وقد ساعد العرب "كاسيوس" Cassius في حوالي السنة "53ق. م."، وساعدوا "كراسوس" Crassus، وذلك في حروبهما مع "الفرث" "البارثيين" Parther.
وقد عيّن "يوليوس قيصر" Julius Caesar في حوالي سنة "47 ق. م." "انتيباتر" Antipater بمنصب Procurator على "اليهودية"، وهو من أصل "أدومي"، والأدوميون عرب في رأي كثير من العلماء. وهو والد الملك "هيرود الكبير" Herod ملك اليهود، ومؤسس أسرة معروفة في تأريخ اليهود، كما عيّن رجلاً اسمه Cypros، وهو عربي من أسرة كبيرة.
وقد استندت سياسة الرومان ثم سياسة الروم من بعدهم إلى قاعدة الاستفادة من العرب في حماية المواضع التي يصعب على الرومان أو الروم حمايتها والدفاع عنها، وذلك مثل تخوم الصحارى، وفي صد هجمات الأعراب المعادين أو الذين يدينون بالولاء للفرس، وفي مهاجمتهم أيضاً ومهاجمة حلفاء أولئك الأعراب المعادين لهم وهم الفرس.
وفي أيام "بومبيوس، "بومبي" كان أحد سادات القبائل العربية متحكماً في البادية المتاخمة لبلاد الشام. وقد ذكر "سترابون" إن اسمه هو Alchaidamos وجعله ملكاً على قبيلة دعاها باسم Rhambaei. وقد كان من حلفاء الرومان ثم انقض عليهم وعبر إلى العراق، وذلك لإهانة لحقته من الحاكم الروماني أو من القواد الرومان. ويظهر إنه اجتاز الفرات في سنة "46 ق. م." والتجأ إلى "البارثيين". وقد ذكر بعض المؤرخين إنه كان في السنة "53" قبل الميلاد فيما بين النهرين، وأنه كان يقوم بغارات على حدود بلاد الشام. ويظهر أسمه ترك البارثيين بعد ذلك وعاد إلى خلفائه الرومان. وقد نعته "ديوكاسيوس" Dio Cassius بالتذبذب وبالانتهازية، وقال عنه إنه كان يتنقل دائماً إلى الجانب ا لقوي.
وكان "الخديموس"، قد استولى على مدينة "أريتوسه" Arethusa، وهي مدينة "الرستن"، وجعلها مقراً لحكمه، وتقع على نهر "الميماس"، وهو نهر "العاصي"، ويسمى ب Orontes عند الكتبة اليونان والرومان. ولا ندري اليوم منى دخلت في حكمه، ويظهر إن حكمه دام طويلاً إذ كان لا يزال في الحكم في الفترة الواقعة فيما بين السنة "46" والسنة "43" قبل الميلاد.
وذكر أنه كان هذا الملك ولد اسمه "ايامبليخوس" Iamblichos=Jamblichus وكان عاملاً على شعب Emesener. وقصد "سترابو" بشعب "ايميسنر"، الناس الساكنين في أطراف المدينة. أي أطراف مدينة Emesa: Emessa ؛ وهي حمص.
وقد ساعد "ايامبيليخوس" "المتوفى سنة 31 ق. م."، حكام "رومة" ضد "البارثيين "البرث" "الفرث" Parther كل فقدم لهم مساعدات مهمة، ولا سيما بالنسبة إلى "أوكتافيوس أغسطس" Octavianus Augustus.
وقد ساعد الملك "اكبروس" "أكبر" Acbarus الذي حكم "حمص" بعد هذا الملك بأمد، الرومان أيضاً في كفاحهم للبارثيين، و ذلك سنة "49" بعد الميلاد. ولم يكن لهؤلاء الملوك من خيار في سياستهم سوى الانحياز إلى الرومان لأنهم كانوا أقوياء، وقد هيمنوا على بلاد الشام.
ولا نعرف في الوقت الحاضر شيئاً عن الملك "الخديموس"، ولا عن قبيله Rhambaei. أما عن اسم الملك فيظهر إنه محرف عن أصل عربي هو "الخدم" أو "جديمة" أو "خضم" أو "الخضم"، وهي من الأسماء المعروفة التي ترد في كتب أهل الأخبار.
أو "الخطيم"، وهو اسم معروف أيضاً، ورد في أسماء العرب، أو اسماً عربياً آخر ابتدأ ب "ال" أداة التعريف? وأما عن اسم Rhambaei ، فيظهر إنه محرف عن تسمية عربية هي: "رحبة"، أو "رحاب" أو ما شاكل ذلك، وترد لفظة "رحبة" كثيراً في العربية اسم موضع من المواضع، فلعل هذه القبيلة كانت تقيم في موضع اسمه "رحبة" فعرفت به.
