بنية نظرية النسبية لألبرت أينشتاين :
إن نظرية النسبية لأينشتاين هي واحدة من نظريات ( الفيزياء النظرية ) التي بسطت نفوذها على علمي الفلك والفيزياء , ولاسيما بعد أن تحققت نبوءتها في انحراف الشعاع الضوئي المار بجوار الشمس عام 1919 م , وهي تقول :
" إن الأثير فرض لا مبرر لوجوده , وإن الموجات الكهرطيسية لا تحتاج إلى وسط يحملها , وسرعتها ثابتة كيفما تم رصدها , وإن لكل جملة حركية زمناً خاصاً بها , فالزمان والمكان نسبيان "
وقد أقام العالم ألبرت أينشتاين نظرية النسبية الخاصة على فرضين اثنين ؛
أحدهما : ( إن قوانين الطبيعة تبقى هي هي في كل المراجع التي يتحرك أحدها بالنسبة لآخر حركة مستقيمة منتظمة )
أي : لا يمكن تحديد حالة الجسم ، هل هو يتحرك حركة مستقيمة منتظمة أم هو ساكن , من خلال تجارب ميكانيكية أو كهربائية أو ضوئية تجري فيه , لأن قوانين الطبيعة تبقى هي هي في كل المراجع التي يتحرك أحدها بالنسبة لآخر حركة مستقيمة منتظمة .
( ثم عمم هذا الفرض في النسبية العامة بتكافؤ العطالة والثقالة , ليشمل المراجع التي يتحرك أحدها بدلالة آخر حركة متسارعة )
والفرض الآخر : ( إن سرعة الضوء ثابتة في الفراغ , سواء أكان المنبع الضوئي ساكناً أم متحركاً , وسواء أكان الراصد ساكناً أم متحركاً )
أي : إن الأثير فرض لا مبرر لوجوده , وإن الأشعة الكهرطيسية التي منها الضوء , لا تحتاج إلى وسط – حامل – في حركاتها .
وقد أ نتج الأخذُ بهذين الفرضين مجتمعين , مفهوم ( التواقت النسبي ) الذي مفاده ( أن لكل جملة حركية زمناً خاصاً بها )
وعن التواقت النسبي تفرعت مفاهيم ( تمدد الزمن وانكماش الطول وازدياد الكتلة )
وعن هذه المفاهيم نتج ( أن مقدار السرعة القصوى للأجسام ذات الكتلة الموجبة في الكون , هو مقدار سرعة الضوء , أي : إن سرعة الضوء هي السرعة القصوى في الكون المنظور ) .
واستدل أينشتاين على صحة نظريته هذه , من خلال قدرتها على التعليل المنطقي للتجربة الشهيرة التي أجراها العالمان ( مايكلسون و مورلي ) عام 1887 م , لتعيين ( الحركة الانسحابية للأرض بدلالة الأثير الساكن ) تلك التجربة التي كانت نتائجها على غير ما توقع العالمان وغير ما أرادا منها , فكانت مفاجئة ومحيرة للعلماء قاطبة , وهزت الأوساط العلمية وزعزعت التعاليم القائمة آنذاك , وبقيت نحو عشرين عاماً دون تعليل وتفسير ( فيزيائي ) منطقي , إلى أن جاء أينشتاين بالنسبية الخاصة عام 1905 م , وقدم بها التعليل المنشود لنتائج تلك التجربة الشهيرة .
وأما الأساس والركن المتين الذي أفاد منه أينشتاين في بناء هذه النظرية , فهو :
( التعليل الفيزيائي والمعادلات الرياضية للعالِمَين فتزجرالد و لورانتز , اللذَين وضعاها لتفسير تجربة مايكلسون و مورلي , والتي تُعرف حتى اليوم بتحويلات لورانتز )
وقد علل لورانتز انكماش الطول في الأجسام المتحركة بقوله : إن المادة مؤلفة من ذرات موجبة وسالبة , وهذه الذرات عبارة عن كرات مشحونة , فإذا تحركت هذه الكرات , تحول شكلها إلى مجسم قطع ناقص يكون محوره في اتجاه الحركة .
