مشاهدة النسخة كاملة : هديتي لعشاق حصن عمان


رقيق المشاعر
15-12-2006, 11:27 PM
سادتي ،،،
البسوا عليكم مسوحا من الأحزان ، فإني أنوي الحديث عن فاجعةٍ جديدة ، وحكايةٍ فريدة من حكايا العصر الغريبة ، نسمع عن قصص الخيال كثيرا ، ولكنّا نرى الواقع أغرب من الخيال ، وكالعادة سأروي هذه الرواية على أجزاء ، علّني أخفف من وهجها ، فسياط العذاب تحرق المهج ، ولهيب اللظى يقتل كل ذرة إحساس ، ومن شدة الإغراق في المأساة نفقد الشعور بها ، وربما ذلك نتيجة شدة العذاب ، أصبحنا في زمنٍ نسكرُ من جرعات آلامه ، الصراخ غير مجدي ، والنحيب غير مسموع ، والآذان لا تعبأ بالأنّات ، والمآقي لا تحرك المشاعر ، ماتت الضمائر ، وعمّت القسوة ، وصار الجبروت والقهر عقيدةً وديدناً .
في هذه المرة سأحاول جاهدا أن لا أضفي على الموضوع لهجة الوجع ولكنة التأوه ، سأبتعد بكلماتي عن الحزن قدر الإمكان ، وسأعدكم بأن أنقل لكم الحقيقة كما هي بعينها ، لن ألهث وراء التشويق ، ولن أحبك الحبكة ، بل سأسرد الوقائع بكل دقةٍ وأمانة ، فالحال لوحده مأساوي مظلم ، فالدموع تتساير مع كل مشهد ، والحرقة تسكن كل شخصيات الرواية ، والإحساس بالظلم والحسرة والنشيج سيكون الموقف الأعظم ، ستحلق الطيور ولكنها ستغرد أنغاما شاجية ، وسنعزف بالوتر مقطوعاتٍ موسيقية كئيبة ، وأرجو أن لا تكون قلوبكم ضعيفة ، وأن تتحملوا المشاهد بكل صبرٍ وجلد .
فهل أنتم مستعدون للإقلاع ، فالطائرة أعلنتِ الاستعداد ، وطاقم الضيافة يحييكم ، فهيا أربطوا أحزمة الأمان .

بيسان
15-12-2006, 11:48 PM
طريقتك في كتابة القصص مشوقه ،،
شوقتني لقرائتها ،، لقد ربطت جزام الامان ،، فهيا لننطلق

درة صحار
15-12-2006, 11:52 PM
طريق وصفك رائعه بالفعل وجميله ..
كلماتك منتقاه بدقه في الوصف

بانتظار حكايتك اخي رقيق المشاعر ,,

رقيق المشاعر
16-12-2006, 12:34 AM
هيا بنا فنحن الآن في الجو
ومع الوقفة الأولى ومحطة البداية
حسام يحمل حقيبته المدرسية سريعا ، الأم أعدّت له الفطائر ليتناولها في الاستراحة المدرسية ، أوصته بالاهتمام بأخيه الأصغر يونس ، ودَّعا أمهما بابتسامة مشرقة ، وعند محطة انتظار الحافلات ، تنهد حسام وفتح الحقيبة يبحث عن الرسالة المعتادة ، قرأها وبكى كثيرا وارتعدت فرائصه ، كان مكتوبا في الرسالة " ستموتُ قريبا يا حسام " ، أخفى الرسالة فور وصول الحافلة ، صعد إليها ودموعه تتناثر على وجنتيه ، سأله صديقه مرتضى ، ما بك يا حسام ؟ لماذا تبكي ؟ لم يجب حسام سوى بدموعه الحرّى .
ها هي الساعات تمضي مسرعة ، وتأتي الحصة الأخيرة ، ويُخرج حسام كتاب المطالعة ، ويدخل المعلم مبتسما كالعادة ، هيا يا طلاب طالعوني جيدا ، فاليوم مطالعة ، ويضحك الجميع ، عدى حسام يكتفي بابتسامةٍ خفيفة تكاد لا تظهر ، بعدما انتهى اليوم الدراسي ، بحث حسام عن أخيه يونس ، فوجده بصحبة صديقه سامر ، تشابكت يد حسام ويونس ، وعند صعودهما للحافلة استوقفهما مدرس المطالعة قائلا : حسام تعال أنت ويونس سأوصلكما بسيارتي ، لم يتردد حسام في قبول الدعوة ، فهذا المدرس هو الشخص الوحيد المقرب لدى حسام .
أخذا في تبادل أطراف الحديث ويونس صامت لصغر سنه فهو لا يزال في الثامنة من عمره خلاف أخيه حسام الذي أوشك على الدخول في الحادية عشرة بعد أيام ، كان المدرس يحاول جس نبض حسام ليعرف سر تغيره ، لكن حسام يتمتع بذكاء شديد ولا يسمح لأحد باستدراجه .
وصلا البيت ، استحم حسام وصلى فريضة الظهر وتناول الغداء ، وعندما ذهب للنوم وجد رسالةً أخرى تحت الوسادة مفادها : " انتظر يا حسام ، الأكيد بأنك ستموت قبل عيد ميلادك " ، ارتعد وبكى ونشج ، ولكنه كالعادة لا يزال يخفي الرسائل ولا يخبر أحدا .

،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
16-12-2006, 04:56 PM
يخيم المساء على الأرض ويلبسها السواد ، وتبدأ الأنوار الخافتة ، أم حسام تعد لأطفالها وزوجها العشاء ، فهي لا تسمح للخادمة بطهي الطعام ، حسام أنهى برنامجه اليومي الذي يشاهده على قناة الأطفال ، يونس يلعب بالألعاب الورقية ، وفجأة يسقط حسام مغشيا عليه ، فينادي يونس أمه خائفا فزعا، فتهب الأم مسرعةً نحو وليدها : حسام حبيبي ما بك ، أفق يا حسام ، وترّش وجهه بماءٍ بارد ، فيفتح عينيه الوجِلتين ، فتحضنه أمه بقوة قائلةً من أنا ؟ تود أن تتأكد من وعيه التام ، فيجبها برعشة وخوف آه أنتِ أممم أيوه أنتِ .... نعم تذكرت أنتِ أمي ، ويبكي الجميع .
في تلك اللحظات يدخل الأب حاملا معه كيسا أبيض ، يبدو أنه عائدٌ من مركز التسوق " سيتي سنتر " ، فيسألهم باستغراب ما الأمر ؟؟ نطق الجميع وبصوتٍ واحد وبكل برود لا شي ، تقوم الأم لإحضار العشاء فيستوقفها زوجها ، تعالي يا غالية خذي هديتك ، أنا اشتريت لكم هدايا قبل عيد ميلاد حسام ، يوزع الهدايا وهي مغلفة بغلاف صغير ، لا يسمح لأحدٍ بفتحها إلا بعد العشاء وعلى سرير النوم ، فرح الجميع بهذه الحركة الجميلة من أبيهم الطيب الحنون .
التفوا جميعا حول طاولة العشاء ، ولا يزال حسام في شروده وحيرته ، وبدأ صراخ الصحون ، إنه يونس الشقي يمارس هوايته المعهودة في ضرب الصحون بالملعقة ، يضحك الجميع ، يتحرك يونس بشغبٍ وفوضى ، ها قد سرق شربة حسام بكل سهولة وبساطة ، لكن الغريب أن حسام لم يبذل أي جهد في منعه مثلما كان يفعل في السابق ، هنا تأكد لدى أبويه بأن حسام يعاني من أمرٍ جلل ، ولكن ليس من السهل عليهم فك طلاسم تغيّره ، فحسام يحتفظ بشخصيته وأسراره الذاتية ، ولا يبوح بها لأحد وخصوصا والديه .
ذهب الجميع إلى أسرِّتهم مسرعين ، فالشوق يحدو بهم لمعرفة الهدية ، كانت هدايا رائعة ، عدى حسام وجد الرسالة المعتادة " مسكين يا صغيري ، ستكون هديتك الكبرى يوم عيد ميلادك ، ستغادر الحياة وهذه أجمل هديةٍ مني " ، صُعق حسام كثيرا ، هل يعني هذا بأن أباه يود قتله ؟؟ تساءل في نفسه كثيرا ، لمَ يريد أبي مني أن أموت ؟ ، قام مسرعا نحو خزانة ملابسه ، بحث كثيرا ، وأخيرا وجد الصورة ، صورة أخته سوسن التي توفت وهي لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها ، خاطبها قائلا :
حبيبتي سوسن ، في أي دارٍ أنتِ الآن ، حتما في دار الخلد والنعيم أخيتي ، آهٍ ما أجملك ، عيناكِ تنفثان سحرا ، ومحيّاك يشع نورا ، صورتك أصبحت لي الأمان ، قريبا سألحق بك ، فيبدو أن من قتلك سيقتلني أنا أيضا ، آهٍ كم أنا مشتاقٌ لكِ يا هواي ، كنتُ صغيرا يوم أخبروني بوفاتك ، ولكني أكبر كل يوم وأنتِ تكبرين في قلبي أكثر ، أحبك أحبك ، ويطبع قبلةً على الصورة ، ويرجع إلى سريره ، ولا يدري ذلك المسكين ما الذي ينتظره في القادم من الأيام .

،،، يتبع ،،،

المرح الغامض
16-12-2006, 05:08 PM
رائع اسلوبك اخي في السرد .. تبارك الرحمن ..

و ماذا بعد ذلك ؟؟
متشوقة اعرف بقية الحكاية ..

