الفَصْلُ التاَسِعُ واَلثَلاثون
مملكة كنده.
كنده قبيلة قحطانية في عرف النسابين، تنسب إلى "ثور بن عفير بن عدي ابن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن زيد بن عريب بن زيد ين كهلان بن سبأ"، و "ثور" هو "كنده".
وقد عرفت عند الأخباريين ب "كنده الملوك"، لأن الملك كان لهم على بادية الحجاز من بني عدنان. ولأنهم ملكوا أولادهم على القبائل. وكانوا يتعززون بنسبهم إلى كنده، والى "آكل المرار"، لأنهم كانوا ملوكاً.
و "كنده" هي "كدت" القبيلة التي ورد اسمها في نصوص المسند، مثل نص "أبرهة". بل ورد اسمها في النصوص المذكورة قبل هذا العهد بكثير.
اذ ورد في النص: "Jamme 635". المدون في أيام الملك "شعر أوتر" ملك سبأ وذي ريدان. وقد كانت قد انضمت إلى حلف معاد للملك المذكور على نحو ما تحدثت عنه. وكان يحكم "كدت" كنده في ذلك الوقت ملك اسمه "ربعت"، أي "ربيعة"، وذكر انه من "ذ ثورم ""ذ الثورم"، أي من"الثور" "آل ثور"، وانه كان ملكاً على "كدت" كنده وعلى "قحطن" أي "قحطان".
وقد ذهب "كلاسر" إلى إن المراد ب Masala موضع يدعى اليوم "المشالحة" ويقع شرق "مخا" على الساحل. أما "شبرنكر"، فرأى انه موضع "مأسل الجمع"، وان المقصود ب Homeritae في هذا المكان جماعة أخرى، اسمها: Nomeritae، وان النساخ حرّفوه فكتبوه Homeritae بدلاً من Nomeritae. وهذه التسمية التي يراها "شبرنكر" قريبة من "نمير".
وذكر مؤلف كتاب "الطواف حول البكر الأريتري" إن الحميريين كانوا يحكمون في أيامه منطقة واسعة من ساحل البحر الأحمر وساحل المحيط حتى حضرموت، كما كانوا يمتلكون ساحل "عزانيا" Azania في افريقبة، أي قسماً من الساحل الشرقي. وكان عليهم ملك يسمى "كرب ال" Charibael، عاصمته مدينة "ظفار" Taphar. وكان على صلات حسنة بالروم. وعدهم "مرقيانوس" Marcianus، وهو من رجال أوائل القرن الربع للميلاد، من جملة قبائل الحبشة. ونجد عدداً من الكتاّب البيزنطيين يرون هذا الرأي.
وقد ذكرت حمير في نص "عيزانا" Ezana، ملك "اكسوم" Askum، ودعيت في النص اليوناني منه ب Omeritai = Omyritai أي حمير.
ولم يعثر الباحثون على اسم حمير في الكتابات التي ترجع عهدها إلى ما قبل الميلاد بمئات من السنين مع ورود أسماء قبائل أخرى كانت تقيم في المواضع التي نزل بها الحميريون. مثل "حبان" "حبن" و "ذيب". فقد جاء اسم "حبن" "حبان" في الكتابة الموسومة ب Rep.epig. 3945، وهي كتابة يرجع بعض الباحثين زمان تدوينها إلى حوالي السنة "400" قبل الميلاد. و "حبان"، مدينة وأرض تقع غرب "ميفعة"، ءلى الطريق المؤدية إلى "شبوة". أما "ذيب" "ذيلب" فقبيلة، كانت منازلها ما بين "عوالق الأحور" من الغرب ومنطقة "قنا". وتضيم "دلتا" "ميفعة"، وهي من القبائل التي كانت تسكن القسم الشرقي من "حمير" أي الأرض التي هاجمت منها حُمير مملكة حضرموت.
