آداب المزاح
مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على جماعة من أصحابه يتسابقون في الرمي بالنبال، فقال لهم: (ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا، ارموا وأنا مع بني فلان). فتوقف أحد الفريقين عن الرمي، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما لكم لا ترمون؟). فقالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ارموا، فأنا معكم كلكم) [البخاري].
***
كان بعض الأحباش يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، ويلهون بحرابهم، فلما دخل عمر -رضي الله عنه- المسجد أمسك قبضة من الحصى، ورماهم بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (دعهم يا عمر) [البخاري].
ذات يوم، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله، احملني (أي أنه يريد ناقة يركبها) فقال النبي صلى الله عليه وسلم مازحًا: (إنا حاملوك على ولد ناقة). فظن الرجل أن ولد الناقة سيكون صغيرًا ضعيفًا، ولا يقدر على حمله، فقال للرسول صلى الله عليه وسلم: وما أصنع بولد الناقة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (وهل تلد الإبل إلا النوق) [أبو داود والترمذي].
الإسلام لا يرفض اللعب واللهو المباح، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح مع أصحابه ولا يقول إلا حقَّا.
وهناك آداب يجب على المسلم أن يراعيها في لعبه ومزاحه منها:
الصدق في المزاح: فالمسلم يبتعد عن الكذب في المزاح، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب في المزاح، فقال: (لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاحة والمراء) [أحمد والطبراني].
الاعتدال في المزاح: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب) [الترمذي]. كما يجب على المسلم أن يدرك أهمية الوقت فلا يقضي وقتًا طويلا في المزاح واللعب يترتب عليه تقصير في الواجبات والحقوق.
البعد عن السخرية: يجب على المسلم أن يبتعد في مزاحه ولهوه عن السخرية والاستهزاء بالآخرين، أو تحقيرهم، أو إظهار بعض عيوبهم بصورة تدعو للضحك والسخرية. يقول تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} [الحجرات: 11].
النية الطيبة في المزاح: مثل مؤانسة الأصحاب والتودد إليهم، والتخفيف عن النفس وإبعاد السأم والملل عنها.
اختيار الوقت والمكان المناسبيْن: هناك أوقات وأماكن لا يجوز فيها الضحك والمزاح واللهو، مثل: أوقات الصلاة، وعند زيارة المقابر، وعند ذكر الموت، وعند قراءة القرآن، وعند لقاء الأعداء، وفي أماكن العلم.
عدم المزاح في الزواج والطلاق والمراجعة: فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزاح في هذه الأشياء الثلاثة وبيَّن أن المزاح والجد فيها جد، فلو مزح إنسان وطلق زوجته أصبح الطلاق واقعًا.
قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث جدهن جد وهَزْلُهُن جد: النكاح والطلاق والرجعة (أي أن يراجع الرجل امرأته بعد أن يطلقها) [أبوداود].
عدم المزاح بالسلاح: المسلم لا يُرعب أخاه، ولا يحمل عليه السلاح، حتى ولو كان يمزح معه، فربما يوسوس له الشيطان، ويجعله يقدم على إيذاء أخيه المسلم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من حمل علينا السلاح فليس منا) [مسلم].
وكذلك المسلم لا يتطاول على أخيه، فيمزح معه مستخدمًا يده؛ لأن ذلك يقلل الاحترام بينهما، وربما يؤدي إلى العداوة.
عدم المزاح في أمور الدين: المسلم يحترم دينه، ويقدس شعائره، لذلك فهو يبتعد عن الدعابة التي يمكن أن يكون فيها استهزاء بالله -عز وجل- وملائكته وأنبيائه، وشعائر الإسلام كلها.
آداب الرياضة
في غزوة أُحُد تقدم (سَمُرَة بن جُنْدُب) و(رافع بن خَدِيج) إلى النبي صلى الله عليه وسلم كي يسمح لهما بالاشتراك في المعركة ضمن صفوف المسلمين، وكانا صغيرين لم يتجاوزا الخامسة عشرة، فرفض الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يقبل اشتراكهما في المعركة، فقيل للرسول صلى الله عليه وسلم: إن رافعًا يجيد الرمي بالسهم. فوافق النبي صلى الله عليه وسلم على اشتراكه بعد اختباره، وعندها شعر (سمرة) بالغيرة والرغبة في الجهاد مثل (رافع) فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أن يضمه إلى صفوف الجيش كما ضم رافعًا، وقال له: إني أصْرَع رافعًا -أي أغلبه في المصارعة- فتصارعا فغلب سمُرة رافعًا، فقبل الرسول صلى الله عليه وسلم الاثنين ليكونا في صفوف المسلمين في قتال المشركين يوم أُحد.