ويظهر من هذا الخبر إن القبيلة المذكورة كانت في جملة القبائل العربية التي كانت قد زحفت قبل الميلاد إلى بلاد الشام، واستوطنت في أطراف "حمص"، وتقدمت بعضها نزلت في أماكن أبعد من هذا المكان إلى الشمال، حيث المراعي والكلأ والماء، وكانت كلما وجدت ضعفاً في الحكومات الحاكمة لبلاد الشام، انتهزت فرصته فتقدمت إلى مواضع أخرى في الشمال، حيث يكون العشب والماء. وأنقذ العربُ "يوليوس قيصر" Julius Caesar من المأزق الحرج الذي وقع فيه، وهو يهم بالقبض على ناصية الحال في الإسكندرية عام "47 ق. م."، إذ أرسل الملك "مالك" Malchu، وهو "مالك الأول بن عبادة"، نجدة مهمة، ساعدته على إنقاذه من الوضع الحرج الذي كان فيه، كما أنجدوا "هيركانوس" الذي فر من القدس إلى "بطرا" حينما ظهرت أمام العاصمة طلائع الفرثيين.
ولما استولى "أغسطس" على مصر، وجعلها تابعة لحكم قياصرة "رومة"، أمر بإصلاح ما كان قد فسد بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية السيئة التي حدثت في أيام البطالسة، فأصلحت الطرق، وطهرت القناة، وعني بالتجارة البحرية وبمياه البحر الأحمر التي غصت بلصوص البحر،
وأوعز إلى حاكم مصر "أوليوس غالوس" Aelius بغزو جزيرة العرب، للاستيلاء عليها و على ثروتها العظيمة التي اشتهرت بها من الاتجار بالمر واللبان والبخور والأفاويه، وللقضاء أيضاً على لصوص البحر الذين كانوا يحتمون بسواحل الحجاز واليمن، وللهيمنة على البحر. وقد أمر بوضع حراس على ظهر السفن التي نجتاز البصر الأحمر، لحماية من أولئك اللصوص.
لم تكن الأوضاع في القرن الأول حسنة في "مصر"، فقد كان البطالمة حكماً ضعيفاً هزيلاً، ألهاهم عن التجارة البحرية وعن الاهتمام بالبحار، فقل عدد السفن الذاهبة إلى المحيط الهندي، وتزايد عدد لصوص البحر، كما إن الصراع الذي كان في "رومة" على أثر في مستوى مشترياتها من مصر. وقد أثر ذلك بالطبع في الوضع الاقتصادي في مصر، وفي مستوى الأسعار، ولا سيما في "الإسكندرية" "بورصة" العالم في ذلك العهد. لذلك أحدث فتح "يوليوس قيصر" لمصر تغييراً في الأوضاع هناك نراه بارزاً في هذا "المشروع" الضخم الذي أراد "أوغسطس" "31 ق. م. - 14 ب. م." القيام به، وهو الاستيلاء على جزيرة العرب و ضمان مصالح "رومة" في ذلك الجزء من العالم، وجعل البحر الأحمر بحراً رومانياً.
ولو تم ذلك "المشروع" على نحو ما حلم به "اغسطس"، كان حكم "رومة" الفعلي قد بلغ العربية الجنوبية، وربما سواحل إفريقية أيضاً، إلا إن سوء تقدير الرومان له، واستهانتهم بطبيعة جزيرة العرب، وعدم إدخالهم في حسابهم قساوة الطبيعة هناك، وعدم تمكن الجيوش النظامية من المحاربة فيها وتحمل العطش والحرارة الشديدة، كل هذه الأمور أدت إلى خيبته منذ اللحظة التي شرع فيها في تنفيذه، فكانت انتكاسة شديدة في هيبة "رومة" وفي مشاريعها التي رسمتها و أرادت تنفيذها في جزيرة العرب.
وقد،وصل إلينا وصف تلك الحملة لكاتب جغرافي شهير اسهم فيها في رأي بعض الباحثين، فحصل على معارفه عن العرب وعن بلادهم من مشاهداته أيضاً مضلاً عما سمعه، وأعي به "سترابون" الذي قال في مطلع وصفه للحملة التي قام بها الرومان على بلاد العرب، بقيادة "اوليوس غالوس"، أشياء كثيرة عن خصائص تلك البلاد. لقد أرسله "أغسطس قيصر" للبحث عن الشعوب والأماكن التي فيها، وعن حدود بلاد الحبش، وأرض Troglodytes المقابلة لبلاد العرب، والأقسام المجاورة من الخليج العربي التي يفصلها عن العرب مضيق ضيق، لعقد معاهدات معها أو احتلالها
لقد سمع إنها غنية جداً، لأنها تقايض التوابل بالذهب والفضة والأحجار الكريمة? و إنها لا تحتاج إلى استيراد الأشياء من الخارج فأراد إما إن يكوّن منهم أصدقاء أغنياء، و أما إن يحتل بلد أعداء أغنياء، فهده هي الأغراض التي توخاها قيصر "رومة" من توجيه حملته إلى جزيرة العرب في القرن الأول للميلاد، و "رومة" جائعة نهمة تريد المزيد من تجارة البحار الجنوبية بالمجان أو بأرخص الأسعار.
