مشاهدة النسخة كاملة : تقرير عن القمار او الربا او الارث


جريح الذكريات
14-02-2007, 10:10 PM
الباب الاول .. (الفصل الاول «الربا في القرآن»)

وقد عرضنا في هذا الفصل إلى الربا الجاهلي الذي يدعى انه هو المحروم تحريم المقاصد، ثم تعرضنا إلى الربا الذي نهي عنه «بنو اسرائيل»، كما تطرقنا إلى ربا العطية الاقوال فيه، كما اشبعنا البحث حول الفتاوى التي تفرق بين ربا القرآن والسنة مع مناقشة دليل الفرق الذي هو قاعدة «ماحرم سدا للذرائع يجوز عند الحاجة» كما ناقشنا القول ان ربا السنة هو من مصاديق ماحرم سدا للذرائع، وكذلك ناقشنا اباحته عند الحاجة.

{12}
معنى الربا:
الربا لغة: الزيادة المطلقة سواء كانت للشيء في نفسه ام بالنسبة إلى سواه وقد وردت لفظة الربا بهذا المعنى في القرآن الكريم، قال تعالى: FACE="Simplified Arabic" SIZE=4 COLOR="#000080">(فاذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) أي علت وارتفعت، وقال جل شأنه FACE="Simplified Arabic" SIZE=4 COLOR="#000080">(ان تكون أمة هي اربى من امة) أي اكثر عددا، وهذا المعنى ذكرته كتب اللغة كالقاموس ومختار الصحاح وغيرهما.
الربا في القرآن: وقد وردت لفظة الربا في اثنتي عشرة آية اكثرها لها اهمية خاصة في بحثنا، وهي:
1 – قال تعالى FACE="Simplified Arabic" SIZE=4 COLOR="#000080">(وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلايربو عند الله، وماآتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) (سورة الروم: 39).
2 – FACE="Simplified Arabic" SIZE=4 COLOR="#000080">(يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التي اعدت للكافرين) (سورة آل عمران: 130 – 131).
3 – FACE="Simplified Arabic" SIZE=4 COLOR="#000080">(فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم، وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربا وقد نهوا عنه واكلهم اموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين عذابا اليما) (سورة النساء: 159 – 160).
4 – FACE="Simplified Arabic" SIZE=4 COLOR="#000080">(الذين يأكلون الربا لايقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربا، واحل الله البيع وحرم الربا، فمن جاءه موعظة من ربه، فانتهى، فله ما سلف، وامره إلى الله ومن عاد فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون، يمحق الله الربا، ويربي الصدقات والله لايحب كل كفار أثيم... يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مابقي من الربا ان كنتم مؤمنين، فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وان تبتم فلكم

{13}
FACE="Simplified Arabic" SIZE=4 COLOR="#000080">رؤوس اموالكم لاتظلمون ولا تظلمون) (سورة البقرة: 275 – 279).
وبعد عرض أهم آيات الربا يتعين علينا ان نعرف السمات القرآنية له، ليتسنى لنا معرفة الربا بصورة واضحة جلية في القرآن الكريم ومعرفة المقصود منه معا. واهم السمات التي ذكرتها الايات هي:
1) انه حرام «احل الله البيع وحرم الربا».
2) انه مقابل للبيع.
3) انه مقابل للصدقة وانهما متضادان، حيث ان الصدقة يربيها الله والربا يمحقه «يمحق الله الربا ويربي الصدقات».
4) كان دينا بزيادة و«ذروا مابقي من الربا» «وفله ما سلف» «وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم» اذ لو كانت الزيادة في مقابل معاملة حاضرة لما بقي محل لترك مابقي من الربا ولا للكلام على ما سلف.
5) «لاتأكلوا الربا اضعافا مضاعفة» وهذه الآية خصصت بالذكر معاملة معروفة في الجاهلية وفي صدر الاسلام، وهي الدين الغالب فيه ان يصبح بالزيادة الربوية اضعافا مضاعفة بالنسبة إلى اصله.
6) «فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم... واخذهم الربا وقد نهوا عنه» وهذه الاية ذكرت الربا المحرم عند اليهود، وانهم اخذوه وقد نهوا عنه.
وبعد عرض اهم سمات الربا في القرآن يتحتم علينا دراسة الربا الجاهلي «اضعافا مضاعفة» وربا اليهود، لنرى بعد ذلك ان التحريم الوارد في القرآن الكريم هل يمكن تخصيصه بهما، او تخصيصه بالربا الجاهلي اذا كانا متشابهين ام لايمكن نظرا إلى الاخذ بالمعنى اللغوي للربا، الشامل لكل ما انطبق عليه اللفظ؟.

{14}
1 – الربا الجاهلي: وقد ذكروا ان الربا الجاهلي الذي كان يتعامل به في الجاهلية الذي يعبر عنه بالربا الذي لاشك فيه، كما عن الامام احمد هو ربا «أتقضي ام تربي» وقد جعلت هذه العبارة عند بعض الفقهاء علما في ربا الجاهلية الذي دل عليه النص، ويدعى انه له صورة متميزة عن الربا الذي كان شائعا في الشرائع السابقة وعن الربا الذي عليه المجتمع في هذه الايام «القرض بفائدة» كما يدعى ان ظاهر اللفظ في الايات القرآنية هو حرمة هذا الربا فقط لانه هو المعهود لدى المخاطبين.
وتفصيله كما يقول ابن عباس «كان الرجل منهم اذا حل دينه على غريمه فطالبه به، قال المطلوب منه زدني في الاجل وازيدك في المال، فاذا قيل لهم هذا ربا، قالوا هما سواء، يعنون بذلك ان الزيادة في الثمن حال البيع والزيادة فيه بسبب الاجل عند محل الدين سواء»1 وقد وردت بهذا المعنى كثير من الاخبار.
وهذا الربا يختلف عن ربا الفضل الذي يكون في العقود الزيادة فيه عند العقد، ويختلف ايضا عن ربا النسيئة الذي يكون في القرض، لان الزيادة في هذا الاخير تكون من اول الامر، بينما ربا الجاهلية تكون الزيادة فيه عند حلول الاجل اذا لم يسدد الدين.
وعلى هذا التمييز بين ربا الجاهلية وغيره، وذهب بعض إلى ان الفائدة المتعارفة في عصرنا الحاضر لم تكن محرمة في القرآن الكريم، لانها لم تكن داخلة في الربا الجاهلي2.


_____________________

(1) السنهوري/مصادر الحق3/ 223.
(2) ذهب إلى ذلك جمع من العامة، منهم السنهوري وابراهيم زكي الدين بدوي، ثم رجع هذا الاخير عن هذا في كتابه «نظرية الربا المحرم في الشريعة الاسلامية». (تراجع مجلة القانون والاقتصاد).

