ويظهر من دراسة النص المتقدم إن الملك "شعر اوتر" كان قد وجه جيشاً مؤلفاً من سبئيين ومن حميريين ومن قبائل أخرى إلى ارض حضرموت للقضاء على جيشها والاستيلاء عليها ولا سيما القسم الشرقي اقليم "ظفار". واستطاع جيشه إن ينزل خسائر كبيرة بقوات "العز" المرتزقة وبجيشه النظامي، الذي كان يحارب خارج حضرموت، بدليل ورود اسم موضع "ذت غيلم" في النص. وموضع "ذت غيلم"، أي "ذات غيل" الذي نشبت فيه معركة بين الجيشين، هو مكان في أرض قتبان، وفي "وادي بيحان". ثم عاد فأنزل بجيش حضرموت خسارة أخرى، وذلك حين أراد جيش "العز" مباغتة جيش "شعر اوتر" وهو في معسكره، ولكن يقظة صاحب النص الذي كان يحرس الملك وجيشه وهو على رأس قوة مؤلفة من مئتي محارب من حملان، أفسدت خطة الهجوم، واضطر جيش "العز" إلى التراجع، فتعقبه صاحب النص ومحاربوه، ولكنه فوجئ بهجوم "الردمانيين" محاولين مباغتة الجيش من المؤخرة، فاشتبك معهم فأصيب بجرح في أثناء القتال، ولكنه تمكن من ذلك من صد المهاجمين ومن الرجوع سالماً إلى منزله معافى، ولذلك قدم إلى إلهه الحمد والشكر، لأنه عافاه ونجاه ونصره 1.
وقبل عودة صاحب النص إلى وطنه سالماً، كان قد رافق ملكه في حملته على بقية الأرضين التابعة لحكم الملك "العز"، فذكر انه رافقه في حملته على مدينتي "... وت" و "صوارن"، وقد تمكن جيش الملك "شعر أوتر" من الانتصار على الحضارمة في هذين المكانين. وقد قرأ بعض الباحثين اسم المدينة الأولى "شبوت"، وقرأها بعض آخر "رسوت"، وزعموا إنها "ريسوت"، وهي مدينة معروفة في الجنوب الشرقي من حضرموت. وأما "صوأرن" "صواران" فهي على مسافة "115" كيلومتراً إلى الشرق من شبوة.
وقد تمكن جيش الملك "شعر أوتر" من الانتصار على جيش "العز" ومن الاستيلاء على العاصمة "شبوت" "شبوة". ونجد خبر هذا النص في النصين الموسومين ب Jamme 636و Jammm 637 وفي نصوص أخرى. والنص الأول يحدثنا بأن صاحبه وقد سقط اسمه منه بسبب تلف أصاب مقدمته، قد حمد ربه "المقه" وشكره اذ من عليه وأغدق نعمه عليه وهو في حضرموت مع جيش سيده وملكه "شعر أوتر" "مللك سبأ وذي ريدان"، الذي حارب حضرموت واستولى على "شبوة" التي لم تمتثل أوامر الملك وقاومته، ولأنه أي ربّه "المقه" نصر ملكه ووفقه في هذه الحرب فعاد سالماً ظافراً إلى المدينة "مأرب" بالأسلاب والغنائم من ماشية وأموال وأسرى، مما سر الملك ورعيه، ولأنه من علية فرزقه أولاداً ذكوراً.
وأما النص الثاني، وهو النص Jamme 637، فقد حمد صاحبه ربه "المقه" اذ وفقه ومن عليه فحصل على غنائم من مدينة "شبوة" التي قاومت الملك "شعر أوتر" فاكتسحها، فقدم لمعبده: "معبد أوّام" تمثالاً تعبيراً عن شكره له واعترافاً بمننه عليه. فيظهر منه إن هذا الرجل، واسمه "ظبنم أثقف بن حلحلم"، كان نفسه في جملة من دخل مدينة شبوة من جيش "شعر أوتر"، فحصل على أسلاب وغنائم جعلته يحمد إلَهه عليها ويشكره ويقدم إليه ذلك التمثال تعبيراً عن تقربه إليه.
