منتديات حصن عمان - && بحث عن العولمة المالية &&
منتديات حصن عمان

منتديات حصن عمان (http://www.hesnoman.com/vb/index.php)
-   أبحاث الدراسات التجارية والصناعية (http://www.hesnoman.com/vb/forumdisplay.php?f=82)
-   -   && بحث عن العولمة المالية && (http://www.hesnoman.com/vb/showthread.php?t=31688)

ملاك الشرق 11-04-2010 11:12 AM

&& بحث عن العولمة المالية &&
 
بحث حول العولمة المالية



مقدمــــــــــــــة
إن العالم ومنذ قرون عديدة يشهد تحولات ملموسة تدفع كل الشعوب و الدول نحو المزيد من الارتباط و الاعتماد المتبادل ،ولكن العولمة تتوافق مع العديد من وسائل الاتصال التي لم تكن موجودة من قبل، بدءا من أسواق النقد الأجنبي و أسواق رأس المال التي يصل بعضها ببعض على الصعيد العالمي .لم تكن العولمة لتأخذ ملامحها المميزة دون وجود مؤسسات ذات طابع عالمي و تمتاز بقدرة من الفاعلية و المشروعية مثل منظمة التجارة العالمية وكذا الشركات المتعددة الجنسيات. ومن خلال كل هذا نتوصل إلى الإشكالية محل البحث و التي نجسدها في التساؤل التالي : ما المقصود بالعولمة الاقتصادية ، وكذا العولمة المالية ؟و هل هي خير أم شر على الدول النامية.ومن أجل دراسة الموضوع نتبع الخطة التالية :
خطـــــة البحـث
المبحــــث الأول : مــــــــــاهية العولمة.
المطلب الأول: مفهوم العولمة.
المطلب الثاني: مفهوم العولمة الاقتصادية.
المطلب الثالث: أنواع العولمة الاقتصادية.
المطلب الرابع: مظاهر العولمة الاقتصادية.
المبحــــث الثاني : البعد المــــالي للعولمة (العولمة المالية).
المطلب الأول: نشأة وأسباب ظهور العولمة المالية.
المطلب الثاني: مراحل تطور العولمة المالية.
المطلب الثالث: العوامل المساعدة في تطور العولمة المالية.
المطلب الرابع: خصائص العولمة المالية.
المطلب الخامس: أسس العولمة المالية.
المبحـــث الثالث : مزايا العولمة المالية و استراتيجيات مواجهة المخاطر.
المطلب الأول: حدود العولمة المالية.
المطلب الثاني: الاقتصاد الجزائري و العولمة المالية.
المطلب الثالث: مزايا و مخاطر العولمة المالية .
المطلب الرابع: استراتيجيات مواجهة تحديات العولمة المالية.
الخاتمة

المبحــــث الأول : مــــــــــاهية العولمة.
المطلب الأول: مفهوم العولمة.
العولمـة هي انفتاح عن العالم، و هـي حركة متدفقة ثقافيا ، اقتصاديا ، سياسيا و تكنولوجياً، حيث يتعامل مدير اليوم مع عالم تتلاشى فيه تأثير الحدود الجغرافية و السياسية، فأمامنا رأس مال يتحرك بغير قيود و ينتقلون بغير حدود، و معلومات تتدفق بغير عوائق حتى تفيض أحيانا عن طاقة استيعاب المديرين. فهذه ثقافات تداخلت و أسواق تقاربت و اندمجت، و هذه دول تكتلت فأزالت حدودها الاقتصادية و الجغرافية، و شركـات تحالفت فتبادلت الأسواق و المعلومات و الاستثمارات عبر الحدود، و هـذه منظمات مؤثرة عالمياً مثل: البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، ووكالات متخصصة للأمم المتحدة تؤثر بدرجة أو بأخرى في اقتصاديات و عملات الدول و مستوى و ظروف معيشة الناس عبر العالم.
ويمكن تعريف العولمة أيضا بأنها تعني بشكل عام اندماج أسواق العالم في حقول التجارة و الاستثمارات المباشرة و انتقال الأموال و قوى العاملة و الثقافات و التكنولوجيا ، ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق ،كما تعني خضوع العالم لقوى السوق العالمية مما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية و إلى التدخل في سيادة الدولة . والعنصر الأساسي في هذه الظاهرة هي الشركات الرأسمالية الضخمة متخطية القوميات ، وهذا المفهوم للعولمة يختلف عن مفهوم الاقتصاد الدولي ، فهذا الأخير كما يتضح من التسمية يركز على العلاقات الاقتصادية بين دول ذات سيادة ، وقد تكون العلاقات منفتحة جدا في حقول التجارة و الاستثمارات المباشرة و غير المباشرة و لكن يبقى للدولة دور كبير في إدارتها وفي إدارة اقتصادها.
المطلب الثاني: مفهوم العولمة الاقتصادية.
يمكن تعريفها بأنها تعني تحرر العلاقات الاقتصادية القائمة بين الدول من السياسات و المؤسسات القومية و الاتفاقيات المنظمة لها بخضوعها التلقائي لقوى جديدة أفرزتها التطورات التقنية و الاقتصادية، تعيد تشكيلها و تنظيمها وتنشيطها بشكل طبيعي على مستوى العالم كوحدة واحدة.
مهما كان أمر التعريف فان هناك ما يشبه الاتفاق بين من تناولوا العولمة في الدول المتقدمة على أنها ظهرت مع بزوغ قوى جديدة عالمية التأثير ،بمعنى أنها فوق القومية أي ليس لدولة ما أو لمجموعة دول أي تدخل أو تحكم فيها وأن هذه القوى قد أخضعت جانبا من العلاقات الاقتصادية و المؤسسات القائمة في العالم لتأثيرها التلقائي و أنها ستؤدي إلى صياغة جديدة لنظام يحكم العالم كوحدة متكاملة الأجزاء بشكل طبيعي و دون حواجز أو حدود ، ومن ثم فان العولمة تعني أن تصير بلدان العالم المختلفة خاضعة لنظام عالمي مسير بقوانين طبيعية حتمية فتنصهر فيه اقتصاديات هذه البلدان بلا سياسات قومية و بما يحقق مصالح الجميع .




المطلب الثالث: أنواع العولمة الاقتصادية.
و تتحدد العولمة الاقتصادية في نوعين رئيسين هما: العولمة الإنتاجية و العولمة المالية
العولمة الإنتاجية تتحقق عولمة الإنتاج من خلال الشركات متعددة الجنسيات وتتبلور عولمة الإنتاج من خلال اتجاهين :
*الاتجاه الأول : عولمة التجارة الدولية : لقد ازدادت وتيرة التبادل العالمي ابتداء من العقد الأخير من القرن العشرين، حيث بلغ معدل نمو التجارة العالمية ضعفي نمو الناتج العالمي في هذه الفترة، فعلى سبيل المثال تزايد معدل التجارة العالمية بحوالي 12% بينما زاد الناتج العالمي بنسبة 6% .