اشكرك اخي رقيق المشاعر على هذه القصة .. وونتظر التكملة على احر من الجمر ,,:thumbup1:

رقيق المشاعر
16-12-2006, 06:44 PM
نترك عائلة أبو حسام قليلا
هناك قريةً ريفية ، أغلب سكانها فقراء وبسطاء ، يكدحون طوال النهار من أجل توفير لقمة العيش ، ورغم البؤس والشقاء الذي هم فيه ، إلا أنهم متعاونون ومتكاتفون ومتحدون ، وفي الأيام القليلة القادمة ستشهد القرية عرس ابنهم البار سمير ، فقد خطب ابنة عمه خلود ، البلد كلها تتزين لذلك اليوم ، وكأن الجميع معرس ، الزينة تعم الشوارع والبيوت ، وحفلات السمر تنتشر في المساء ، يترقبون وبشغف يوم الخميس ، ولا يفصلهم عنه سوى أربعة أيام ، وبعدها يكون العرس المنتظر .
هذا الزواج يعتبر غريبا بكل المعاني ، حيث كان المهر عبارة عن قطعة أرض منحها أبو سمير لأخيه أبو خلود، وتم كتابة العقد على ذلك ، والأغرب من ذلك أن سمير وخلود لا يريدان بعض ، وكل واحدٍ منهما يكره الآخر ويضمر الحقد له رغم أنهما أبناء عمومة ، إلا أن المصلحة العامة اقتضت ذلك ، ووافق العريسان على الزواج المصلحي ؛ المعارض الوحيد للزواج هو سعيد الأخ الأصغر لسمير فهو لا يزال يحب خلود حبا عميقا ، ومستعد أن يبذل الغالي والنفيس لأجلها .
سمير لا يملك رصيدا وافرا من الثقافة فهو لم يكمل تعليمه ، حيث أنه درس المرحلة الابتدائية فقط ، ولذا فمن السهل استغلاله والتحايل عليه ، وللأسف الشديد فهو سهل الاقتناع ، بينما خلود لم تدخل المدرسة أبدا ، ومع ذلك فهي تعد من النساء الأكثر دهاءً في القرية ، وتملك عقلا راجحا وذكاءً خارقا ، وربما يرجع الفضل لسعيد يوم أن كان يقرأ لها كثيرا من الكتب ويحاورها في كل القضايا الاجتماعية والعلمية وكان يطلعها على كل تطورات الأخبار في العالم ، ومع مرور الوقت فقد تعلمت القراءة والكتابة على يديه .

،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
16-12-2006, 09:44 PM
في الصباح الباكر ومع زقزقة العصافير وقبل أن ترسل الشمس أشعتها الذهبية ، تخرج خلود إلى زيارة خالتها خديجة ، تطلب منها السماح لابنتها مريم بمرافقتها هي وسمير إلى سوق الذهب ليشتروا ما تبقى من مجوهرات العرس ، ولكن خالتها لم تسمح لها بذلك لسببين :
الأول : إن خديجة تحتاج لمريم كثيرا ، ففي هذه الأيام عاودها مرض القلب من جديد ، وربما بلغ المرض أقسى درجاته ، وهي تريد أن تبقى ابنتها بجانبها تخفف عنها آلامها .
الثاني : مريم وسمير بينهما علاقة حبٍ قوية جدا ، خصوصا مريم التي أصبحت تهذي باسم سمير في النوم واليقظة .
رجعت خلود إلى بيتها محبطة بسبب رفض خالتها لطلبها ، أما مريم المسكينة فهي الأكثر معاناة بين جميع أهل البلدة ، فهي فقدت حبيبها الذي أصبح ملكا لابنة خالتها خلود ، وهي من كانت توفر لهما الجو المناسب للالتقاء ، والأكثر من ذلك كانت خلود البريد الصادق وحبل الوصل بين مريم وسمير ، واليوم تختطفه منها وبكل قسوة ، وما يزيد من معاناة مريم أن أخاها عماد توفي بعد سقوطه في بئر المزرعة قبل شهرين فقط ، والأهل يصرون على تجاهل مشاعرهم والاستخفاف بأحزانهم بإقامة العرس في هذا التوقيت ، حتى مرض خديجة وتطوره المخيف لم يثنهم عن عزمهم .
مسكينةٌ مريم ، فقدت الحبيب وودعت الأخ الشقيق ، وهي الآن تعيش بعزلةٍ صارخة مع أمها المريضة ، وقريبا سيكون عرس حبيبها الذي بذلت من أجله كل مشاعرها ووهبته أحلامها وطموحها ، كانت تأخذ أحزانه فتكبتها في قلبها ، وتهبه كل أفراح عمرها وزهو أمانيها ، لم يتبقى على العرس سوى ثلاثة أيام ، وكأن مريم تعدُّ أيامها المتبقية ، فقد شحذت المدية جيدا ، وتنوي ذبح نفسها يوم دُخلة فارس مستقبلها ، تعتقد في قرارة أعماقها بأن سمير خانها وبدمٍ بارد غدر بها ، وأنه لم يكن يحبها يوما ، كل ما كان بينهما لا يُعدّ سوى ممارسة هواية اللعب بالقلوب ، وتجييش مشاعر مريم ، بالرغم أن سمير كان صادقا ولا يزال متيما بها ، ولكن للواقع تداعياتٌ أخرى ، والحال مرير لا يمكن وصفه ، ولا بدَّ من معايشة الأيام القادمة بكل مرارتها وآلامها .



،،، يتبع ،،،

جريح الذكريات
16-12-2006, 10:12 PM
ما شاء الله ,, ما شاء الله ,,,
أخي رقيق المشاعر ,,, تبارك الرحمن ,,,
أسلوب تشويقي طيب ,, رائع ,,, ممتاز ,,,,

أذهلتني طريقة سردك للأحداث المشوقة ,,, بصراحة أنا والمنتدى في فخر بأن نضم شخص بهذا الجمال في الأسلوب والثقافة ,,,,

بارك الله فيك أخي ,,,,

وأنتظر جديدك ,,,

تقبل احترامي ,,,

رقيق المشاعر
16-12-2006, 10:25 PM
قبل العودة إلى عائلة حسام ننهي جولتنا الأولى من الرواية بالدخول قليلا إلى عالم بدر المتعطش لهجرة العلم والدراسة .
ها قد أنهى بدر المرحلة الثانوية بحصوله على المركز الأول على مدرسته وبنسبة 99 % ، والآن يتهيأ للرحيل إلى استراليا ، للالتحاق بكلية الطيران الحربية ، ليحقق أمنيته منذ الطفولة في أن يصبح طيارا حربيا لخدمة وطنه وبلاده ، تبقى على موعد السفر أقل من أسبوعين ، والأم من ساعتها وهي تبكي دموعا مختلفة المشاعر ، تارةً تبكي فرحا لمواصلة ابنها دراسته الجامعية بنجاح ، وتارةً تبكي خوفا عليه من الضياع والغربة والمشقة والبعد عنها ، إلا أنها في كل صلاةٍ تدعو له ، والأب المتدين يوصيه ليلا ونهار بتقوى الله والمحافظة على صلواته والتمسك بدينه وأخلاقه .
بعد صلاة الجمعة التقى بإمام الجامع محمود ، وكعادة بدر يسأل كثيرا في أمور الدين والشيخ يجيب بكل ابتسامة ورضى ، طلب الشيخ من بدر أن يلتقي به بعد صلاة العشاء فإنه يود أن يحدثه في حديثٍ خاص ، هزأ بدر رأسه موافقا على طلبه ومرحبا بلقياه ، وعند عودته للمنزل شاهد العجوز فاطمة ، فذهب إليها مسلما ويخبرها بأنه سيغادر ، وطلب منها أن تقرأ له الكف ، فهي مشهورة بقراءة المستقبل " وعلم الغيب عند الله" ، أمسكت يده بقوة وضغطت على أصابعه مما أثار استغرابه واندهاشه ، وقالت يا بني لا ترحل ، فالخير كل الخير أن تبقى هنا ، فصرخ بها ولكني أود إتمام دراستي ومواصلة التخصص الذي أحلم به ، فأجابته بحزنٍ دفين ولكنّ هلاكك في رحيلك .
رجع إلى بيته حزينا كسيفا كئيبا ، وأغلق على نفسه باب غرفته ، يفكر مليا في قول العجوز الساحرة ، ويحدث نفسه بأن لا أحد يعلم الغيب سوى الله جلَّ جلاله ، ويتبادر أخرى إلى ذهنه أنها لم تخطأ في قراءة الكف ولا مرة ، فالكل يقسم بأنها تصيب دائما في التنبؤ للمستقبل ؛ ولكنه الحلم والطموح والنجاح ، أصيب بدوارٍ شديد فنام نومةٍ عميقة ، ولم يذق طعاما ولا شرابا ، وعند أذان العصر أيقظته أمه للصلاة فتوضأ وذهب إلى المسجد لأداء الفريضة المكتوبة والصلاة الوسطى ، ومن ثم ارتدى ملابسه الرياضية وذهب بصحبة زملائه للنادي ، ليستمتع بممارسة هوايته المفضلة ألا وهي كرة القدم ، تلك اللعبة التي يتقنها بكل مهارة فهو لاعب جيد ويملك براعةً في التهديف ، والكل يتنبأ له بمستقبلٍ واعد .
،،، يتبع ،،،

دفئ الكون
17-12-2006, 10:13 AM
أسلوب رائع ومشوق .. وفقك الله أخي

ها نحن قد ربطنا حزام الامان ،، وطلقنا ..

