*ما هي مظاهر حب أهل عمان للنبي صلى الله عليه وسلّم، وما هي صوره وصور الإخلاص والتضحية للإسلام؟
**على أي حال لقد منّ الله سبحانه وتعالى على أهل عمان بأن هداهم للإسلام في مرحلة مبكرة في عهده صلى الله عليه وسلّم مع بُعد دارهم عن مهبط الوحي ومشرق النور، عن الكعبة المشرفة وعن المدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ولكنهم تسارعوا إلى اعتناق هذا الدين قبل أن تفتح مكة المكرمة، فُتحت عمان بالدعوة قبل أن تفتتح مكة المكرمة بالجنود، هذا من فضل الله سبحانه على هؤلاء الذين يقول فيهم العلامة أبو مسلم رحمه الله يقول في عمان:
ولكن شجاني معهد بان عهده *** فبان الهدى في إثرهم والمكارم
هو المعهد الميمون أرضا وأمة *** وإن زمجرت للجور حيناً زمام
هو المعهد المعمور بالرحمة التي *** سقت من إمام المرسلين المراحم
سيكثر وراداً على الحوض أهله *** إذا جاء يوم الحشر والكل هائم
لقد صدّقوا المختار من غير رؤية *** وتكذيبُ جُل الشاهدين مقاوم
ولا ريب أن أهل عمان تفانوا في حب النبي صلى الله عليه وسلّم ، شاركوا في الجهاد ، شاركوا في الفتوحات العظيمة التي كانت في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم، وشاركوا في نشر دعوة الإسلام في أرجاء الأرض، في ديار كثيرة من الأرض، وشاركوا أيضاً في الحفاظ على سنة النبي صلى الله عليه وسلّم، فكان من بينهم الإمام أبو الشعثاء جابر بن زيد رحمه الله تعالى من فرق التي هاجر منها إلى مدينة المنورة ثم إلى البصرة واجتمع بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم ونقل علماً كثيراً غزيراً عنهم حتى قال ابن عباس رضي الله عنه: عجباً من أهل العراق يحتاجون إلينا وعندهم جابر بن زيد لو قصدوا نحوه لوسعهم علمه.
وكذلك تلامذة جابر رحمه الله مع حفاظهم على الدعوة النقية الصافية الصحيحة، وكذلك تدوينهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلّم كما كان من الإمام الربيع بن حبيب الذي كان من أوائل من دونوا سنة النبي صلوات الله وسلامه عليه.
*أخت زوجتي ستتزوج قريباً وهي متخوفة من نوعية الشخص الذي ستتزوج به وحتى أكون واضحا معكم فقد سألتني ما إذا كان يصح الزواج برجل يؤيد بشدة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلّم، والصعوبة تكون فيما إذا كان يمكن للمسلمة أن تتزوج بمن يقيمون الموالد، وفي هذه المناسبة يُدعى الناس لحضور الاحتفال حيث تُقرأ بعض الأحاديث، ويقال الدعاء، فهل يجوز للمسلمة الزواج ممن يفعل هذا الفعل؟
**هذا كلام عجيب، هل معنى ذلك خرج من ملة الإسلام حتى يُسأل عن جواز الزواج بمن يفعل ذلك؟؟
لا ريب ـ كما قلت ـ إن السلف الصالح ما كانوا بحاجة إلى أن يقيموا لهذه المناسبات احتفالات لأنهم كانوا قريبي عهد.
فلئن كان هذا الاحتفال تُردد فيه قصة مولد النبي صلى الله عليه وسلّم وما كان من تفانيه في الدعوة، وما كان من إبلاغ الإسلام للناس فإن ذلك لا يضير شيئا حتى يقتدي الناس بشخص الرسول صلى الله عليه وسلّم في ما قام به.
أما كانت هنالك أشياء تخرج عن الحق إلى الباطل أو تخرج بصاحبها من الإسلام إلى الكفر بالله تعالى كأن يُجعل النبي صلى الله عليه وسلّم في مقام الإلوهية أو أن يُجعل شريكاً لله في ملكه أو يُجعل لله في تصريف هذا الكون أو في إيجاد هذا الكون فذلك بطبيعة الحال لا يُقره مسلم مؤمن بالله واليوم الآخر.
