9 – ( بعض النتائج التجريبية التي تستدل بها النسبية على صحة فرضياتها ) :
1 – تعجيل سرعة الجسيمات :
لقد عُجلت سرعة الإلكترون – وهو ذو كتلة موجبة - حتى بلغت ( 0.9999999 ) من سرعة الضوء , وقيست عندها كتلته فوُجدت مساوية ( 900 ) مرة كتلته الأصلية , وقيل إن هذا موافق لما جاءت به النسبية من ازدياد الكتلة .
ومن التساؤلات المشروعة ههنا : هل أصبحت كتلة هذا الإلكترون مقتربة من اللانهائية ؟ أي : مقتربة من مجموع كتل كافة الكواكب والنجوم والمجرات في الكون المرصود ؟ أم اللانهائية في نظرية النسبية , هي نسبية أيضاً ؟
ولو تخيلنا أن العلماء استطاعوا تحويل كتل الكواكب والنجوم والمجرات كاملة إلى طاقة ( بحسب القانون الشهير : الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء ) أفلا تستطع هذا الطاقة الناتجة أن تُعجِّل سرعة هذا الإلكترون ليصل إلى سرعة الضوء فضلاً عن تجاوزها ؟
وهل أصبحت كتلة الإلكترون المحبوس في المختبر , الذي لم يتعرض إلى التعجيل , هل أصبحت كتلته بالنسبة للإلكترون المعجل أكبر ( 900 ) مرة من كتلة الإلكترون المعجل الذي يتحرك بدلالته ؟
2 - التحليق بالمؤقتات :
في عام 1971م قام العلماء بتجربة حول نسبية الزمان , فتم وضع أربع ساعات ذرية مصنوعة من السيزيوم على طائرات تجارية نفاثة تقوم برحلات زمنية منتظمة حول العالم ( في اتجاهات شرقية وغربية للفصل بين الآثار المترتبة على سرعات الساعات وبين الآثار الناجمة عن المجال الجاذبي الأرضي ) ووضعت الأزمنة التي سجلتها تلك الساعات موضع المقارنة مع الأزمنة التي سجلتها ساعات مرجعية ثابتة في مرصد البحرية الأمريكية , ووجد أن الزمن المسجل على الطائرات أبطأ منه على الأرض بفارق ضئيل يتفق مع قوانين النسبية الخاصة في حدود خطأ تجريبي مقداره حوالي 10% .
وفي عام 1976 وضعت ساعة هيدروجينية في صاروخ وصل إلى ارتفاع 10000 كيلومتر عن سطح الأرض , حيث أصبحت الساعة على الصاروخ في مجال جذبي أضعف منه على سطح الأرض , وقورنت إشارات الساعة على الصاروخ بالساعات على الأرض , فوجد أن الساعة على الأرض أبطأ منها على الصاروخ بنحو ( 4.5 جزء من عشرة آلاف مليون من الثانية ) وهو ما يتفق مع تنبؤات النسبية العامة بدقة عالية . وهذه القياسات تثبت – كما قيل - مفهوم ( تمدد الزمن ) , الذي يُعد أهم تنبؤات نظرية النسبية ؛ فالتجربة الأولى تثبت أن ( الزمن يتمدد ) كلما ازدادت سرعة الجسم , أما التجربة الثانية فتثبت أن ( الزمن يتمدد ) إذا تعرض الجسم لمجال جاذبي قوي .
إن من أظهر ما يُسجل على نتائج هذه التجارب ونحوها ( كحركة الميزونات وتعجيل الإلكترون والبروتون ... ) أنها تحدث للمتحرك فعلاً فقط , ولم يُسجَّل شيء من تلك التغييرات على المراجع التي تتحرك تلك الساعات - والجسيمات – بدلالتها .
وبهذا يتضح ؛ أن هذه التغييرات تحدث فعلاً , للمتحرك فعلاً فقط , وهذا ما يناقض جوهر مفهوم النسبية الذي ينص على أن ما يسجله ( أ ) عن ( ب ) هو عين ما يسجله ( ب ) عن ( أ ) ( أي : على وجوب التكافؤ بين الراصدين ) .
