2 - ( انكماش الطول وتمدد الزمن وازدياد الكتلة ) :
نتج عن مفهوم التواقت النسبي في نسبية أينشتاين : أن الجسم المتحرك ينكمش طوله ويتمدد الزمن فيه وتزداد كتلته بالنسبة للجسم الساكن بدلالته , ولما كانت الحركة نسبية بين الجسمين , فإن كلاً منهما يرصد انكماش الجسم الآخر بالنسبة له وتمدد الزمن فيه وازدياد كتلته , وعندما تتساوى السرعة بينهما مع سرعة الضوء , فإن كلاً منهما , وفق فرض ثبات سرعة الضوء و تحويلات لورانتز , يرصد أن الجسم الآخر قد انكمش إلى نقطة الصفر , وأن الزمن فيه قد توقف , وأن كتلته أصبحت لانهائية في الكِبر . وينتج عن ذلك استحالة وجود جسم يتحرك بالنسبة لآخر بأسرع من الضوء , لأنه لزيادة سرعة جسم على سرعة الضوء , يحتاج إلى طاقة لانهائية – لتحريك الكتلة اللانهائية - أي : يحتاج إلى أعظم من طاقة الكون المرصود كافة , وهذا أمر محال .
وبالرغم مما تقدم في التجربة المذكورة ( في تركيب الحركات ) التي ترد وتُبطل ما نتج عن مفاهيم ( انكماش الطول وتمدد الزمن وازدياد الكتلة ) فإن تساؤلات منطقية عن تعيين المراد من هذه المفاهيم , قد تزيد من رسوخ ما نتج عن تلك التجربة .
فما هو المراد من مفاهيم انكماش الطول وتمدد الزمن وازدياد الكتلة في نظرية أينشتاين النسبية ؟
هل المراد منها : أن هذه التغييرات , ظاهرية فقط في كِلا الجسمين اللذين بينهما حركة نسبية ؟
أم المراد منها : أن هذه التغييرات , تحدث فعلاً – حقيقة – في كِلا الجسمين معاً , جراء الحركة الفعلية لكل واحد منهما ؟
أم المراد منها : أن هذه التغييرات , تحدث فعلاً في أحدهما , وظاهراً في الآخر ؟
٭ فإن قيل : المراد منها أنها حوادث ظاهرية فقط , في كِلا الجسمين .
٭٭ يقال : فإذن ؛ من الممكن أن نغض الطرف عن مدلول مفاهيم تمدد الزمن وانكماش الطول وازدياد الكتلة , لأنها ظاهرية , ( كما هو حالنا مع الشمس التي توحي بأنها هي التي تتحرك والأرض ثابتة , فنغض الطرف عن هذه الحركة الظاهرية , ونؤسس ونبني معارفنا وعلومنا على أن الأرض هي التي تدور حول الشمس )
وإذا غضضنا الطرف عن مدلول تلك المفاهيم , لأنها ظاهرية , فإنه من الممكن أن نزيد ( في علومنا ومعارفنا ) سرعة أي من الجسمين بالمقدار الذي نريد , ولن يكون هناك حدّ للسرعة , لأن أياً من الجسمين لا يتأثر فعليا في الحركة .
وعليه ؛ فإذا كان هذا مراد النسبية من تلك المفاهيم , فإن جميع ما جاءت به النسبية , يكون وجوده كعدمه .
٭ وإن قيل : بل المراد منها أن كل واحد من الجسمين يتأثر فعلاً من جراء حركته الفعلية .
٭٭ يقال : لما كانت الحركة بين الجسمين ناتجة , إما عن حركة أحدهما فقط فعلاً , وإما عن حركة كِلا الجسمين فعلاً , ( وللتحقق من ذلك نفترض أن الجسمين ساكنان عند نقطة تخيلية " م " لا ارتباط لها بأي من الجسمين , وبعد وجود الحركة بينهما , فإما أن يبتعد عن النقطة " م " أحد الجسمين , أو كلاهما )
يقال : لما كان منشأ الحركة كذلك , فإنه لتعيين المتحرك منهما فعلاً , ثلاثة احتمالات لا رابع لها , وهي :
1 - إما أن يكون أحد الجسمين ساكناً فعلاً , والجسم الآخر يتحرك فعلاً .
2 - أو يكون الجسمان يتحركان فعلاً , ( وفي أمثلتنا يكونان بجهتين متعاكستين ) وتكون سرعة كل منهما تساوي سرعة الآخر .
3 - أو يكون الجسمان يتحركان فعلاً ( بجهتين متعاكستين ) وتكون سرعة أحدهما أكبر من سرعة الآخر .
فعلى الاحتمال الأول ( الذي يفيد أن الحركة الفعلية لأحد الجسمين فقط ) : فإن الجسم الذي يتحرك منهما فعلاً , حين تصل سرعته إلى سرعة الضوء , ينكمش طوله إلى نقطة الصفر ويتوقف الزمن فيه وتصبح كتلته لانهائية فعلاً , وأما الجسم الساكن فعلاً , فيبقى على حاله , أي : لا ينكمش طوله ولا يتوقف زمنه ولا تزداد كتلته شيئاً , وهذا مناقض للنسبية , لأنها تدعي أن كلاً منهما يحدث له ما يحدث للآخر .
وعلى الاحتمالين الثاني والثالث ( اللذين يفيدان حركة الجسمين معاً فعلاً ) : تكون السرعة بين الجسمين هي مجموع سرعتي الجسمين الفعلية . فعندما تتساوى السرعة بينهما مع سرعة الضوء , فلن يكون أي من الجسمين يتحرك فعلاً بتلك السرعة , لأن هذه السرعة هي مجموع سرعتي الجسمين . ولما كان أيُّ واحد من هذين الجسمين لا يتحرك بسرعة الضوء , فلا يمكن لأي منهما , أن يرصد انكماش الجسم الآخر إلى نقطة الصفر وتوقف زمنه ووصول كتلته إلى اللانهاية في الكِبر , رغم أن السرعة بينهما هي سرعة الضوء . إذن ؛ هذا أيضاً مناقض للنسبية .
٭ وإن قيل : بل مراد النسبية من تلك المفاهيم , أن التغييرات تحدث فعلاً في أحدهما فقط , وظاهراً في الآخر .
٭٭ يقال : إذا كان هذا مراد نسبية أينشتاين من تلك المفاهيم , فإنها بذلك تخرج عن معنى النسبية , لأن جوهر النسبية في نظريات النسبية , يفيد : أن ما يرصده الجسم ( أ ) عن الجسم ( ب ) هو عين ما يرصده ( ب ) عن ( أ ) ( أي : التكافؤ بين الراصدين ) .
وهذا الاحتمال أيضاً مناقض للنسبية .
وبهذا يتضح ؛ أن مدلولات مفاهيم ( انكماش الطول وتمدد الزمن وازدياد الكتلة ) التي ادعتها نسبية أينشتاين , نتيجة الحركة بين الجسمين , متناقضة , ولا تستقيم مع المفهوم العام لنسبية الحركة .