يحرص المسلم أن يكون متين البنيان قوي الجسم، ولكي يصل إلى ذلك لابد من ممارسة الرياضة البدنية؛ فهي ضرورية للإنسان. قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ)
[مسلم وابن ماجه]. وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: علِّموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل.
وللرياضة البدنية فوائد كثيرة؛ فهي تزيد سرعة الدم، فتزيد نسبة الأكسجين الذي يصل إلى الجسم، وهي توسِّع الصدر، وتقي الإنسان من أمراض الرئتين، وبها ينمو الجسم ويقوى. هذا بخلاف الفوائد الخلقية والعقلية؛ فهي تغرس في الإنسان العادات الحميدة، وتبعث على الهمة العالية، وتنمي العقل، وقد قيل: العقل السليم في الجسم السليم.
ومن آداب الرياضة البدنية ما يلي:
استحضار النية: فالمسلم يستحضر النية، ويمارس الرياضة التي تقويه على طاعة الله، وتمكنه من القيام بحقوق الناس على الوجه الأكمل، ولا يتخذ من الرياضة مظهرًا يتباهى به أمام الناس. قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) [متفق عليه].
مراعاة السن: فلكل سن رياضة تناسبه، فلا يصلح للأطفال أن يمارسوا الرياضة الشاقة والعنيفة.
تجنب الحرام: المسلم يمارس من الرياضة ما يفيده بدنيا وذهنيا، وأفضلها ما جاءت به السنة، وما يقاس عليها؛ كالرماية، والفروسية، والسباحة، والجري، وألعاب القوى. أما إذا كانت الرياضة محرَّمةً؛ كسباقات المراهنة، فعلى المسلم أن يبتعد عنها، وعلى المسلم أن يتجنب ما قامت حوله الشبهة كالطاولة وأمثالها، مما يضيع الوقت ولا فائدة تعود منها.
تنظيم الوقت: المسلم ينظم وقته؛ فيخصُّ عمله ومذاكرته بوقتٍ، وممارسته للرياضة بوقت آخر، ونومه بوقت ثالث؛ بحيث لا يطغى وقت على آخر. فالرياضة المعتدلة المنظمة هي التي تقوي الجسم، بعكس الإفراط الذي يؤدي إلى التعب والإجهاد.
اختيار المكان المناسب: من الأفضل ممارسة الرياضة في الأماكن الواسعة النظيفة كالنوادي، وأفنية المدارس، والحدائق الواسعة؛ حيث يتوفر الهواء النقي.
عدم الاختلاط: فلا يمارس البنون الرياضة مع البنات لأن هذا يخالف الشرع، فيجب على المسلم أن يبتعد منذ صغره عن كل ما يثير الفتنة ويحرك الشهوات.
الحرص على الزملاء: فلا نفعل ما يضرُّهم أو يصيبهم بأذى؛ لأن الرياضة تُعلِّم ممارسيها الأدب والأخلاق، وحب الزملاء.
عدم العصبية: فالهدف من الرياضة هو تقوية جسم الإنسان، ونشر المحبة والمودة بين سائر الناس، أما إذا كانت الرياضة ستشعل بينهم العصبية، وتؤدي بهم إلى المشاجرة والخصام، فهنا يجب على المسلم ألا يشارك في هذا النوع
من الرياضة.
ستر العورة: يجب على المسلم ألا يلبس في ممارسته الرياضة شيئًا يخالف الشرع والدين؛ فيلتزم بالزي الساتر لبدنه وعورته، كما يحرم على المرأة أن تكشف شيئًا من جسمها أثناء ممارسة الرياضة.