10 - ( تجربة مايكلسون و مورلي ) :
من المعلوم أن نتائج التجربة الشهيرة التي أجراها ( مايكلسون ) عام 1881م , والتي أعادها نفسها ( مايكلسون ومورلي ) بعد تحسين الأجهزة المستخدمة فيها عام 1887 م , لإثبات وجود الأثير عملياً , أتت على خلاف ما أُنشئت من أجله , فهزت هذه النتائج الأوساط العلمية وزعزعت التعاليم القائمة آنذاك , ولم تفلح الآراء التي قدمت لتعليل هذه النتائج ويُركن إليها طيلة عشرين سنة تقريباً , إلى أن جاء أينشتاين بالنسبية الخاصة عام 1905 م , حيث افترض فيها عدم وجود ( الأثير ) وعدم احتياج ( الضوء ) إلى حامل , وأن سرعة الضوء ثابتة في الخلاء , فكان هذا الافتراضُ الدعامةَ المتينة لتثبيت ما زعزعته نتائج تلك التجربة من تعاليم .
وبتعليل نسبية أينشتاين لنتائج تجربة مايكلسون ومورلي مع الحفاظ على أسس العلوم القائمة بفرضياتها ونظرياتها , أصبحت تجربة مايكلسون و مورلي هي العمدة والأساس في الاستدلال على صحة نسبية أينشتاين وصحة ما جاء فيها .
تتلخص تجربة مايكلسون ومورلي لإثبات وجود الأثير ( الحامل للضوء ) بإجرائها على جهاز مثبت ( فوق الكرة الأرضية ) حيث الأرض تتحرك في الفضاء ( في بحر الأثير ) .
فلما كانت حركة الأرض لا تتأثر بالأثير , فإن الأثير ثابت بالنسبة للأرض وهي تتحرك بدلالته بسرعة30 كم /ثا , ولما كان الضوء يحتاج في حركته إلى الأثير , فهذا يعني أن حركة الضوء مستقلة عن حركة الأرض . وبناء عليه ؛ فلو تمكنا من اختبار حركتين متباينتين لحزمتين ضوئيتين , إحداهما توافق حركة الأرض بدلالة الأثير , والأخرى متعامدة معها , لاستطعنا تعيين وجود الأثير عملياً . هذا ما أراده مايكلسون من جهازه ( لقياس التداخل بين الحزمتين ) حيث يقوم الجهاز المثبت على الأرض بإرسال إشارتين ضوئيتين في وقت واحد عبر ذراعين متساويي المسافة ومتعامدين أفقياً , وترتدا معاً بواسطة المرايا العاكسة إلى موضع واحد , ثم يُنظر إلى زمن وصول الإشارتين , بعد رحلتهما ذهاباً وإياباً , فإن وصلت إحداهما ( المتعامدة مع حركة الأرض ) قبل الأخرى ( الموافقة لاتجاه حركة الأرض ) فهذا دليل عملي ظاهر على تأكيد وجود الأثير , لأن المسافة التي يقطعها ذهاباً وإياباً الشعاعُ المتحرك حركة متعامدة مع حركة الأرض بدلالة الأثير , تكون أقل من المسافة التي يقطعها ذهاباً وإياباً الشعاعُ المتحرك مع اتجاه حركة الأرض بدلالة الأثير . وقد كان الجهاز حساساً ودقيقاً جداً وقادراً على تسجيل تلك الفروقات في الوصول , ولكن نتائج التجربة التي سجلها هذا الجهاز والتي أجريت في أماكن وظروف وأوقات مختلفة , كانت جميعها على غير ما توقع العالمان من إجرائها , حيث كان الجهاز في كل مرة يسجل وصول الإشارتين معاً .
ومن الأفكار التي شاعت وقتئذٍ لتعليل نتائج تجربة مايكلسون ومورلي هذه الأربعة :
1 - أن الأرض ثابتة في الأثير وأن ما عداها في الكون يتحرك بالنسبة للأرض والأثير . وهذا يعني أننا لن نشعر على الأرض بأي ريح للأثير ، وبذلك يكون الاستدلال على وجود الأثير مستحيلاً .
و لكن هذا التفسير لم يؤخذ مأخذ الجد , لأن مفاده أن الأرض تشغل المكان الرئيس في الكون . في حين أن الأرض واحدة من عدة كواكب تدور حول الشمس , وهذا يكفي لهدم أي فكرة تؤدي إلى أن الأرض ككوكب تشغل مكاناً فريداً في الكون .
2 - أن الأرض تجر الأثير الملاصق لها معها ، و هذا أيضاً يجعل وجود ريح الأثير مستحيلاً .