ويذهب "فون وزمن" إلى أن اسم حمير لم يكن قد لمع في هذا العهد على أنه اسم قبيلة حاكمة، وأن اسمها لم يلمع الا بعد أن تحالف الحميريون مع قبائل أخزى مثل "ذياب"، فصاروا بحلفهم هذا قوة، وصار لهم نفوذ.
وقد ورد اسم قبيلة "حبن" "حبان" و "ذيب" "ذياب" في النصوص المتأخرة كذلك مثل كتابات "عقلة".
وقد عرف الحميريون عند أهل الأخبار أكثر من بقية الشعوب العربية الجنوبية الأخرى التي نتحدث عنها، وقد جعلوا "حميراً"، وهو جدّ الحميريين في زعمهم،
ابناً ل "سبأ"، وصيروه "حمر بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان". وقد سموه "العرنج" وزعموا أنه كان ملكاً، وأنه ملك بعد ملك أبيه "سبأ"، وأنه أول من تتوج بالذهب، وملك خمسين سنة، وعاش ثلاثمئة عام، وكان له من الولد ستة، منهم تفرعت قبائل حمير، وكانت بينهم حروب، إلى أمثال ذلك من أقوال.
وقد حاول بعض أهل الأخبار إيجاد تفسير للفظة "حمير"، ولكلمة "عرنج"، فذكروا أوجهاً متعددة للتسمية. وقد اعترف "ابن دريد"، بأن من الصعب الوقوف على الأصل الذي اشتق منه اسم "حمير" أو "العرنج"، لأن هذه أسماء قد أميتت الأفعال التي اشتقت منها. وقد ذكر أن بعض أهل اللغة زعموا أنه سمي حمير، لأنه كان يلبس حلة حميراء، وذكر أيضاً "أن هذه الأسماء الحميرية لا تقف لها على اشتقاق لأنها لغة قد بعدت وقدم العهد بمن كان يعرفها" ويطلق أهل الأخبار لصب "تبع" على الملوك الذين حكموا اليمن، وعلى مجموعهم "التابعة". وهم في حيرة من تفسير المعنى. وقد ذكر أكثرهم أنهم إنما سموا تبعاً و "تبابعة" لأنهم قي يتبع بعضهم بعضاً كلما هلك واحد قام مقامه آخر تابعاً له علما مثل سيرته. أو لأن التبع ملك يتبعه قومه، ويسيرون خلفه تبعاً له. أو لكثره أتباعه. أو من التتابع، وذلك لتتابع بعضكم بعضاَ. وذكروا إن أحد التبابعة كان قد صنع "الماذيات" من الحديد، وان الحديد سخر له، كما سخر للنبي "داوود".
وأشير إلى "تبع" في القرآن الكريم: )أهم خير أم قوم تبع( و )أصحاب الأيكة وقوم تبع(. وقد ذكر بعضهم أن هذا اللقب لا يلقب به إلا الملوك الذين يملكون اليمن والشحر وحضرموت، وقيل حتى يتبعهم "بنو جشم بن عبد شمس" أما إذا لم يكن كذلك فإنما يسمى ملكاً. وأول من لقب ممهم بذلك "الحارث بن ذي شمر" وهو الرائش، ولم يزل هذا اللقب واقعاَ على ملوكهم إلى أن زالت مملكتهم بملك الحبشة اليمن. وذكر أهل الأخبار أن تبع عند أهل اليمن لقب هو بمنزلة الخليفة للمسلمين وكسرى للفرس وقيصر للروم. وكان يكتب إذا كتب: بسم الذي ملك براً وبحراً.