عدم الانشغال بها عن العبادة: كذلك لا تكون الرياضة في وقت
العبادة -كالصلاة- حتى لا يتأخر عن أدائها. كذلك فالمسلم لا يفطر في رمضان من أجل الرياضة.
عدم إعاقة التعلم: المسلم يهتم بطلب العلم، ويحرص على التعليم، لذلك فهو يحرص على ألا تشغله الرياضة عن دراسته وتعليمه، بل يجعل من الرياضة وسيلة لتفوقه.
المواظبة: فخير الأعمال أدومها وإن قلت، وفي ممارسة الرياضة بانتظام: ابتعاد عن الشعور بالملل والسأم، وتقوية للجسم حتى لا يصاب بمكروه.
حسن الخلق: المسلم يتمسك بأخلاقه الطيبة عند اللعب، ويبتعد عن السباب والشتم، ويتعود الصبر والتحمل، ويحترم من يلعب معه.
مراعاة الجنس (النوع): فالمسلمة لا تمارس الألعاب العنيفة؛ كحمل الأثقال أو الكاراتيه أو الملاكمة وغيرها مما يتنافى مع أنوثتها، ولا تمارس الرياضة في حضور الرجال؛ صونًا لها؛ ووقاية من إثارة الغرائز، كما حث على ذلك ديننا الحنيف.
والإسلام يحرص على أن يكون أفراده أقوياء البدن، كما يحرص على أن يكونوا أقوياء الإيمان، وذلك حتى يكون الإنسان لبنة صالحة في المجتمع المسلم، فمن صفات المؤمنين أنهم: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29].
آداب الزيارة
حكى النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته أن رجلا خرج مسافرًا من قريته، ليزور أخًا له في قرية أخرى؛ فأرسل الله -تعالى- إليه على الطريق ملَكًا، فلما مرَّ عليه قال له الملك: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية. قال الملك: هل لك عليه من نعمة تربُّها (أي تقوم بها وتسعى في صلاحها)؟ قال: لا. غير أني أحببتُه في الله -عز وجل-. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه. [مسلم].
***
زيارة المسلم لأخيه المسلم من الواجبات التي يجب أن يحرص عليها، خاصة في مناسبات الفرح والحزن، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) [متفق عليه]. ولكل مناسبة من مناسبات الزيارة آداب تخصها، ويحرص عليها المسلم، وذلك كما يلي:
زيارة التهنئة: تقبل الله -سبحانه- توبة الصحابي الجليل كعب بن مالك ورفيقيه: هلال بن أمية ومرارة بن الربيع الذين تخلفوا عن الخروج مع المسلمين لقتال الروم في موقعة (تبوك) من غير عذر مقبول، ونزل القرآن الكريم بتوبتهم، فأسرع رجل إلى كعب يبشره، فناداه، يا كعب بن مالك، أَبْشِرْ.
فخرج كعب مسرعًا، واتجه إلى المسجد حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إليه طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- يهرول حتى صافحه وهنَّأه، بتوبة الله عليه ولما وصل كعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هنَّأه، وبشَّره بقوله: (أبشر بخير يوم مَرَّ عليك منذ ولدتك أمك) [البخاري].
***
فالمسلم يهنئ أخاه إذا نال خيرًا؛ كزواج، أو مولود، أو نجاح، أو ربح، أو فوز، أو نجاة من ضر، أو عودة غائب له، أو غير ذلك، ويزوره. وفي زيارة التهنئة يتحلى المسلم بالآداب التالية:
إظهار السرور والفرح: حتى لو كان الزائر به ما يحزن، فيجب أن يظهر البِشْر والسرور؛ مشاركة منه لأخيه.
المصافحة والمعانقة: يقول صلى الله عليه وسلم: (تصافحوا يذهب الغِلُّ) [مالك].
إحضار هدية ما أمكن ذلك: فإن ذلك أبلغ في إظهار مشاعر الحب والفرح. قال صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابُّوا) [مالك]. وقال صلى الله عليه وسلم: (تهادوا فإن الهدية تذهب وَحْرَ الصدر (الحقد والغيظ والغضب والعداوة)
[الترمذي وأحمد].