{15}
وهكذا نرى ان بعض علماء العامة وحتى بعض المعاصرين منهم، يذهبون إلى ان الربا الجاهلي عبارة عن معاملة مخصوصة تختلف عن معاملات الربا التي كافحتها الشرائع السماوية وغيرها ومازالت مورد تعامل عند الناس، وهو الذي اشارت اليه آية «اضعافا مضاعفة».
وربما يؤيد او يستدل لهذا الرأي ما ورد عنهم بعبارة «اتقضي ام تربي» التي تدل على ان الزيادة تحصل الان، وهذا يختلف عن الربا المتعارف الذي تكون فيه الزيادة من اول الامر، كما ان الاثار وصفت حق الدائن قبل حلول الاجل بانه دين او حق او مال من دون بيان منشأ هذا الدين او الحق او المال، واليك بعض الاثار التي تعتبر دليلا على هذا الرأي عند العامة1:
1 – اخرج هذا الاثر الوارد عن مجاهد ابن جرير الطبري، في تفسير قوله تعالى FACE="Simplified Arabic" SIZE=4 COLOR="#000080">(الذين يأكلون الربا لايقومون الاكما.... الخ) ونصه «حدثني محمد ابن عمرو قال حدثنا ابو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال في الربا الذي نهى الله عنه: كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني، فيؤخر عنه»2.
2 – واخرج هذا الاثر جلال الدين السيوطي ونصه «واخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الاية قال: ان الرجل كان يكون له على الرجل المال، فاذا حل الاجل طلبه من صاحبه، فيقول المطلوب اخر عني وازيدك في مالك فيفعلان ذلك، فذلك الربا اضعافا مضاعفة»3.
3 – واخرج هذا الاثر عن عطاء ابن جرير الطبري ونصه «حدثنا محمد بن


_____________________

(1) ولاحاجة للتذكر هنا بأن هذه الاثار المروية عن الصحابة هي غير معتبرة عند الامايمة لعدم حجية قول الصحابة، ولم يكن فهمهم حجة على غيرهم
(2) جامع البيان3/101.
(3) الدر المنثور للسيوطي2/71.

{16}
سنان قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن ابن جريح عن عطاء قال: كانت ثقيف تداين في بني المغيرة في الجاهلية، فاذا حل الاجل قالوا نزيدكم وتؤخرون، فنزلت FACE="Simplified Arabic" SIZE=4 COLOR="#000080">(لاتأكلوا الربا اضعافا مضاعفة)1.
4 – وهناك اثر مروي عن زيد ونصه: «انما كان الربا في الجاهلية في التضعيف وفي السن يكون للرجل فضل دين فيأتيه اذا حل الاجل فيقول له تقضيني او تزيدني؟ فان كان عنده شيء يقضيه قضى والا حوله إلى السن التي فوق ذلك: ان كانت ابنة مخاض يجعلها ابنة لبون في السنة الثانية، ثم حقة ثم جذعة ثم رباعيا، ثم هكذا إلى فوق. وفي العين2 يأتيه، فان لم يكن عنده اضعفه في العام القابل، فان لم يكن عنده اضعفه أيضا، فتكون مائة فيجعلها إلى قابل مائتين فان لم يكن عنده جعلها اربعمائة يضعفها له كل سنة او يقضيه» قال: فهذا قوله FACE="Simplified Arabic" SIZE=4 COLOR="#000080">(لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة)3.
وأخرج زرين رواية اخرى للاثر المروي عن زيد ونصها: «وعن زيد ابن اسلم قال: كان الربا الذي أذن الله فيه بالحرب لمن لم يتركه عند الجاهلية على وجهين، كان يكون للرجل على رجل حق إلى اجل، فاذا حل الاجل قال صاحب الحق: أتقضي أم تربي، فان قضاه أخذ منه والاطواه ان كان مما يامل او يوزن او يذرع او يعد، وان كان سنا رفعه إلى الذي فوقه واخره عنه إلى أجل أبعد منه»4.
هذا وقد رجع عن هذا الرأي (اختصاص الربا المحرم بربا الجاهلية)


_____________________

(1) جامع البيان4/90، الدر المنثور 2/71.
(2) النقد الذهبي والفضي.
(3) جامع البيان 4/90.
(4) تيسير الوصول/34.

{17}
بعض من قال به1 واستبعد ذلك الفهم لسببين:
الاول: «انه غير معقول بتاتا ان يكون الربا بالمعنى المعروف به منذ اقدم عصور التاريخ وهو القرض بزيادة مشروطة منذ ابتداء العقد، والذي كان متعاملا به عند ظهور الاسلام، وهو الذي كافحته الشرائع القديمة سماوية ووضعية، غير معقول ان يكون هذا الربا غير محرم بالقرآن الكريم.
الثاني: انه من المستبعد اكثر واكثر، بل مما يكاد يحيله العقل ان يكون المرابون بالربا الجاهلي، وهم على مانعتوه من القسوة والشره البالغين – من التسامح والرحمة والرفق بحيث لايقتضون على الدين في مقابل الاجل الاول مما يصوره ظاهر العبارة المأثورة في بيان الربا الجاهلي».
وفيما أرى ان الاستبعاد الثاني لم يكن واردا فضلا عن كونه مما يكاد ان يحيله العقل، وذلك اذا نظرنا إلى صفة المرابين التي ذكروها لهم من القسوة والشره، فهم بعملهم من اعطاء الدين من دون فائدة في الاجل الاول، انما يريدون ان يزيدوا من عملائهم الذين يرتبطون معهم ويقعون في شراكهم اخر الامر. فالمرابي بنظره العارف بالامور يدرك ان هذا المدين لايمكنه سد الدين في اجله، فلذلك يقدم على اقراضه بدون فائدة في الاجل الاول، وبعد انقضاء الاجل يأتيه المرابي ويضع شروطه على المدين باضعاف مبلغ الدين، ونتيجة لظروف المدين يقبل هذا الاضعاف من اجل الاجل الثاني، وبذلك يقع في شراكهم، اذ من البعيد عدم تمكن المدينمن ايفاء الدين في الاجل الاول وتمكنه من ايفاء الدين بعد الاضعاف، فاذا هذا العمل من المرابين لم يكن بعيدا ونحن بكلامنا هذا لانريد ان نقرر ان هذا العمل كان سائدا ومعروفا آنذاك.


_____________________

(1) نظرية الربا المحرم ص32.

{18}
على ان الفهم من النصوص بان المرابي لم يستوف على الدين الاول فائدة غير صحيح، اذ ان النصوص بعضها يقول كان للرجل على آخر حق او مال ولا نقول ان هذا الحق او المال كان نتيجة عقد قرض، اذ قد يكون هذا الحق او المال المؤجل كان بصفقة عقد بيع نسيئة، فيكون البائع قد استوفى فائدته في مقابل التأجيل تحت عنوان البيع، وبعض النصوص وان ذكرت لفظ الدين الا انها لم تذكر ان هذا الدين كان بعقد قرض مؤجل، اذ من المحتمل ايضا ان يكون هذا الدين نتيجة عقد بيع نسيئة.
واما الاستبعاد الاول الذي ذكر، فهو مبني على عدم وجود انصراف مدعى في المقام، وهذا الانصراف اذا كان علاقة بين اللفظ وحصة خاصة من المعنى منشأها كثرة وجود تلك الحصة على سائر الحصص، فنحن سوف نرى فيما بعد ان هذا الانصراف لم يكن حجة في المقام لانه مستند إلى كثرة افراد هذه النوع من «الربا الجاهلي» وهذه الكثرة لاتمنع من انطباق لفظ الربا الواردة في القرآن على بقية انواع الربا الاخرى، اذ لاتشكل قرينة عند السامع تمنع من التمسك بالاطلاق، وحينئذ يكون الاستبعاد لدعوى الانصراف التي تدعى في محلها.
واما اذا كانت دعوى الانصراف التي هي عبارة عن دعوى وجود علاقة بين اللفظ وحصة خاصة من المعنى منشأها كثرة استعمال الربا وارادة الحصة الخاصة «الربا الجاهلي» بحيث اما ان ينقل اللفظ من معناه المطلق إلى الحصة الخاصة او يكون هذا القرن قرينة على ارادة الحصة الخاصة، فهنا تكون لفظة الربا منصرفة إلى هذا المعنى فقط، لان الاطلاق هو عبارة عن عدم مايدل على القيد بينهما ذلك القرن يدل عليه، وحينئذ لايمكن استفادة الاطلاق منها فتختص الحرمة حينئذ بالربا الجاهلي. وهذه الدعوى الثانية ان كانت هي المقصودة من