ولآن نتظر محطة الوصول

رقيق المشاعر
17-12-2006, 12:34 PM
المؤذن يصدح بالأذان ليحرك الجنان ، وبدر يخطو خطواتٍ رشيقة نحو المسجد وشفتاه تستعذب التسبيح والتهليل والذكر ، دقائق إيمانية جليلة قضاها بدر وهو يؤدي فريضة صلاة العشاء ، حمد الله كثيرا ورفع أكف الضراعة للباري أن يوفقه في حياته العلمية ، وأن يهديه الرشد والسداد في القادم من الأيام ، خرج بصحبة الإمام إلى الحديقة العامة ، أضواء المساء توحي بجمال الرومانسية ، الليلة بقمرها المضيء المكتمل كأنها عذراء فاتنة ترغم الجميع على التغزل بها لروعتها وسحر جلالها ، يبدو أن بدر يشعر بأن هذه الليلة ليست مناسبة للحديث في أمور الدين وخصوصا مع إمام الجامع وخطيب الجمعة ، هذه الليلة الساحرة ، وتلك الأنجم المشرقة وكأنهن مصابيح ، والقمر كأنه زجاجة ماسية تشع لمعانا ، الهدوء والهواء المتقطع الخفيف يوحي لك بعذوبة البوح بالحب ومغازلة الحبيبة ، وها هي ملامح الأسى تظهر على بدر ، هذا الرجل الذي لم يعشق فتاةً أبدا ، ولكنه بطبيعة الإنسان يهوى كل جميل .
بعد طول تفكيرٍ من الشيخ ، وبعد تنهدات بدر وهي تنطق بمضاضة الموقف ورتابة الصحبة والحديث ، يبادر الشيخ محمود بسؤال بدر هل عزمت على الزواج يا بني ؟؟
ارتبك بدر وتلعثم في الجواب وكأنه يخفي أمرا عظيما ، ولكنه تملك الشجاعة وقال : لا ، فأنا لا أزال في سنٍ صغير على الزواج ، ولا أفكر به في وقتي الراهن ، عنّفه الشيخ على ذلك ، متحججا بأن الزواج قبل سفره سيعصمه من كثيرٍ من المشاكل ، وأنه أمانٌ واستقرارٌ وراحة بال ، فقاطعه بدر قائلا : على رسلك يا شيخ فأنا لا أريد أن يشغلني شاغل عن الدراسة ، وأشعر بأن الزواج سيأخذني من الاهتمام بدراستي وتحقيق بغيتي وحلمي الجميل ، لكن الشيخ هزّ رأسه بابتسامة مخالفة ، وأن الزواج سمينحه طاقةً وعزما وإرادة ، وستتوفر له سبل الراحة والغذاء الصحي الجيد ، والعناية به وبمكان إقامته وتجهيز ملابسه ، سيعيش ملكا في مملكته ، آمرا ناهيا .
بدأ بدر يشعر بأن كلام الشيخ به الكثير من الصحة والمنطق ، ولكن من ستكون فتاة أحلامه ، وكيف سيتعرف عليها ؟؟ هذا ما تكفل الشيخ بإيضاحه ، بأنه سيزوجه ابنته عائشة ، وهي ذات غنجٍ ودلال وثقافة وعلم ودين وحسب ونسب ، هنا عادت الذكريات ببدر إلى زمنٍ بعيد ، يوم أن كانت عائشة تدرس في الأول الإعدادي ، وكان الشباب من حولها كالفراش ، يطاردونها لجمالها ودلعها ، والدلال الذي كانت تحظى به من قبل أمها ، وربما الموقف الذي لن ينساه أبدا ، حينما رآها تخرج من بيت تامر ، ذلك الفتى الذي يغري الفتيات بوسامته ولسانه المعسول ، ولا تسلم أي فتاة منه بعد ذلك إلا أن تضحي بشرفها ، يكفي أنه نشر صور عائشة بين أصحابه وأقرانه .
رد بدر على الشيخ محمود متعذرا بأنه لا ينوي الزواج إلا بعد الانتهاء من دراسته ، ولكن الشيخ استمر في مناشدته وأخبره أنه سيبلغ أباه بشرف المصاهرة ، فهما تربطهما صداقة منذ نعومة أظفارهما ، تناولا شراب المانجو الطازج ثم افترقا ، ولا يزال بدر يحاول جاهدا في التخلص من موضوع زواجه بعائشة ، ويحدث نفسه بنصحهِ لعائشة ، أو أن يصارح أباها بأمر علاقاتها ، لعل وعسى أن يكون هنالك بصيص أملٍ في تغير منحى حياتها ، وليس ذلك بعزيز على الله جلّ في علاه .
،،، يتبع ،،،