فأخذ أينشتاين تحويلات لورانتز كما هي , بعد أن قال بثبات سرعة الضوء وأن الأثير فرض لا مبرر لوجوده , وضمنها نسبيته , التي لا تقوم لها قائمة من غير هذه التحويلات .
منشأ التناقضات الظاهرة في نسبية أينشتاين :
من البدهيات في معارفنا , أن كل حركة لابد لها من مُحرك , وأنه لا يمكن لجسم أن يتحرك من غير قوة تُبذل لتحريكه .
فعندما يتحرك إنسان بدلالة آخر , نقول : إن هناك قوة مبذولة تحركه ؛ وعندما نشاهد قطاراً يتحرك بدلالتنا على سكته , نقول : إن هناك قوة ما تحركه ؛ وعندما نشاهد مركبة فضائية تجوب أجواز الفضاء , نقول : إن هناك قوة ما تحركها ؛ وعندما نرصد جرماً سماوياً يتحرك , نقول : إن هناك قوة ما تحركه ؛ وكذلك نقول في كل جسم يتحرك بالنسبة لآخر : إن هناك قوة مبذولة تحركه . وقد نعلم مصدر تلك القوة المحركة , إذا كانت الحركة تحت سيطرتنا وإرادتنا , وقد نجهله في جميع الحالات .
فكل حركة لابد لها من قوة مبذولة تُنتجها , سواء أعلمنا مصدر هذه القوة المبذولة أم جهلناه .
وإن النسبية الكلاسيكية , نسبية غاليليو ونيوتن , ونسبية أينشتاين , تقرران أنه : إذا كانت هناك حركة مستقيمة منتظمة بين الجسمين ( أ ) و ( ب ) وأردنا تحديد مصدر القوة المنتجة لهذه الحركة من خلال تجارب ميكانيكية – أو كهربائية أو ضوئية - تجري في أي من هذين الجسمين , فإنه يستحيل علينا ذلك , لأن قوانين الطبيعة هي هي في كلا الجسمين .
ونستنتج من ذلك : أن النسبيتين – الكلاسيكية والخاصة لأينشتاين - لم تصوغا هذا الفرض , بل لم تُوضعا أصلاً بكل ما فيهما , إلا لجهل الراصدَين المُطْبِق , في تعيين وتحديد أيٍّ من الجسمين يتحرك حقيقة , بفعل القوة المبذولة , حركة مستقيمة منتظمة , واستحالة ذلك عليهما .
ولقد قبِل العلماء بهذا الوصف و عملوا بمقتضاه , وأقاموا عليه جُل العلوم الكونية التي مازلنا نقطف ثمارها حتى يومنا هذا .
ولكن نسبية أينشتاين بإضافتها للفرض الآخر , فرض ( ثبات سرعة الضوء في الفراغ ) نتج عنها أن الجسم المتحرك حقيقة , حركة مستقيمة منتظمة , بفعل القوة المبذولة , ينكمش طوله وتزداد كتلته ويتمدد الزمن فيه , حقيقة , ( بدليلي : حدية السرعة , ومعضلة التوأمين ) وأنه رغم ذلك , فإن كلاً من الراصدَين , الموجود في الجسم المتحرك حقيقة , والموجود في الجسم غير المتحرك حقيقة , يرصد في الجسم الآخر انكماشاً للطول وازدياداً للكتلة وتمدداً للزمن بالمقادير نفسها . والسؤال المنطقي ههنا : كيف يتقلص طول ( ويتمدد زمن , وتزداد كتلة ) أحد الجسمين حقيقة , بفعل حركته الحقيقية , وهذا المتقلص حقيقة , يرصد تقلص طول الجسم الآخر غير المتحرك حقيقة ؟
فلو ضغطنا المسطرة ( أ ) جهة تدريجاتها , ثم قسنا بها المسطرة ( ب ) غير المضغوطة , فهل من الممكن أن نجد بهذا القياس أن المسطرة ( ب ) هي المضغوطة ؟ أم إن ذلك من المحال ؟
إذن ؛ إن منشأ التناقضات الظاهرة في نسبية أينشتاين , هو رصد هذه التغيرات في كلا الجسمين , رغم أن حدوثها حقيقة , قد يكون في أحدهما فقط !!