*الاتجاه الثاني : الاستثمار الأجنبي المباشر: لوحظ ارتفاع معدل نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة في بلدان العالم النامي ليصل في المتوسط إلى حوالي 12% خلال عقد السبعينات و يرجع ذلك إلى انتهاج العديد من البلدان آلية السوق من خلال فتح أسواقها لهذه الاستثمارات حيث لعبت الشركات المتعددة الجنسيات دورا بارزا من خلال تكوين المزيد من التحالفات الإستراتيجية فيما بينها لإحداث المزيد من الهيمنة على التكنولوجيا و رؤوس الأموال العالمية.

العولمة المالية : إن العولمة المالية هي الناتج الأساسي لعمليات التحرير المالي و التحول إلى ما يسمى بالاندماج المالي مما أدى إلى تكامل و ارتباط الأسواق المالية المحلية بالعالم الخارجي من خلال إلغاء القيود على حركة رؤوس الأموال و من ثم أخذت تتدفق عبر الحدود إلى الأسواق العالمية و يمكن الاستدلال على العولمة المالية بمؤشرين هما :

*المؤشر الأول: يقصد به تطور حجم المعاملات عبر الحدود من الأسهم و السندات في الدول الصناعية المتقدمة، حيث تشير البيانات إلى المعاملات الخارجية من الأسهم و السندات كانت تمثل أقل من 10% من الناتج المحلي الإجمالي في هذه الدول عام 1980
بينما وصلت إلى ما يزيد من 100% في كل من الولايات المتحدة الأمريكية و ألمانيا عام 1996 و على ما يزيد من 200% في كل من فرنسا و إيطاليا و كندا في نفس العام.

*المؤشر الثاني: و يخص تطور تداول النقد الأجنبي على الصعيد العالمي، حيث تشير الإحصائيات إلى أن متوسط حجم التعامل اليومي في أسواق الصرف الأجنبي قد ارتفعت من 200 مليار دولار في منتصف الثمانينات إلى حوالي 1.2 تريليون دولار أمريكي عام 1995 و هو ما يزيد عن 84% من الاحتياطات الدولية لجميع بلدان العالم في نفس السنة.




المطلب الرابع: مظاهر العولمة الاقتصادية.
هناك عدة مظاهر للعولمة الاقتصادية نذكر على سبيل المثال :
-1 تحـول مفاهيم الاقتصاد و رأس المال:
و قد اقترنت العولمة بظواهر متعددة استجدت على الساحة العالمية، أو ربما كانت موجودة من قبل، و لكن زادت من درجة ظهورها، و هذه الظواهر قد تكون اقتصادية أو سياسية أو ثقافية أو اتصالية أو غيـرها، و لاشك أنّ أبرز هذه الظواهـر الاقتصادية التي أهمهـا:
ـ تحول الاقتصاد من الحالة العينية (الأنشطة التقليدية كتبادل السلع عينياً بالبيع و الشراء) إلـى الاقتصاد الرمزي الذي يستخدم الرموز و النبضات الإلكترونية من خلال الحواسب الإلكترونية و الأجهزة الاتصالية، و ما ينتج عن ذلك من زيادة حجم التجارة الإلكترونية و التبادل الإلكتروني للبيانات في قطاع التجارة و النقل و المال و الائتمان و غيرها.
ـ تحول رأس المال من وظائفه التقليدية كمخزن للقيمة و وسيط للتبادل، إلى سلعة تباع و تشترى في الأسواق (تجارة النقود)؛ حيث يدور في أسواق العالم ما يزيد عن 100 تريليون دولار (100 ألف مليار) يضمها ما يقرب 800 صندوق استثمار، و يتم التعامل يومياً في ما يقرب من 1500 مليار $، أي أكثر من مرتين و نصف قدر الناتج القومي العربي، دون رابط أو ضـابط ، و هو ما أدى إلى زيادة درجة الاضطراب و الفوضى في الأسواق المالية، و أعطى لرأس المال قوة لرفض شروطه على الدول للحصول على أقصى ما يـمكن من امتيازات له. و قد أدى هذا كله إلى زيادة التضخم نتيجة لزيادة قيمة النقـود.
ـ تعمق الاعتماد المتبادل بين الدول و الاقتصاديات القومية، و تعمق المبادلات التجارية من خلال سرعة و سهولة تحرك السلع و رؤوس الأموال و المعلومات عبر الحدود مع النزعة إلى توحيد الأسواق المالية، خاصة مع إزالة كثير من الحواجز الجمركية و العقبات التي تعترض هذا الانسياب بعد إنشاء منظمة التجارة العالمية، التي بدأت نشاطها في بداية عام 1995م، و هو ما يشاهد الآن بعد توحد بورصة لندن و فرانكفورت اللتين تتعاملان في حوالي 4 آلاف مليار $، كذلك توحد بورصات أوروبية أخرى، و هناك اتجاه متزايد نحو إنشاء سوق مالية عالمية موحدة تضم معظم أو جميع البورصات العالمية، و تعمل لمدة 24ساعة ليمكن المتاجرة في أسهم الشركات الدولية من أي مكان في العالم.
2ـ دور أكبر المنظمات العالمية :
ـ زيادة الانفتاح و التحرر في الأسواق و اعتمادها على آليات العرض و الطلب من خلال تطبيق سياسات الإصلاح و التكييف الاقتصادي و الخصخصة، و إعادة هيكلة الكثير من الاقتصاديات الموجهة واقتصاديات الدول النامية مع متطلبات العولمة (مثلما حدث في مصر و يحدث الآن في دول الخليج فضلاً عن باقي دول العالم).


