مشاهدة النسخة كاملة : شرح قصيدة(يذكرني) للخنساء


شذر
23-01-2007, 03:39 PM
التعريف بالشاعرة :

الخنساء هي تماضر بنت عمرو بن الشريد السلمي، نشأت في بيت كريم أدركت الإسلام وشرفها الله يدخلوها فيه وقوى إيمانها بالدين الجديد حتى إنها لما قتل أبناؤها الأربعة في سبيل نشر الدعوة قالت : الحمد لله الذى شرفنى بقتلهم .

ويعتبرها المؤرخون أشهر شاعرة في العصر الجاهلي , وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجب بشعرها , ويستزيد منه .

مناسبة القصيدة :

كان للخنساء أخوان : هما معاوية وصخر، وكانا من سادات العرب، وأمتاز صخر بشدة البر بها والعطف عليها، فلما قتل جزعت عليه جزعا شديدا، وامتلأ قلبها بالحزن وفاض لوعة وحسرة لفقده ، واندفعت تنشئ مراثيها الخالدة ، مشيدة بمناقبه وفضائله والنص هذا هو احد مراثيها.

الخنساء : يذكرني

1ـ يؤرقني التــذكـــر حين أمسـي فأصبــح قــد بليت بفــرط نكـــس
2ـ علــى صخر وأي فتى كصخر ليــوم كـــريهــة ،وطعــان حلــس
3ـ وللخصــم الألـــــد اذا تعـــدى ليــأخــذ حــق مظــلــوم بــقــنــس
4ـ فلــم أر مثلـــه رزءا لجــــــن ولــــم أمثـــلـــه رزءا لأنــــــــس
5ـ أشــد على صروف الـدهر أيدا وأفصـل فــي الخطـوب بغيـر لبس
6ـ وضيـف طـارق ، أو مستـجيـر يـروع قــلبــــه من كــــل جـــرس
7ـ فـــأكــرمــه ، وآمنـه فــأمسـى خـليــا بــالـــه مـــن كـــــل بـــؤس
8ـ يذكرني طلـوع الشمس صخرا وأذكــره لـــكـــل غـــروب شـمــس
9ـ ولــولا كثـرة البــاكين حولـــي علــى إخــوانــهــم ، لقتــلت نفسـي
10ـ ولـكن لا أزال أرى عـجـــولا وبــاكيـــة تنــــوح ليـــــوم نـحــس
11ـ أراهـا والهـــا تـبــكـي أخـاها عـشيــة رزئــه ، أو غـــب أمــــس
12ـ ومــا يبكون مثل أخي ، ولكن أعــزي النـفــس عنـــه بـالتـأســـي
13ـ فــلا والله لا أنســاك ، حـتــى أفــارق مهجتــي ، ويـشـق رمسـي
14ـ فقـد ودعــت يـوم فـراق صخر أبـــي حســـان لذاتـــي ، وأنســـي
15ـ فيا لهفتـي عليه ، ولهـف أمــي أيصبح في الضريح ، وفيه يمسي





( أ )

1ـ يؤرقني التــذكـــر حين أمسـي فأصبــح قــد بليت بفــرط نكـــس
2ـ علــى صخر وأي فتى كصخر ليــوم كـــريهــة ،وطعــان حلــس
3ـ وللخصــم الألـــــد اذا تعـــدى ليــأخــذ حــق مظــلــوم بــقــنــس
4ـ فلــم أر مثلـــه رزءا لجــــــن ولــــم أمثـــلـــه رزءا لأنــــــــس
5ـ أشــد على صروف الـدهر أيدا وأفصـل فــي الخطـوب بغيـر لبس
6ـ وضيـف طـارق ، أو مستـجيـر يـروع قــلبــــه من كــــل جـــرس
7ـ فـــأكــرمــه ، وآمنـه فــأمسـى خـليــا بــالـــه مـــن كـــــل بـــؤس


اللغويات:

يؤرقني : يطرد نومي
بليت : أصبت
نكس : عودة المرض بعد التماثل للشفاء
يفرط :بزيادة وشدة
كريهة :يوم حرب
طعان ك طعن وضرب
خلس :حركة سريعة ماهرة لا تكاد ترى لسرعتها
الرزء : المصيبة
صر وف : نوائب ومصائب
أيدا :قوة
الخطوب : المصائب والكوارث
لبس :شبهه
طارق :نازل ليلا
وع :يفزع ويخاف
جرس :صوت
خليا : غير مشغول
باله :خاطره

الأفكار الجزئية:

تذكر صخر يطرد النوم عن أخته فتصاب بنكسة
ليس كمثله فتى يوم الحرب والنزال
مصيبة أخته فيه لا تماثلها مصيبة أخرى في الجن أو الإنس
صخر رجل الشدائد والخطوب صخر يكرم الضيف ويؤمن الخائف

الشرح:

