الفارس البلوشي
29-03-2006, 03:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
هذة القصه مأخوذه من أحداث حقيقيه - - من كتابتي..
في ليلة ماطرة وبعد أن أعيانا التشبث على النوافذ ذات القضبان الحديدية لرؤية حبات المطر تتساقط على الأرض، وكأن احساساً داخلياً يوحي لنا انه مثلما تغسل هذه الحبات الأرض وترويها فهي تغسل نفوسنا معها، فرائحة الأرض بعد نزول المطر تأخذنا بعيداً الى حياة خلف هذه الأسوار.. الى بيوتنا وأسرنا ونتذكر كل لحظة حلوة كانت أو مرّة من حياتنا معهم، وعندما حان موعد النوم، واطفئت الأنوار ذهبنا الى أسرّتنا حيث جرت العادة ان نجلس مع بعضا قليلاً في محادثة ليلية ما قبل النوم، نتجاذب خلالها أطراف الحديث في مواضيع شتى، وكان المطر وذكرياته مع كل واحد منا عنوان جلستنا تلك نتذكر فيها آخر مرة هطل فيها المطر عندما كنا خارج هذه الأسوار، وكان من بيننا رجل قارب الستين من عمره محكوم بالسجن المؤبد، ينظر الينا دون ان يشاركنا الحديث، وكان يكتفي بابتسامة باهتة بين الحين والآخر، وبعدها يعود الى عالمه وتعود ملامح التفكير العميق الى وجهه ويبقى معنا جسداً فقط، ولكن روحه الحزينة تجول في مملكة حزنه، كل من في السجن يعرف قضيته ونظرة الاشمئزاز تطارده في أي مكان يذهب اليه، وكنت أحس بالكراهية تجاهه لما اقترف من جريمة نكراء في حق اقرب الناس اليه، ولكن بالمقابل كانت هناك صفات أخرى في شخصيته تجعلني أغيّر رأيي فيه احياناً، فهو كثير الصلاة وتلاوة القرآن، وبعد ان انفضت الجلسة وبقيت وحدي مع صاحبي قلت له: لم تشاركنا ذكرياتك مع المطر؟ فرفع رأسه وملامح الحزن مازالت مرسومة على محياه، وقال: وماذا تريدني ان اقول؟ لقد كنتم تسترجعون ذكرياتكم مع أسركم في مواسم الامطار بينما أتذكر انا مأساتي مع أسرتي في احد هذه المواسم، لقد بدأت مأساتي مع أسرتي في ليلة ماطرة كهذه فهل تريدني أن أحكيها لك؟ أم تكتفي بما يدور من همسات في اركان السجن عن جريمتي.. ترددت في الاجابة عن سؤاله في بداية الأمر، وبعدها قلت له: مهما تردد عنك وقيل من كلام ومهما قلت لي أنت عن جريمتك ستبقى الحقيقة بينك وبين ربك الذي هو أعلم بك، ولكن لا مانع لدي ان اسمعها منك إن أحببت ان تخبرني بها. فقام من مكانه وذهب الى أحد اركان الزنزانة وأخذ شيئاً ورجع لي فإذا هو يمسك بمصحف بيده موجهاً كلامه لي وقال: أقسم بهذا المصحف الذي هو مُنزل من قبل رب العالمين بأن كل ما سأذكره لك هو الحق وأني بريء مما هو منسوب إلي ووجودي في السجن سببه “كيد النساء” (قاصداً زوجته وبناته!).. سكت قليلاً وأشعل سيجارة، وأخذ ينفث الدخان بعصبية واضحة، وبدأ يسترسل حديثه: لقد مضى على وجودي في الدولة أكثر من 25 عاماً مع أسرتي المكونة من زوجة و3 بنات في مراحل دراسية مختلفة، وكنت أعمل بوظيفة ذات راتب مغرٍ، وكانت اسرتي هي كل حياتي، ومضت حياتي سعيدة ما بين وظيفتي وأسرتي، ولكن فجأة هبت رياح التغيير بعد ان أصبت بمرض (لم يفصح عنه) وبدأت الخلافات بيني وبين زوجتي وكانت تبحث عن اختلاق المشاكل لأتفه الأسباب، ولا تتوانى عن زج الأولاد في الخلافات، حتى إنهن كن يقفن الى جانبها