17-07-2008
|
#2
|
|
|
من مواضيعي |
|
|
تصريح خروج

حاولت طويلا الاختباء عن رجال الأمن الذين انتشروا في الجبال حملة تمشيط واسعة لكل الذين تسللوا إلى البلاد من غير تصريح.
وصل رجال الأمن إليها ، نظرت إليهم وقد اصفرّ وجهها ، وأقسمت أيماناً مغلظةً أنها لم تفعل شيئاً، ولكنها ما أتت لـ تعبث أو تعيث في البلاد فسادا فهي فتاة ضعيفة، أشار إليها أحد رجال الأمن أن تمضي معهم للحجز بكت وتوسلت إليهم أن يسمعوا قصتها ثم يفعلوا ما شاءوا، سقطت منها صرتها التي تجمع فيها أطراف خبز " الْبَرَاتَا" انجنت ، أسرع أحد رجال الأمن ظاناً محاولة هروبها ، ما زال أثر الدمع يتعلق بأهدابها .
قالت : كنت ُ أعيش ووالدي نعيش بعدما تزوج أشقائي الثلاثة وتفرقوا ، وبعدما فقدت والدتي ، أصيب والدي بمرض السل ، وقد امتدت رقعة الفقر في بلادنا، ومدّ الجوع مخالبه ينهش في المعد الخاوية فإذا هي تصرخ ألاماً وعذابا ، حاولت اللجوء إلى أشقائي وولدي طريح الفراش ولكنني طردت من بيوتهم ، فـ زوجاتهم لا يردنني ، وقد عم الفقر وطمّ. وهم لا يجدون ما يسدون به رمق صغارهم فـ كيف بمن يزيدهم همّا ، كنت أحلم بـ حياة لا تتجاوز أن أجد فيهما لقمتي وستر الحال، وعندما فقدت والدي علمت أن عليّ البحث عن مخرج للحياة ، ماذا أفعل في الوطن وزهرات عمري الأربع عشرة تذوي من جفاف الحياة ، سمعت عن الحملات التي تخرج متسللة إلى البلاد المجاورة ، فترقبت الأخبار وخرجت معهم أمضي ألى حيث تأخذني الحياة ، أرجاني ضابط الحدود حتى حين بحجة فضل الخروج بالليل مع الحملة ، قدم لي بعض الطعام وجدت فيه امتناني له ، وعندما خلا المكتب إلا مني ومنه ، طلب مني دراهم ثمنا للسماح لي بـ الخروج من البلاد ، فـ أقسمت أني لا أملك إلا ثوبا واحداً غير هذا الذي يسترني ، فـ منعني من الرحيل إلا بشرط ، وشرطه أن ينال من عفتي ثمنا ً للقمة تسد الجوع ، أين أفر ؟ وإلى أين أمضي ؟ ولمن أشتكي في عزلتي ؟ وفك الجوع يلتهمني ، ومرارة الحاجة تشقيني ، توسلت إليه ، قبلت أقدامه ، ولكن كان قلبه كـ الحجر ، قاومت طويلا ، وقطع حديثها ثغاء جمل مر في الجبل ، تنهدت وغصّت في رحلة الذكريات ، ووجيب قلبها المعلول يعلو ويهبط ، نظرت نحو البعيد ،
وتابعت
ونهشني كما تنهش الذئاب القطعان الضالة ، لم يكتف بذلك ، بل تتابع الفعل ذاته من كل رجالاته ، من أعلاهم رتبة إلى أسفلهم ، وكان هذا تصريح خروجي.
|
|
|