ترثي الخنساء أخاها صخرا ,وتشيد بأخلاقه و فضائله , فتقول إذا جن عليها الليل تذكرتة , فتطرد ذكراه النوم عن عيني , ويلازمها الأرق , فإذا أصبحت ظهرت عليها سيمات الضعف كمريض انتكست علته , بعد أن كان يبرأ منها وحق لها ذلك فان صخرا فتى ليس له مثيل في خوض المعارك ,ونزال الأعداء فمصيبتها فيه ,لم يصب بمثلها أنس ولا جن , فقد كان أشد الناس تحملا لحوادث الدهر , وتقلبات الزمن , وأفضلهم مشاركة في الخطوب والنوازل , وكثير من الضيوف الذين لجئوا إليه ليلا وجدوا عنده مطلبهم , فان كانوا جياعا أطعمهم وان كانوا مستجيرين أو مروعين أمنهم حتى يزول عنهم شقاؤهم , وتبددت مخاوفهم

العاطفة:

فاضت نفسها حزنا لفقد أخيها

الخيال:

(يؤرقني ) كناية عن شدة الحزن والتفكير ,( وطعان خلس ) كناية عن سرعة الضرب والمهارة في إصابة الهدف .

لغة الشاعر:

أثرت عاطفة الحزن في اختيار الألفاظ المناسبة , كما أثرت في الخيال وصوره , فجأت ألفاظها ملائمة لأفكاره؛ أرجع إلى الألفاظ ( يؤرق ، التذكر ، بليت ، نكس وأمثالها لترى أنها موحية بالحزن الشديد ، وكذلك طارق ، مستجير ، يروع إلى الفزع ، وشدة الاحتياج إلى من يخفف عن ضيف الليل ما يعانيه ، فإذا بصخر يؤمن الخائف ، ويكرم الجائع ليمسى كل منهما خالي البال من كل بؤس ،و نقلت الشاعرة هذه الفكرة بالألفاظ التي تزيل الخوف وتكشف الكرب .

وأما من حيث الأساليب فقد فضلت الجمل الفعلية للدلالة على تجدد الحدث وثبوته واستعملت أسلوب الاستفهام المقصود به النفي أو التعجب لتؤكد مدح أخيها وأنه فتى لا يضارع كما نكرت رزاء بعد النفي ليدل على العموم ، وأثرت إعادة الجملة مرة ثانية ( لم أرى مثله رزاء ) لتزيد توكيد المعنى وتوضيحه ، وفي البيت الرابع حذفت المبتدأ وكأنها تشير إلى أنه معلوم للناس جميعا ثم تناولت كرمه الكثير ونجدته المستمرة باستعمال جملة بدأتها بواو ( رب ) الدالة على التكثير .

(ب ) حزن قاتل لولا التأسي بالآخرين

8ـ يذكرني طلـوع الشمس صخرا وأذكــره لـــكـــل غـــروب شـمــس
9ـ ولــولا كثـرة البــاكين حولـــي علــى إخــوانــهــم ، لقتــلت نفسـي
10ـ ولـكن لا أزال أرى عـجـــولا وبــاكيـــة تنــــوح ليـــــوم نـحــس
11ـ أراهـا والهـــا تـبــكـي أخـاها عـشيــة رزئــه ، أو غـــب أمــــس


اللغويات :

عجولا : ثكلى شديدة الحزن
نائحة : باكية ترثي فقيدها
نحس: شؤم لكثرة شروره
عشية رزئه : مساء اليوم الذي أصيب فيه والمقصود حداثة المصيبة
غب : بعد
أمس : اليوم الذي قبل يومك والمقصود انقضاء وقت على فقده
أعزى : أسلى
التآسى : التصبر بالتفكير في مصائب غيرها .

الأفكار الجزئية :

1ـ أنها تتذكر أخاها في جميع الأوقات
2ـ حزنها لفقده شديد قاس
3ـ رؤيتها الباكين يخفف من حزنها

الشرح :

لا تكاد تفارقها ذكرى صخر فهي تذكره في الصباح الباكر وفي المساء حيث كان يخرج للغار مبكرا ، أو يستقبل الضيوف في الليل ، أو يجير المستجير ، ولولا أنها ترى كثرة الباكين حولها ، يبكون موتاهم ، ويحزنون لفراقهم لقتلها حزنها على أخيها ولفضلت الموت على حياتها الحزينة تخلصا مما تعانيه من فقد رجل الملمات والشدائد ( صخر)
وعلى الرغم من أن حزنهم لفقدهم من يقل قدرا وينو منزله من صخر ألا أنها تفكر في مصابهم فيخفف ذلك من ألمها وتتأسى بهم .




العاطفة :

ما زالت عاطفتها حزينة متألمة لفراق أخيها .