حوراء الحصن
17-12-2006, 12:52 PM
تسلم اخوي ننتظر البقيه

رقيق المشاعر
17-12-2006, 03:22 PM
اليوم بداية اختبارات منتصف الفصل الدراسي ، والبداية كالعادة مع مادة التربية الإسلامية ، تمكن حسام من إجابة جميع الأسئلة بكل يسرٍ وسهولة ، عدى السؤال الأخير ، حيث كان السؤال :
ما هو الذي لا مفر منه ، والحقيقة الواضحة ، وخاتمة الدنيا ، إن ذهبتم يمينا فهو ملاقيكم ، إن هاجرتم فهو ملاقيكم ، إن تنفروا منه فهو ملاقيكم ،، وجاءت سكرة ... بالحق ؟؟
كان جواب حسام كالتالي :
لا أملك جوابا سوى " عيد ميلادي "
وفي الحصة الثالثة اختبار الجغرافيا ، وفي بيانات ورقة الاختبار وبجانب اسم مادة الاختبار ، كتب حسام مادة التاريخ ، فانتبه مراقب الاختبار لذلك ، فطلب منه تعديل اسم المادة إلى جغرافيا ، لم يعر حسام أي أهمية لاسم المادة ، واختبرَ جغرافيا ، وبعد ذلك اختبرَ الرياضيات مباشرة ، وعاد إلى البيت ، بدأ في ترتيب غرفته ، فغدا سيكون عيد ميلاده ، فتح مذكرته اليومية ودون بها بعض الكلمات ، اتصل بصديقه مرتضى ، وطلب منه الحضور إليه في المساء ، أخذ قسطا من الراحة ، وبعدها وجد الرسالة المعتادة أسفل السرير ، " استمتع بيومك هذا فهو يومك الأخير " ، لم يكترث كثيرا هذه المرة بالرسالة ، مضى في طريقه إلى حديقة المنزل ، وأمضى وقت العصيرة كله في تفكيرٍ وتخطيط .
في الموعد المحدد حضر إليه صديقه مرتضى ، منحه رسائل كثيرة ، إلى شخصيات محددة ، وشدد عليه في ضرورة تسليم كل الرسائل يدويا لأصحابها ، وناشده أن لا يتأخر في ذلك ، لم يتكلم مرتضى بأي كلمة ، فهو الصديق المخلص الذي ينفذ كل ما يطلبه منه صديقه وبدون تدخل ، فهو يؤمن تماما بقول الرسول الكريم " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " ، وفي الصباح لبس حسام لباسا مميزا ، وتعطر وتزين ، وطلب من أخيه يونس أن يذهب بمفرده اليوم إلى المدرسة ، وبدأ مرتضى في توزيع الرسائل بكل جديةٍ ومثابرة .
حسام يطرق باب جدته رقية ، ويدخل عليها ويقبل رأسها وجبينها ، ويمسك بيدها ويضعها على خده ، استغربت جدته من تصرفه الغريب ، ولكنه قال لها ببرودٍ وشرود ، اليوم عيد ميلادي ، وأود منكِ الحضور ومشاركتنا الاحتفال بهذه المناسبة ، ولا تنسي أن تبلغي جاركم مبارك أنني أنتظره لأمرٍ جلل ، وأخبريه أن العدة لا بد أن تكون كاملة ، تفاجأت جدته من كلامه ، ولكنها منحت نفسها عنصر التشويق لمعرفة ما يخطط له حسام ، خرج من عندها وتوجه رأسا إلى أحد المجانيين وسحبه من يده وجرّه معه .
،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
18-12-2006, 11:05 PM
ها قد اقتربت اللحظة الحاسمة ، توافد الأصدقاء على بيت حسام ، وفي حديقة البيت العامة ، تجمعت الحشود المهنئة بعيد الميلاد ، وحضر كل المدعوين ، الزينة انتشرت في كل أرجاء الحديقة ، الشموع مضاءة ، والموسيقى الهادئة تطرب الآذان ، الكل يبحث عن حسام ليقدم له التهنئة ، الجدة كانت نجمة الحفلة بابتسامتها الجميلة ، كل مدرسي المدرسة قد لبوا الدعوة ، عدد الحضور يفوق الثلاثمائة فرد ، ومن بينهم الشاعر المشهور نجم الدين ، تعالت الأصوات تطالب الشاعر بأن يشنف الآذان بكلماته العطرة وأبياته الرائعة وقصائده الملهبة للمشاعر والأحاسيس .
لم يتردد نجم الدين في أن يلقي عليهم قصائده ، فهذه فرصة مناسبة كون العدد كبير ، فهو يعشق التجمع والتجمهر ، ابتدأ قصائده برثاء صديقه ، ثم انتقل للوصف ، وبعدها للغزل ، أطال كثيرا في قصائده الغزلية ، وبعدها انخرط للشعر الذي يهواه الجميع ، إنه الشعر السياسي الذي يبدع فيه أيما إبداع ، وفي الأخير كان لا بد من أن يترك مجالا لهموم الشارع والشعب ومعاناة المساكين ، صفق الكل له بكل حرارة وإعجاب ، الميكرفون تحول لجدة حسام تلقي عليهم قصصها أيام الطفولة ومغامرات الشباب ، ثم تحدثت عن زوجها المرحوم ، وذكرياتها الرائعة معه وحبه لها وتفانيه من أجلها .
ولكن أين حسام ؟ الأم مشغولة باستقبال المدعوين ، وحسام وأبوه غائبين ، بحثت أم حسام عن ابنها فلم تجده ، ذهبت إلى غرفته فلم تجده ، بحثت عنه جيدا ولم تجد له أثرا ، سألت عنه صديقه مرتضى ، ولم تجد لديه أي جواب ، يونس الشقي يلعب مع بنات جيرانه ، يتحرك بشغب كعادته ، فهو يعشق الفوضى والضجيج ، يا لجنونه وهو يمسك سكينا يخوف بها جارتهم أمل ، فتشكوه لأمه ، فتضطر لتأنيبه وضربه بقوة على ظهره ، يرتفع بكاؤه ، وتحاول أمل تهدئته ، وتطبع على جبينه قُبلة ، وتصطحبه في جولةٍ داخل الحديقة تحاول ترضأته ، وفي الأخير أخرجت نقودا من جيبها وأهدتها له لكي يرضى عنها ، في هذا الوقت طلب مرتضى من الجميع الإنصات له ، فهو سيقرأ عليهم رسالة صديقه حسام صاحب الحادية عشر ربيعا :
" شكرا لكم جميعا على الحضور ، تهنئتكم وصلت إلى القلب ، وأعتذر لكم بأن أفراحكم ستتحول إلى أحزان ، فأنا بصحبة أبي لكي يقتلني ويتخلص مني ، لست الضحية الوحيدة ، فقد سبق أن قتل أختي سوسن ، لكني أغفر لأبي فعلته هذه ، وأنا أحبه من كل قلبي وإن قتلني ، فروحي فداه ، وأختي سوسن فدته أيضا بروحها ، لا تسألوا أبي لماذا يقتلنا ، لكني أتوسل إليكم أن تطلبوا منه ألا يقتل أخي يونس ، ولا يؤذي أمي الحنونة ، يكفيه تضحيةً أنا وسوسن ، وليترك يونس يحيا مثل غيره من الأطفال ، أحبكم جميعا وأحب أبي ، وسأشتاق لأمي كثيرا ، وسلامي لجدتي حبيبتي ، تحيتي لكل أصدقائي وأحبابي ، أنا أموت فلا تجعلوا حياتكم حزينة لأجلي ، فأنا أتمنى أن أرى الفرحة في قلوبكم حتى وأنتم تقبروني ".
عذرا أحبتي
،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
18-12-2006, 11:28 PM
بدأ العرس والكل مبتهج ، والفرقة الموسيقية تعزف أغاني الفرح ، الرقص ينتقل بين صفوف الحاضرين وكأنه وباء سريع الانتشار ، تم تجهيز خلود بطرحتها ، من يراها يشعر بأنها ذاهبةٌ لفسحةٍ أ و لزيارة إحدى صويحباتها ، والعريس يقف بين الرجال وكأنه يحضر اجتماع صلح بين الخصوم ، لا تبدو عليه ملامح السعادة ونشوة الفرح ، سعيد ذهب بعيدا بمقربةٍ من البحر ، فهو من يشكو له أحزانه وآلامه ، ويبثه همومه ومصائبه ، مريم تقف على رأس أمها ، تبكي حالها وتشكو إلى الله ضعفها ، والبلد تموج في مشاعر الهناء والبسمة ، لا تجد أحدا إلا وكأنه يحضر حفلة زفاف لأول مرة ، بل كأنهم حرروا البلاد من الاستعمار والاستيطان ، يخالجك شعور بأنه الفرح الأعظم على مر تاريخ البلدة .
بينما سعيد يحاور البحر ويحدثه عن الواقع المرير ، يشاهد طفلا في البحر على وشك الغرق ، والنساء والأطفال يصرخون طالبين النجدة والعون ، ما كان منه إلا أن ارتمى في عرض البحر ، وبمساعدة الحاضرين تم إنقاذ الطفل ، وحُمل إلى الشاطئ ، بعدها بقليل حضرت الشرطة بصحبة الإسعاف ، ونقل الطفل إلى المستشفى على الفور ، قامت الشرطة في التحقيق بشأن الغرق إذا ما كان متعمدا ومن خلفه فاعل ، أم أن الطفل لا يجيد الغوص في البحر ؟ !!
أخذوا أقوال والد الطفل ، فقال ولدي سباحٌ ماهر ، ولديه دوراتٌ كثيفة في هذا المجال ، وحقق بطولات معروفة على مستوى مسابقات الأشبال للسباحة ، فمن العبث والهراء أن نقول بأنه غرق لكونه لا يجيد السباحة ، سأله الضابط : هل معنى هذا أنك تشير بإصبع اتهام على شخصٍ ما حاول قتل طفلك ؟
قال : نعم ورأيته بأم عيني ، إنه هذا الرجل الحنطاوي ، ويشير على سعيد .
اندهش سعيد من ذلك ، أراد الكلام فمنعه الشرطي ، طالبا منه الهدوء والسكينة
ولكن ما دليلك سيدي على صحة كلامك ؟؟ هل تملك ما يثبت صحة قولك ؟؟
نعم اسألوا زوجتي فقد رأته أيضا يفعل ذلك فصرخت في الحاضرين أن يمنعوه من فعل ذلك
هنا توجه الضابط لأم الطفل يسألها عن اتهام زوجها لسعيد ومدى صدقه
فأجابت : نعم رأيته وأنا مستعدة تماما لإدلاء شهادتي واليمين الدستورية ، يعتقل سعيد على ذمة التحقيق إلى أن تثبت براءته أو إدانته .
سمير يمسك بيد خلود ويتجهان صوب السيارة ، تلك التي لم يترك فيها قيد أنملة إلا وازيّنت ، النساء تزغرد وصوت آلات العود والدف تخرق الآذان ، هنا تأتي مريم صارخةً مسرعة ، أن أوقفوا العرس فقد ماتت أمي ، لم يصدقها أحد فالكل يعلم بأنها عاشقةٌ لسمير ، وربما هذا مخططٌ منها لمعرقلة العرس ومنعه بأي طريقة ، تبكي وتنوح وتنشج ولا يصدقها أحد ، تنادي بهم ويحكم ارحموني واحترموا الموت ، أكملوا العرس وأوقفوا الموسيقى ، وليقم بعضٌ منكم معي نكرم أمي بتغسيلها والصلاة عليها ودفنها ، يستمر نكران الناس لها ويسخر بعض السفهاء منها ، تمزق لحافها وتضرب جسدها وتحثُ التراب على رأسها ، يا إلهي لقد ماتت الرحمة من القلوب ، أمسكت حجرا كبيرا وضربت رأسها به ، حينها خارت كل جبال التماسك بداخل قلب سمير ، فذهب مسرعا نحوها يحتضنها ويحملها بسيارة العرس إلى المستشفى ، لعل وعسى أن يكون رمق الحياة لدى مريم به بصيص أمل .
،،، يتبع ،،

بيسان
19-12-2006, 12:04 AM
القصة رائعه جدا ،، من حيث السرد وتتابع الاحداث ،، مات حسام ،، اباه من قتله ،، ولكن لماذا قتل ابنته سوسن ثم ولده حسام ؟؟

والان مريم حالتها خطيرة ،، متشوقه لمعرفه ماذا سيحدث
وايضا بدر ما هو مصيرة ،، هل سيسافر ام سيتزوج ،،،، ام سيموت هو الاخر



ننتظرك اخي رقيق المشاعر

حوراء الحصن
19-12-2006, 11:31 AM
ماشاء الله عليك ياخوي مبدع الله يوفقك

رقيق المشاعر
19-12-2006, 06:13 PM
ذهب بدر إلى السفارة الاسترالية لإكمال إجراءات سفره واستخراج الفيزا ، ويبدو أن التعقيد سمة حاضرة في تخليص المعاملات ، ومن كثرة التردد على السفارة أصبح معروفا ومألوفا من قبل الجميع خصوصا سُمية ، تلك الفتاة الرائعة الجمال ، من تسحرك برقتها ورشاقتها ، تملك عيونا واسعة تماما كعيون المهاة ، أصبح بدر شغوفا بها ، وهي كذلك تبادله الإعجاب والحب ، وربما هي تتعمد معرقلة معاملة بدر لكي تتمكن من رؤيته دائما ، وهو كذلك يشعر بسعادة غامره وهو يتردد عليها ، طيفها يراوده باستمرار ، يراها في أحلامه وطموحاتها ، يتخيلها هي من تأخذ بيده إلى طريق الهناء والرومانسية ، لا شك بأنها ستصبح مليكة القلب وأميرة المنزل ، لمَ لا يعمل بنصيحة الشيخ محمود ويفعلها قبل السفر ؟؟
في المساء تناول قلما وكتب كل مشاعره في ورقة ، ووضعها بين أوراق المعاملة ، وفي الصباح تلقته سُمية بابتسامتها المعهودة ، بادلها نظرات اللهفة ، العيون تتخاطب بلغتها الخاصة ، وبريق الأمل يشرق على محيا بدر ، غمزها بعينه أن هذه المعاملة خاصة جدا لهذا اليوم ، ويخشى أن يكون بها خطأ يعرقل مسيرة سفره ، وطلب منها أن تدقق في الأوراق جيدا ، طلبت منه أن لا يقلق وأن يعتبر معاملته منتهية وهي ستقوم بالواجب وأكثر ، خرج من عندها وذهب إلى مطعم السعادة طلب عصير موز ، وانتظر ردة فعل سُمية ، فقد ترك رقم هاتفه في نهاية رسالته .
بينما تحتسي سُمية كوبا من الشاي وتقرأ المعاملة لفتت نظرها ورقةً ملونة ومعطرة ، فتحتها فإذا بخمس وردات قد رُسمت على جوانبها بقلم الرصاص ، قرأت الرسالة فوجدتها كلها مشاعر تفيض بالحب والصفاء ، تنهدت كثيرا وهي تقرأ كلمات الرسالة ، وتضع يدها على جبينها تارة وعلى خصلات شعرها تارةً أخرى ، قرأتها ثانية وثالثة وعاشرة ، وهي سارحة في بحر الخيال ، الله ما أجمل مشاعرك يا بدر ، كيف استطعت أن تكتب لي كل هذه الكلمات والمشاعر بهذه الأناقة والعذوبة ، إنك تتمتع بذكاء خارق يا غالي حينما تركت الورود باهتة بقلم الرصاص ، وكأنك تطلب مني أن نلونها معا بقلوبنا وأحاسيسنا ، أمسكت الهاتف واتصلت ببدر ، قائلةً أرجوك لقد فعلت بي سحرا ، فهلا رحمتني من هذا السحر ؟؟
فتقبل بدر الاتصال بفرحةٍ لا توصف ، إنه جمال القدر وروعة النظرة الأولى يا سُمية ، اتفقا على أن يكونا قلبا واحدا ، وأخبرته أن المعاملة جاهزة ، ما عليه سوى أن يأتي لاستلامها وأن يأخذ قلبها معه ، وعدها بالحضور غدا ، لأول مرة يرجع بدر إلى البيت وهو شارد الذهن سارح البال ، الأفكار تتوارد في رأس بدر ، إنها أحلام اليقظة حينما تتراءى له سُمية في ثوب العرس ، آهٍ ما أعذب هذا الشعور ، اقترب من البيت ، رأى جمعٌ غفير ، والدخان يتطاير في الفضاء ، اقترب أكثر وأكثر وقلبه ينبض بالخوف والرعشة ، يا الله بيت بدر يحترق بالكامل ، لم يتمالك نفسه إلا أن جرى مسرعا نحو البيت ، فأمسك به الرجال أن لا يدخل للبيت فيحترق مع عائلته التي أصبحت جثةً هامدة ، إنه القدر فلقد رحل أهل البيت جميعا للقاء الله الواحد القهار ، رحمهم الله جميعا .