ـ زيادة دور و أهمية المنظمات العالمية في إدارة و توجيه الأنشطة العالمية، كصندوق النقد الدولي و البنك الدولي للإنشاء و التعمير، منظمة العالمية للتجارة، اليونسكو، ومنظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة و غيرها.
ـ التوجه نحو تشكيل العديد من التكتلات الإقليمية الإقتصادية و السياسية و الثقافية مثل تكتل الآسيان و الإتحاد الأوروبي و غيرها، و الزيادة الملحوظة في أعداد المنظمات غير الحكومية بعد أن بدأ دور الدولة في إدارة الاقتصاد في التناقض.
3 ـ تفاقم المديونية و تزايد الشركات المتعددة الجنسيات:
ـ انتشار ظاهرة الشركات المتعددة الجنسيات، مع سيطرتها على الإستثمار و الإنتاج و التجارة الدولية و الخبرة التكنولوجية مثل شركة IBM, و مايكروسوفت و غيرها، خاصة بعد أن ساوت منظمة التجارة العالمية بين هذه الشركات و الشركات الوطنية في المعاملة.
ـ تفاقم مشاكل المديونية العالمية و خاصة ديون العالم الثالث، و الدول الفقيرة مع عدم قدرتها على السداد، و ما تزامن مع ذلك مع زيادة حجم التحويلات العكسية من الدول الفقيرة إلى الدول المتقدمة، و المتمثلة في خدمة الديون و أرباح الشركات المتعددة الجنسيات و تكاليف نقل التكنولوجيا و أجور العمالة و الخبرات الأجنبية، و الذي قابله في نفس الوقت تقلص حجم المعونات و المساعدات و المنح الواردة من الدول المتقدمة إلى الدول النامية و عدم جدواها.
ـ ظهور تقسيم دولي جديد للعمل تتخلى فيه الدول المتقدمة للدول النامية عن بعض الصناعات التحويلية (هي الصناعات التي تعتمد على تحويل المادة الخام إلى سلع مصنعة يمكن الاستفادة منها,،كصناعات الصلب, و البيروكيماويات، و التسليح و غيرها) التي لا تحقق ميزة نسبية، مثل الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة و كثيفة العمل و الملوثة للبيئة، و ذات هامش الربح المنخفض، مثل صناعات الصلب و البتر وكيماويات و التسليح، بينما ركزت الدول المتقدمة على الصناعات عالية التقنية كصناعة الحاسبات و البرامج و أجهزة الاتصالات و الصناعات الالكترونية، ذات الربحية العالية و العمالة الأقل.
4 ـ تبديد الفوائض بدلا من تعبئتها:
ـ تغير شكل و طبيعة التنمية، فبعد أن كانت التنمية تعتمد أساساً على تعبئة الفوائض و التمويل الذاتي (الادخار)، تحولت إلى تنمية تعتمد على الاستثمارات الخارجية و الشركات المتعددة الجنسيات، و أصبحت التنمية هي تنمية الفوائض و المدخرات (الاستهلاك) كناتج أساليب الاستهلاك الترفيهي المتزايدة، تحت ضغط الآلة الإعلانية الجبارة، التي أدت إلى عجز مزمن في موازين المدفوعات و تفاقم أزمة الديون في العالم الثالث، و تركيز التنمية على الجانب الإقتصادي فقط أي تحولها إلى تنمية وحيدة الاتجاه تهمل الاتجاه الاجتماعي و الثقافي،مع اعتماد نظام السوق ليكون أساسا للتنمية في مختلف بلاد العالم. حتى الطبقات عالية الدخل في الدول النامية التي من المفترض أن تكون نسبة ميلها (نسبة الإنفاق على الاستهلاك من الدخل الكلي) قليلة و أصبحت تلك الفئات المسرفة التي تبدد دخولها على الاستهلاك الترفيه،و بالتالي فإن ميلها الاستهلاكي أصبح مرتفعاً، و قد ساعد على ذلك قدرة الاقتصاديات المتقدمة

على إنتاج سلع جديدة و التنوع في السلع القديمة مثل ابتكار طرازات جديدة من السيارات و السلع المعمرة و غيرها.
ـ تراجع نصيب المادة الأولية في الوحدة من المنتج في العصر الحديث بسبب تطور الإنتاج، و هو ما يسمى بالتحلل من المادة، و إحلال الطاقة الذهنية و العملية (الفكر)، محل جزء من المادة الأولية، مما أدى إلى تراجع الأهمية النسبية للنشاط الصناعي في الهيكل الإنتاجي في الدول المتقدمة الصناعية و تصاعد الأهمية النسبية لقطاع الخدمات، و قد زادت الأهمية النسبية لنشاط الخدمات داخل النشاط الصناعي ذاته بحيث أصبحت تمثل أكثر من %60 من الناتج الصناعية ،لتنامي الصناعات عالية التقنية، و ظهور مجموعة جديدة من السلع غير الملموسة كالأفكار و التصميمات و المشتقات المالية استقطبت المهارات العالية، و ما ترتب عن ذلك من زيادة عملية التفاوت في الأجور، و بالتالي توزيع الدخل القومي توزيع غير عادل، سواء على مستوى أفراد الدولة الواحدة أو بين الدول.
5ـ زيادة الفوارق بين الطبقات و البطالة:
ـ إحلال مفاهيم جديدة محل القديمة كسيادة مفهوم الميزة التنافسية، و حلوله محل الميزة النسبية، بعد توحد الأسواق الدولية و سقوط الحواجز بينها، و كذلك سقوط مفهوم التساقط الذي تبناه البنك الدولي و صندوق النقد الدولي لمدة طويلة، حيث إن الطبقات العالية الدخل في الدول النامية هي طبقات مسرفة لا تدخر و لا تستثمر و تبدد فوائضها في مصارف استهلاكية لا يستفيد منها الجميع، و هو ما أدى إلى تناقض معدلات النمو في هذه الدول بسبب الاستثمارات و زيادة عجز الموازين التجارية و موازين المدفوعات.
و تعني الميزة التنافسية للدولة قدرتها على إنتاج سلع و تصديرها لتنافس في الأسواق العالمية دون أن تتوفر لها المزايا التي تساعدها على إنتاج هذه السلع مثل الظروف الطبيعية و المناخية و المواد الأولية، وذلك نتيجة تفوقها التكنولوجي، حيث يمكن لها استيراد المواد الأولية من الخارج و تصنيعها بدرجة عالية من الجودة و بتكلفة أقل لتنافس في السوق العالمي مثلما يحدث في اليابان، و سنغافورة و دول جنوب شرق آسيا، و قد ساعد على ذلك تناقص قيمة المادة في السلع و زيادة القيمة الفكرية و الذهنية نتيجة استخدام الحاسب وأجهزة الاتصالات.
أمـا الميـزة النسبيـة، فهي تعني توفر مزايا للدولة تساعدها على إنتاج سلع معينة كالظروف الطبيعية و المناخية و المواد الأولية أو القوى العاملة الرخيصة، إلا أن هذه المزايا قد لا تساعدها على المنافسة في الأسواق العالمية؛ ربما لانخفاض الجودة أو لارتفاع التكلفة بسبب غياب التكنولوجيا.
ـ اتجاه منظمات الأعمال و الشركات إلى الاندماج؛ لتكوين كيانات إنتاجية و تصنيعية هائلة، الغرض منها توفير العمالة و تقليل تكاليف الإنتاج و الحصول على مزايا جديدة كفتح أسواق جديدة أو التوسع في الأسواق الحالية، و هو ما نشاهده الآن من اندماجات الشركات الكبرى مع بعضها، حيث دخلنا فيما يسمى بعصر "الديناصـورات الإنتاجيـة" الهائلة و الأمثلة على ذلك كثيرة في مجالات البترول و التكنولوجيا و المعلومات والمصارف، و ينتج عن ذلك بالتأكيد تطوير كبير في علم الإدارة و الرقابة و السيطرة للتوصل إلى مهارات إدارية و تنظيمية و صيغ جديدة من الأشكال التنظيمية التي تناسب هذه الكيانات الكبيرة.