الخيال :

البيت السابع كناية عن عموم الأوقات وفي الشطر الأول كناية عن وقت الغزو واشطر الثاني كناية عن فترة استقبال الضيوف والمحتاجين
وفي قولها ( لقتلت نفسي ) كناية عن شدة الحزن وضيقها بالحياة بدون صخر وتنفي في البيت الحادي عشر أن يكون المفقودين شبيها لصخر .

لغة الشاعر :

أ ) اختارت طلوع الشمس ، وغروبها لتحقق مقابلة بين اللفظين زيادة على ما في الغروب من ظلمة وسواد يشيعان في النفس خوفا وهما إلى غير ذلك من الألفاظ التي تناسب جو الحزن مثل كثرة الباكين ، رزء ، قتل ، تنوح ، نحس
ب) وقد لجأت إلى التعبير بالفعل المضارع ( يذكرني ، أذكره ) لإفادة تجدد التذكر وحدوثه وفيهما الاستمرار واختارت لولا كثرة الباكين لأن هذا الأسلوب يفيد التأكيد وزادته تأكيدا بإدخال اللام في جواب لولا لقتلت نفسي
( وهما كلتاهما .....) جملة اسمية تفيد استمرار المعنى وقد زادته تأكيدا باستعمال كلتاهما وهي من ألفاظ التوكيد المعنوي .

ج ) الذكرى باقية بقاء حياتها البائسة

13ـ فــلا والله لا أنســاك ، حـتــى أفــارق مهجتــي ، ويـشـق رمسـي
14ـ فقـد ودعــت يـوم فـراق صخر أبـــي حســـان لذاتـــي ، وأنســـي
15ـ فيا لهفتـي عليه ، ولهـف أمــي أيصبح في الضريح ، وفيه يمسي

12اللغويات :

مهجتي : روحي
رمسي : قبري
أبي حسان : كنيته
يا لهفتي : يا حسرتي



الأفكار الجزئية :

1ـ بقاء التذكر إلى أن تموت
2ـ بفقده حرمت سعادة الدنيا
3ـ تعجبها من شدة حسرتها لبقائه في التراب

الشرح :

تصف شدة اتصالها به فتقول : إني لن أنساه مدى الحياة وستظل ذكراه باقية إلى أن أغيب في قبري فلم يبق من حياته سوى الأليمة فقد ودعت سعادتي وأنسي يوم أن رحل عن هذه الدنيا وبقيت أنكب حظي فيا حسرتي لفقده وحسرة أمي إذ صار وجوده تحت التراب بعد أن كان ملء الأجواء وحديث المجتمعات .

العاطفة :

الحزن الدائم والتحسر لما أصابها بفقده .

الخيال :

( أفارق مهجتي ) كناية عن الموت ، ( ودعت ...........لذاتي ) استعارة مكنية حيث شبهت اللذات بإنسان مسافر وقد ودعته . كما أن ( أيصبح في التراب وفيه يمسي ) كناية عن جميع الأوقات .

لغة الشاعر:

أ ) ألفاظها معبرة تشف عن عاطفتها مثل ( أفارق ، مهجتي ، الرمس ، ودع ، لهف )
ب) وكذلك تعبيراتها مناسبة للأفكار من خلال تأثرها بالعاطفة مثل ( جملة القسم ) التي تفيد توكيد عدم النسيان ، وقد زاد المعنى توكيدا بقوله ( لا) قبل القسم وأكدت حزنها بالجملة الفعلية ( فقد ودعت ........ لذاتي ) وزادته تأكيدا باستعمال ( قد) الداخلة على الفعل الماضي ولعلك تلحظ الطباق الجميل بين يصبح ويمسي وما فيه من تأكيد طول البقاء في التراب .

التعليق العام:

1ـ الغرض : رثاء عرضت فيه الشاعرة مناقب أخيها وعددت مكارمه وأياديه ثم تصف فجيعتها فيه بأنها أليمة لا مثيل لها بين الإنس والجن .
2ـ الصور الخيالية : قليلة على الرغم من أن النص تسود فيه عاطفة الحزن حتى أن هذه العاطفة كانت تطغى وتشتد فتدفعها إلى المبالغة كما في قولها
فلم أرى مثله رزء الجن ولم أرى مثله رزء الإنس
3ـ أثر البيئة : وضحت الخنساء المعاني التي كان يعتز بها عصرها مثل ( إنه منقطع النظير ، إطعام الجائع ، ويغيث الملهوف ، ويفرج الكروب في يوم الكريهة والطعان )
4ـ خصائص أسلوبها :

أ ) متدفقة العاطفة : استطاعت أن تنقل شعورها وأفكارها في قوة وصدق ولوعة
ب) لم تكثر في هذا النص من الصور البيانية كما رأيت
ج) تختار لكل موقف ألفاظه المناسبة ففي تصوير الحزن والأسى تختار ( يؤرق ، بليت ) وفي تصوير عظمة أخيها نسمعها تقول ( أي فتى كصخر ) ( ليوم كريهة وطعان خلس ) إلى غير ذلك من الألفاظ الجزلة القوية .