واختلف علماء التفسير في اسم "التبع" الحميري المذكور في القرآن الكريم، فذهب بعضهم إلى أنه من حمير، وأنه حَيّر الحيرة وأتى "سمرقند" فهدمها. وذهب بعض آخر إلى أن تبع كان رجلاً من العرب صالحاً، وأنه لما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بينه وبين ذلك وقالوا لا تدخلها علينا وقد فارقت ديننا، وكانوا يعبدون الأوثان فدعاهم إلى دينه، وقال إنه دين خير من دينكم قالوا فحاكمنا إلى النار. قال نعم فتحاكموا إليها، وكان معه حبران، فغلب الحبران النار، ونكصت على عقبها، فتهوّدت حمير، وهدم "تبع" بيت "رئام"، وهو بيت كانوا يعظونه وينحرون عنده ويكلمون منه، وانتصر عليهم.
وقد ذكروا إن تبعاً أول من كسا البيت، وان الرسول نهى عن سبّه. وروي انه قال: "لا أدري تبع نبياً كان أم غير نبي". ويظهر من هذا القصص المروي عن "تبع" والذي يعود سنده إلى "كعب الأحبار" و "وهب ابن منبه" و "عبد اللّه بن سلام" في الغالب، انهم قصدوا ب "تبع" الملك "اسعد أبو كرب" الذي تهوّد. يؤيد هذا الرأي نص كثير من المفسرين والأخباريين على اسمه، ونسبتهم القصص المذكور إليه. وذكر "ابن كثير" إن "أسعد أبو كريب بن ملكيكرب اليماني" هذا هو "تبع الأوسط" وانه ملك قومه ثلاثمائة سنة وستاً وعشرين سنة? ولم يكن في حمير أطول مدة منه، وتوفي قبل مبعث الرسول بحو من سبعمائة سنة إلى غير ذلك من قصص يرجع سنده إلى المذكورين.
هذا وللتبابعة قصص طويل في كتب أهل الأخبار، فيها قصص عن نسبهم، وفيها قصص آخر عن فتوحاتهم وحروبهم، وكلام عن دياناتهم، وحديث عن حكمهم وأحكامهم، تجده مبسوطاً مفروشاً في صفحات تلك الكتب، تجد فيها بعض التبابعة وفد آمنوا برسالة الرسول ووقفوا على اسمه وذلك قبل ميلاده بمئات من السنين. وتمنّوا لو عاشوا فأدركوا ايامه وذبوّا عن حياضه. هذا أحدهم وهو التبع "اسعد أبو كرب بن ملكيكرب"، يقول: شهدت على أحـمـد انـه رسول من اللّه باري النسم
فلو مدّ عمري إلى عمـره لكنت وزيراَ له وابن عـم
وجاهدت بالسـيف أعـداءه وفرجت عن صدره كلّ هم
فهو يشهد برسالة الرسول، ويؤمن بها قبل مبعثه بنحو من سبعمائة سنة، ويرجو لو مدّ في عمره، فوصل إلى أيام الرسول، أذن لجاهد وحارب معه، وفرِّج عنه كل همّ، لأنه كان يعلم بما سيلاقيه الرسول من قومه من أذى وعذاب. ولصار له وزيراً وابن عم.
ويذكر بعض الأخباربين، إن تبعاً قال للأوس والخزرج ، كونوا هنا حتى يخرج هذا النبي، صلى الله عليه وسلم، أما أنا لو أدركته لخدمته وخرجت معه. إلى غير ذلك من قصصن يحاول إن يجعل للتبابعة علم سابق قديم برسالة الرسول باسمه وبمكان ظهوره. وبتهيؤ القحطانيين ومنهم أهل المدينة لتأييده وللذبّ عنه، ولنشر دينه على رغم قريش أهل مكة، وهم لبّ العدنانيين.
وتجد في كتب أهل الأخبار بعض التبابعة وقد صيروا مسلمين حنفاء يدعون إلى الدين الحق وينهون قومهم عن عبادة الأصنام. وتجد فيها أحاديث قيل إن رسول الله قالها في حق التبابعة مثل قوله: "لا تسبوا تبعاً، فانه كان قد أسلم"، أو " لا تسبوا تبعاَ فانه كان رجلاً صالحاً
منقوول للفائدة
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|