ذكر عبارات التهنئة: فإن كانت التهنئة بمولود، تقول له: (أنبته الله نباتًا
حسنًا). أو تقول له: (بُورِكَ لك في الموهوب، وشكرتَ الواهب، ورُزقت بِرَّه، وبَلَغَ أشده).
وإن كانت التهنئة بزواج تقول: (بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير) [الترمذي].
وإن كانت التهنئة بارتداء ثوب جديد، تقول: (تُبْلِى ويخْلُفُ الله. والبسْ جديدًا، وعِشْ حميدًا، ومت شهيدًا).
وإن كانت التهنئة في الأعياد تقول: (تقبل الله منا ومنك)..
زيارة التعزية والمواساة:
استشهد جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعلم النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى بيت جعفر، وأحضر أولاده الصغار وقبَّلهم، فسألته أسماء زوجة جعفر: يا رسول الله، أبلغك عن جعفر شيء؟ قال: نعم. قتل اليوم. فقامت تبكي، فخفف الرسول صلى الله عليه وسلم عنها، ورجع إلى بيته، وقال صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لأهل جعفر طعامًا، فإنه قد جاءهم ما يشغلهم) [الترمذي].
***
التعزية تخفف ألم المصاب، وتهدِّئ من رَوْعِه وفزعه، وتسكِّنُ حزنه وجزعه. قال صلى الله عليه وسلم: (من عَزَّى مصابًا فله مثل أجره) [الترمذي وابن ماجه].
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه يومًا: (ما تعدون الرَّقُوب فيكم؟). قالوا: الذي لا يولد له. فقال: (ليس ذلك بالرقوب، ولكنه الرجل الذي لم يقدم من ولده شيئًا (أي لم يمت أحد أبنائه) [مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: (من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث (أي:لم يبلغوا الحلم) كانوا له حصنًا حصينًا من النار) فقال أبو ذر -رضي الله عنه-: قدمتُ اثنين. فقال صلى الله عليه وسلم: (واثنين). فقال أُبَي بن كعب -سيد القراء-: قدمتُ واحدًا. قال: (وواحدًا) [ابن ماجه].
وللتعزية والمواساة آداب يجدر بكل مسلم اتباعها، منها:
المسارعة: إذا علم المسلم بوفاة أحد من أقاربه أو جيرانه أو أصدقائه وجب عليه زيارة أهله لتعزيتهم في مصابهم، والاشتراك معهم في تشييع جنازته؛ عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس) [متفق عليه].
عدم التأخر عن ثلاثة أيام: فإن طرأ عليه طارئ أخَّره عن المسارعة، فينبغي أن تكون الزيارة قبل مضي ثلاثة أيام، ويجب أن يتوجه المسلم بنفسه، ولا يكتفي ببرقية التعزية إلا في حالات الضرورة فقط.
صنع الطعام: يستحب للأقارب والأصحاب أن يصنعوا لأهل الميت طعامًا؛ لأنهم يكونون في شُغْل بمصابهم يمنعهم من إعداده. قال صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لأهل جعفر طعامًا فإنه قد جاءهم ما يشغلُهم) [الترمذي].
تعزية النساء: تخرج النساء محتشمات غير متبرجات بزينة، ولا يصدر عنهن ما يخالف الشرع؛ كشق الملابس ولطم الخدود، والصراخ والعويل؛ فكل هذا مما يغضب الله -سبحانه- ويكون سببًا في تعذيب الميت في قبره إن كان قد أوصى بذلك.
عدم الجلوس للعزاء: فعلى أهل الميت ألا يستقبلوا من يعزونهم في السرادقات من أجل العزاء؛ لأن هذا من قبيل البدع التي لم يقرها الإسلام، وقد كان
الصحابة -رضوان الله عليهم- يؤدون العزاء أثناء تشييع الجنازة في المقابر، أو عند مقابلة أهل الميت في الطريق أو في المسجد.
ولا مانع من الذهاب إلى أهل الميت في ديارهم لتعزيتهم مع تخفيف الزيارة، والالتزام فيها بالآداب السابقة، واجتناب ما يفعله الناس من التدخين والحديث فيما لا ينفع، وإنما يقتصر الحديث على كلام الصبر والسلوان ونحو ذلك.
