مشاهدة النسخة كاملة : العرب والرياضيات


بيسان
09-03-2007, 05:01 PM
العرب والرياضيات



مآثر العرب في الحساب

من كتاب "تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك"

برع العرب في العلوم الرياضية وأجادوا فيها وأضافوا إليها إضافات هامة أثارت الإعجاب والدهشة لدى علماء الغرب ، فاعترفوا بفضل العرب وأثرهم الكبير في تقدم العلم والعمران . لقد اطلع العرب على حساب الهنود فأخذوا عنه نظام التلاقيم ، إذ رأوا أنه أفضل من النظام الشائع بينهم - نظام الترقيم على حساب الجمل - وكان لدى الهنود أشكال عديدة للأرقام ، هذب العرب بعضها وكونوا نم ذلك سلسلتين ، عرفت إحداهما بالأرقام الهندية وهي التي تستعملها هذه البلاد وأكثر الأقطار العربية والإسلامية ، وعرفت الثانية باسم الأرقام الغبارية وقد انتشر استعمالها في بلاد الغرب والأندلس. وعن طريق الأندلس وبواسطة الماملات التجارية والرحلات التي قام بها بعض علماء العرب ، والسفارات التي كانت بين الخلفاء وملوك بعض البلاد الأوروبية ، دخلت هذه الأرقام إلى أوروبا وعرفت فيها باسم ارقام العربية.

وليس المهم هنا تهذيب العرب للأرقام وتوفيقهم في اختيار هاتين السلسلتين أو إدخالهما إلى أوروبا ، بل المهم إيجاد طريقة جديدة لها – طريقة الإحصاء العشري – واستعمال الصفر لنفس الغاية التي نستعملها الآن.

ولقد كان الهنود يستعملون ( سونيا) أو الفراغ لتدل على معنى الصفر. ثم انتقل هذه اللفظة الهندية إلى العربية باسم ( الصفر ). ومن هنا أخذها الإفرنج واستعملوها في لغاتهم فكان من ذلك Cipher و Chiffre ، ومن الصفر أتت الكلمة Zyphyr و Cipher ثم تقلصت عن طريق الاختصار فأصبحت Zero .

وعلى ذكر الأرقام العربية أو الأرقام الهندية نقول : إن لهذه الأرقام مزايا عديدة ، منها : أنها تقتصر على عشرة أشكال بما فيها الصفر . ومن هذه الأشكال يمكن تركيب أي عدد مهما كان كبيرا ، بينما نجد أن الأرقام الرومانية تحتاج إلى أشكال عديدة وتشتمل على أشكال جديدة للدلالة على بعض الأعداد . أما الأرقام اليونانية والعربية القديمة القائمة على حساب الجمل ، فإن عددها كان بقدر عدد حروف الهجاء.

ومن مزايا الأرقام العربية أو الهندية أنها تقوم على النظام العشري ، وعلى أساس القيم الوضعية بحيث يكون للرقم قيمتان ، قيمة في نفسه وقيمة بالنسبة إلى المنزلة التي يقع فيها.

ولعل من أه مزايا هذا النظام ، إدخال الصفر في الترقيم واستعماله في المنازل الخالية من الأرقام

ومما لا شك فيه : أن هذا النظام هو من المخترعات الأساسية والرئيسية ذات الفوائد الجلى التي توصل إليها العقل البشري ، فلم تنحصر مزاياه في تسهيل الترقيم وحده ، بل تعدته إلى تسهيل جميع أعمال الحساب ، ولولاه لما رأينا سهولة في الأعمال الحسابية ولاحتاج المرء إلى استعمال طرق عويصة وملتوية لإجراء عمليتي الضرب والقسمة ، حتى أن هاتين العمليتين كانتا تقتضيان جهدا كبيرا ووقتا طويلا ، ولو قدر لأحد علماء اليونان من الرياضيين أن يبعث ، فقد يعجب من كل شيء ولكن عجبه سيكون على أشده إذ يرى أن أكثر سكان الأقطار في أوروبا وأميركا يتقنون عمليتي الضرب والقسمة ويجرونهما بسرعة وبدون عناء.

ولسنا بحاجة إلى القول أنه لولا الصفر واستعماله في الترقيم لما فاقت الأرقام العربية والهندية غيرها من الأرقام ، ولما كان لها أية ميزة بل لما فضلتهما الأمم المختلفة على الأنظمة الأخرى المستعملة في الترقيم . والنظام المستعمل والشائع الآن يقضي بجعل قيمة الرقم تتغير بتغير منزلته ، أي أنهم أوجدوا منازل للأرقام تكسب الرقم الواحد قيما مختلفة إذا نقل من منزلة إلى أخرى ، فالرقم الذي على اليمين يدل على الآحاد والذي يليه على العشرات والذي يليه على المئات وهكذا ...