،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
19-12-2006, 07:16 PM
حينما انتهى مرتضى من قراءة رسالة حسام ، توقف الجميع دون حراك ، الكل تسمر في مكانه ، دهشة وحيرة وذهول ، تنهدات عميقة وزفرات ، يتمايلون وكأنهم سكارى ، الأم تفجع بفاجعةٍ جديدة ، تلطم خدودها ، وتنزف عبراتها ، أيعقل أن يقتل الأب أبنائه ؟؟ لا يصدق ذلك أحد ، ولكن ما سر اختفاء حسام وأبوه في هذا الوقت ؟ ما زال الجميع لا يعي ما يدور ، وفي هذه اللحظات يدخل عليهم مبارك الجار القريب من رقية جدة حسام ، يدخل حاملا في يديه كفناً لحسام ، صُعق الحاضرون ، ويُفتُ كبد أم حسام ، وتبكي بكاءً مريرا ، والبقية يضربون أخماسا بأسداس ، جدة حسام فقدت نُطقها ، فالخطب ألجمها عن الكلام ، الجمع يدوكون في عرصاة الاستغراب والانبهار ، ما هذه السياط التي تلهب الجميع وتدمي القلوب ؟؟ .
اتصل الشاعر نجم الدين بالشرطة ، لعلها تستطيع إنقاذ الموقف ، حضرت الشرطة على الفور ، ألقوا نظرة على الرسالة ، وبدؤوا في البحث عن حسام ، لم يستمر البحث طويلا ، فلقد وجدوه قتيلا ملقىً بجانب محطة معالجة النفايات ، تأكدوا منه جيدا ، فوجدوه فعلا قد فارق الحياة ، ولا تبدو عليه أي علامة طعن أو ضربٍ ، لقد مات خنقا ، والقاتل لم يترك أي علامة تستدل عليه ، حتى البصمات لم تظهر على عنقه ، مما يشير إلى أن القاتل استخدم واقيا أو قفازا يمنع البصمات من الظهور ، تم حمله إلى المستشفى للتأكد من موته تماما وإجراء الفحوصات اللازمة عليه ، وإتمام عملية دفنه ، تم الكشف عليه وتأكد موته ، حملوه ليوضع في براد المستشفى ، في تلك الأثناء يأتي طبيب جديد على المستشفى وهو لا يزال شابا يافعا ، حديث التخرج من الكلية الطبية ، يطلب منهم إعادة فحصه من جديد ، فمثل هذه الحالات كثيرا ما يكون فيها بوادر أملٍ في الحياة ، استخرجوه من جديد وتم وضعه داخل جهاز كهربائي ، ودخل الطبيب حاملا معه بعض الأسلاك ، قام بلسعه بها قرابة التسع مرات ، ثم أخرجه وقام بفحص دمه ، هنا تأكد للطبيب بأن حسام في غيبوبة دائمة ، وهي مرحلة بين الموت والحياة ، وتكون دقات القلب ضعيفةٌ جدا ، طلب من طاقم المستشفى أن يوفروا غرفة خاصة كهربائية ، يكون الضغط فيها عالي ، مصحوبة بضجيج صاخب من الموسيقى ، وطلب من الجميع الابتعاد عنه ، وأن يتركوه 24 ساعة .
لا يزال البحث جاري عن والد حسام ، لم يعثروا عليه ، ولكن لفت انتباه الشرطة ذلك المجنون المعتوه ، الذي يقف باستمرار مكان وقوع الجريمة ، راقبوه جيدا فرأوه يذهب ويأتي باستمرار إلى ذلك المكان وينثر دموعا غزيرة ثم يرحل ، قرروا اعتقاله والتحقيق معه ، أمسكوا به واقتادوه إلى المركز ، حاولوا أن يأخذوا منه إجابة مفيدة ولكن بدون جدوى ، فهو يبكي ويضحك في نفس اللحظة ، لا ريب فهو فاقد العقل مجنون ، أعانه الله على بليته .
الكل يترقب ال 24 ساعة بفارغ الصبر ، خصوصا أمه الوالهة الحزينة ، وجدته المقعدة المسكينة ، ويونس الصبي المحبوب ، طلب نجم الدين من جميع الحاضرين أن يعتصموا بالله ويصلوا ركعتين طلب الرحمة والشفاء لحسام ، فالأمل لا يزال ضعيفا جدا في شفائه ، اصطفوا صفا واحدا ، ذرفوا الدموع وتعالت الأصوات بالدعاء ، الكل يهمس بداخله ، ربِّ أنقذ حسام وأخرجه بصحةٍ وسلامة ، ربنا لا يملك الشفاء سواك ، أنت بكل شيءٍ قدير ، اللهم ألطف به وارحمه ، وهون على أمه بأن تكتب له عمرا جديدا ، ربنا لا ملجأ ولا منجى إلا منك إليك فأكرمه بالصحة والعافية يا أرحم الراحمين .

،، يتبع ،،

بيسان
19-12-2006, 07:41 PM
http://smilies.sofrayt.com/fsc/crying.gif


في انتظار البقية ،،،،

رقيق المشاعر
19-12-2006, 10:09 PM
يا لوحشة البيت حينما يكون به أمٌ وابنها الصغير فقط ، كحال أم حسام ، فالأب غائبٌ لا تدري مكانه ، وحسام يقاسي العذاب وكأنه في سكرات الموت وغمرات النزع الأخير ، ولو أردتُ أن أصف حالها لكم لما استطعت ، حتى وإن منحني جبران ريشته ، أو حتى وهبنا الله قوة قلم الرافعي ، فهي تعاني من الوحدة والأمان ، قبل سنوات فقدت ابنتها الأغلى في حياتها ، واليوم تمر عليها الساعات بمضض وخوفٍ ورهبة ، تترقب مصير حسام ، وتذرف دموعا ملؤها الأسى ، قلبها يتقطع وهي لا تدري إن كان حقا زوجها هو من يقتل أبنائها ، ورغم هذا وذاك فإنها تتمنى قرب زوجها يخفف عنها آلامها ويشحذ همتها ويقوها على تقبل النكبات والفواجع .
ليت شعري كيف أنقل لكم الخبر القادم ، ولا أدري كيف أسوقه ، لكن هو اليقين والأمر المحتوم ، لقد توفت جدة حسام على إثر هذه التحولات ، توفت وهذي تهذي باسم سوسن ، توفت وهي تصرخ في عتمة الليل نفسي فداك يا حسام ، عش أنت وأنا سأموت ، لقد غادرت الحياة وكانت أمنيتها الوحيدة حياة حسام ، تم دفنها بمقربةٍ من قبر سوسن ، وفي أثناء تشيع الجنازة ، شوهد أبو حسام يبكي ، سأله مبارك لماذا تود قتل حسام ؟
فأجاب : كيف أقتل فلذة كبدي ؟؟ انهمرت دموعه سيلا جارفا ، وأخذ نفسه وذهب إلى مركز الشرطة ، وطلب منهم أن يقيدوه ، ولكن أقسم بالله أنه لم يفعل شيئا بحسام ، تمت عملية التحقيق بيسرٍ وسهولة ، وأمر رائد المركز بإخراجه وإطلاق سراحه ، مما يعني أن الرائد لديه معلومات توحي ببراءته ، أو أنه أطلق سراحه ليفرض عليه رقابة مشددة ، لكي يتوصلوا للحقيقة الغائبة ، وفي الصباح ذهب أبو حسام بعيدا عن البلدة ، ويحمل معه كيسا أسودا غريبا ، مضى سريعا بسيارته وكأنه يطارد الزمن ، الشرطة تلحق به وتراقبه من بعد ، طرق باب أحد البيوت ، خرجت له امرأة طاعنة في السن ، ناولها الكيس ومن ثم انتظرَ في سيارته ، وبعد عشرين دقيقة خرجت فتاة شابة تحمل محفظةً كبيرة ، حادثته طويلا في السيارة ثم رجعت إلى بيتها .
انقضت المهلة التي حددها الطبيب لحسام ، ولكنه لم يفق بعد ، ويبدو أن الحالة ازدادت سوءً ، وربما هو فعلا فارق الحياة ، الأم ونجم الدين ويونس وعدد كبير من زملاء حسام ويونس مصطفون على بوابة المستشفى يبكون ، والمدرسون يطلبون منهم الهدوء والدعاء بخشية بأن يشفي الله حسام ويعيده إليهم سالما معافا ، الدكتور سامر يصرَّ على أن حسام في عداد الأموات بينما الطبيب سالم يراهن على حياة حسام ، ويطلب مهلة أخرى لا تزيد عن 8 ساعات ، والأهم من ذلك أن يعملوا جميعا على محاولة إسعاف حسام قدر الإمكان .
بدأ يونس يضمر الكثير من الحقد لأبيه ، ويبدو أنه يتوقع أن يكون هو الضحية القادمة ، ذلك ما اكتشفته أمه ، حينما وجدت في مذكرته كلمات الحقد والغضب لأبيه ، حاولت أن توهمه بأن ذلك غير صحيح ، فأبوه طيب القلب حنون ، وهو لا يمكن أن يقتل أطفاله ، ولكن يونس امتلأ قلبه كرها وضغينة ، حاولت أمه كثيرا في أن تغير تفكيره ولم تستطع ، ولكنها ستبذل كل طاقاتها بعد أن تطمئن على صحة حسام ، فقلبها وعقلها وكل مشاعرها تتجه صوب حسام ، والدموع لا تفارق عينيها ، والقلب مفجوعٌ والنفس كئيبة .