المبحــــث الثاني : البعد المــــالي للعولمة (العولمة المالية).
المطلب الأول: نشأة وأسباب ظهور العولمة المالية.
شهد عقد التسعينات ميلاد ما يمكن أن نسميه العولمة المالية، التي يرى البعض أنها أبرز تجليات ظاهرة العولمة، حيث زادت رؤوس الأموال الدولية بمعدلات تفوق بكثير معدلات نمو التجارة و الدخل العالميين.و قـد حضيت الأبعاد المختلفة للعولمـة بالكثير من الدراسة و التحليل، غير أنّ البعد المالي بقي منقوصـاً –إن لم نقل مهملا- من التشخيص و البحث.
و قد شهد العالم أخيرا مثل الأزمات المالية الخانقة التي تعرضت لها المكسيـك (1995-94)، و دول جنوب شرق آسيـا (1997) و التي كانت نموذجا يتحدى به، و البرازيـل (1998)، و روسيـا (1999), و ميلاد العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" و ما نتج عن ذلك من تأثيرات على الاقتصاد العالمي, ألقت بضلالها على اهتمامات الباحثين و الجامعين.
وقد ظهرت العولمة المالية نتيجة لعدة أسباب نوجزها فيما يلي :
ـ تخفيض الحواجز أمام التجارة الدولية وازدياد تدفقات السلع والخدمات عبر الحدود، حيث بلغ متوسط الصادرات العالمية من السلع والخدمات ما قيمته 2.3 مليار $ سنويا خلال 83-1992 وازداد بأكثر من 3 مرات بما قيمته 7.6 مليار $ في 2001، فازداد الطلب على التمويل الدولي والسيولة.
ـ عولمة الوساطة المالية كجزء من الاستجابة للطلب على آليات الوساطة في تدفقات رؤوس الأموال عبر الحدود، حيث بلغ حجم تدفقات رؤوس الأموال في العالم عام 2000 ما قيمته 7.5 تريليون $، وهو ما يمثل زيادة تبلغ أربع مرات ما كانت عليه في 1990.
ـ ارتفاع اختلال التوازن في ميزان المدفوعات: فلقد أدى نمو احتياجات التمويل الخارجية للولايات المتحدة مسايرة مع الارتفاع الدائم للفائض الجاري لليابان والاتحاد الأوربي إلى تحفيز نمو التدفقات المالية العالمية.
ـ إرادة السلطات العمومية فتح نظمها المالية.
ـ حركية المجتمعات: فقد تلقى المجتمع الأوربي خلق سوق موحدة بارتياح كبير لأنه سيسهل عليها حرية تنقل الخدمات والأشخاص ورؤوس الأموال.
ـ تحويل التكنولوجيا: فقد ساهمت التكنولوجيا المتطورة في خلق ما يسمى بعولمة الأسواق، وتخفيض أعباء العمليات التي تخص الخدمات بالدرجة الأولى، وسرعة الانتقال والتداول وإمكانية تنفيذ تحويلات مباشرة عن طريق عمليات التحكيم .
ـ الإبداع المالي: عن طريق تطوير طرق جديدة في المفاوضات و لإبرام الصفقات و خلق فرص تمويل جديدة



المطلب الثالث: مراحل تطور العولمة المالية.
رغم أن للعولمة جذور تمتد على نهاية القرن التاسع عشر فان الكثير من الاقتصاديين يعتبرونها حديثة النشأة نسبيا. فعمرها لا يتجاوز الأربعين سنة على أكثر تقدير، ويمكن تلخيص مراحل العولمة المالية فيما يلي:
1ـ مرحلة تدويل التمويل غير المباشر( 1960ـ 1979 ):
أهم ما ميز هذه المرحلة:
ـ سيطرة البنوك على تمويل الاقتصاديات الوطنية (سيطرة التمويل غير المباشر) و تعايش الأنظمة المالية و النقدية الوطنية المغلقة .
ـ انهيار نظام (Bretton Wood ( في أوت 1971. و حل محله نظام أسعار الصرف المرنة .
ـ إدماج البتر ودولارات في الاقتصاد العالمي بعد ارتفاع أسعار البترول حيث عرفت دول الخليج فائضا ماليا قدر ب:360 مليار $خلال الفترة (1974-1981) مما زاد في نسبة الادخار العالمي .
ـ بداية المديونية الخارجية لدول العالم الثالث .
ـ ظهور أسواق الأدوات المالية المشتقة مثل المستقبليات المبادلات و الخيارات حيث ظهرت لأول مرة في الولايات المتحدة سنة 1972 . بريطانيا 1982. فرنسا 1986 .
ـ ارتفاع العجز في موازين المدفوعات للدول المتقدمة .
2ـ مرحلة التحرير المالي (1980 – 1985 )
لقد عرفت هذه المرحلة ما يلي :
ـ رفع الرقابة على حركة رؤوس الأموال.
ـ التوسع الكبير في أسواق السندات و الذي كان سببه الرئيسي حاجة الدول الصناعية و خاصة الولايات المتحدة لتغطية العجز في ميزان المدفوعات و ذلك عن طريق إصدار و تسويق تلك الأدوات المالية في الأسواق المالية .
ـ توسع صناديق المعاشات و الصناديق الأخرى المتخصصة في جمع الادخار و التي تمتاز بفوائضها المالية الكبيرة.




3ـ مرحلة صعود الأسواق المالية الناشئة (1986 - .......)
أهم ما ميز هذه المرحلة ما يلي:
ـ توسع أسواق الأسهم و السندات بعد سلسلة من الإصلاحات كانت بدايتها في بريطانيا ثم تبعتها بقية بورصات العالم . حيت زادت قيمة الأسهم المتداولة في البورصات العالمية من 1400 مليار دولار سنة1975 إلى 17000 مليار دولار$ سنة 1995 أي بمتوسط زيادة سنوية قدرها 13,25% ، و فيما يخص سوق السندات فان حجمها قد قدر سنة 1995 ب :15300مليار دولار ، و كان نصيب الولايات المتحدة، من هذه السوق حوالي 2758مليار دولار معظمها سندات حكومية بنسبة 88% .
ـ صعود الأسواق المالية الناشئة و ربطها بالأسواق المالية العالمية حيث زاد نصيب هذه الأسواق من الرأسمال المتداول في الأسواق العالمية من 4% سنة 1986 مقابل 14% في الوقت الحالي.
ـ الأزمات المالية التي عرفتها الأسواق المالية الناشئة ، بداية من أزمة المكسيك 1994 ، أزمة دول جنوب شرق أسيا 1997 ، الأزمة الروسية 1998 ، أزمة البرازيل 1999 .