وأنا أدعو جميع المسلمين إلى التسامح فيما بينهم حتى لو اختلفوا في أمور من الرأي أن لا يدفعهم هذا الاختلاف إلى الشقاق والتمزق وتكفير بعضهم بعضا وتضليل بعضهم بعضا، عليهم أن يتقوا الله سبحانه، وأن يحرصوا على اجتماع الشمل والألفة بين قلوبهم فإنه سبحانه وتعالى يقول (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:92)، ويقول (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون:52) ، ويقول ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا )(آل عمران: من الآية103) ويقول ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: 105)
*يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) (الحجرات: من الآية2)، هذه الآية القرآنية الآن كيف نطبقها والنبي صلى الله عليه وسلّم ليس بيننا؟
**نعم نطبقها إذا قرأت علينا سنة النبي صلى الله عليه وسلّم لا يتطاول على أحد رفع صوته فوق صوت قارئ هذه السنة لأنه يبلغ ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلّم، ثم مع هذا لا يعارَض ما قاله صلى الله عليه وسلّم بما قاله أحد من الناس كما يقول في ذلك الإمام السالمي رحمه الله:
ولا تناظر بكتاب الله *** ولا كلام المصطفى الأواه
معناه لا تجعل له نظيرا *** ولو يكون عالماً خبيرا .
*إذا قلنا أن اليهود في المدينة المنورة حسدوا النبي صلى الله عليه وسلّم كما وصفهم القرآن الكريم، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلّم ظهر عليهم والمسلمون صاروا هم المهيمنين، لكن الذي يحدث من غيرهم في هذا العالم الآن وفي هذا العصر المتأخر هؤلاء يروا أن المسلمين متخلفين عنهم مسافات بعيدة، ويروا أنهم هم أسياد العالم، فلماذا هذا الحسد؟
**هذا الحسد لأنهم مع مؤامراتهم لهذا الإسلام ومع تنكرهم لدعوة الإسلام يشرق نور الإسلام في الأرض على رغم أنفوهم، هم يحاولون أن يطمسوا نوره ويأبى الله سبحانه وتعالى إلا أن يتمه (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:32ـ33) ، فهؤلاء حسدوا هذه الدعوة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلّم، وهم يريدون من خلال تشويه صورة الرسول صلى الله عليه وسلّم والإساءة إليه أن يقللوا من قيمة الدعوة إلى دينه الذين جاء به، ومن قيمة الكتاب الذي بعث به، ومن قيمة الرسالة التي أرسل بها، فلذلك يتطاولون على هذه المقدسات بما يتطاولون به، كأنهم يتصورون أنهم من خلال ذلك يمكنهم أن يطفئوا هذا النور أو أن يحدوا من انتشار هذا الدين ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، فإنهم كلما أوغلوا في هذه التصرفات الرعناء تنقلب الأمور على عكس ما يتصورون وعلى عكس ما يخططون فإذا بالدين ينتشر، الآن في الغرب ينتشر الدين انتشاراً عجيباً، والعقلاء منهم يدركون أن المستقبل إنما هو لهذا الدين، وأن الله سبحانه وتعالى سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأن الإنسانية ولو أوغلت في الضلالة وتمادت في الغي وبعدت عن الحق ستعود إلى هذا الحق وستستمسك به، وسيكون تحول في هذا العالم من الشر إلى الخير ومن الفساد إلى الصلاح ومن التنافر إلى التواد والتقارب ومن التشتت إلى الاجتماع ومن البغضاء التي تسود إلى المودة والوئام بسبب هذا الدين الذي سيجمع ما بين هذه الأمم المتنافرة في هذه الأرض وسينتزع من قلوبها السخائم والأحقاد.
يجيب عن أسئلتكم
سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي
المفتي العام للسلطنة
جريدة الوطن
21 من مارس 2009
|