،،، يتبع ،،،

بيسان
19-12-2006, 10:19 PM
انا متأكده ان الاب بريء ،، مستحيل يقتل ابناءة ،،


نحن في انتظار البقية

رقيق المشاعر
19-12-2006, 11:33 PM
نعود مجددا لمعاناة مريم وسعيد
سعيد لا يزال في قفص الاتهام ، وكل الأدلة تسير ضده ، والطفل الصغير لم ينطق بأي كلمة في التحقيق ، فيبدو أنه تحت ضغطٍ كبير من والديه ، وسعيد يقسم بالله أيمانا مغلظة بأنه لم يفعل شيئا سوى أنه قام بإنقاذ الطفل من الغرق ، تمت إحالة سعيد إلى المحكمة بتهمة الشروع في القتل ، ذرف دموع الدهشة والإحساس بالظلم ، ولا غرابة في أن يبكي المظلوم قسرا :
فأرخى دمعه فبكى وأبكى *** ودمع الحرِّ في الشكوى مباحُ .
مريم تعاني من جرحٍ كبيرٍ في رأسها ، وجرحٌ آخر أكثر ألما وعمقا ، لا ريب فهو جرح القلب ، أما الجرح الثالث المؤلم المدمي هو رحيل أمها إلى آخرتها ولقاء ربها ، وكتب القدر عليها أن تحييا وحيدة في عالمها الذي تشعر بأنه عالم غابة وإن لمعت فيها بوارق الخير فهو قليلٌ نادر ، أُدخلت العناية المركزة إلى حين برئها وشفائها التام ، بينما تحوّل الجميع إلى أم مريم المسكينة المسجاة بشملةٍ قصيرة ، تنتظر إكرامها بتغسيلها والصلاة عليها ودفنها ، يوم شؤمٍ على البلد ، فالأخبار تتواتر بين الجميع وتنتقل في البيوتات أن سعيد تم اعتقاله وسجن لمحاولة قتل طفلٍ بريء ، ومريم في العناية المركزة أوشكت على إهلاك نفسها ، وأمها غادرت هذه الدنيا الفانية ، بعدما تمكن منها المرض وأرداها على الأرض ميتة ، حتى أطلقوا عليها صريعة القلب ، وسعيد وخلود لم يتمكنا من إكمال العرس ، بل هو المأتم والعويل ، الكل يمسك بيد الآخر يبكي ، ولا يكاد أحدٌ يصدق ما يجري ، أبو خلود وسمير قاموا بتغسيل أم مريم وتكفينها ، صلوا عليها صلاة مودع ، وتضرعوا للباري أن يلطف بها في قبرها وأن يكرم نُزلها ، وأن يدخلها جنة نعيم ، حملوها على الأكتاف وأنزلوها في قبرها ورجع الجميع يضرب أخماسا بأسداس ، حتى أنك ترى الصبيان يبكون لشدة حزن البلدة ، ذلك الموت الذي لا يرحم ، هو القدر المحتوم والحقيقة التي سيعيش لحظتها كل من على وجه الأرض .
غدا محاكمة سعيد ، والشروع في القتل له عواقب وخيمة ، خصوصا بعدما قام والد الطفل بتوكيل محامي مشهور ، وسعيد المسكين لا يجد من ينصره ، ينتظر الغد بعين الخائف المرتجف ، هل سيأتي شعاع الحق يا ترى ؟ أم أن الظلم هو الواقع الذي لا مفر منه.
غدا نعرف ما يحمله الغد

عذرا سادتي يتبع

رقيق المشاعر
20-12-2006, 05:42 PM
مريم تغادر المستشفى بعد أن منَّ الله عليها بالشفاء ، البيت موحشٌ جدا ، لا أنيس به ولا قريب ، غادره كل الأحبة ، عبراتها تترقرق على وجنتيها ، تستعيد الماضي وذكرياته الأليمة ، قضت ليلتها كلها تبكي من قسوة القدر وظلم الأهل وفراق الأحبة ، ويبدو أن خلود أحست بمعاناة مريم ، فهي الآن تطرق عليها الباب ، وتلح على مريم أن تسمح لها أن تشاركها بعض وجدانها وهمومها ، تعانقتا وذرفتا الدموع ، وبدأ ضمير خلود يؤنبها على فعلتها القاسية ، فلا أبغض في الدنيا من سارقٍ للقلوب ، لقد سرقت بسمة مريم وأملها وقبس ضيائها ، فسمير يعني كل شيٍ لمريم ، ربتت على كتف مريم ، وهمست في أذنها أن الأيام القادمة ستعيد كل نضارتها وشبابها وبهجتها ، غير أن مريم تسكب الدموع موقنة أن الأنس والسعد قد تم قبرهما في قلب أمها .
قاضي المحكمة يطلب من محامي والد الطفل إثبات الأدلة على تورط سعيد ، وسعيد ينظر بعبوس للقاضي وللمحامي ، والإدعاء العام يطالب باتخاذ أقصى العقوبة اللازمة في حق سعيد ، لكي لا تسول نفس أي أحدٍ غيره في اقتراف مثل تلك الجرائم البشعة ، والأدلة تنهال وشهود الزور على أتم الاستعداد ، ولا معين ولا مجير ولا ناصر لسعيد سوى الله الجليل ، الطفل يشهد بأن المتهم حاول أن يجره مرارا من قدميه إلى أعماق البحر ، ويقف سعيد بين الخشبات الثلاث رافعا أكف الضراعة لله قائلا : " فدعا ربه أني مغلوبٌ فانتصر " .
تم تأجيل المحاكمة لجلسةٍ أخرى لاستكمال الأدلة القانونية لكلا الطرفين ، والأمور تسير عكس ما يشتهي سعيد ، وفي الجلسة الثانية يظهر محامي لسعيد ، ولا يدري سعيد من أين أتى ، كل الذي يعلمه أن المحامي زاره في السجن قبل أيام وقد طلب منه أن يعمل له تفويضا وتوكيلا كاملا للترافع عنه والعمل على إيجاد براءته ، وقد استطاع هذا المحامى أن يؤجل نطق الحكم لجلسةٍ أخرى لعله يتدارك الموقف ويأتي ببينة تزيل الشبهة عن المجني سعيد .
سمير حزم الأمتعة واتجه صوب المدينة يبحث عن عملٍ جديد، فأجواء القرية تعكر المزاج وتبعث السأم وتجلب المرض ، التحق بالعمل لدى تاجر كبير ، ولأن سمير لا يجيد القراءة ولا الكتابة فقد أوكلت لهم مهمة حراسة البناية السكنية المكونة من 13 طابقا ، والمناوبة لا تكون إلا بالليل ، حيث الهدوء والسكينة ومشاغبة السكارى ، وتعقبات الشرطة لمروجي المخدرات ، هذا العالم الجديد لم يكن مألوفا لدى سمير ، فالمناخ والحركة والشذوذ شيءٌ غريب لم يتعود عليه سمير بعد .


،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
20-12-2006, 06:22 PM
الحياة كلها مآسي وآلام ، تحولت فرحة بدر بالسفر لإتمام الدراسة إلى فواجع وأحزان ، وتقرير المخابرات يشير إلى أن احتراق البيت كان نتيجة انفجار أسطوانة غاز الطبخ ، مما أدى إلى احتكاك الغاز بالكهرباء فتولدت إنفجارات مدوية في كل محولات البيت الكهربائية ، وحال بدر يجلب الشفقة والرأفة ، يفيق ساعةً ويُغمى عليه عشرا ، لقد كان قوي التعلق بأمه وأبيه ، كان يطمح في أن يمنحهم السعادة والراحة ، بذل كل قصارى جهده في الدراسة ليرفعوا رأسهم به ، اليوم هم تحت التراب مجندلين ، رحلوا عن دنيانا وتركوا بدرا وحيدا .

لم يذهب للسفارة لاستلام المعاملة ، فقلقت عليه سمية كثيرا ، اتصلت به مرارا ولكن هاتفه مغلق ، مما زاد الشكوك والمخاوف لديها ، تارة يتبادر إلى ذهنها أنه مريض ، وتارة أخرى يوهمها الشيطان بأن بدر لا يود التواصل معها ، قلبها مضطرب ، ومشاعرها متباينة ، والشك والحيرة يقتلانها ، ولا تدري كيف تصل إليه .
الشيخ محمود كان الأقرب لبدر ، فهو أيضا فقد صديقه المخلص أبا بدر ، حاول مواساة بدر والتخفيف عنه ، ولكن لا جدوى ، ففقد بدر أليمٌ أليم ، فهو الآن بلا أبوين ولا بيت يؤويه ، يخرج بعد صلاة الفجر يهيم في الأرض ويرجع آخر الليل ليفترش التراب بجانب الوادي الأخضر وبالقرب من الأفاعي والعقارب السامة ، والله خير حافظٍ له .
تذهب عائشة إليه كل ليلة حاملةً له لحافا وغطاء وطعاما وماء ، تجلس معه بعض الوقت تواسيه وتخفف عنه ، فهو كمجنون ليلى استوطن الفلاة وجعل وحوشها أصدقاءه وأهله ، بدر التلميذ الذكي الخلوق ، هو اليوم الفتى المعتوه الذي يسيح في القفار والبيد .