المطلب الثالث: العوامل المساعدة في تطور العولمة المالية.
توجد هناك عدة عوامل أساسية ساهمت في تطور العولمة بشكل ملفت للانتباه و هي :
ـ هيكلة السوق المالية : فقد لجأت معظم الدول إلى تمويل مؤسساتها على إصدار أسهم و سندات و إصدار الأوراق النقدية لضمان التمويل للمدى القصير ، بدل الاعتماد على الاستدانة عن طريق القروض البنكية.
ـ تغيير القواعد عدم دفع التعويضات و إعادة توظيف الأموال : فقد تسببت مشاكل الاستدانة المفرطة و تمركز جل التدفقات المالية في المجموعات الثلاثة المتكونة من الولايات المتحدة ، الاتحاد الأوربي ، اليابان في تعويض القروض المألوفة ، و تغيير قوانين و قواعد ساهمت في إنشاء سوق مالي موحد .
ـ تحويل الديون العمومية: فقد تم تحويل الديون العمومية إلى أسهم و سندات قابلة للتداول لأنها قد تشكل بالنسبة للمؤسسات المقرضة مصدر هام.
ـ توظيف الأموال لغرض المضاربة: فلقد توجهت معظم المؤسسات إلى إعادة توظيف أموالها في الأسواق المالية بدل المغامرة و الاستثمار في مجال الإنتاج، وقد كان ذلك بسبب الأزمتين البتروليتين عام 1973، 1979ـ1980.
ـ إعادة استثمار الأرباح : حيث تمول الشركات متعددة الجنسيات استثماراتها الخارجية باعتمادها على الادخارات المحلية للبلد المستضيف والأرباح المحققة من طرف فروعها فحوالي 69.3% من الاستثمارات الخارجية المباشرة للولايات المتحدة ممولة بإعادة توظيف أرباح هذه الشركات .

ـ التقدم التكنولوجي و انخفاض تكاليف النقل و الاتصال : فقد أدى التقدم التكنولوجي إلى انخفاض تكلفة النقل بين الدول المختلفة ،وساهم في سرعته و تطوره، وقد لعبت التكنولوجيا و الانتشار السريع للمعلومات والمكتسبات العلمية و الفكرية و تطور شبكات الكمبيوتر دورا هاما و متزايدا في توسيع نطاق الإعلام و الاتصال .

المطلب الرابع: خصائص العولمة المالية.
ان للعولمة جملة من الخصائص تميزها عن غيرها من المفاهيم أهمها:

* سيادة آليات السوق و السعي لاكتساب القدرات التنافسية:
إن أهم ما يميز العولمة هي سيادة آليات السوق، و ارتباطها ارتباطا وثيقا بالحرية، كما تعتمد على التقدم التكنولوجي و الثورة المعلوماتية و ثورة الاتصال و المواصلات من أجل اكتساب قدرات تنافسية و تعميقها لتحقيق أعلى إنتاجية بأقل تكلفة ممكنة ،و بأحسن جودة و البيع بسعر تنافسي على أن يتم ذلك في ظروف قياسية، لأن العالم تحول إلى قرية كونية صغيرة يتغير فيها نمط تقسيم العمل الدولي ليتفق و ينسجم مع عالمية الإنتاج و عالمية الأسواق.
* ديناميكية و حركية و مفهوم العولمة:
إن أهم خاصية للعولمة هي تميزها بالحركية و الديناميكية، بدليل احتمال تبدل موازين القوى الاقتصادية القائمة، إذ تسعى كل دولة بكل ما لديها من قوة للحصول و امتلاك القدرات التنافسية حتى تستطيع المنافسة، و يظهر ذلك جليا من خلال التكتلات الإقليمية في مواجهة عولمة الاقتصاد و الدفاع عن المصالح الوطنية؛ و تتعمق حركية العولمة إذ أنها تسعى كذلك إلى إلغاء الحدود السياسية و التأثير بقوة على دور الدولة في النشاط الاقتصادي.
* الاعتماد على الاقتصاد المتبادل:
إن التحول من الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية إلى المنظمة العالمية للتجارة لم يلبث أن غير ملامح الاقتصاد العالمي، حيث ربطت العلاقات و تشابكت المصالح بين عدد من البلدان. و مع ميلاد هذه المنظمة ، اكتملت مؤسسات النظام الاقتصادي العالمي الحديث الذي اتسم بهيمنة النظام الرأسمالي بمبادئه و آلياته، حيث سعت الدول المنتمية إلى هذه المنظمة للاستفادة من تحرير التجارة و حركة رؤوس الأموال الدولية. و زيادة وتيرة التبادلات التجارية بفضل الثورة التكنولوجية و المعلوماتية؛ و في ظل العولمة تم إسقاط حاجز المسافات بين الدول و القارات ،و قد ترتب على زيادة درجة الاعتماد الاقتصادي المتبادل كأحد الخصائص المميزة للعولمة ظهور آثار عديدة لعل أهمها :



ـ زيادة تعرض الاقتصاديات الوطنية للصدمات الاقتصادية.
- حركة انتقال الصدمات الاقتصادية سواء كانت إيجابية أو سلبية ( فإذا ما حدثت موجة انتعاشية أو انكماشية في الولايات المتحدة مثلا فإنها تنتقل سريعا إلى البلاد الصناعية الأخرى و النامية).
ـ تزايد أهمية التجارة الدولية كعامل هام في النمو الاقتصادي في الدول المختلفة حيث أصبحت الصادرات محرك النمو و هذا نتيجة لزيادة درجة الاعتماد المتبادل.
ـ زيادة درجة المنافسة أدت إلى إزالة العقبات أو تذليلها على الأقل أمام التدفقات السلعية و المالية و قيام أسواق عالمية في السلع و الخدمات تتنافس و تتصارع فيها مختلف دول العالم .

* وجود أنماط جديدة من تقسيم العمل الدولي:
إن العولمة تتسم بوجود أنماط جديدة من تقسيم العمل الدولي، حيث لم يعد في إمكانية أي دولة مهما كانت قدرتها الذاتية أن تستقل بمفردها هذا المنتج الصناعي و إنما من الشائع اليوم أن نجد العديد من المنتجات يتم تجميع مكوناتها في أكثر من دولة بحيث تقوم كل واحدة منها بالتخصص في صنع أحد المكونات فقط؛ و بالتالي أصبحت قرارات الإنتاج و الاستثمارات تتخذ من منظور عالمي ووفقا لاعتبارات الرشادة الاقتصادية فيما يتعلق بالتكلفة و العائد.
* تعاظم دور الشركات المتعددة الجنسيات:
إن أحد أهم السمات الأساسية للعولمة هي الشركات المتعددة الجنسيات أو الشركات العابرة للقارات و التي تؤثر بقوة على الاقتصاد العالمي من خلال ما يصاحب نشاطها من استثمارات مباشرة و نقل للتكنولوجيا و الخبرات الإنتاجية و التسويقية و الإدارية؛ و هناك العديد من المؤشرات الأخرى الدالة على تعاظم دور الشركات المتعددة الجنسيات العالمية و لعل من أهمها :
ـ أن إجمالي إيرادات أكبر 500 شركة متعددة الجنسيات في العالم يصل إلى حوالي 45% من الناتج المحلي الإجمالي؛ و تستحوذ الشركات المتعددة الجنسيات على تحو 40% من حجم الصادرات الدولية.
ـ أن 80% من مبيعات العالم تتم من خلال الشركات المتعددة الجنسيات.
ـ إنتاج أكبر 600 شركة متعدية الجنسية وحدها يتراوح ما بين ربع و خمس القيمة المضافة المولدة من إنتاج السلع عالميا.
ـ أن الأصول السائلة من الذهب و الاحتياطيات النقدية الدولية المتوافرة، لدى الشركات المتعددة الجنسيات حوالي ضعفي الاحتياطي الدولي منها و يدل هذا المؤشر على مقدار تحكم هذه الشركات في السياسة النقدية الدولية و الاستقرار النقدي العالمي.
ـ أن للشركات المتعددة الجنسيات الدور الرائد في التقدم التكنولوجي حيث يعود إليها الفضل في الكثير من الاكتشافات العلمية التي يرجع معظمها إلى جهود البحث و التطوير التي قامت بها هذه الشركات.