ويتعمدن مضايقتي كلما طلبت منهن زوجتي ذلك، وكنت رغم ذلك لا آلو جهداً لأجل اسعادهن، ورغم المرض الذي أنهكني الا أنني لم أترك عملي والذي كان يمتد في بعض لأحيان الى ساعات متأخرة، حتى كانت تلك الليلة التي كان المطر يهطل فيها بغزارة عندما عدت للمنزل فوجدت الشرطة بانتظاري ومواجهتي بتهمة تمنيت الموت على ان اسمعها، دارت بي الدنيا ولم أتفوه بكلمة واحدة لأن الصدمة كانت أقوى مني، فذهبت معهم، وعندما أدخلت الى غرفة التحقيق رأيت دموع التماسيح في عيون المدعين علي، زوجتي وبناتي الثلاث، وهن يدلين بأقوالهن الكاذبة، سمعت عبارات أخجل من ذكرها كما خجلت وقتها من سماعها وتمنيت لو ان الارض انشقت وابتلعتني قبل ان أعيش هذا اليوم، انتهى التحقيق وعرضت على القضاء حيث صدر علي حكم بالسجن المؤبد بتهمة الاغتصاب! واغتصاب من؟ ابنتاي! وكانت الثالثة والصغرى شاهدة على الجريمة، حينها بكيت ولكن لم يكن بكائي لأجل براءتي وانما لعقوق بناتي، وبكائي على امرأة اقترنت بها وبكائي على ضميرها الميت الذي استخدمته للتأثير في بناتي لأجل اتهامي بهذه الجريمة!
ولأن عدالة السماء تقول كلمتها دائماً، ففي جلسة الاستئناف قضت المحكمة- بنقض الحكم الابتدائي واعلان براءة المتهم بعد ان اثبت تقرير الطبيب الشرعي بأن المتهم يعاني من عجز جنسي منذ زمن طويل بسبب داء السكري، مما ينفي التهمة الموجهة ضده، وفي ذلك اليوم تم الافراج عنه وأثناء توديعي له نظر اليّ بابتسامة فهمت مغزاها فودعته بابتسامة مشابهة، وكان هذا آخر عهدي به حيث علمت بعد الإفراج أنه غادر الدولة نهائياً عائداً الى وطنه .
هذة القصه مأخوذه من أحداث حقيقيه - - من كتابتي..
في ليلة ماطرة وبعد أن أعيانا التشبث على النوافذ ذات القضبان الحديدية لرؤية حبات المطر تتساقط على الأرض، وكأن احساساً داخلياً يوحي لنا انه مثلما تغسل هذه الحبات الأرض وترويها فهي تغسل نفوسنا معها، فرائحة الأرض بعد نزول المطر تأخذنا بعيداً الى حياة خلف هذه الأسوار.. الى بيوتنا وأسرنا ونتذكر كل لحظة حلوة كانت أو مرّة من حياتنا معهم، وعندما حان موعد النوم، واطفئت الأنوار ذهبنا الى أسرّتنا حيث جرت العادة ان نجلس مع بعضا قليلاً في محادثة ليلية ما قبل النوم، نتجاذب خلالها أطراف الحديث في مواضيع شتى، وكان المطر وذكرياته مع كل واحد منا عنوان جلستنا تلك نتذكر فيها آخر مرة هطل فيها المطر عندما كنا خارج هذه الأسوار، وكان من بيننا رجل قارب الستين من عمره محكوم بالسجن المؤبد، ينظر الينا دون ان يشاركنا الحديث، وكان يكتفي بابتسامة باهتة بين الحين والآخر، وبعدها يعود الى عالمه وتعود ملامح التفكير العميق الى وجهه ويبقى معنا جسداً فقط، ولكن روحه الحزينة تجول في مملكة حزنه، كل من في السجن يعرف قضيته ونظرة الاشمئزاز تطارده في أي مكان يذهب اليه، وكنت أحس بالكراهية تجاهه لما اقترف من جريمة نكراء في حق اقرب الناس اليه، ولكن بالمقابل كانت هناك صفات أخرى في شخصيته تجعلني أغيّر رأيي فيه احياناً، فهو كثير الصلاة وتلاوة القرآن، وبعد ان انفضت الجلسة وبقيت وحدي مع صاحبي قلت له: لم تشاركنا ذكرياتك مع المطر؟ فرفع رأسه وملامح الحزن مازالت مرسومة على محياه، وقال: وماذا تريدني ان اقول؟ لقد كنتم تسترجعون ذكرياتكم مع أسركم في مواسم الامطار بينما أتذكر انا مأساتي مع أسرتي في احد هذه المواسم، لقد بدأت مأساتي مع أسرتي في ليلة ماطرة كهذه فهل تريدني أن أحكيها لك؟ أم تكتفي بما يدور من همسات في اركان السجن عن جريمتي.. ترددت في الاجابة عن سؤاله في بداية الأمر، وبعدها قلت له: مهما تردد عنك وقيل من كلام ومهما قلت لي أنت عن جريمتك ستبقى الحقيقة بينك وبين ربك الذي هو أعلم بك، ولكن لا مانع لدي ان اسمعها منك إن أحببت ان تخبرني بها. فقام من مكانه وذهب الى أحد اركان الزنزانة وأخذ شيئاً ورجع لي فإذا هو يمسك بمصحف بيده موجهاً كلامه لي وقال: أقسم بهذا المصحف الذي هو مُنزل من قبل رب العالمين بأن كل ما سأذكره لك هو الحق وأني بريء مما هو منسوب إلي ووجودي في السجن سببه “كيد النساء” (قاصداً زوجته وبناته!).. سكت قليلاً وأشعل سيجارة، وأخذ ينفث الدخان بعصبية واضحة، وبدأ يسترسل حديثه: لقد مضى على وجودي في الدولة أكثر من 25 عاماً مع أسرتي المكونة من زوجة و3 بنات في مراحل دراسية مختلفة، وكنت أعمل بوظيفة ذات راتب مغرٍ، وكانت اسرتي هي كل حياتي، ومضت حياتي سعيدة ما بين وظيفتي وأسرتي، ولكن فجأة هبت رياح التغيير بعد ان أصبت بمرض (لم يفصح عنه) وبدأت الخلافات بيني وبين زوجتي وكانت تبحث عن اختلاق المشاكل لأتفه الأسباب، ولا تتوانى عن زج الأولاد في الخلافات، حتى إنهن كن يقفن الى جانبها ويتعمدن مضايقتي كلما طلبت منهن زوجتي ذلك، وكنت رغم ذلك لا آلو جهداً لأجل اسعادهن، ورغم المرض الذي أنهكني الا أنني لم أترك عملي والذي كان يمتد في بعض لأحيان الى ساعات متأخرة، حتى كانت تلك الليلة التي كان المطر يهطل فيها بغزارة عندما عدت للمنزل فوجدت الشرطة بانتظاري ومواجهتي بتهمة تمنيت الموت على ان اسمعها، دارت بي الدنيا ولم أتفوه بكلمة واحدة لأن الصدمة كانت أقوى مني، فذهبت معهم، وعندما أدخلت الى غرفة التحقيق رأيت دموع التماسيح في عيون المدعين علي، زوجتي وبناتي الثلاث، وهن يدلين بأقوالهن الكاذبة، سمعت عبارات أخجل من ذكرها كما خجلت وقتها من سماعها وتمنيت لو ان الارض انشقت وابتلعتني قبل ان أعيش هذا اليوم، انتهى التحقيق وعرضت على القضاء حيث صدر علي حكم بالسجن المؤبد بتهمة الاغتصاب! واغتصاب من؟ ابنتاي! وكانت الثالثة والصغرى شاهدة على الجريمة، حينها بكيت ولكن لم يكن بكائي لأجل براءتي وانما لعقوق بناتي، وبكائي على امرأة اقترنت بها وبكائي على ضميرها الميت الذي استخدمته للتأثير في بناتي لأجل اتهامي بهذه الجريمة!
ولأن عدالة السماء تقول كلمتها دائماً، ففي جلسة الاستئناف قضت المحكمة- بنقض الحكم الابتدائي واعلان براءة المتهم بعد ان اثبت تقرير الطبيب الشرعي بأن المتهم يعاني من عجز جنسي منذ زمن طويل بسبب داء السكري، مما ينفي التهمة الموجهة ضده، وفي ذلك اليوم تم الافراج عنه وأثناء توديعي له نظر اليّ بابتسامة فهمت مغزاها فودعته بابتسامة مشابهة، وكان هذا آخر عهدي به حيث علمت بعد الإفراج أنه غادر الدولة نهائياً عائداً الى وطنه .