،،،، يتبع ،،،،

رقيق المشاعر
20-12-2006, 06:22 PM
سُمية تبحث في أوراق بدر بغية أن تجد عنوان إقامته ، فوجدته بدون أدنى تعب ، وعزمت في المساء أن تذهب بنفسها للسؤال عنه ، فالشوق والوجد لا حدود له ، والنفس تموت في كل دقيقة ، لم تكن تعلم بأن الحب عذاب وأنه مُّر المذاق ، كأني بها أراها تتيه في المشاعر وتهيم بخيالها وتشطح بفكرها تماما كجارية المهدي العاشقة ، حين بلغ بها الحب مداه حتى سلب عقلها فلقبت بالجارية العاشقة المجنونة ، وربما أصدق ما قالته ، وأعقلُ ما نطقت به في جنونها :
الحبُ أولُ ما يكونُ لجاجة ٌ *** تأتي به وتسوقهُ الأقدارُ
حتى إذا اقتحمَ الفتى لججَ الهوى *** جاءت أمورٌ لا تطاق كبارُ
ها هي سمية تتبع العنوان ، وتصل إليه أخيرا ، سألت عن بيت عائلة بدر فأخبروها الخبر ، لم تتمالك نفسها إلا أن صرخت وقد شعرت أن جسدها كله قد صعق بالكهرباء التي التهمت بيت بدر وأهله ، بكت ولم تتمالك نفسها ، لتنوح بأعلى صوتها ، تتوجع وكل حواسها تنشد الألم وكل جوارحها تعزف المزمار الحزين ، لم تدري ما تفعله ، سوى أن عادت حزينةً مفجوعة ، يُقرأ الحزن من عينيها ، ويكتب الألم قصائده على جبينها ووجنتيها ، الهزال والدهشة والبكاء سمة اتسمت بها سمية ، ما أن وصلت البيت حتى رأتها أختها التوأم ، وهي قد علمت بتغير حالتها من الأيام السابقة ، وكانت تدرك بأن سُمية قد اصطاد قلبها صيّاد بارع ، ولكن ما بالها هكذا ؟!!
سألتها فأجابت : حبيبتي سامية ، أنتِ الوحيدة من يشعر بي ، قلبي يتفطر وصدري يحمل ثقلَ جبلِ أحد ورضوى ، لا أشعر بطعم الحياة ولا هناؤها ، تذرف دموعها وتسكب دمها ، فالعين أوشكت على جفاف مائها ، ولا تزال سامية في صمتها تستمع بإنصاتٍ تام لحديثها ، لعل ذلك يخفف عنها ، وتطلب منها أن لا تكف عن الحديث والبكاء ، هيا أخيتي ابكي ، هيا يا منى نفسي بوحي بكل أسرارك ، ولا تزال سمية رغم المصيبة والألم الدفين تُلمِّح ولا تصرح .
أما بدر ، فقد بدأ يسترجع عقله ، وبدأ تأثير الكارثة يخف ، فالحبيب قال " ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " ، قرأ من كتاب الله آياتا هدأت من روعه ، ونشرت الطمأنينة والسكينة في قلبه ، ها هو الآن يعتكف في المسجد يدعو الله بأن يلهمه الصبر والسلوان ، ويبدأ في تنفيذ حلمه الجميل بحفظ كتاب الله كاملا ، والآن وبحمد الله حفظ أكثر من عشر صفحات خلال أربعة أيامٍ فقط ، مما يشير إلى أن بدر أصبح الآن يعي تماما جمال القرب من الله تعالى .
الشيخ محمود يجهز مفاجأة رائعة لبدر ، فهو في عملٍ دؤوب ومتابعة مستمرة لوزارة الإسكان من أجل منح بدر بيتا جديدا يؤويه ، أو حتى تعويضه مبلغا ماديا يستطيع من خلاله بناء منزلا راقيا يقطنه هو ومن يختار من بنات جنسه لتصبح شريكة حياته ، ومن تمنحه النصيب الأوفر من المحبة والعناية ، وقد قطع الشيخ محمود شوطا كبيرا في إنهاء المعاملة ، وهو يأمل خيرا ، والله المعين والموفق .

،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
20-12-2006, 09:49 PM
ما شاء الله على كثرة الردود والتشجيع
بصراحة هذا الأمر لا يحفز على مواصلة الكتابة أبدا

بيسان
20-12-2006, 10:02 PM
والله متابعين معاك ،، بس من الافضل بعد ما تنهي القصة نرد عليك ،، انا كنت ارد كلما اقرأ وبعدين شفت محد يكتب ردود قلت احسن من بعد ما تنتهي القصة بالكامل

بيسان
20-12-2006, 10:08 PM
كمل القصة يا رقيق المشاعر عن الدلع ،، متحمسه انتظر القصه وحضرت الكاتب زعلان ،،، والله حالهhttp://smilies.sofrayt.com/^/aiw/read.gif

رقيق المشاعر
20-12-2006, 10:36 PM
بعد دقائق قليلة سنكون على موعد جديد إنه موعد انتهاء الساعة الثامنة ، القلوب وجلة والنفوس مضطربة ، والدعاء الهامس نبضا ودمعا إلى الله أن يلطف بلطفه وينعم بالحياة للطفل الصغير حسام ، يونس لا يزال الطفل الذي لا ينفك يدون ملاحظاته في مذكرته الصغيرة ، والجارة أمل تحتضن أم حسام وتطلب منها ذكر الله وتهليله وتسبيحه ، الطبيب سالم في الغرفة الكهربائية يعاين حالة حسام ويتأكد من دقات قلبه ، والطبيب سامر يقضي وقته مع زميله سالم حينا ومع الطابور المصطف لمعرفة الخبر حينا آخر ، الكل يؤمل نفسه بالبشارة ، وقلب الأم يخفق ويضطرب اضطراب المبعوث من القبر خجلا .
الرقابة المشددة على والد حسام تضبطه وهو يكرر الدخول إلى ذلك البيت ويمكث فيه وقتا طويلا ، والغريب أنه لم يأتي ليطمئن على صحة حسام ، وكأنه على يقينٍ تام بأن حسام لن يعود للحياة من جديد ، والذي أثار شكوك الشرطة هو ذلك الكيس الذي يحمله باستمرار إلى ذلك البيت ، وما سر مكوثه وقتا طويلا هنالك ؟ وما علاقة أهل البيت بأبي حسام ؟ بالأمس خرج بصحبة إحدى بنات البيت إلى السيتي سنتر للتسوق ، وبعدها خرج مباشرة وقد غيّر ملابسه إلى المؤسسة الفنية للإنتاج والتصوير ، بالرغم أنه لا ناقة له ولا جمل في الفن ، والزيارة توحي بأنها رسمية من خلال طريقة لبسه وهندامه .
نجم الدين في حديث متواصل مع المجنون وكأنه يفتعل الجنون ، فأحيانا تصرفاته توحي بالعقلانية ، فهو يعلم متى سيأتي وفي أي وقت ، ومتى يرحل ، نظراته فيها سرٌ خطير ، وابتسامته تحمل الخبث والدهاء ، ولكن يبقى وبشهادة المستشفى الطبي بأنه من أصحاب الإعاقات العقلية التامة ، والجنون مسيطر على شخصيته بنسبة 100 % ، وقبل أن يخرج حسام يظهر مبارك الجار القريب لجدة حسام حاملا الكفن الذي منحه إياه حسام ، وقد عطره حسام بدموعه ، الطبيب سالم يخرج ورجلاه يكاد لا تقلانه ، دموعه تسبق كلماته ، وقد أنهى التقرير ومعه شهادة الوفاة ، نعم لقد تأكد موت حسام وبشكل نهائي ، والذي لفت انتباه الطبيب أن حسام لم يمت خنقا ، وإنما مات بصعقهِ بتيار كهربائي في أسفل قدميه ، وربما هذا الأمر سيزيد التحقيق تعقيدا .
أبلغ الجميع بموت حسام ، فتعال الصراخ والعويل ، أم حسام تبكي بكاءً مرا ، وأمل وصديقاتها يهدأن من روعها ، ويذكرنها بأن هذا هو من عند الله ، ولا يستطيع أي بشر أن يرد قدر الله وقضائه الغالب ، وأن موت حسام أفضل له من حياته ، وسيكون عصفورا من عصافير الجنة بإذن الله ، فهو لم يبلغ الحلم ولم يُجرّ عليه القلم ، وسيكون من الغلمان الذين سيسقون أهلهم ماءً يوم العطش الشديد في ذلك اليوم الذي يذهل كل مرضعةٍ عمّا أرضعت وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، نعم سيسقيها ماءً عذبا رقرقا إن احتسبت موت حسام واسترجعت الله وصبرت ، ولا تزال المسكينة تبكي وتبكي ، حتى لو جمعت دموعها لصارت لجة زاخرة من سيل الدموع الجارفة ، أما يونس فهو الآخر لم يعد له أثرا ، ونجم الدين يبحث عنه بكل جنون وبصحبته مدرس المطالعة والأحداث تتوالى تترى


،،، يتبع ،،،

بيسان
20-12-2006, 10:46 PM
مسكين حسام http://smilies.sofrayt.com/^/aiw/cry.gif،، الله يرحمه ،، اشفقت على الام اكثر لانها فقدت ابتها سوسن سابقا والان ابنها حسام وزوجها لا تدري عنه شيئا ،، والان ايضا اختفى ابنها يونس http://smilies.sofrayt.com/^/aiw/sorry.gifhttp://smilies.sofrayt.com/^/aiw/sad.gif