* تزايد دور المؤسسات الاقتصادية العالمية في ظل العولمة:
لقد تميز عقد التسعينات من القرن العشرين بـ: انهيار الاتحاد السوفيتي، تعاظم نشاط الأسواق المالية، قيام تكتلات اقتصادية كبرى، قيام منظمة التجارة العالمية التي بها اكتمل المثلث الذي تشكل أضلاعه مؤسسات النظام الاقتصادي العالمي ( صندوق النقد الدولي، البنك الدولي و منظمة التجارة العالمية).

المطلب الخامس: أسس العولمة المالية.
ترتكز العولمة المالية على ثلاثة أسس رئيسية و هي:
1 ـ عدم الفصل بين أقسام أسواق رأس المال (Le Décloisonnement)
إن الشرط الضروري للعولمة المالية ليس فقط في انفتاح أسواق المال القطرية أمام تدفق رؤوس الأموال و إنما أيضا في انفتاح الأقسام الموجودة في هذه الأسواق على بعضها البعض، أي أن تطبيق هذا المبدأ يتم على مستويين:
- المستوى الداخلي: و يعني إمكانية الانتقال من السوق المالي قصيرة الأجل إلي السوق المالي طويل الأجل، من البنوك التجارية إلى بنوك الأعمال، من خدمات التامين إلى الخدمات البنكية، ومن أسواق الصرف إلى الأسواق المالية...الخ. و تجدر الإشارة أن الحركة القوية لعمليات إلغاء التخصص للأسواق ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم التوصل إلى إلغاء بعض التمييزات التقليدية التي كانت تفصل البنوك التجارية و بنوك الأعمال، في بريطانيا تم مزج وظائف الوسطاء الماليين و السماسرة، كما سمح لغير المقيمين بأن يكونوا مساعدي الرؤساء في الإصدارات الأجنبية.
- المستوى الخارجي: و يعني فتح الأسواق المالية الوطنية أمام المتعاملين الأجانب، بحيث يتسنى للمتعاملين الأجانب شراء جزء من الأصول المالية لكبرى الشركات الوطنية، بالإضافة للأصول المالية الحكومية.
2 ـ تقلص دور الوساطة في التمويل (La Désintermédiation)
و هذا يعني اعتماد أساليب التمويل المباشرة لإجراء عمليات التوظيف و الاقتراض، و نقصد بالتمويل المباشر، اللجوء إلى إصدار و تبادل الأوراق المالية في الأسواق المالية ( أسهم، سندات..الخ.) دون المرور عبر الوسطاء الماليين أو البنوك ( التمويل غير المباشر )، فالرشادة الاقتصادية تستدعي البحث عن أفضل تمويل بأقل تكلفة، و هذا ما يفسر التطور الكبير للأدوات المالية المباشرة على حساب نشاط البنوك و الوسطاء الماليين الآخرين.
3 ـ إزالة القيود التنظيمية (La Déréglementation)
تزامن مبدأ إزالة القيود التنظيمية مع السياسة النقدية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية خلال الثمانينات و التي ألغت الكثير من القيود التنظيمية خاصة في مجال تسيير الحسابات المالية، فعلى سبيل المثال أصبح بإمكان سحب مبالغ مالية من الحساب للأجل (comptes à terme ) بشرط الإبقاء على رصيد أدنى، كما يمكن إجراء عملية تحويل مباشرة من الحساب الجاري (comptes à vue) إلى الحساب للأجل( (comptes à terme، ومن جهة أخرى اعتمدت هذه السياسة نظام تعويم أسعار الفائدة و أسعار صرف العملات مما أدى إلى إفراز سلسلة من الأدوات المالية الجديدة لإدارة المخاطر الناتجة عن التذبذب و عدم الاستقرار في أسعار الفائدة و أسعار صرف العملات، مما شجع على إزالة القيود التنظيمية التي كانت توضع لتجنب تلك المخاطر.

المبحـــث الثالث : مزايا العولمة المالية و استراتيجيات مواجهة المخاطر.
المطلب الأول: حدود العولمة المالية.
ستسمح العولمة المالية بتقليص العجز في الميزان الخارجي لبعض الدول ولو بصفة مؤقتة، هذا ما سيسمح بالتقليل من الفوارق بين النظم المالية المحلية والنظام المالي العالمي، أما بالنسبة لتلك الدول ذات الفائض في موازينها الخارجية فإن لها فرصة أكبر في ظل العولمة المالية لاستثمار مداخيلها، وتسيير رؤوس أموالها بصفة دائمة وعقلانية على مدار السنة، وبذلك التحكم في التوازنات الخارجية إضافة لذلك تتيح العولمة المالية إمكانية توزيع الأصول الدولية مما يسمح بظهور منافسة بين مختلف الدول والمنظمات المصرفية العالمية، مما شجع تطوير النظم المصرفية بصفة متسارعة وأثمر في توسيع الشبكة المصرفية العالمية وسرعة المبادلات الاقتصادية والتجارية.
وبشكل عام فإن أحد المنافع الرئيسية لزيادة التنوع في موارد التمويل هو تقليل خطر "أزمات الائتمان" إضافة إلى إتاحة فرص أكبر للاختيار بالنسبة للمقترضين والمستثمرين وبالتالي الحصول على شروط أفضل للتمويل وتنويع الحوافظ.
لكن رغم ما تتيحه العولمة المالية إلا أن البلدان التي تتميز بمرحلة انتقالية أو هي في طور النمو لن تحصل لها الفائدة الكبيرة بسبب نظمها البنكية المغلقة التي لا تتماشى والتطورات الحاصلة في الأسواق المالية العالمية، ومن جهة أخرى يبقى المستثمرون يفضلون اكتساب أصول محلية متخلين بذلك عن المغامرة والاستثمار في الأسواق الخارجية، إضافة إلى العراقيل المتصلة بالنظم الجبائية