{19}
الانصراف فلا استبعاد في المقام، ولكن هل هي دعوى صحيحة ام لا؟ فهذا مطلب آخر.
ولا نرى حاجة لجر البحث إلى ان لفظة الربا المحلاة بالالف واللام هل هي للجنس او للعهد؟ كما فعل بعض الباحثين، فانها وان كانت للجنس فلا تفيدنا في المقام مادام الانصراف إلى قسم خاص من الربا يمكن ان يدعى في المقام.
كما نرى من الخطأ البحث في عموم لفظة الربا، اذ لاعموم فيها كما هو واضح المراد من العموم المستفاد من اللفظ، فان اللفظ ان كان فيها شمول فمن مقدمات الحكمة، ولذلك من الخطأ البحث في انها عامة او خاصة كما نقل ذلك عن المفسر القرطبي في الجامع لاحكام القرآن والفقيه الشافعي الكياهراسي في كتابه احكام القرآن وهو مخطوط في مصر، وقد نقل عبارته السيد محمد رشيد رضا في رسالته عن الربا ص24. 1
وفي اخر البحث نرى من الارجح تغيير خطة البحث من الاستبعاد وجنسية الالف واللام إلى مراجعة الاثار التي ذكرت، لنرى ان الاثار تثبت فقط المعنى الذي ذكر للربا الجاهلي المتقدم، او ان الاثار التي تذكر للربا الجاهلي في ذلك الوقت لاتحصره في المعنى المتقدم للربا الجاهلي، وانما تشمل معاملات اخرى أيضا تسمى بربا الجاهلية؟.
ثم بعد ذلك نرى ان الايات القرآنية التي نزلت في تلك الفترة من الزمن هل كان المقصود منها نوعا خاصا من المعاملات الربوية في ذلك الزمان أو لم يكن المقصود ذلك وانما تشمل كل المعاملات الربوية الموجودة في ذلك الوقت؟.
فنقول: اما البحث الاول: فان الاثار المتقدمة وغيرها لاتحصر معنى «ربا الجاهلية» بالمعنى الذي ذكر، وانما يذكر له معنى آخر وهو «القرض بفائدة»


_____________________

(1) عن نظرية الربا المحرم ص49.

{20}
فقد ذكر الفخر الرازي موضحا المعاملة التي كانت جارية آنذاك فقال: «اعلم ان الربا قسمان: ربا النسيئة وربا الفضل. اما ربا النسيئة فهو الامر الذي كان مشهورا متعارفا في الجاهلية، وذلك انهم كانوا يدفعون المال على ان يأخذوا كل شهر قدرا معينا، ويكون رأس المال باقيا، ثم اذا حل الدين طالبوا المديون برأس المال، فان تعذر عليه الاداء زادوا في الحق والاجل، فهذا هو الربا الذي كانوا في الجاهلة يتعاملون به»1.
وهذا وان كان فهما خاصا له الا انه يكشف عن معاملة ذلك الزمان بحسب رأيه على الاقل، كما ان الاثار المتقدمة لم نستفد منها الا فهمهم الخاص للربا المسمى بالجاهلي. وفي هذا المعنى الذي ذهب اليه الفخر الرازي ماذكره الجصاص في احكام القرآن اذ قال «والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله انما كان قرض الدراهم والدنانير إلى اجل بزيادة على مقدار مااستقرض على مايتراضون به، ولم يكونوا يعرفون البيع بالنقد، واذ كان متفاضلا من جنس واحد، هذا كان المتعارف المشهور بينهم ولذلك قال الله تعالى FACE="Simplified Arabic" SIZE=4 COLOR="#000080">(وما آتيتم من الربا ليربوا في اموال الناس فلايربو عند الله) فأخبر ان تلك الزيادة المشروطة انما كانت ربا في المال العين لانه لاعوض لها من جهة المقرض»2.
اذن لم يكن معنى الربا الجاهلي ذلك المعنى الخاص الذي ذكر له، وانما له معنى آخر كما تقدم، وربما يكون معنى «الربا الجاهلي» هو المعنى العام الشامل للتأخير في مقابل الزيادة والقرض بفائدة من اول الامر، خصوصا وان كل اثر لايحصر معنى «الربا الجاهلي» بما قاله، فلامانع من المعنى العام للربا الجاهلي.


_____________________

(1) مفاتيح الغيب المشتهر بالتفسير الكبير/فخر الدين الرازي7/91 (طبعة مصر) المطبعة البهية.
(2) ج1ص465.

{21}
نعم ان ما جاء في احكام القرآن هو الحصر اذ يقول «ولم يكن تعاملهم بالربا الا على الوجه الذي ذكرنا من قرض دراهم او دنانير إلى اجل مع شرط الزيادة». ولكن نقول ان الحصر لاوجه له لما ذكر من الاثار الكثيرة التي تدل على وجود مايسمى بالربا الجاهلي المتقدم.
ثم على فرض ان يكون للربا الجاهلي ذلك المعنى الخاص الذي ذكر فقط وهو التأخير في سداد الدين في مقابل الزيادة، الا ان هذا المعنى لم يكن دليلا على استعمال لفظة الربا في ذلك المعنى فقط، بل يمكن ان تكون لفظة الربا تستعمل في «الربا الجاهلي» وفي الربا غير الجاهلي الذي كان موجودا في ذلك الزمان، وهو القرض بفائدة الذي كان شائعا قبل الاسلام وفي الديانات السماوية قبل الاسلام والذي ردع عنه أيضا.
واما البحث الثاني: وهو هل ان المقصود من الايات القرآنية الربا الجاهلي الذي هو بمعنى الزيادة في مقابل تأجيل الدين الاجل الثاني اولا؟.
وانما تقبل هذه الدعوى اذا صرح بالنصوص الواردة في تفسير آيات الربا لها بان المراد ذلك المعنى من «ربا الجاهلية» او يكون استعمال هذا المعنى من الربا الجاهلي بصورة كثيرة بحيث نقل المعنى العام للربا إلى هذا المعنى الجديد، باعتبار ان كثرة استعمال لفظ الربا واردة معنى خاصا منه، يوجب ان يكون هذا الاستعمال الثاني هو المراد دائما وينسى المعنى الاول، وحينئذ اذا جاءت لفظة الربا مطلقة فلا يمكن ارادة المعنى الاول منها، لان اللفظ انما يصار إلى اطلاقها اذا لم تكن هناك قرينة على القيد، وهذا المعنى الذي ذكرناه او على الاقل القرن الخاص بين اللفظة وارادة معنى معين بكثرة هو قرينة على القيد.
اما بالنسبة إلى النصوص والتصريح بان المراد منها حصة خاصة من الربا

