08-07-2008
|
#9
|
|
|
من مواضيعي |
|
|
[1]
حكلٌ أم أعمى ؟!
< لمّا تماثل للشفاء رماه الطبيب بمرض عضال >
ألقى بنفسه المثقلة بالهموم على سريره الوثير ؛ علّه يشاطره بعض أشجانه ، وذي زفرات قلبه تلعب دورها العظيم في جوفه المتألم ، فهذا عمره المزهر يتحول فجأة لمستعمرات من بكتيريا الخوف ، كل ذلك بسبب الكهف الذي ولج إليه ، بسبب ذلك الكابوس الذي لم يفارق مخيلته قيد أنملة ، فهنا أخذت ذاكرته تنسج تلك المواقف الإرشادية المتكررة ، التي تطحنه ليل نهار :
يرشده أخوه الأكبر :
_ الآن أنت ستنتقل إلى مرحلة جديدة ، وهي محصلة اثنتي عشرة سنة من الجهد ، وهي مرحلة مصيرية ؛ لذلك يجب أن تطفق على المذاكرة ، و لا تحسب المجد تمراً أنت آكله .. لن تبلغَ المجد حتى تلعق الصبرا ، لذلك لا تتوان في الدراسة ، فـ(ثالث) أصعب بكثير من ثاني ، ويحتاج إلى أكوام كثيرة من التعب والانطواء ، فالله الله في المذاكرة ، و(قد أعذر من أنذر)!
وها هو صديقه الجامعي(محمود) ينصحه :
- إنّ الطب يحتاج إلى معدل عال ، وليس هذا فحسب بل إنه يريد نسَباً خاصة في المواد العلمية ، وأمّا إذا كنت تفكّر في الدراسة خارج البلد ، فالدراسة هناك أصعب من هنا بكثير ، وطلاب الخارج يشتكون منها ، فلابد أن تجدد للمذاكرة النبل والشرع ، فالمعركة القادمة لا ترحم .
ومازال يتذكر ذلك المرض الذي داهمه فجعله لقمة سائغة لسرير المستشفى ، حتى إذا ما تماثل للشفاء رماه الطبيب بمرض آخر عضال حين سأله :
- في أي صف يا هاشم ؟
- الصف الثالث الثانوي .
- أعانك الله يا بني ، فيجب عليك أن تكرّس وقتك في المذاكرة ودع عنك اللعب مع الأصدقاء ، وانسَ أيام الدعة والراحة ، وجهّز سفينتك بأشرعتها الصامدة ؛ للخوض في هذا البحر ، وحذار أن يسقط المعدل ، فتسقط معه في بؤرة الضياع .
ويتذكر ذلك اليوم الذي ركب فيه سيارة أجرة ، حيث سأله السائق :
- في أي صفٍ يا ولدي ؟
فحاول التملّق في الرد ، مراوغاً في جوابه قائلاً :
- لقد انتهيت من الصف الثاني الثانوي .
ولكن لا مناص ، فلم يجد ذلك نفعاً ، قلد أمسكت سنّارة السائق بتلابيب قلبه حيث قال له :
- أيْ أنت مقبل على الصف الثالث ، كان الله في عونك ، هذا المستقبل يا ولدي ، وإن رحت يميناً أو شمالاً ضاع المستقبل ، فلا تذخر جهداً في المذاكرة ، ولا تصبح كولدي (قاسم) الذي ضيّع نفسه ! ، لذا من الآن اسع سعيك ، وابدأ في المذاكرة .
ولما نزل كره حياته ؛ لركوبه هذه السيارة .
وهكذا كلما ذهب في ناحية صوّبت سهام الإرشاد منهالة عليه النصائح كرشق المطر ؛ لتدمي قلبه البائس .
أخذ يناجي أعماقه :
( متى سيظهر (يأجوج ومأجوج) حتى تتغير هذه المناهج ، ويضمحل معها كابوس ثالث ؟! ) .
وثب من سريره مباعداً تلك الهواجس الممضة ، وفتح التلفاز ؛ لعله يجد فيه قطعة جليد تثلج حرارة فؤاده .
فإذا به يرى برنامجاً عنوانه :
( الطالب والصف الثالث ) ، فأقفل التلفاز وتيقّن أن كلّ الأشياء تترصد له .
***
وبعد مرور قطار السنين :
هاشم ذلك الطالب المثابر ، تلك الكتلة المتوقدة من النشاط والتفوق ، خفق في دراسته ثلاث سنوات متتابعة ، وطُرِدَ من المدرسة ؛ ليلتحق بجامعة ( سوقِ الخضار ) !!
8/ربيع الأول/1420هـ
محمد آل زآيـد
- أجملُ الأشيآءِ، هي التِي لآ تكتمِلْ! |
|
|
|