المطلب الثاني: الاقتصاد الجزائري و العولمة المالية.
كان ومازال الاقتصاد الجزائري يعيش واقعا متدهورا من جميع الجوانب (الفلاحة،الصناعة،الإدارة، التجارة...)، فقد عاش و لمدة طويلـة تحت رحمة القرارات و المراسيم عن طريق التخطيط المركزي، حيث البيروقراطية الإداريـة، و العقود و الصفقات السياسة، بعيدة عن السوق أي عن العرض و الطلب و المنـافسة.
جاءت الصدمة البترولية عام 1986 كشفت عن هشاشة و ضعف المنظومة الاقتصادية، حيث وصل حجم التضخم إلى %42 و انخفضت طاقة المصانع إلى ما دون %50، و قلة المداخيل و ضعف الاستثمارات و إنخفظت قيمة العملة، و بهذا أصبح الإقتصاد الجزائري يمر بمرحلة انتقالية ظهرت سلبياتها في الميدان الصناعي و الاجتماعي في 1994-04-12، كانت المحطة الأولى في مسيرة الاقتصاد الوطنين و ذلك بالتوقيع على (رسالة رغبة) مع المؤسسات المالية الدولية ثم القبول بشروط صندوق النقد الدولي،و نادي باريس، و من هذه الشروط:


ـ تقليص مصاريف الدولة و الخاصة بالشؤون الاجتماعية.
ـ الحرية الشاملة الأسعار.
ـ تخلي الدولة عن دعم الشركات و تطبيق الخصخصة و تشجيعها.
ـ الحرية المطلقة للتجارة الخارجية و الرفع من الضرائب لدعم تمويل الخزينة.
ـ مراقبة شديدة لتعديل ميزان المدفوعات.
ـ تجميد الأجور و التخفيض من استثمارات القطاع العام.

المطلب الثالث: مزايا و مخاطر العولمة المالية .
تتضمن العولمة بعض الجوانب الايجابية و السلبية تتجلى في المزايا و المخاطر نذكر منها :
أ- المزايـا:
يرى أنصار العولمة المالية أنها تحقق مزايا عديدة بالنسبـة للدول الناميـة يمكن إجمالها في النقاط التالية:
ـ يمكن الانفتاح المالي الدول النامية من الوصول إلى الأسواق المالية للحصول على ما تحتاجه من أموال لسد فجوة في الموارد المحلية، أي قصور المدخرات عن تمويل الاستثمارات المحلية، مما يؤدي إلى زيادة الاستثمار المحلي و بالتالي معدل النمو الاقتصادي.
ـ تسمح حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة و استثمار الحافظة المالية بالابتعاد عن القروض المصرفية التجارية، و بالتالي الحد من زيادة حجم الديون الخارجية.
ـ تخفيف تكلفة التمويل بسبب المنافسة بين الوكلاء الاقتصاديين.
ـ تؤدي إجراءات تحرير النظام المصرفي و المالي إلى خلق بيئة مشجعة لنشاط القطاع الخاص إلى الحد من ظاهرة هروب رؤوس الأموال إلى الخارج.
ـ تساعد الاستثمارات الأجنبية على تحويل التكنولوجية.


ب- المخاطـر:
لقد أثبتت تجارب عقد التسعينات، أن العولمة المالية بالنسبة للدول النامية كثيراً ما أدت إلى حدوث أزمات و صدمات مالية مكلفة (المكسيك و النمور الآسيوية و البرازيل و روسيا...)، و يمكن إيجاز مخاطر العولمة المالية في النقاط التالية:

ـ المخاطر الناجمة عن التقلبات الفجائية للاستثمارات الأجنبية (خصوصاً قصيرة الأجل مثل استثمارات الحافظة المالية).
ـ مخاطر التعرض لهجمات المضاربة.
ـ مخاطر هروب الأموال الوطنية.
ـ مخاطر دخول الأموال القذرة(غسل الأموال).
ـ إضعاف السيادة الوطنية في مجال السياسة المالية و النقدية.
و لا يختلف كثيرا دور الاستثمارات الأجنبية الخاصة في تنمية البلدان الأقل نمواً عن تحرير التجارة، فهذه الاستثمارات تأتي لخدمة التجارة الخارجية و بدافع تحقيق الربح الوفير و السريع، فهي بالتالي تعمل على تقديم التقسيم الدولي القائم و لا تغييره لصالح الدول النامية، إذ أنّ رأي أنصار منظمة التجارة العالمية و المؤسسات الدولية الأخرى بأن تحرير التجارة و الاستثمارات الأجنبية يسهم بشكل فعال في تحقيق النمو الاقتصادي للدول تعترضه تحفظات، فكثيراً ما يكون النمو و الأداء للاقتصاد هو الذي يجلب الاستثمارات الأجنبية الخاصة و ليس العكس، حيث أن هذه الاستثمارات شأنها شأن القروض الخارجية الممنوحة من طرف المؤسسات المالية الدولية، مما تذهب إلى الدول التي تحتاج إلى هذه الأموال لرفع معدل نموها, كما يشهد بذلك توزيع هذه الاستثمارات بين مناطق العالم.
ففي عقد التسعينات مثلا اتجهت الحصة الكبرى من الاستثمارات الأجنبية إلى الدول الأجنبية إلى الدول الصناعية الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا و اليابان)، و بلغت أكثر من %15 كمتوسط.
و إن كانت الدول النامية قد أفلحت في زيادة حصتها من الاستثمارات فإن ذلك كان لصالح عشر دول ناشئة أو صاعدة و هي (الأرجنتين، البرازيل، تشيلي ، الصين، إندونيسيا، كوريا الجنوبية،ماليزيا و المكسيك و تايلاند)، حيث تستحوذ هذه الدول ثلاثة أرباع مجمل تدفقات رؤوس الأموال إلى البلدان النامية، و هذا التوزيع ينفد فرضية التوزيع الأمثل و العادل لرؤوس الأموال على الصعيد العالمي.
و إذا نظرنا إلى تركيبة هذه الأموال، فإننا نلاحظ المكانة الكبرى للاستثمارات الأجنبية المباشرة، و التزايد المطرد للاستثمار في الحافظة المالية عدى حساب القروض التجارية الأخرى، و هو ما يعكس رعية الدول المستقطبة لهذه الموال في مثل النوعين الأولين لكونهما يخلقان فرصا جديدة للتمويل و التشغيل دون إثقال الديون الخارجية للدول.


