12-07-2008
|
#18
|
|
|
من مواضيعي |
|
|
[2]
متَسوّلة
< سئمَت من إخفاء أرانبها في قبعتها >
موتٌ يطعن موتاً آخر ، وحوافر كآبة تطحن صدر كآبة أخرى ، والروح تتوه في سُكرِ الآلام ، وتضيع .. وتضيع .. ، تمسك عكازها ، تحاول أن تهتدي لضمادٍ يلمّ جراحها ، وتسير على عرصة الأحزان ، بعض الشوك المتناثر على الدرب قد تكسر من كثرة الوطء ، والبعض الآخر ما زالت أنيابه مصاغة من سيف عنترة ! ، .. تمشي وتمشي ، بالطبع لابدّ لها من السير ، لابدّ لقدمها أن تغدو مسناً للأشواك ! ، .. ولكنّ نور بصرها بدأ يخبو ، والضباب يجتاح عمود الكهرباء الأعور ويعيث فيه فساداً ، لابدّ أن تسير ، ولعلّ قنديل بصيرتها يساعجها إن لم ينفد زيتُه . لقد شاءت لها الأقدار أن تمشي على ثلاث : تعاستها ، وتعاستها ، وتعاستها !! ، كما قُدّر لها أن تبصرَ الدنيا وهي تعطّر إبطها بخلوف آمالها ! ، وتطلي أظافرها بأحلامها المسفوحة ! ، فأي مطرقة تستطيع الآن تقويم حدوبها ؟! ..
طرحتْ قلمها أرضاً ، أخذت تلقي له النظرة إثر النظرة ، لقد ضمر بطنُه ، كم أرهقته طويلاً ، كم حرمته لذة النوم ليربت عليها ، ويرسل غيثه فيُمَرهِم جسدها ، إذ سرير الأرق قد كوى جنبيها .
- كم أنت وفيّ ! .. الوحيد الذي يهتك أستار رمزيّتي ، الوحيد الذي يرى الصورة كاملة .. لا طرفاً منها !
أمسكت قلمها ثانيةً ، وخطّت :
(( .. كاد الغراب أن يدفن الأرض وجبالها وهو يواري السوءات .. وسوأتها عجز بنو البشر أن يكونوا مثل هذا الغراب ، فتركوها للعراء ، ونبذوها كالنواة ! )) .
سئمت من جزّ مشاعرها عن أنظار المارّة .. سئمت من خبئ الأوجاع تحت العباءة ! .. من إخفاء أرانبها في قبّعتها ، وبعد أن شاب تفكيرها عند عنفوان الهموم ، قررت أن تبدي رشاقة أرانبها للمتفرجين ، أن تعقر ناقة الكتمان ، وتضيف السطر الصارخ بسرّها :
(( .. عانس في الأربعين !! ))
سقط القلم من يدها المرتجفة ، وسقطت دمعة ساخنة من محجرها على أديم الورقة الهامدة ، امتزجت بالحبر وانزلقت على السطور ترسم نهراً من المداد والدمع ! ، كانت اعصابها متشنّجة ، وتفكريها متعباً ، ووردتها ورقة خريف ، أما قنديل بصيرتها فأخذ يخبو ، نست درس الصمود الذي تلقّته من أمها ، وأمسكت القلم كما الخنجر ! ، وراحت تجرح الأوراق كاتبةً بهذيان .. وتنحتها بجنون :
(( حسناً ، غداً ستقف على قارعة الطريق ، تبسط كفها ، وتستجدي المارين !! ))
27/رجب/1422هـ
محمد آل زآيـد
- أجملُ الأشيآءِ، هي التِي لآ تكتمِلْ! |
|
|
|