الرواية لا يمكن أن تكون ثابتة عن الرسول صلى عليه وسلّم بحال من الأحوال أما فيما عدا فيؤخذ بالخصوص .
سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي
المفتي العام للسلطنة
صَبَاحُنَا مَضَى وَقَد بَلَّل أياديْنا بِلُؤْلُؤَات ٍ مِن الْنــــــــدَى
حِيْنَمَا نَادَى الْمُؤَذِّنُ " الْلَّه أَكْبَر " وَمطرُ نَدِي ُ يُغَطِّيْنَا
صَلاةُ وَمَطَرُ صيف ... وَسُكُوْن ُ الْفَجْر ِ مَلأ جَوَارِحُنــــا
اسم العميل: البراء
رقم العميل: 004
الحزب: 04
المهمة: اجتياح حصن عمان |
|