الفصل الثالث عشر
تأريخ الجزيرة القديم
ليس من السهل بقاء العاديات، التي تتألف من موادَّ منزلية وأدوات ضرورية لحياة الإنسان، مدةَ طويلة في أرضين مكشوفة سهلية، وفي مناطق صحراوية لا حماية فيها لتلك الأشياء. وليس من السهل أيضاً احتفاظ مثل هذه التربة بجدث الإنسان وبعظام الحيوان أمداً طويلاً. وهي معرضة لحرارة شديدة قاسية ولرياح عاصفة قاسية. ولهذا لا يطمع الباحثون في الحصول على كنوز غنية من المناطق السهلة المكشوفة التي تغلب عليها الطبيعة الصحراوية والتي تؤلف أكبر قسم من جزيرة العرب.
ومن هنا سيتجه أمل، الباحثين عن الآثار إلى الأودية التي تتوافر فيها الوسائل الكفيلة بنشوء المجتمعات على اختلاف أشكالها، وإلى السهول التي تبعث النهيرات والينابيع والابار الحياة فيها، وإلى الهضاب والجبال حيث توجد المياه وتتساقط الأمطار وتتوافر الكهوف والصخور،وهي من العوامل المساعدة على نشوء الحضارة وحفظ الآثار، للاستفادة منها في الحصول على آثار تحدثنا عن تأريخ جزيرة العرب في آلاف السنين الماضية قبل الميلاد.
نشوء الحضارة وحفظ الآثار، للاستفادة منها في الحصول على آثار تحدثنا عن تأريخ جزيرة العرب في آلاف السنين الماضية قبل الميلاد.
وليس في استطاعتنا في الزمن الحاضر التحدث عن جزيرة العرب في العصور الجليدية، لعدم وجود بحوث علمية عن هذه العصور في هذه البلاد. كذلك لا نستطيع أن نتحدث عن بلاد العرب في العهود الحجرية، لعدم وجود موارد كافية تساعدنا في الكشف عنها كشفاً علمياً، نعم، عثر على أدوات حجرية في موضع يقال له "الدوادمي" "Dawadami"، وهو يبعد "375" ميلا عن الخليج، عثر عليها مدونة في الأرض، وكان بينها فاس طولها سبع عقد و نصف عقدة، ولها لون يميل إلى الخضرة، وعثر على أدوات حجرية أخرى في أنحاء من جزيرة العرب، وفي جملتها الأحساء وحضرموت، ولكن ما عثر عليه ما زال قليلا، لا يمكن أن يعطينا رأياً واضحاً علمياً في تلك العهود في هذه البلاد.
وقد تبين من فحص الأدوات الحجرية التي عثر عليها في الأحساء أنها تتكون من أحجار لا توجد في العروض، وبينها أحجار بركانية أو من حجارة "الكوارتز"، و نن أنواع أخرى من الصخور، إذا رأى فاحصوها إنها أدوات استوردت من العربية الغربية. كما تبين من فحص الأدوات الحجرية التي عثر عليها في إليمن وفي حضرموت إنها من النوع المستورد من فلسطين أو من بلاد الشام، لأنها تشبه الأدوات الحجرية التي عثر عليها هناك.
أما الأدوات الحجرية التي عثر عليها في مواضع من حضرموت، فليست محكمةً دقيقة الصنعة، بالقياس إلى ما عثر عليه في فلسطين أو في بلاد الشام أو في إفريقية، وقد عزا بعضهم ذلك إلى طبيعة أحجار هذه المنطقة، وعزاه آخرون إلى تأخر حضارة أهل حضرموت في ذلك العهد بالقياس إلى الحضارات الأخرى. ورأى بعض الباحثين أن أرض، حضرموت كانت في عزلة عن البلاد المتقدمة في الشمال، وأن صلاتها بإفريقية كانت أقوى من صلاتها بشمال جزيرة العرب وبالهلال الخصيب وبحضارة البحر المتوسط، ولذلك صارت الأدوات التي عثر عليها بدائية بعض الشيء بالقياس إلى ما عثر عليه في أعالي جزيرة العرب، حيث كان الاتصال وثيقاً بالحضارات المتقدمة.
ومن الأدلة التي تثبت إن اتصال حضرموت بالسواحل الأفريقية المقابلة كان قوياً ووثيقاً في العصور ال "الباليوليثية"، هو عثور المنقبين على فؤوس يدوية في حضرموت تعد من صميم الصناعات التي ظهرت في تلك الأنحاء من أفريقية. ووجودها في حضرموت وعثور المنقبين على أدوات أخرى في من صناعات إفريقية، دليل على شدة العلاقات ومبلغ توثقها بين أفريقية والسواحل العربية الجنوبية
ويظن إن الزجاج البركاني، المتكون من فعل البراكين "Obsidian" المتخذ أشكالاً هندسية، مثلثاً أو هلالاً أو مربعاً، الذي يعود إلى الدور المعروف عند علماء الآثار بسور صناعات النصل "Blade Industries"، والذي عثر على نماذج منه في حضرموت، هو من المستوردات التي يرجع أصلها إلى سواحل أفريقية الشرقية. وقد كانت هذه الصناعة مزدهرة في حوض البحر المتوسط وفي أوروبة قبل الألف الثالثة قبل الميلاد. أما في العربية الجنوبية، فيعود عهدها إلى الألف قبل الميلاد.
واكتشفت أدوات من العصور الحجرية في "الحملة" ورأس "عوينات علي" "عوينت علي" وجنوب "دخان" من "قطر"، منها فؤوس ومقاشر ونبال وكميات من حجر الصوان. وهذه الصخور هي من العصور "الباليوليثية" و "النيوليثية".
وعثر في مواضع متفرقة أخرى من جزيرة العرب على أدوات من عهود مختلفة قبل التاريخ، عثر على أكثرها في مواضع شتى تقع عند الأودية والطرق والمواضع التي تتوافر فيها وسائل الحياة. وسيكون لبحث من يأتي بعدي فيقوم بوضع خارطة أو مخطط للمواضع التي عثر فيها على آلات وأدوات مما قبل التاريخ شأن كبير. ولا شك في الكشف عن مواضع السكنى والحضارة في بلاد العرب قبل التأريخ،
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|