{22}
فلم يرد ذلك في كل آيات الربا، نعم وردت الاثار في تفسير قوله تعالى «اضعافا مضاعفة» بأن المراد منه الربا الجاهلي، وقد تقدم ان الاثار عن معنى الربا الجاهلي مختلفة ويمكن ان يراد جميعها. واما بالنسبة إلى الاستعمال، فان لفظ الربا لا اشكال في استعماله في ذلك الزمان في الزيادة في القرض والزيادة عند حلول الاجل الذي هو «الربا الجاهلي» بالمعنى الخاص1 ولم يكن احد الاستعمالين شائعا بحيث يشكل قرينة على الانصراف.
ثم اننا اذا شككنا في استعمال لفظ الربا في ذك الوقت، او اشككنا في وجود شيوع يمنع من الاطلاق، فالاصل هو عدم اختصاص اللفظة بالربا الجاهلي بالمعنى الاخص، وعدم وجود شيوع مانع من التمسك بالاطلاق لانه حادث والاصل عدمه خصوصا مادام المعنى اللغوي عاما.
ولكن: هذا الاصل الذي نريد ان نثبت به اطلاق لفظ الربا هو اصل مثبت ليس بحجة على ماقرر في محله في الاصول، اذ ان ظهور اللفظ في الاطلاق امر وجودي استفدناه بحكم العقل من عدم التخصيص بحصة خاصة من الربا وهو الاصل المثبت، ومادام هذا الاصل مثبتا تبقى لفظة الربا مجملة، والقدر والمتيقن منها هو المعنى الخاص.
نعم بامكاننا ان نثبت الاستصحاب اللغوي في اللغة، اذا ما دامت اللغة تعطي معنى عاما للربا وهو مطلق الزيادة وهو معنى موجود قبل الاسلام، فاذا شككنا في نقل هذا المعنى من العام إلى الخاص فالاصل عدم النقل، أي بقاء المعنى اللغوي كما هو عليه من قبل، وهذا ليس استصحابا شرعيا تعبديا وانما هو استصحاب عقلائي عرفي يثبت به ان المعنى للفظة الربا عام وهو مطلق الزيادة


_____________________

(1) سوف نستعمل «الربا الجاهلي» بالمعنى الاخص للزيادة عند حلول الاجل فقط، ونستعمل لفظة «الربا الجاهلي بالمعنى الاعم» لما يعم هذا والزيادة عند القرض من اول الامر.

{23}
وعلى ماتقدم تكون الايات القرآنية غير خاصة بالربا الجاهلي بالمعنى الاخص سواء كانت الالف اواللام للجنس ام للعهد، وبهذا تبطل دعوى البعض من ان النهي القرآني لايشمل القرض بفائدة. وهذه النتيجة التي وصلنا اليها بطريقتنا هذه هي مورد قبول قسم من علماء العامة وان كان طريقهم اليها لايخلو من ضعف كما تقدم ذلك.
2 – الربا الذي نهى عنه بنو اسرائيل:

FACE="Simplified Arabic" SIZE=4 COLOR="#000080">(فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم. وبصدهم عن سبيل الله كثيرا واخذهم الربا وقد نهوا عنه...).
ولمعرفة ان الربا الذي نهي عنه بنو اسرائيل ماهو؟ ينبغي ان نبحث اولا عن جملة «واخذهم الربا وقد نهوا عنه» فهل هي خبر عما نزل على النبي (ص) وان اليهود داخلين في الخطابات القرآنية او هي خبر عما نزل على موسى (ع) في التوراة وانهم خالفوا شريعتهم وعصوها؟ فان كانت اخبارا عما نزل على محمد (ص) فهو مبني على كون اليهود مخاطبين في الفروع وهو الصحيح – كما هممكلفون بالاصول – اذ الايات القرآنية المشرعة وردت بلسان عام لكل الناس كما في «كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم....» «ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا».
وما قيل من انه لايمكن «أن يكون اليهود مكلفين بالفروع ولايقبل منهم الفعل» مدفوع بان قبول الفعل موقوف على امر اختياري، وهو دخولهم في الاسلام، كما في وجوب الصوم على المكلف المسلم الذي لايقبل منه اذا لم يغتسل للجنابة قبل الفجر، وبما أنه يتمكن من الفعل الاختياري قبل الفجر فيقبل منه اذا اغتسل. فعلى هذا لايكون هناك فرق بين الربا الذي نهي عنه المسلمون

{24}
في العصر الجاهلي وبين ربا بني اسرائيل.
وأما اذا كانت الاية اخبارا عما نزل على موسى (ع) في التوراة فلابد من الرجوع إلى الربا الذي ذكر فيها لنعرف سماته والنسبة بينه وبين الربا الجاهلي المتقدم ذكره.
واما ما ذكر من سمات الربا في الدين اليهودي1 فهي:
1 – أنه كان شائعا في النقدين والطعام.
2 – ورد فيه النهي، الا انه نهي عن اخذه من اخوانهم اليهود، وعدم البأس عن أخذه من غيرهم، ولكن الملاحظ هنا ان النهي لم يكن بشدة النهي الذي ورد في القرآن الكريم.
3 – الربا الذي حرم هو لدفع الظلم واستغلال الحاجة.
وهذه المميزات وان لم تكن مغايرة لسمات الربا القرآني، الا ان النهي القرآني عن الربا عام وشديد جدا، فان استظهرنا ان الربا الذي نهو عنه بنو اسرائيل هو نفس الربا الذي ذكر انه يسمى بربا الجاهلية، اذن يبقى البحث السابق كما هو من ناحية سيره الاستدلالي، وان استظهرنا من نصوص التوراة المذكورة في الفصل التمهيدي اختلافا في المعاملات الربوية عند بني اسرائيل عنها عند الجاهلية، فهذا يكون دليل آخر على ان الربا الذي ذكره القرآن، لايقصد منه الربا بالمعنى الاخص، وانما يقصد منه الربا بالمعنى الاعم.
خاتمة في ربا العطية:
قال تعالى (وما آتيتم من ربا ليربوا في اموال الناس فلايربوا عند الله وماآتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) فقد ورد الربا في هذه


(1) كما ذكر في الفصل التمهيدي لكيفية نشوء الربا من هذا الكتاب.

{25}
الآية منكرا ولم يصرح بتحريمه ولم ينه عنه، ولذلك فقد اختلف المفسرون في معناها على أقوال ثلاثة:
الاول: المقصود من الربا الهدية او الهبة التي يراد بها عوض افضل، ولذلك تسمى بالربا الحلال، لانه لا اثم فيه، ولكن ليس فيه ثواب ايضا، وبهذا القول آثار واردة عن فريق من الصحابة والتابعين.
الثاني: اعطاء المال لشخص بقصد تمويله تفضلا عليه غير قاصد ثواب الله تعالى.
الثالث: ان هذا الربا هو الربا المحرم، ومعنى قوله تعالى ">(ولايربو عند الله) أي لايحكم به شرعا لاخذه، بل هو للمأخوذ منه، وهذا القول أيضا وردت فيه بعض الاثار.
والذي ذهب اليه الاكثر هو القول الاول، والفرق بين هذه الاية وآيات الربا المتقدمة تعبيرها عن الربا بلفظ «آتيتم» بينما عبرت غيرها عنه بالاكل، بالاضافة إلى خلوهامن النهي والتحريم ومجيئها منكرة، وقد اقتصرت على انه لايربو عند الله.
وعند مراجعة الاثار التي ذكرت لهذه الاقوال، فالذي عن رسول الله (ص) لا دلالة فيه على مدعاهم، والذي يدل على المدعى لم يكن من قول الرسول (ص) ولا نريد ان نقرر ان أقوال الصحابة ليست بحجة لاختلافها وتناقضها في بعض الاحيان الذي لايمكن ان تكون كلها حجة، بل نقول انها فهم شخصي لهم لايعدو حجيته لهم.
ومن القريب جدا ان يكون معنى الربا في هذه الاية هو الربا الذي كان في ذلك الزمان وهو الربا الجاهلي بالمعنى الاعم حسب ماتوصلنااليه، وقد نزلت هذه الآية وهي أول مانزل فهيئت النفوس للتحريم الذي جاء على نحو التدريج في