وإذا أردنا أن نكتب العدد ( ثلاثة وأربعين) فإننا نضع الثلاثة في المنزلة الأولى أي منزلة الآحاد والأربعة في المنزلة الثانية أي منزلة العشرات وتكتب هكذا (43) وهنا نجد أن الثلاثة رفعت الأربعة إلى المنزلة الثانية إلى اليسار وأعطتها قيمة الأربعين. ولكن إذا أردنا أن نكتب بالرقم العدد (أربعين) فمعنى ذلك أنه علينا أن نجد رقما يدفع الأربعة إلى المنزلة الثانية إلى اليسار وبذات الوقت لا يزيد في المجموع شيئا ، ومن هنا استعمل الصفر ، ووضع علماء الهند علامة له لتملأ المرتبة الخالية ، فجاءت مكملة لطريقة كتابة الأعداد بالأرقام .

وللصفر فوائد أخرى : فلولاه لما استطعنا أن نحل كثيرا من المعادلات الرياضية من مختلف الدرجات بالسهولة التي نحلها بها الآن ، ولما تقدمت فروع الرياضيات تقدمها المشهود ، وبالتالي لما تقدمت المدنية هذا التقدم العجيب. ومن الغريب أن الأوروبيين لم يتمكنوا من استعمال هذه الأرقام إلا بعد انقضاء قرون عديدة من اطلاعهم عليها ، أي أنه لم يعم استعمالها في أوروبا والعالم إلا في أواخر القرن السادس عشر للميلاد.





مآثر العرب في الجبر


من كتاب "تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك"

اشتغل العرب بالجبر وأتوا فيه بالعجب العجاب ، حتى أن " كاجورى" قال : " إن العقل ليدهش عندما يرى ما عمله العرب في الجبر" وهم أول من أطلق لفظة جبر على العلم المعروف الآن بهذا الاسم وعنهم أخذ الأفرنج هذه اللفظة Algebra ، وكذلك هم أول من ألف فيه بصورة علمية منظمة ، وول من ألف فيه " محمد بن موسى الخوارزمي" في زمن المأمون ، فلقد كان كتاب الخوارزمي في " الجبر والمقابلة " منهلا نهل منه علماء العرب وأوروبا على السواء ، واعتمدوا عليه في بحوثهم وخذوا عنه كثيرا من النظريات ، وقد أحدث أكبر الأثر في تقدم علم الجبر كما أحدث كتابه في الحساب " بحيث يصح القول بأن الخوارزمي وضع علم الجبر وعلمه ، وعلم الحساب للناس أجمعين " ولقد كان من حسن حظ نهضتنا العلمية الحديثة أن قيض الله الأستاذ الدكتور علي مصطفى مشرفة والدكتور محمد مرسي أحمد فنشرا سنة 1937 كتاب الجبر والمقابلة للخوارزمي عن مخطوط محفوظ في مكتبة بودلين بأكسفورد ، وهذا المخطوط كتب في القاهرة بعد موت الخوارزمي بنحو 500 سنة . وقد علقا عليه وأوضحا ما استغلق من بحوثه وموضوعاته. ولقد سبقنا الغربيون إلى نشر هذا الكتاب والتعليق عليه كما سبقونا إلى نشره بالعربية سنة 1831 م ، ولقد نشر الكتوران الأصل العربي لكتاب الجبر والمقابلة لأول مرة مشروحا ومعلقا عليه في اللغة العربية ، فأسديا بذلك خدمة جليلة للتراث العربي وتاريخ العلم.

وفي هذا الكتاب وردت الفقرة التالية:

" ... وإني لما نظرت فيما يحتاج إليه الناس من الحساب وجدت جميع ذلك عددا . ووجدت جميع الأعداد إنما تركبت من الواحد ، والواحد داخل في جميع الأعداد . ووجدت جميع ما يلفظ به من الأعداد ما جاوز الواحد إلى العشرة يخرج مخرج الواحد، ثم تثنى المئة وتثلث كما فعل بالواحد فتكون منها العشرون والثلاثون إلى تمام المائة . ثم تثنى المائة وتثلث كما كما فعل بالواحد وبالعشرة إلى الألف ثم كذلك تردد الألف عند كل عقد إلى غاية المدرك من العدد. ووجدت الأعداد التي يحتاج إليها في حساب الجبر والمقابلة على ثلاث ضروب: وهي جذور وأموال وعدد مفرد لا ينسب إلى جذر ولا إلى مال. فالجذر منها كل شيء مضضروب في نفسه من الواحد وما فوقه من الأعداد وما دونه من الكسور. والمال كل ما اجتمع من الجذر المضروب في نفسه. والععد المفرد كل ملفوظ به من العدد بلا نسبة إلى جذر ولا إلى مال. فمن هذه الضروب الثلاثة ما يعدل بعضها بعضا. وهو كقولك أموال تعدل جذورا ، وأموال تعدل عددا ، وجذور تعدل عددا ..."

ويستدل من هذا أن الخوارزمي كان يرى أن الأعداد التي يحتاج إليها في كتاب حساب الجبر والمقابلة على ثلاث ضروب وهي: جذور وأموال وعدد مفرد لا ينسب إلى جذور ولا إلى مال.