ما يقال في العزاء: يقتصر الحديث على كلام الصبر والسلوان؛ كأن يقول المعزِّي للمصاب: (البقاء لله)، أو (إنا لله وإنا إليه راجعون)، أو (لله ما أعطى ولله ما أخذ، وكل شيء عنده بمقدار، فلْتصبر ولْتحتسب).
أما المصاب فيؤمِّن (أي يقول: آمين) ويقول للمعزِّي: آجرك الله (أي: كتب الله لك الأجر على صنيعك).
عدم الإسراف في إجراءات تشييع الجنازة: فالمسلم يبتعد عن كل البدع في هذا الأمر، مثل: إقامة السرادقات، وعمل الأربعين، والذكرى السنوية، وغير ذلك من البدع التي انتشرت في بعض مجتمعاتنا الإسلامية.
عيادة المريض:
مرض سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-، فزاره النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اشتد عليه المرض، وأحس سعد باقتراب أجله، وكانت له بنت واحدة، فأحب أن يوصي بثلثي ماله، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوافقه، فقال سعد: أوصي بالنصف. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا. فقال سعد: أوصي بالثلث. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الثلث. والثلث كثير) ثم وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على وجهه وبطنه، وقال: (اللهم اشف سعدًا).
[متفق عليه].
***
زيارة المريض حق من حقوقه على إخوانه، وللزائر ثواب عظيم عند
الله -سبحانه- يقول صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضًا نادى منادٍ من السماء: طِبْتَ وطاب ممشاك، وتبوأْتَ من الجنة منزلا) [الترمذي وابن ماجه]. ولزيارة المريض آداب يجب أن يراعيها المسلم، منها:
إخلاص النية: المسلم يخلص النية لله رب العالمين حتى يُؤْجر على زيارته.
اختيار الوقت المناسب: وهو يبادر بزيارة أخيه إذا عرف أنه مريض، ويزوره في وقت مناسب، وفي الحالة التي يسمح فيها للمريض باستقبال زائريه.
الدعاء بالشفاء: المسلم عندما يزور مريضًا يدعو الله -تعالى- أن يشفيه، ويحمد الله على معافاته من المرض، ويبشر المريض بالشفاء ويمنحه الأمل والتفاؤل، ثم يدعو للمريض بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (أذهب البأس، ربَّ الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سَقَمًا) [متفق عليه].
تخفيف الزيارة: يجب أن تكون الزيارة خفيفة، مع الالتزام بالهدوء، وعدم الإكثار من الكلام.
آداب زيارة المقابر
مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على القبور، فوجد امرأة تبكي عند قبر، فقال لها: (اتقي الله واصبري). ولم تكن تلك المرأة تعرف النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت له: إليك عني (ابتعد عني)، فإنك لم تُصَبْ بمصيبتي.
فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم وتركها، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت إليه وقالت: لم أعرفك. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) [متفق عليه].
***
المصيبة تحتاج إلى الصبر، والمسلم يتحلى بالصبر إذا أصابه شيء يكرهه، وقد زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، وقال: (استأذنتُ ربي في أن أستغفر لها فلم يؤْذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأُذن لي. فزوروا القبور فإنها تذكر بالموت) [مسلم وأبوداود].
وقال صلى الله عليه وسلم: (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) [مسلم].
وقال أحد الصالحين: إذا ضاقت بك الأمور فعليك بزيارة القبور، فزيارة القبور ترقق القلوب وتذكر الآخرة، وكان عثمان -رضي الله عنه- إذا ذُكِرت له الجنة أو النار لم يَبْكِ، وإذا ذُكِر القبر بكى. فسألوه عن ذلك، فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (القبر أول منازل الآخرة، فإن يَنْجُ منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينْجُ منه فما بعده أشد منه) [أحمد].
ولزيارة القبور آداب يتأدب بها المسلم، منها:
استحضار النية: فالمسلم يقصد بزيارته وجه الله تعالى، وإصلاح فساد قلبه؛ والسلام على الموتى والدعاء لهم وغير ذلك.
البدء بالسلام عند دخول المقابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى المقابر يأمر أصحابه أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون). [مسلم].