{26}
بيان الحكم كما يرى ذلك بعضهم1.
وعلى كل حال فان كان معنى الربا في هذه الاية هو ماتوصلنا اليه في ابحاثنا السابقة عن الربا في القرآن، فلم يختلف نهجنا العلمي بذلك، وان كان المراد منه «ربا العطية» الذي هو يتميز عن الربا الجاهلي بالمعنى الاخص، فهذا سوف يكون مؤيدا على ان الربا في القرآن لم يقصد منه حصة خاصة من الربا، بل يشمل كل ما كان موجودا من معاملات ربوبية في ذلك الوقت.
ولا ادري لماذا يبحث ابناء العامة الربا في القرآن ويختلفوا اشد الاختلاف في معنى الربا المحرم فيه، مادامت السنة الشريفة وهي المصدر الثاني للتشريع قد بينت الربا المحرم بجميع اقسامه وشروطه، فانا فرضنا ان الربا المحرم في القرآن هو نوع خاص، ولكن السنة حرمت بقية الانواع، أليس من اللازم الالتزام بتحريمها ايضا، اذن ما هي الفائدة من الاختلاف في المحرم بالقرآن مع الاتفاق تقريبا عند جميع المسلمين – فضلا عن علماء العامة – بان السنة حرمت الربا المتعارف عندنا هذه الايام وهو ربا القرض وربا المعاملة؟؟.
ثم انه من المعلوم جيدا بان الاعتماد على القرآن لوحده في معرفة الحكم الشرعي معرفة كاملة غير صحيحة، اذن ان الصلاة والصوم مع اهميتها لايمكن استفادة كيفيتهما منه لوحده فضلا عن الربا، والسر في ذلك هو ان القرآن كتاب اعجازي، فقد لوحظ فيه الخطوط العريضة سمات الاسلام، فيذكر فيه وجوب وحرمة الشيء، اما تفصيلات هذا الشيء من جميع الجهات انما تتكفلها السنه، فمن غير المجدي ان يدرس الربا في القرآن منفصلا عن السنة، ولكن جرينا حسب طريقتهم في البحث.
ولعل جوابهم يكون عبارة عن معرفة الفرق بين ماحرمه القرآن عماحرمته


_____________________

(1) نظرية الربا المحرم ص77 – 79.

{27}
السنة، أي الفرق بين الربا الجلي والربا الخفي، او الربا المحرم لذاته والربا المحرم لسد الذرائع الذي يباح عند الحاجة.
ولاجل معرفة صحة هذا البحث لابد من البحث في صحة ما ادعوه من اختلاف في الحكم للربا الذي بينه القرآن عن الربا الذي بينته السنة، وهذا مبني على ان نرى اولا ادلتهم في تحريم سد الذرائع الذي يباح عند الحاجة ونرى ثانيا هل ان تحريم الربا في السنة هو من هذا الباب ام لا؟.
ولانريد ان نطيل البحث لولا ان صحة هذا المنهج من البحث وصحة الاختلاف في الحكم بين ما حرمه القرآن وماحرمته السنة مبتنيا على استعراض ادلتهم في حرمة سد الذرائع تمهيدا لمعرفة ان ربا السنة هل هو مصداق من مصاديقه ام لا؟.
ولذلك سنبحث في جهات ثلاثة حتى يتبين الامر:
الجهة الاولى: ذكر الفتوى التي تثبت انهم يفرقون بين ربا القرآن وربا السنة.
الجهة الثانية: استعراض سريع لادلة القاعدة (ما حرم لسد الذرائع) مع المناقشة.
الجهة الثالثة: مناقشة كون ربا السنة هو مصداق ماحرم سدا للذرائع على القول بصحة القاعدة، مع مناقشة اباحته عند الحاجة.
اما الجهة الاولى:
فقد ذكر ابن القيم في كتابه «اعلام الموقعين عن رب العالمين»1 في بيان حكمة تحريم الربا الوارد في السنة فقال: الربا نوعان جلي وخفي. فالجلي


_____________________

(1) ج2 ص135.

{28}
حرم لما فيه من الضرر العظيم، والخفي حرم لانه ذريعة إلى الجلي، فتحريم الاول قصدا وتحريم الثاني وسيلة. فأما الجلي فربا النسيئة وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية..» «واما ربا الفضل فتحريمه من باب سد الذرائع كما صرح به حديث ابي سعيد الخدري عن النبي (ص) لاتبيعوا الدرهم بالدرهمين فاني اخاف عليكم الربا». وبين بعد ذلك «ان تحريم النساء تحريم المقاصعد وتحريم الاخر تحريم الوسائل وسد الذرائع، ولهذا لم يبيح شيء من ربا نسيئة، واما ربا الفضل فأبيح منه ماتدعو اليه الحاجة – كالعرايا – فان ما حرم سدا للذريعة اخف مما حرم تحريم المقاصد»1
وقد ذهب السيد رشيد رضا في رسالته في الربا إلى ان المحرم هو ربا الجاهلية وحده، وهو الربا الوارد في القرآن الكريم وقد اعتبره هو الربا الجلي ويقول ان ربا النسيئة«ويقصد ربا النساء» وربما الفضل الواردين في الحديث


_____________________

(1) وكأن الربا الذي عند ابن القيم يقسم إلى ثلاثة قسام:
1 – ربا النسيئة (ربا الجاهية) وهو عبارة عن تمديد الاجل بزيادة الدين، وتأتي هنا جملة «اتقضى ام تربى» وهذا هو الاصل الذي حرم لما فيه من مفسدة، أي حرم لذاته.
2ـ ربا النساء، فهو وان ذكرته السنة الا ان اساسه هو ربا النسيئة (اتقضى ام تربى) وهو عبارة عن بيع المكيل بالمكيل او الموزون بالموزون او الجنس بجنسه – من غير زيادة او بغير جنسه مطلقا – نسيئة لافورا، هذا عند الاحناف وتفصيله يأتي ان شاء الله تعالى، ولكن هنا نريد ان نبين ان ابن القيم اعتبر هذا مشيرا إلى ما ذكر في القرآن حيث انه اذا حل الاجل ولم يتمكن المدين من السداد تأتي جملة «اتقضى ام تربى» وهو المحرم بالقرآن فيكون محرما لذاته وان ذكرته السنة.
3ـ ربا الفضل، وهو الوارد في الحديث الشريف الذي يمنع من بيع المكيل والموزون بجنسه مع التفاضل، وهو الذي قد حرم سدا للذيعة ويحل عند الحاجة.