المطلب الرابع: استراتيجيات مواجهة تحديات العولمة المالية.
لا توجد الدول النامية في منزلة واحدة من التقدم و التنمية, و بسبب عدم وجود حلول شاملة, فإن المشاكل الداخلية التي على هذه الدول أن تتخطاهـا لجني ثمار سياسات الانفتاح و التحرير التجاري و جلب الاستثمارات الأجنبية، قد تختلف من بلد لآخر، و لضمان ذلك لا بد من تحقق جملة من الأهداف نذكـر منهـا:
أ- استقرار السياسات الاقتصادية الكلية:
يعتبر وجود سياسة اقتصادية كلية عامة ثابتة و مستديمة، شرطاً ضروريا للاستفادة من الإمكانات التي تتيحها عولمة الاقتصاد، فـي عقد التسعينات اتجهت الحصة الكبرى من لاستثمارات الأجنبية إلى الدول الصناعية الكبرى، و بلغت أكثر من 75 كمتوسط. و إن كانت الدول النامية قد أفلحت في زيادة حصتها من الاستثمارات فإن ذلك كان لصالح 10دول ناشئة أو صاعدة، يكمن مفتاح قيام اقتصاد سوق أكثر حيوية في الدول النامية في نوعية التصرف في المؤسسات العامة و في درجة ثقة الوكلاء.
ب- الاقتصاديين المحليين و الأجانب في هذا التسيير:
و يمكن إيجاز العوامل المؤثرة إيجابا في هذا الأداء في النقاط التالية:
ـ إطار مؤسساتي و قانوني يشجع تطور اقتصاد قائم على مؤسسات أكثر فعالية.
ـ خلق بيئة تنافسية تجعل السوق أكثر نجاعة.
ـ ضمان شفافية أكثر لنشاط المؤسسات الاقتصادية.
ج- تدعيم القطاع المالي:
أظهرت التجارب أن الدول التي تحضى بقطاع مالي و مصرفي متحرر و متطور هي في الغالب التي استفادت من الاستثمار،و حققت آداءاً اقتصاديا أفضل، كما برهنت هذه التجارب على أنّ نجاح الإصلاحات الهيكلية و قدرة الإقتصاد على مقاومة الصدمات الخارجية الفجائية، ترتبط بسلامة القطاع المالي و البنكي نظراً لأهمية القطاع المالي و البنكي و أهميته في رفع كفاءة الاقتصاد و تحقيق الاستقرار الكلي المنشود.
و من المنتظر أن تكون مسألة تحرير و هيكلة الأنظمة المالية محور نقاشات قادمة في منظمة التجارة العالمية، و صندوق النقد و البنك الدوليين، نظراً لحساسية هذا القطاع و التحديات التي تواجهه بعد أزمة نهاية التسعينات.



د- تنمية المصادر البشرية:
إن مسيرة التنمية في الدول الأقل نمواً مرتبطة بتحقيق معدلات نمو اقتصادية مرتفعة تفوق معدلات النمو الديمغرافي، لتضييق الفجوة بينها و بين الدول المتقدمة، و هذا الأمر يتطلب تحقيقه تطوير كفاءات القادرة على توليد التقنية الأكثر ملائمة من خلال التركيز على التعليم و البحث العلمي و التطويـر.
هـ - إصلاحات سياسية:
إن نجاح السياسات في البلدان النامية مرهون بإنجاز إصلاحات سياسية تسمح بمشاركة القوى الفاعلة و الكفاءات الحية في رسم القرارات الاقتصادية و السياسات المصيرية، و في ظل التحولات اتجهت مجموعة كبيرة من البلدان لإقامة تكتلات اقتصادية لمواجهة العولمة، و إثبات وجودها في منظومة الاقتصاد العالمي بعد تزايد عدد الموقعين على الجات التي أصبحت OMC ، منها المجموعة الاقتصادية الأوروبية، و منطقة التبادل الحر لأمريكا الشمالية، و رابطة دول جنوب شرق آسيا و المجموعة الاقتصادية الإفريقية.



الخاتمــــــــــــــــة.
من كل هذا، يتضح أن العولمة ليست (شراً خالصاً)، و لا (خيراً خالصاً) بالنسبة للبلدان النامية و أنها لن تؤدي بصورة آلية و تلقائية إلى الإضرار بها أو نفعها، و إنما الأمر يتوقف عليها أولا و أخيرا، فإذا ما أحسنت تدبير شؤون اقتصادها و أخذت بسياسات سليمة تزيد من قدرتها على المنافسة و تدعم مركزها التفاوضي مع الغير جاءت النتيجة خيراً و بركة، و إلا كانت عليها و على سكانها، و عليه فإن الترتيبات الأقلمة ليست نفيا للعولمة أو عرقلة لها، بل إنها إذا أقيمت على أسس سليمة و رشيدة تضيف للعولمة بأكثر ما يضيفه مجموع مساهمات الدول الأعضاء الداخلة فيها، و إنها تكفل شريكا أقوى في العولمة أكثر قدرة على أن يفيد الآخرين و أن يستفيد.
الملخص
وتأسيسا على ما ذكرناه فإن للعولمة جملة من الخصائص نوجزها فيما يلي :
- تلعب العولمة المالية دورا أساسيا في درجة تبعية الدول المتخلفة للدول المتقدمة من خلال المديونية الخارجية، إذ أصبحت تلك الديون أدوات مالية تتداولها البنوك و المؤسسات المالية العالمية.
- في ظل العولمة المالية، ظهرت التكتلات المالية العالمية لتسيطر على مصادر التمويل و توجهها الوجهة التي تخدم مصالح الدول الكبرى، أي أن العولمة المالية تؤثر على توزيع الادخار العالمي و توظيفاته في عالم وحيد القطب
- تسمح العولمة للمضاربين بتحقيق أرباح سريعة و كبيرة عبر المضاربة.
- استخدام عقود الخيارات و المشتقات المالية على العملات و أسعار الفائدة من أجل التغطية و الحماية من الأزمات.
- ظهور و توسع أسواق الأورودولار، بدأ من لندن ثم إلى بقية الدول الأوروبية.
- إدماج البترودولارات في الاقتصاد العالمي، بعد ارتفاع أسعار البترول و تجمع مبالغ ضخمة لدى الدول المصدرة للبترول فاقت احتياجاتها من التمويل، مما زاد في نسبة الادخار العالمي و ظهور القروض البنكية المشتركة.
- حرية تحرك رؤوس الأموال مهما كان شكلها بين دول العالم دون قيد و التي تهدف إلى تحقيق أرباح باستثماراتها في الدول التي هي في حاجة إلى موارد مالية.
- تسمح للدول النامية بالحصول على مصادر تمويل من الأسواق المالية الدولية لتغطية العجز الحاصل في المدخرات المحلية. وهذا ما يسمح لها بزيادة استثماراتها المحلية( إضافة إلى انفتاح هذه الدول).
- يمكن الاعتماد على طرق الاستثمار الأخرى كالاستثمارات الأجنبية المباشرة و الاستثمارات في المحافظ المالية لتفادي المخاطر الناجمة عن التمويل بواسطة القروض.
- الحصول على الأموال بتكاليف منخفضة لوجود المنافسة بين الممولين.
- يمكن الحد من هروب الأموال إلى الخارج بتحديث النظام المصرفي و المالي و توفير المناخ المناسب للقطاع الخاص الوطني.
ـ تساعد الاستثمارات الأجنبية على نقل التكنولوجيا و الخبرة في الإدارة و التسيير


منقوول


الساعة الآن 07:34 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By Almuhajir
لا تتحمل منتديات حصن عمان ولا إدارتها أية مسؤولية عن أي موضوع يطرح فيها

a.d - i.s.s.w