عدم الجلوس أو المشي على المقابر: فعلى المسلم أن يحرص على عدم الجلوس أو الاتكاء أو المشي فوق المقابر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، خيرٌ له من أن يجلس على قبر) [مسلم].
قراءة القرآن وإهداء ثوابه للأموات والدعاء لهم: فلا بأس أن يقرأ الإنسان ما تيسر له من القرآن الكريم، ثم يدعو الله -سبحانه- أن يتقبل منه ما قرأ، ويُبَلِّغَ ثواب هذه القراءة للميت.
عدم التبرك بها: فلا يجوز التبرُّك بالقبور، كما لا يجوز تقبيلها كما يفعل الجُهَّال من العامة، وليكن رائده قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) [الترمذي].
عدم الضحك واللعب فيها: فالضحك واللهو في المقابر دلالة على قسوة القلب، وللمقابر حرمة تجعل المسلم يبتعد عن اللهو والعبث فيها؛ لأن القبور تذكِّر بالموت، وفيها العظة والعبرة.
الثناء على الموتى وذكر محاسنهم: فلا يجوز سبُّ الأموات أو ذكر مساوئهم، طالما أنهم ماتوا على الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبُّوا الأموات، فإنهم قد أفْضوا إلى ما قدَّموا (انتهوا من أعمالهم في الدنيا) [البخاري]. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تذكروا هَلْكاكم (أمواتكم) إلا بخير) [النسائي].
عدم الصلاة في المقابر أو اتخاذها قبلة: فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المقابر أو التوجه إليها أثناء الصلاة؛ روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي في سبع مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، والحمَّام، ومعاطن الإبل، وفوق الكعبة) [ابن ماجه].
إلقاء السلام عند مغادرتها وأخذ العظة والعبرة: المسلم يعود من زيارته للقبور وقد امتلأ قلبه بالرقة والإيمان، فيعمل صالحًا، ويطيع الله -سبحانه- ويلتزم أوامره ويجتنب نواهيه. وهكذا فإن زيارة المسلم للقبور، تجعل المسلم يتخفف من حياته الدنيا، فيقف في القبور وقفة نظر واعتبار، يتدبر أحوال أهل القبور حينما كانوا في الدنيا يتحركون ويعملون، أما الآن فهم لا يقدرون على شيء من ذلك، وإنما يحاسبون على ما قدموا.. ثم ينتبه المسلم ويتفكر في ذاته، فهو عما قريب سيصبح من أهلها، ولذلك فهو يعاهد نفسه على فعل الصالحات في الدنيا، ليدخرها ليوم الحساب، ثم يودع القبور، وقد حظي بقدر من الشفافية يعينه على التزود من الأعمال الصالحة.
آداب الجنائز
مرت جنازة على الرسول صلى الله عليه وسلم فأثنى عليـها الصحابة بالخير، فقال صلى الله عليه وسلم: (وجبتْ). ثم مرت جنازة أخرى، فذكرها الصحابة بالشر، فقال صلى الله عليه وسلم: (وجبتْ). فسأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- النبي صلى الله عليه وسلم عما يريده بقوله هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا أثنيتم عليه خيرًا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض) [متفق عليه].
***
حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على اتباع الجنائز، وبيَّن فضل ذلك، فقال: (من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط، ومن شهد حتى تُدفن كان له قيراطان) قيل: وما القيراطان؟
قال: (مثل الجبلين العظيمين) [متفق عليه].
وللجنازة آداب يجب على كل مسلم أن يتبعها مع الميت، ومن أهم هذه الآداب:
تلقينه الشهادتين عند الاحتضار: من حضر مسلمًا يحتضر يقول له: قل: لا إله إلا الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله) [مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر قوله: لا إله إلا الله، دخل الجنة) [الترمذي والحاكم].
تغطيته وتغميض عينيه: أول ما يجب على المسلم فعله إذا حضر ميتًا أن يغمض عينيه ويغطي وجهه، (فإن الروح إذا قبض تبعه البصر) [مسلم].
الصبر والحمد والاسترجاع: المسلم يتحلى بالصبر عندما يموت له أحد، ويكثر من الاسترجاع بأن يقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها) [مسلم].
ويقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). ثم يدعو له، فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على (أبي سلمة) وهو يحتضر، فأغمض عينيه، ثم قال: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر). فضج ناس من أهله فقال: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون). ثم قال: (اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وأخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره، ونوِّر له فيه) [مسلم].
والبكاء في هذا الموطن لا يتنافى مع الصبر والتسليم لأمر الله، فقد بكى الرسول صلى الله عليه وسلم حينما مات ولده إبراهيم، وقال: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)
[البخاري وأبو داود].
وإنما المنهي عنه، هو ما يصحب البكاء من أمور لا أصل لها في الشرع كلطم الخدود، وشق الجيوب، وما يقال من كلام الجاهلية.
سرعة تجهيز الميت: يجب أن نسرع بتغسيل الميت وتطييبه وتكفينه، ويستثنى من ذلك الشهيد -الذي قتله الكفار في المعركة- فلا يغسل ولا يكفن، وإنما يدفن في ملابسه التي استشهد فيها، فإن الله -سبحانه- يبعثه يوم القيامة ورائحة المسك تفوح منه.
الصلاة على الميت: من حق الميت على من حضره من المسلمين أن يصلي عليه.
المشي بالجنائز والإسراع بها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في الجنائز ويوصي باتباعها، وعدم الجلوس إلا بعد أن يدفن الميت، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع) [البخاري].
عدم النواح ولطم الخدود: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك نهيًا شديدًا، فقال صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية) [متفق عليه].
إنفاذ وصيته: على أهل الميت إنفاذ وصيته ما لم يوصِ بإثم، فقد أوصى عمرو بن العاص -رضي الله عنه- عند موته فقال: إذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فشنوا على التراب شنًّا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها، أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي. [مسلم].
الدعاء له: يستحب أن ينتظر المسلمون عند قبر الميت بعد دفنه ويدعوا له بإخلاص ويسألوا الله -سبحانه- أن يثبته ويغفر له ويرحمه. ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للميت: (اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مُدْخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلا خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النار).
[مسلم والترمذي والنسائي].
الصلاة على الغائب: لو مات أحد المسلمين في مكان بعيد بحيث لم يتمكن أحد من المسلمين أن يصلي عليه، قام المسلمون بالصلاة عليه وهم في أماكنهم وتسمى هذه الصلاة صلاة الغائب، وقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم على النجاشي -ملك الحبشة- صلاة الغائب عندما بلغه خبر موته.
إرسال الطعام لأهل الميت: وذلك من باب المودة والتعاون لتخفيف معاناة أهله، فعندما مات جعفر بن أبي طالب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لأهل جعفر طعامًا، فإنه قد جاءهم ما يشغلهم) [الترمذي وابن ماجه].
أداء الدين عن الميت: فإن أداء الدين من الأمور الواجبة. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بسداد الدين عن الميت الذي عليه دين قبل أن يصلي
عليه. [الترمذي].
العزاء: المسلم يعزي الأحياء في مصابهم، ويرغبهم في الصبر والرضا بقضاء الله وقَدَرِه، ويكره الجلوس للتعزية، وإقامة السرادقات، واستئجار القراء، كما يكره العزاء بعد اليوم الثالث إلا لغائب، وذلك فيما يسمونه بالخميس والأربعين وغير ذلك؛ فهذا كله من البدع التي لا تنفع الميت في شيء ويبوء بوزرها الأحياء.
الابتعاد عن نعي الجاهلية: لا بأس بإعلام الناس بموت إنسان للصلاة عليه، فقد نعي الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه النجاشي، كما نعى جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة -رضي الله عنهم- ويكره نعي الجاهلية، كما يفعله كثير من الناس من ذكر نسب الميت وأقاربه ومناصبهم على سبيل التفاخر والرياء.
أخذ العظة والعبرة: المسلم يعتبر ويتعظ عند حضور الجنائز، ويتوب إلى الله، ويكثر من الطاعات، ويبتعد عن المعاصي؛ لأنه يعلم أنه سيلقى هذا المصير، وسوف تشيع جنازته ويحمل جثمانه ويدفن في قبره ويترك وحيدًا، فمن أراد واعظًا فالموت يكفيه.
يتبع
|