{29}
انما هو للكراهة لا للتحريم1. ولعله رأى ان الحاجة في هذا الزمان موجودة دائما لاباحة هذين النوعين من الربا، فحللهما نتيجة اخذه بسد الذرائع والا كيف يفهم من الروايات التي ذكروها الكراهة مع التصريح بالنهي ولفظ الربا وشدة ماورد من التهديد عليه بمالم يرد في مثله؟!.
وقد ذكر بعضهم فقال «فربا النسيئة هو المقصود بالتحريم والمنع لذاته، وهذا يقتضي تحريم معاملات اخرى ليست مقصودة بالتحريم لذاتها، وهي النساء والفضل، ولكن منع وقوع المقصود بالتحريم لذاته لايتم الا بمنعها وتحريمها في حالات تكون فيها المظنة قوية في امكان اتخاذها ذريعة اليه «وما يتم الواجب الا به فهو واجب» فيكون الامتناع منها مقصودا به وجوب الامتناع عن اتيان المحرم لذاته، فيكون هذا هو المحرم في الحقيقة وفي نهاية الامر...»2.
وممن ذهب إلى هذا المذهب السنهوري بعد اعترافه بان تحريم الربا هو المبدأ العام الذي يتمشى في كل العصور وفي جميع الحضارات، الا انه ميز بين ربا الجاهلية من جهة وكل من ربا النسيئة (النساء) وربا الفضل، وقال ان هذا التمييز من الوضوح والخطر بحيث لاوجه للمنازعة فيه3.
وقال آخر «واعلم ان الربا على وجهين: حقيقي ومحمول عليه. اما الحقيقي فهو الديون... والثاني ربا الفضل والاصل فيه الحديث... وهو مسمى بربا تغليظا وتشبيها له بالربا الحقيقي.. ثم كثر استعمال الربا في هذا المعنى حتى صار حقيقة شرعية فيه ايضا»4.


_____________________

(1) الربا والمعاملات في الاسلام ص52 – 75 وما بعدها. ونظرية الربا المحرم ص240 ومابعدها.
(2) نظرية الربا المحرم/ص149.
(3) السنهوري مصادر الحق 3/237.
(4) حجة الله البالغة 2/647.

{30}
واما الجهة الثانية:
وهي عبارة عن استعراض ادلة قاعدة ان ماحرم سدا للذرائع يباح عند الحاجة. وقبل ان نستعرض الادلة يحسن بنا ان نذكر تعريفها ومعناها، وقد اختلفوا في بيانها، فقد ذكر ابن القيم ان الذريعة «ما كان وسيلة وطريقا إلى الشيء»1. وقد اعترض عليه استاذنا بقوله «الا ان تعميم الشيء فيه يجعله غير مانع من الغير لدخول جميع الوسائل المفضية إلى غير الاحكام الشرعية، وهو مالايتصل بحثه بوظيفة الاصولي، فالنسب تعريفها بـ(الوسيلة المفضية إلى الاحكام الخمسة) ليشمل بحثها كل مايتصل بالذريعة واحكامها من ابحاث2.
ولا ارى للاعتراض مجالا يرد فيه حيث ان كلام ابن القيم في سد الذرائع إلى المحرمات وفتحها إلى الواجبات، أي ان الكلام في كل مقدمة إلى فعل فان كان الفعل محرما فقد حرمت مقدمته مثلا وان كان الفعل واجبا فقد وجبت مقدمته، وليس الكلام في الاحكام الشرعية التي هي وجوب حرمة ترتبط بالشارع المقدس، فلاداعي لجعل الوسيلة مفضيلة إلى الاحكام الشرعية او الاحكام الخمسة الذي يجعل المقدمة مقدمة للوجوب وللحرمة لاللواجب والحرام فمن الافضل ان يبقى تعريف ابن القيم على وضعه وعمومه فنزى الشيء وحكمه ونعطي حكم وسيلته حكم نفس الشيء وهو مورد البحث.
وقد وضحت الذرائع بقول سلام «الذرائع اذا كانت تفضي إلى مقصد هو قربة وخير اخذت الوسيلة حكم المقاصد، واذا كانت تفضي إلى مقصد ممنوع هو مفسدة اخذت حكمه، ولذا فان الامام مالكا يرى انه يجب فتح الذرائع في


_____________________

(1) اعلام الموقعين 3/147.
(2) الاصول العامة للفقه المقارن/للسيد محمد تقي الحكيم ص408.

{31}
الحالة الاولى لان المصلحة مطلوبة، وسدها في الحالة الثانية لان المفاسد ممنوعة»1 وهنا خصصت الذرائع بحكم الوجوب والحرمة فقط. وعلى كل حال فان الذي ركز عليه الباحثون هو الذريعة المفضية إلى مفسدة. وكما اختلفوا في معناها اختلفوا في حكمها، فذهب بعض إلى ان الوسيلة تأخذ حكم ما تنتهي اليه كماذهب الىذلك ابن القيم، ولكن المالكية والحنابلة ركزوا في الحرمة على خصوص الوسيلة الموضوعة للامور المباحة ولكن يقصد فاعلها التوصل بها الىالمفسدة2.
الادلة على هذه القاعدة:
وقد ذكرت لهذه القاعدة ادلة من الكتاب والسنة والعقل. فقد ذكر ابن القيم ادلة كثيرة من الكتاب والسنة كان حكم الوسائل وما تفضي اليه واحدا. فخرج بنتيجة ان الشارع يعطي الوسائل دائما حكم ماتنهي اليه، منها قوله تعالى (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)3 وقوله تعالى " (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم مايخفين من زينتهن)4.
واورد عليه: بعدم وجود تصريح «بأن التحريم فيها جميعا انما كان من اجل كونها وسيلة إلى الغير لا لمفاسد في ذاتها توجب لها التحريم النفسي كضربهن بأرجلهن والنظر إلى الاجنبية»5.
نعم قد يحتاط الشرع فيحرم مقدمات فعل قد اهتم به بدرجة كبيرة ولكن هذا


_____________________

(1) الاصول العامة للفقه المقارن ص407 عن المدخل للفقه الاسلامي ص266.
(2) نفس المصدر ص409 عن المدخل للفقه الاسلامي ص269.
(3) الانعام/آية (108).
(4) النور/آية (31).
(5) الاصول العامة للفقه المقارن ص410.

{32}
غير القاعدة في حركمة كل ما يؤدي إلى المحرم، وحينئذ فان كانت هناك قرينة تدل على ان التحريم للوسيلة لانها وسيلة إلى المحرم كما نرى ذلك ظاهرا في الايتين فهو، وان لم تكن هناك قرينة تدل على ذلك وشككنا في ان التحريم للمقدمة هل هو لمفسدة في ذاتها او لكونها وسيلة، فمقتضى الاطلاق ان التحريم لمفسدة ذاتية في الفعل، حيث ان التحريم اذا كان للوسيلة فانه يحتاج إلى بيان زائد، وهو غير موجود مع كون المولى في مقام البيان كما هو الفرض.
وخلاصة القول: انا لانمنع ان يكون الشارع مهتما ببعض احكامه، فيمنع بعض المقدمات الموصلة او التي تؤدي إلى المحرم رأسا، الا ان هذا لايجعلنا نستفيد قاعدة عامة تقول ان كل محرم تكون وسائله محرمة أيضا عند الشارع سواء كانت موصلة ام لا وسواء كانت تؤدي إلى المحرم رأسا ام لا، ويكفي عدم العموم او الاطلاق على القاعدة. وبعبارة اخرى: ان قاعدة «ان المصالح والمفاسد تابعة لمتعلقات الاحكام» مخصصة ببعض التحريمات التي تكون ذريعة ووسيلة للمحرم، فان ثبت الدليل المخصص خالفنا القاعدة والا فالاصل هو الالتزام به وهي تثبت ان التحريم لمفسدة في متعلق الحكم.
واما الدليل العقلي: فقد ذكر ابن القيم وغيره «اذا حرم الربّ تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي اليه، فانه يحرمها ويمنع منها تحقيقا لتحريمه وتثبيتا له ومنعا ان يقرب حماه، ولو أباح الوسائل او الذرائع المفضية اليه، لكان ذلك نقضا للتحريم واغراء للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الاباء»1.
وهذه الدعوى ان وجد ابن القيم لها بعض الامثلة، فيأتي فيها الكلام المتقدم من ان الوسيلة لعل فيها مفسدة مستقلة فحرمها، واما اذا افترضنا ان شيئا قد


_____________________

(1) اعلام الموقعين3/147.