ولكن هناك عقبتين لا يمكن التغلب عليهما في سبيل هذا التعليل ، إحداهما : أنه إذا كانت الأرض تجر الأثير معها , فإن الموجات الضوئية التي تصل بالقرب من الأرض ، يجرها أيضاً الأثير معه لأنها تنتقل عبره . و إذا حدث ذلك فإننا سنرى الضوء الصادر من نجم بعيد آتياً من نفس الاتجاه دائماً ، و لن يكون هناك وجود لظاهرة الزوغان التي اكتشفها برادلي . والعقبة الأخرى : تتعلق بمعامل فرنل للانسياق . حيث وجد أن بعض المواد تبدو كما لو كانت تجر الأثير فعلاً معها ولكن بقدر جزئي محدود . بمعنى ؛ أن الأثير يبدو كأنه يتابع هذه الأجسام بجزء من سرعتها فقط , و لكننا وفق نتائج هذه التجربة بحاجة إلى جعل الأثير يتابع الأرض بكامل سرعتها .
3 – أن سرعة الضوء ثابتة دائماً بالنسبة للمنبع الذي يصدر عنه ، و معنى ذلك أن الضوء ينتقل بسرعة 300 ألف كم في الثانية بالنسبة لجهاز قياس التداخل دون أي اعتبار لسرعة هذا الجهاز أو بطئه في تحركه مع الأرض خلال الأثير .
و نتيجة لذلك يجب أن تتغير سرعة الضوء بالنسبة للأثير ، و لا يمكن الاستدلال على وجود الأثير لأن كلا من الشعاعين سيكون له نفس السرعة بالنسبة لجهاز التداخل ، و أي سباق بين الشعاعين سينتهي حتماً بالتعادل .
و الاعتراض الرئيس الذي وُجه إلى هذا التعليل , هو أنه يتضمن أن سرعة الضوء يجب أن تتغير بالنسبة للأثير , و هذا عكس الفكرة السائدة عن حركة الموجات , التي تستدعي أن تكون سرعة الموجة ثابتة في الوسط الذي يحملها .
4 - وأما التعليل الذي حاز على أكبر درجة من القبول للنتيجة السلبية لتجربة مايكلسون ومورلي فكان لفتزجرالد . حيث اقترح فتزجرالد أن كل الأجسام تنكمش في اتجاه حركتها في الأثير . و قـد بنى فكرته هذه على التصور التالي : لما كانت الأجسام العادية تنبسط في الشكل عند اصطدامها بالأجسام الأخرى ، كما يحدث مثلاً عند اصطدام كرة من المطاط بالحائط ، فلماذا لا يكـون ممكناً أن الأجسام التي تتحرك في الأثير تعاني منه ضغطاً يجعلها تنكمش ؟
ولم يخل هذا التعليل من الاعتراضات عليه , ولكن البحث الذي نشره لورانتز عام 1892م لإنقاذ نظريته الإليكترونية بعد نتائج هذه التجربة , كان سنداً لهذا التعليل حتى سمي بانكماش ( فتزجرالد - لورانتز ) وفحوى هذا البحث : أن المادة مؤلفة من ذرات موجبة وسالبة , وهي عبارة عن كرات مشحونة , فإذا تحركت هذا الكرات تحول شكلها إلى مجسم قطع ناقص يكون محوره الصغير في اتجاه الحركة , وهذا ما حدث لذراع جهاز التداخل ( المؤلف من المادة ) الذي تحرك باتجاه حركة الأرض . وحصل على المعادلة التي تعطي مقدار الانكماش , وبينت المعادلة أنه كلما زادت سرعة ريح الأثير أو سرعة الأرض في الأثير زاد مقدار الانكماش الناتج في ذراع جهاز التداخل الموافق لاتجاه الحركة , في حين أن الأجسام التي تتحرك في اتجاه عمودي على اتجاه ريح الأثير لا تعاني أي انكماش على الإطلاق .
وبقي هذا التعليل بين أخذ ورد إلى أن جاء أينشتاين بالنسبية الخاصة , فأخذ بهذا التعليل بعد أن افترض ثبات سرعة الضوء وأن الأثير فرض لا مبرر لوجوده , فكان ذلك بمثابة البلسم الشافي لتعليل نتائج تجربة مايكلسون ومورلي مع الحفاظ على فرضيات العلوم القائمة آنئذٍ .