ومضة حياة 29-09-2010 12:37 AM الاريكــــا   تحقيقا لاهتمامات جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم بالبيئة العُمانية تقوم جامعة السلطان قابوس ممثلة في قسم الكيمياء بكلية العلوم باجراء بحث علمي يتم خلاله تسخير نوع من الكائنات الحية الدقيقة تسمى الاركيا للتخلص من المركبات الهيدروكربونية السامة ومنها النفط حيث ان كثيرا ما يحصل تسرب في النفط المنقول من حقول النفط بواسطة الانابيب الى اعماق التربة مسببا تلوثا خطيرا في احد مصادرنا المائية وهي المياه الجوفية كما يحصل تسرب في النفط من ناقلات النفط الى البحر فيؤثر في الحياة البحرية وتعتبر هذه الدراسة الاولى من نوعها في منطقة الخليج العربي وهناك القليل من الدراسات التي اجريت على المستوى العالمي لمعرفة مدى قدرة هذه الكائنات على التغذي على النفط والمواد الهيدروكربونية وقد قام بهذا البحث الدكتور هايكو باتزلت. وكما هو معروف فان البيئة العُمانية غنية بمظاهر الحياة والتضاريس المختلفة فمن سلاسل الجبال والمرتفعات الى سهول الباطنة ومن صحاري المنطقة الشرقية والوسطى الى واحات ووديان المنطقة الداخلية فان القسم الاكبر من هذه المناطق قد تم دراسته واستغلاله من قبل بعض الجهات الحكومية ذات العلاقة بشؤون البيئة والموارد الطبيعية وهناك مناطق اخرى لم يتم استغلالها علميا مثل الصبخات الملحية التي تعتبر مناطق قاحلة وذات بيئة قاسية يصعب العيش فيها وخالية من مظاهر الحياة النباتية او الحيوانية على السواء وقد اكتشف الباحثون في جامعة السلطان قابوس ان هذه الصبخات تعتبر بيئة ملائمة لنمو نوع من الكائنات الحية الدقيقة تدعى Archaea halophilic (الآركيا المحبة للملح) وهي كائنات حية دقيقة وحيدة الخلية اكتشف وجودها العالم الاميركي كارل ويس في عام 1970م وقد صنفها ضمن مملكة خاصة تدعى الآركيا ولهذه الكائنات الحية الدقيقة القدرة على العيش في ظروف بيئية قاسية جدا كأوساط عالية الملوحة واوساط ذات درجة حرارة وضغط جوي عاليين ولها القدرة على التغذي على المواد الهيدروكربونية والهالوجينية السامة الملوثة للبيئة. وقد بدأت مراحل اجراء البحث بتجميع العينات حيث قام الدكتور هايكو باتزلت بتجميع عينات من الصبخات الساحلية والصبخات الصحراوية من معظم مناطق السلطنة نذكر منها على سبيل المثال: وادي الشويمية بمحافظة ظفار وقارة الكبريت بالمنطقة الوسطى وصفا بمنطقة الظاهرة وبر الحكمان بالمنطقة الشرقية ويستدل على وجود الآركيا المحبة للملح بوجود اللون الزهري او الاحمر على الطبقات الملحية ثم قام احد الطلبة بزراعة الآركيا المحبة للملح في المختبر تحت اشراف الدكتور هايكو باتزلت في اواساط ملحية ملائمة فقط لنمو هذا النوع من الآركيا وذلك كان لموضوع دراسة تأثير بعض المواد الهيدروكربونية على حياة هذه الكائنات وقد اثبت المشروع على وجود انواع لم يتم التعرف عليها بعد من الآركيا في صبخات السلطنة ثم بعد ذلك تم اضافة بعض المواد الكيميائية السامة على جرعات الى الاوساط التي تم زرع الآركيا فيها ومن هذه المواد DDT ومحلول مادة الديكان وبعض الالديهيدات ثم بعد فترة يتم استخلاص هذه المواد عن طريق اضافة مذيب كيميائي لاذابة المواد وفصلها عن الخلايا ثم يستخلص المذيب من المحلول فالتغير الذي تحدثه الآركيا في المواد السامة لتحويلها الى المواد اقل خطورة عليها تسمى