{33}
حرمه المولى نتيجة لوجود مفسدة فيه، واما وسيلته لم تكن فيها تلك المفسدة فتبعا للقاعدة القائلة ان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد، فان المولى سوف يحرم ذلك الشيء فقط دون وسيلته. نعم نشترط ان لايكون حكم الوسيلة مضادا للتحريم مثلا لتعذر امتثالهما، وهذا هو الذي يفضي إلى نقض التحريم لا الاباحة التي ذكرها ابن القيم، فانها لاتفضي إلى نقض التحريم كما هو واضح.
اذن لا دليل على ان الشارع اذا حرم شيئا فيلزمه ان يحرم طرقه ووسائله المؤدية اليه، وبذلك تبطل قاعدة سد الذرائع وفتهحا. نعم لقد تطرق لقسم من هذه المسألة علماء الامامية تحت عنوان مقدمة الواجب، واختلفت اقوالهم فيها ايضا، ولكن الذي انتهى اليه المتأخرون هو عدم وجوب المقدمة شرعا، وقد استدل لهم شيخنا المظفر بقوله «وذلك لانه اذا كان الامر بذي المقدمة داعيا للمكلف إلى الاتيان بالمأمور به، فان دعوته هذه – لامحالة الحكم العقل – تحمله وتدعوه إلى الاتيان بكل ما يتوقف عليه المأمور به تحصيلا له، ومع فرض وجود هذا الداعي في نفس المكلف لاتبقى حاجة إلى داع اخر من قبل المولى من علم المولى – حسب الفرض – بوجود هذا الداعي، لان الامر المولوي – سواء كان نفسيا ام غيريا – انما يجعله المولى لغرض تحريك المكلف نحو فعل المأمور به، اذ يجعل الداعي في نفسه حيث لاداعي، بل يستحيل في هذا الفرض جعل الداعي الثاني من المولى لانه يكون من باب تحصيل الحاصل»1.
وبهذا نعرف ان الذريعة للواجب حكمها عقلي وهو لايستلزم حكما شرعيا دائما، ويكفي للشارع ان يعتمد على الحكم العقلي ولايجعل حكما شرعيا اذا لم يكن في الذريعة مايوجب جعل حكم الحرمة مثلا لعدم وجود مفسدة فيها.
وقد تطرق علماء الامامية لقسم آخر من هذه المسألة، وهو ذريعة الحرام


_____________________

(1) اصول الفقه/للمظفر2/293.

{34}
تحت عنوان مقدمة الحرام، ولكن لم ينتهوا إلى حرمة المقدمة للحرام، اذ بامكان المكلف أن يأتي بمقدمة الحرام ولم يأت بنفس الحرام. نعم اذا كانت مقدمة الحرام بمثابة العلة التامة التي لم يتمكن من عدم اتيان الحرام اذا جاء بها فحرمت ايضا. وبهذا نعرف ايضا ان ما يرد على لسان الشارع من ردع عن المقدمات التي هي علة تامة للمحرمات انما هو من قبيل الارشاد إلى حكم العقل. وبعد كل هذا يتضح لنا من هذه البحث امور:
1 – ان الذريعة (المقدمة) ليس لها حكم ما تؤدي اليه شرعا دائما.
2 – ان الذريعة لها حكم عقلي وهو كاف عن ورود أي حكم شرعي. هذا في ذريعة الواجب، اما في ذريعة الحرام فهو كذلك اذا كانت ذريعة الحرام علة تامة للحرام.
3 – بما ان الذريعة خالية عن الحكم الشرعي في بعض الموارد لعدم وجود مفسدة فيها، فهي لاتستدعي عقابا مستقلا عن العقاب على ما تؤدي اليه، لعدم وجود حكم واقعي على الذريعة1.
4 – كل ما ورد من الاوامر الشرعية – في مسألة يكون العقل حاكما فيها – تكون ارشادية لحكم العقل.
5 – ان هذه المسألة هي من صغريات حكم العقل الذي يحكم بوجود ملازمة بين الحكم على شيء والحكم على مقدمته (سواء كانت مقدمة الواجب او الحرام اذا كانت علة تامة للحرام)، لا انها اصل في مقابل بقية الاصول كما


_____________________

(1) نعم يوجد استثناء لهذا الكلام، وخلاصته هو ان بعض الذرائع يستوجب مخالفتها العقاب، ولكن لا من باب مخالفة الحكم الواقعي الذي لاوجود له، وانما من باب التجرى كما في بعض الامور التي يبغضها الشارع بغضا شديدا لكثرة مفاسدها. وقد لايكون هذا الكلام مستثنى، لان كلامنا في العقاب على الفعل لو كان محرما. وهذا العقاب للتجرى لا على الفعل لو كان الفعل محرما.

{34}
ذهب اليه بعض من العامة.
واما الجهة الثالثة:
ونتكلم فيها بنقطتين:
الاولى: ان تطبيق ماحرم سدا للذريعة على ربا الفضل والنساء تطبيق خاطىء.
الثانية: لو قلنا ان ربا الفضل والنساء حرم سدا للذريعة فلماذا يباح عند الحاجة؟.
اما النقطة الاولى: فلنا ان نتسائل اولا عن سر فهمهم بان ربا الفضل والنساء قد حرم من باب سد الذريعة، وقد يكون جوابهم هو ان الربا الجاهلي الذي حرم في القرآن قد عرفوا حكمته او علته، وهي دفع الظلم كما ذكر ذلك في الآية القرآنية، اما ربا الفضل او ربا الفضل والنساء عند بعضهم، فلم يعرفوا حكمة تحريمه، فذهبوا إلى ان تحريمه كان من باب سد الوصول إلى ربا الجاهلية.
ويرد على اصل هذا المسلك: اننا مهما تفكرنا في معرفة علة الحكم لايمكننا الوصول اليها اذا لم يبين الشارع لنا العلة بنفسه، نعم قد نصل إلى معرفة حكمة الحكم او بعض حكمته بتفكرنا، ولكن دفع الظلم الذي بينه القرآن الكريم هل هو علة او حكمة؟.
والجواب: انه من غير المعلوم انها علة يدور مداره الحكم وجودا وعدما، بل من غير المعلوم انه حكمة منحصرة حتى يتحتم علينا ان نبحث عن حكمة تحريم السنة لربا الفضل، ونضع انفسنا في ضيق من عدم معرفة الحكمة فنلتجلئ إلى التحريم من باب سد الذريعة. الا نحتمل ان السنة بينت حكما للربا لعلة وحكمة متميزة عما ذكر في القرآن الكريم؟ ثم اذا كان ربا الفضل او ربا الفضل والنساء انما حرم سدا للذريعة فلماذا ذكرت السنة بعض الاستثناءات فحكمت بحليتها؟.