وقد وضع القيصر آماله في تحقيق هذا المشروع على النبط الذين كانت تربطهم بالرومان معاهدة تحالف منذ احتل الرومان بلاد الشام، ومن جملتها فلسطين، فأصبحوا بذلك على اتصال بالنبط، وكان ملكهم إذ ذاك "عبادة الثاني" Obadas II "28 - 9 ق. م." وقد وعد الرومانيين خيراً، وعدهم بتقديم كل المساعدات لهم، وبإرسال المرشدين إليهم لإرشادهم إلى أهدافهم، وبتقديم الرجال لشدّ أزر الرومانيين، وبوضع وزيره المدعو Syllaeus تحت تصرفهم ليكون لهم دليلاً ومستشاراً.
وبعد إعداد الحملة و تهيئة السفن التي كان ينبغي إن تنقل رجالها و عدتهم عشرة آلاف جندي، جمعوا من مصر من المصريين والرومانيين ومن لفيف غيرهم، أركبوها من ميناء على الساحل المصري للبحر الأحمر،لتتجه بهم إلى ميناء "لويكة كومة" حيث ينظم إليهم نبط وغيرهم، ثم يتجهون براً إلى اليمن.
إلا إن الحملة لم تكن منظمة منسقة مدروسة دراسة دقيقة إذ تحطم عدد كبير من سفنها في أثناء محاولة قطعها البحر مص ن الجانب المصري إلى الساحل العربي المقابل له، لعدم ملاءمتها لمثل هذه المهمة التي أوكلت إليها، وبعد مشقات وأهوال وصلت السفن السالمة بعد خمسة عشر يوماً إلى "لويكة كومة"، تحمل على ظهرها جنوداً منهوكين من قطع البحر على سفن لم تكن ملائمة لمثل هذا النقل. وقد عزا "سترابون" هذه الخسارة التي لحقت برجال الحملة إلى "صالح" Syllaeus الذي غش - على زعمه - القائد، فأعلمه بتعذر الوصول من البر، لعدم وجود عدد كاف من الجمال، ولعدم وجود طرق برية صالحة لمرور هذا الجيش.. والذي أراد بذلك أضعاف الرومان وإذلالهم، وإِضعاف القبائل ليكون سيد الموقف فيدبر الأمور بنفسه، ويكون السيد المتصرف وحده في الأمور.
ولما وصل "أوليوس غالوس" بجيشه إلى ميناء "لويكة كومة"، كان المرض قد فتلك به، لأسباب عديدة منها فساد الماء والطعام، وسوء الغذاء فاضطر إلى قضاء الصيف والشتاء فيه، حتى استراح الجيش وتعافى من المرض الذي ابتلي به.
ويظهر إن الرومان كانوا قد هيمنوا على هذا الميناء أمداً، أو احتلوه إذ ورد في الأخبار إنهم وضعوا فيه حامية رومانية Centurio، لحماية السفن مش لصوص البحر، ولحماية الطرق البرية من قطاع الطرق واللصوص في الر، كما أنم أنشأوا لهم فيه دائرة لجباية المكس من السفن والتجار، وقد تقاضوا ما مقداره "25%" من أثمان البضائع التي تدخل الميناء.
وميناء "لويكة كومة"، ميناء النبط الأعظم، منه تنقل البضائع الواردة بطريق البحر إلى "بطرا" "بترا" Petra، ومنها إلى موضع "رينوكولورا" Rhinocolura في "فينيقية" على مقربة من مصر، ثم إلى الشعوب الأخرى.
ومنه أيضاً إلى سواحل مصر على البحر الأحمر حيث تنقلها القوافل إلى نهر النيل ثم إلى الإسكندرية. فهو ميناء مهم لتصدير التجارات، و استيرادها في أرض النبط.
وميناء Leuke Kome "لويكة كومة" هو "الحوراء" أو "ينبع" على ساحل الحجاز، وقد كان من الموانئ المهمة في تلك الأيام. وسوف أتحدث عنه في موضع آخر من هذا الكتاب.
وقد ظنّ "أوليوس غالوس"، إنه سيلاقي من العرب مقاومة شديدة في البحر، لذلك قرر بناء أسطول قوي يتألف من ثمانين سفينة كبيرة محاربة، ومن عدد من السفن الخفيفة، وشرع بإعداده في ميناء "قفط" "قفطس" ب Kleopatis على قناة النيل القديمة. ولما تبين له من الاستخبارات، إن العرب لم يكونوا يملكون أسطولاً، وأنهم لا يستطيعون مقاومة الرومان، أسرع فنقل جيشه على ظهر "130" سفينة نقل إلى ميناء "لويكة كومة". وكان في هذا الجيش الذي بلغ عدده عشرة آلاف محارب، ألف من النبط و "500" من اليهود.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|