وعثر المنقبون على نص مهم آخر رقم بJamme 632 ، يفيد أن جيش "شعر اوتر" استولى على "شبوة" وعلى مدينة "قنا" ميناء حضرموت الرئيسي في ذلك العهد، وان صاحبي النص "حمعثت ارسف بن رابم" و "مهقبم بن وزعان"، وهما "بدرجة "مقتوى"، أي درجة قادة الجيش الكبار، في جيش "اسدم اسعد"، الذي هو من بني "سأرن" "سأران" و "محيلم" كانا قد تقربا إلى الإلَه "المقه ثهوان" بأربعة تماثيل وثور،
وضعوها في معبده المخصص لعبادته المسمى "معبد أوام"، تعبيراً عن حمدهما وشكرهما له، إذ منَّ عليهما واسبغ عليهما نعمه، وافاض عليهما الغنائم والأموال وأعاد لمجدهما ورئيسهما "أسد أسعد" من بني "سأران" سالماً غانماً من كل المعارك التي خاضها في سبيل سيده الملك "شعر أوتر" "ملك سبأ وذي ريدان" يصحب الغنائم والأموال والماشية، ولأنه أغدق عليهما أيضاً الغنائم الوافرة التي سرت خاطرهما وقد حصلا عليها في جملة ما حصلوا عليه من "شبوة" ومن مدينة "قنا"، وقد سألا الإله "المقه" أن يديم بركته عليه وعلى سيدهما "أسد اسعد"، وأن يبعد عنهم شر الأعداء.
وفي النص الموسوم ب Jamme 741 وبJamme 756، أن شخصاً اسمه "هيثع بن كلب ذكرم" السبئي، وهو من عبيد "آل نعم برل" و"آل حبت" "آل حبة"، كان قد نذر نذراً للإله "المقه ثهوان"، بأن يقدم له تمثالين بعضها في معبده "أوام"، اذا منّ عليه ووفقه وأعاده سالماً من "شبوة" ومن البحر، فلما أجاب دعاءه فأعاده سالماً معافى، قدّم النذر ووضعه في ذلك المعبد، وقد سأل ربّه أن يديم نعمه عليه ويبارك فيه ويسعده ويظهر أن لهذا النص علاقة بالنصوص المتقدمة التي تتحدث عن غزو جيش "شعر أوتر" لحضرموت، وأن صاحبه كان في جملة من اسهموا فيها.
ويظهر من جملة: "بن شبوت وبن بحرن"، ومعناها "من شبوة ومن البحر"، إن جيش الملك "شعر أوتر" كان قد هاجم الحضارمة من البر ومن البحر، وان الذين استولوا على مدينة "قنا" كانوا قد هاجموها من البحر. ولم يذكر النص المكان الذي أبحر منه جيش "شعر أوتر" للاستيلاء على السواحل الجنوبية من حضرموت، ولا بد من أن يكون ذلك المكان من الأمكنة التابعة لحكم الملك "شعر أوتر" أو لحكام كانوا محالفين له وعلى صلات حسنة به. وللنص الموسوم ب Geukens I صلة بهذه الحرب وبانتقام جيش "شعر أوتر" من "بني ردمان" الذين أرادوا مباغتة جيشه من المؤخرة وتدميره. ويظهر منه إن القائد "أسدم أسعد" "أسد اْسعد"، الذي كأن معسكراً مع الجيش في مدينة "القاع" ومعه قائد آخر هو "ربيبم أخطر" "ربيب أخطر"، خرجا من هذه المدنية مع جيش الملك "شعر أوتر" لمحاربة "قتبان" و "ردمان" و "مضحيم" و "اوسان"، وانضمت إليهما قوة من "بني بكيل"، قبيلة القائدين وبقيا مع الملك يحاربون معه حتى بلغ مدينة "قنا".
ولما رجعا إلى وطنهما، رجعا بغنائم كثيرة وبأموال طائلة حتى وصلا إلى مدينة "حرمتم" "حرمت" "حرمة"، ولما وصل "أسد اًسعد" إلى موطنه، وجد إن الأحباش كانوا اغتنموا فرصة انشغال جيش "شعر أوتر" بمحاربة "العز" فأغاروا عليه وأصابوه بأضرار كبيرة. ويظهر انهم أغاروا عليه وعلى أرضين أخرى كانت تابعة للملك "شعر أوتر"، في إئناء هجوم الردمانيين على مؤخرة جيش "شعر" ولعل ذلك كان باتفاق قد تم بينهم وبين بني ردمان. ومهما كان الأمر فان تحرش الأحباش هذا ب "شعر أوتر" دفعه إلى الانتقام منهم ومحاربتهم.
ونجد نبأ هذه الحروب في النص الموسوم ب Jamme 631 إذ يخبرنا القائد "قطبان أوكان" "قطبن اوكن"، وهو من "بني جرت" أقيال عشيرة "سمهرم يهولد"، بأنه قدم إلى الإلَه، "المقه ثهوان" تمثالين وضعهما في معبده "معبد أوام"، حمداً له وشكراً لأنه منّ عليه بنعمته، فمّكنه من التنكيل بمن تجاسر وتطاول فأعلن الحرب على "شعر أوتر" ملك سبأ وفي ريدان، ولأنه أعانه فقتل من أعداء الملك عدداً كبيراً، ولأنه أنعم عليه بأن أعانه في رد عادية المعتدين الذين أعلنوا حرباً على الملك من البحر ومن الأرض "بن ذبحرم ويبسم"،
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|