بعملية التحول البيولوجي وبعد عملية الفصل يتم تحليل المواد السامة عن طريق جهاز GCMS وهذه تسمى بعملية التحليل الكيميائي . ومن النتائج التي توصل اليها الباحثون انه منذ ان اكتشفت الآركيا المحبة للملح في عام 1970م الى الان لم يعرف سوى 35 نوعا فقط وبحثنا يبشر بوجود اكثر من 100 نوع جديد من هذه الكائنات الحية الدقيقة فقد تم خلال البحث زراعة اربعة انواع معروفة استوردت من اوروبا وتم دراستها الى جانب العينات التي جمعت من السلطنة وقد لوحظ وجود اختلاف في المظهر الخارجي والسلوك العام لهذه الانواع مقارنة بالانواع التي تتواجد في السلطنة. كما اثبت البحث ان لهذه الكائنات قدرة على التحليل او بمعنى اصح التغذي على بعض المواد السامة والدراسة لا تزال مستمرة لاثبات قدرتها على التخلص من النفط وخصوصا الانواع التي جمعت من الاماكن القريبة من حقول النفط. ومن التطبيقات المستقبلية للبحث على المستوى المحلي انه يمكن الاستعانة بهذه الكائنات الحية الدقيقة في معالجة مياه المجاري بدلا من استخدام كائنات حية دقيقة مستوردة من الخارج التي تحتاج الى عناية خاصة اثناء تخزينها وزراعتها بسبب اختلاف المناخ هنا عن موطنها الاصلي كما انه لا يمكن استخدامها في معالجة المواد الكيميائية السامة المختلطة مع الماء الملحي لعدم قدرة هذه الكائنات احتمال الملوحة العالية. وسيساعد اثبات مقدرة الآركيا المحبة للملح العُمانية على التغذي على النفط على حل مشكلة التسرب النفطي وبوجه عام فان استخدامها عوضا عن استجلاب انواع من الخارج سيوفر على الدولة الجهد والمال لانها متوافرة بكثرة في البيئة المحلية ومتأقلمة مع ظروفها. ومن التطبيقات العالمية للبحث انه يوجد للآركيا استخدامات في اوروبا والولايات المتحدة الاميركية حيث يتم زراعتها لاستخلاص نوع من البروتينات يدعى Bacteriorhodosin يستخدم للابحاث الطبية فهو يمتلك نفس خصائص البروتينات الموجودة في العين كما تستخدم الآركيا المحبة للملح لانتاج انواع البوليمرات المستخدمة لصناعة البلاستيك كما يستعان بهذا النوع من الاركيا في التخلص من المخلفات الصناعية السامة مثل المعادن الثقيلة. ومن اهم المشاكل التي يعالجها البحث على المستوى العالمي انه في البلدان الصناعية تتم عملية استخلاص المواد الكيميائية السامة من المخلفات الصناعية اما باستخدام طرق فصل مضنية او بحرق هذه المواد في افران ذات درجات حرارة عالية فتتولد غازات سامة ملوثة للجو ومضرة بصحة الانسان كما ان بعض هذه البلدان تستخدم انواعا من الكائنات الحية الدقيقة لتعالج هذه المواد بيلوجيا. ان كفاءة هذه الكائنات الحية تكون عالية جدا في الظروف الفوق اعتيادية من درجات الملوحة والحرارة العاليتين في هذه الحالة يمكن الاستعانة بكائنات تستطيع احتمال هذه المواد ولا تتأثر بدرجة الحرارة والملوحة العاليتين ونقصد هنا الآركيا المحبة للملح. وسيجعل نجاح هذا البحث السلطنة من اوائل الدول في العالم التي تدرس هذا النوع من الكائنات الحية الدقيقة وستكون اول دولة عربية تتعامل مع الآركيا كما ان تطبيق البحث في حل المشاكل البيئية المذكورة سيوفر على الدولة الكثير من الجهد والمال.

الساعة الآن 09:33 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By Almuhajir
لا تتحمل منتديات حصن عمان ولا إدارتها أية مسؤولية عن أي موضوع يطرح فيها

a.d - i.s.s.w