{36}
واما النقطة الثانية: فعلى فرض ان ربا الفضل قد حرم من باب سد الذريعة لربا الجاهلية، ولكن ماهو الداعي إلى القول باباحته عند الحاجة؟.
نقول: لم نجد دليلا لهم في كتبهم يستدل به على هذا عدا ما ذكر من ان حرمته اخف مما حرم لذاته او ان حرمته مجازية او بالتبع او غير ذلك مما لايمكن ان يعتبر دليلا.
وتحقيق الحال: اذا كان المراد من الحاجة هي الضرورة فحينئذ الاباحة صحيحة ولكنها ليست مختصه بما حرم سدا للذرائع، وانما كل حكم شرعي فهو يباح عند الضرورة للقاعدة القائلة «ان الضرورات تبيح المحضورات» الذي مستندها هو حكم عقلي وهو عبارة عن سقوط التكاليف غير المقدورة من المنجزية لعدم امكان الزجر عمالا يقدر المكلف عن الامتناع عنه، اذ كيف يمكن زجر من لايتمكن من الانزجار ولا قدرة عنده على الانزجار والامتناع؟.
واذا كان المراد من الحاجة شيئا آخر – كما هو المراد – اي ان المراد منها الحاجة العرفية فلا دليل على الاباحة لمجرد الحاجة وان كانت حرمته من باب سد الذريعة إلى الفساد، اذ ما دام الحكم الذي هو الحرمة مثلا فعليا، فمقدماته كلها فعلية منجزة يجب اجتنابها. ولا ادي لماذا الحق ابن القيم ربا النساء بالربا الجاهلي المحرم لذاته؟ وحتى احتمال ان الربا الذي يحصل نساء قد يكون في اخر الامر آيلا إلى ربا النسيئة حيث ان المدين قد لايتمكن من سداد دينه عند الاجل فتأتي جملة «اتقضي ام تربي» وبهذا يكون كربا الجاهلية لايسوغ ان يجعله ربا محرما لذاته لانه يكون حسب رأيه ذريعة إلى ربا الجاهلية، بالاضافة إلى غفلته من ان التحريم لربا النساء عام، وقد يتمكن في موارد من سداد دينه في الاجل، فلا تأتي جملة «اتقضي ام تربي» وحينئذ تكون حرمته عند ابن القيم – فيما ارى – من باب سداد الذرائع قطعا حسب منهجه في

{37}
البحث، فتباح عند الحاجة. ثم هل يعقل ان يكون نوع واحد من الربا في بعض موارده محرما تحريم الذرائع وفي بعض آخر محرما تحريم المقاصد ؟!.
وقد تقدم منا القول بانهم انغمروا في هذا البحث لعدم معرفتهم علة او حكمة او تحريم ربا الفضل، وهل يجب ان نعرف حكمة اوعلة كل تحريم ورد على لسان الشارع المقدس؟! وما هو الدليل على هذه الدعوى؟! والم يكن عقل الانسان قاصرا عن ادراك علة كون صلاة الصبح ركعتين والظهر اربع؟.
ثم اذا تنزلنا وقلنا ان النصوص القرآنية بينت الحكمة من تحريم الربا وهي منع الظلم كما في قوله تعالى ">(لاتظلمون ولاتظلمون) والحث على التعاون والبر بالصدقة والقرض الحسن والحث على الاخذ بأسباب الكسب المشروع التي ليس فيها اكلا بالباطل اولايدخلها الربا وتنزلنا ايضا وقلنا ان الحكم يدو مدار حكمته او علته هذه، فيمكن القول ان نفس هذه الحكمة او العلة موجودة في ربا الفضل والنساء، فان الشارع يمنع منه كي لايكون ظلما للناس من حيث ان المساوي في مقابل المساوي في الكيل او الوزن، اما الزائد فلايكون في مقابله شيء فهو ظلم شرعا، او ان الشارع يريد حث الناس على التعاون والقرض الحسن، فمنع من التفاضل وبيع النساء. او على الاقل نقول: ان التفاضل او بيع النساء في الجنسين المتحدين او المختلفين هو ظلم عند الشارع وان لم يكن ظلما وجدانا وعرفا، وهذا هو معنى التوسعة في موضوع شيء الذي يسمى بالحكومة، كما اعتبر الشارع الطواف بالبيت صلاة مع انها وجدانا وعرفا ليست بصلاة، وبهذا تكون الحكمة موجودة في تحريم التفاضل كما هي موجودة في تحريم ربا الجاهلية.
واما ما ذكر دليلا لهم – من أن ربا الفضل حرم سدا للذرائع – كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) «لاتبيعوا الدرهم بالدرهمين فاني

{38}
أخاف عليكم الربا» فانه ليس بدليل على انه ليس فيه ربا وانما هو مقدمة للوصول اليه كما فهمه بعضهم، بل ان معناه ان الربا الذي نهي بتلك النواهي الشديدة يخاف النبي(ص) على اصحابه من الوقوع فيه كما اذا قال احد «اني اخاف عليكم النار». هذا بالاضافة إلى ان كثيرا من الاحاديث التي ذكرت هذا المعنى من الربا لم تذكر جملة «فاني اخاف عليكم الربا، وكيف نفهم من هذه الجملة ما فهموا من انه مقدمة للربا مع التصريح بالاحاديث الكثيرة بان بيع حنطة بحنطة مع التفاضل يدا بيد ربا؟!.
هذا كله بالاضافة إلى ان اصل الدليل الذي يستندون اليه – في تحريم ربا الجاهلية تحريم المقاصد دون غيره – غير تام، اذ ان دليلهم هو الاية القرآنية(يا أيها الذين آمنوا لاتأكلوا الربا اضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون) حيث ادعوا ان المحرم من الربا هو ما كان اضعافا مضاعفة وهو ربا الجاهلية الذي تصير المائة آلافا مؤلفة وهو الربا الجاهلي. وهذا الاستنتاج غير صحيح وذلك «ان اضعافا مضاعفة وصف للربا لا لراس المال، واذا كان كذلك فينبغي ان لايحرم من الربا الا ما يبلغ ستمائة في المائة (600 في المئة) وذلك لان كلمة اضعاف جمع، والضعف يكون بقدر الاصل مرتين، ومرتين في ثلاثة يساوي ستة، ولاقائل بذلك قط»1.
ولكن القائل بهذا كما يبدو قد استدل بمفهوم الوصف، اذ اعتبر ان اضعافا قيد للحكم وهو المنع، بينما ان اضعافا هي قيد للموضوع وهو الربا فلا يكون للوصف مفهوم. ولو سلمنا بوجود المفهوم للوصف وان كان الوصف قيدا للموضوع


_____________________

(1) من هدى النجف / نحو تفسير على القرآن/احمد الوائلي/العدد6/ص40 عن الربا في القانون الاسلامي/... محمد عبد الله دراز مجلة الاسلام السنه 13/ ص68 – 73.

{39}
– على خلاف ما نتبي – فهو فيما اذا لم تكن هناك قرينة على خلافه، وهنا القرينة موجودة وهي ان الربا ليس دائما هو «اضعافا مضاعفة» فجاءت الاية مورد الغالب لا الحصر. وبهذا انتهى الكلام في الفصل الاول والحمد لله اولا وآخرا.



ملاحظة ::: التقرير قامت بإنزاله بيسان مشرفة القسم ... وبسبب خطأ معين تمت إعادت وضعه بهذه الطريقة ...

نرجو المعذرة