رقيق المشاعر
21-12-2006, 12:23 AM
رحل حسام ، ورحلت معه الابتسامة ولذة الحياة ، أقداح الموت لا ترحم صغيرا ولا كبيرا ، لبست أم حسام السواد ، والظلمة والشقاء سيلازمانها ، وعليها تَحمّل عبأ مداراة يونس وتوجيهه نحو الطريق السليم ، فقلبه الآن قاسٍ جدا ، وأضمر الحقد والكراهية لأبيه ، وبدأت بوادر الانتقام تظهر على ملامح تصرفاته ، وكان من الطبيعي أن يتقدم برسالة تأجيل الدراسة لهذا العام إلى مدير المدرسة ، فحالته الصحية صعبة ، والحزن يتغلغل في أعماقه ويسكن كل جوارحه ، عيناه تفيضان بالدمع في كل حين ، ولسانه لا ينطق إلا بذكرى حسام وسوسن وجدته رقيه ، وكل الدماء التي تجري في عروقه تهمس بلغة الثأر وإيقاف الشر .
نجم الدين يراقب المجنون ولا يجعله يغيب عن عينه لحظة ، وهو باتصال دائم مع رجال الشرطة والمخابرات ، والمجنون يوهمهم بأنه عاقل جدا ، كيف لا وهو يؤدي الصلوات الخمس المفروضة في وقتها في المسجد ، والأكثر من ذلك أنه يرتاد حديقة الحيوان كل يوم ، ليلتقي بطفلٍ صغير يداعبه ويلاعبه طويلا ، ثم يرجع إلى بيته ، كل هذا الانتظام في السلوك والمواعيد لا يفعلها مجنون ، غير أن ثيابه رثه ورائحته كريهة ، وشعره كثيف ، ومدمن سجائر ، أراد نجم الدين الحديث مع ذلك الطفل فوجده لا ينطق أبدا ، فهو أبكم منذُ ولادته ، ولا تزال خيوط الجريمة متشابكة وحال المجنون يشعرك بالتوهان .
في إحدى الليالي المقمرة ، وعلى تساقط زخات المطر ، قررت الشرطة اقتحام ذلك البيت الذي يقضي فيه والد حسام كل وقته ، فكانت المفاجأة ، حينما اكتشفوا بأن ذلك البيت بيت دعارة ، وتديره امرأة طاعنةٍ في السن ، كان حال والد حسام مثيرا للشفقة ، وانقلاب أمره وتغيّر شخصيته من رجلٍ محافظ إلى متحررٍ لا يبالي باقتراف أي جرم لابد أن وراءه فاعل ، فالشباب والفراغ والحضارة والمدنية لهم الأثر الأبلغ في التأثير على النفوس ، تم وضع القيود على معصميه وجره على أنفه إلى مركز الشرطة ، بانتظار حكم المحكمة عليه ، وربما ستثبت عليه قضية قتل حسام وسوسن ، إن استجدت تطورات أخرى .
يونس أصبح حملا ثقيلا على أمه ، وبدأ جنونه يتحول إلى حقيقة ، وشقاوته المعتادة تحولت إلى تخطيط مثمر ، وصحبة موسى الشرير ستسبب له ولأمه الكثير من المتاعب ، فهو يقضي نهاره كله بصحبته ، رغم محاولات أمه المتكررة في منعه من فعل ذلك ، ولكن بدون جدوى ، فشخصية موسى تلاءم كثيرا أفكار يونس وطموحاته ، موسى لم يتجاوز عمره 17 عاما ، ولكنه مشهورٌ بمشاكله التي لا تنتهي ، لا سيما حينما يتعلق الأمر بأي اشتباكات جسدية ، فهو لا يترك السلسلة الحديدة ولا يفارقها ، وصارت يده تألفها كثيرا ، ويونس بدأ يتعلم منه طريقة الوشم على الكتف ، وبالأمس أمسك سيجارةً ولم يستطيع أن يشعلها ، فيبدو أن بقايا التربية السليمة قد منعته من فعل ذلك .


،،، يتبع ،،،

بيسان
21-12-2006, 12:30 AM
We still waitinghttp://smilies.sofrayt.com/^/aiw/smile.gif

القلم الحزين
21-12-2006, 12:41 AM
نحن بالانتظار البقية ..........................

رقيق المشاعر
21-12-2006, 12:28 PM
مريم أصبحت تعشق الوحدة والانطواء ، تقطع وقتها بين بكاءٍ ونومٍ وقراءة بعض الروايات الكئيبة ، واليوم انضمت الأغاني الحزينة إلى قائمة اهتمامات مريم ، طيف أمها يعشش في أحلامها ومخيلتها ، وخناجر الخيانة تضرب أوتار قلبها وتمزق أحشائها ، والمحاولات اليائسة منها في تغيير منحنى حياتها لم يبلغ الجد والاتزان ، وجهها يزداد شحوبا كل يوم ، وشهية الأكل انعدمت ، فالماء وبعض التمرات والخس هو كل مأكلها .

في خلال مناوبة سمير وقع شجار بين سيدة تبلغ الأربعين من عمرها ، وبين أحد الشباب المراهقين ، وكان يتعقبها ويلقي كلمات الغزل على مسامعها ، مما يثير اشمئزازها ، فصرخت في وجهه تشتمه ، وكاد المراهق أن يلطمها بيده ، لولا أن تدخل سمير وفضّ الاشتباك ، فشكرته السيدة الفاضلة ممتنةً له على صنيعه النبيل ، ولكن الأمر الذي بدأ يثير اهتمام سمير أكثر هو ذلك الصبي الصغير الذي يعشق الوحدة ويمشي بمفرده دائما ، وتظهر عليه ملامح البؤس والعناء ، وكأنه فرعٌ قد قطعت كل جذوره وأصوله .
اليوم نطق الحكم النهائي ، وكان المحامي ذكيا جدا وفطنا ، عمل كل جهده وطاقته في تبرئة سعيد ، ولكن أدلة المحامي الآخر لوالد الطفل كانت هي الأكثر وضوحا وإقناعا ، ومع هذا كله تمكن المحامي اللبيب من تخفيض العقوبة بأقصى الدرجات الممكنة ، والقاضي يلوح بيده للجميع بالهدوء ، ومطرقته تجبر الكل على الإنصات ، ويأتي الخبر الصاعق لسعيد ، القاضي يحكم بسجنه خمس سنوات ، وتهمة الشروع في القتل تقتضي السجن من 5 إلى 15 سنة ، والفضل يرجع للمحامي الأنيق الفطن .
وقبل أن ينقل سعيد للسجن المركزي طلب مقابلة المحامي ، وسأله على الفور عن الشخص الذي قام بتوكيل المحامي له ، فأخبره أن مريم هي من دفعت تكاليف القضية الباهظة ، حيث أنها باعت ذهبها وأرضها الصغيرة بجوار بيتهم ، استغرب سعيد من كرم تلك السيدة وتضحيتها ، والاهتمام به رغم أنه لا صلة بينهما أبدا ، هي الشخص الوحيد الذي تذكره في هذه المحنة ، والعجيب أن أهله لم يأتوا حتى لزيارته أو الاطمئنان عليه .




،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
21-12-2006, 01:59 PM
تنتهي مناوبة سمير في الصباح الباكر ، ولكنه انتظر إلى أن تشرق الشمس ليتمكن من رؤية ذلك الصبي ، اشترى بعض السندوتشات ووضعها في كيس ، ثم انتظر أمام بوابة العمارة ، وكالعادة أتى الصبي يمشي ببطيء كبير ، لا يكاد يرفع رأسه من الأرض من كثرة التفكير والانزعاج ، استوقفه سمير يسأله عن صحته ، فلم يجب الصبي ، هز رأسه ومشى ، فلحق به يكلمه ، صغيري خذ هذا الكيس فهو هدية لك ، أنا عمك سمير أشتغل ناطور على هذه البناية ، نظر إليه الصبي بعيونٍ شاردة ونظراتٍ مكلومة ، ابتسم له سمير وغمزه بعينه أن يأخذ الكيس ، وهذه بداية صداقةٍ بينهما ، مع اختلاف أعمارهما وثقافتهما .


سعيد يُنقل إلى السجن المركزي ، وهو يحمل استفسارات كثيرة بداخلة ، يتخيل وضع مريم المحرج ، وصحتها التي بدأت تتدهور رويدا رويدا ، ما سر موقفها الرائع ؟ ولماذا تفعل ذلك مع سعيد ؟ يسرح بخياله بعيدا إلى عالم النجوم ودنيا الأفلاك ، فيرتد إليه البصر ليرثى حاله المرير ، وقسوة الظلم ، يناجي نفسه ويعاتب المآل الذي صار إليه ، كلما أغمض جفنا تذكر قول الشاعر :
أوما ترون الليل يغمر أمتي *** لا نجمهُ غنَّى ولا رقص القمر
أوما ترون الأقربين استخدموا *** فينا سلاحا ليس يبقي أو يذر
يسأل عن القرابة والأهل ، فيجدهم في منأى عنه ، يخاطب الخلان والأحباب ، فيجدهم قد رحلوا من دنياه ، يعتصر الألم ويبكي ندما ، إلى أن قطع حبل أفكاره ذلك الشاب الملتحي ، قائلا له ، هوّن على نفسك أخي :
فظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على المرء من وقع الحسامِ المهندِ
كن متماسكا أخي ، فالخير يبرق من عينيك ، فأنتِ رجلٌ خَيِّر ، ولا أزكي على الله أحدا ، ذلك ما أوحته لي ملامحك وما استدل به قلبي ، فقلب المؤمن دليله ، يرشده إلى الخير ، وفي الوجه ملامح الشخصية فهي انعكاس الداخل ومرآة القلب ، ألم تقرأ قول شاعر العرب :
بعض الوجوه يسرُّ العين منظرها تقىً *** وفي بعضها قبحُ الغرابيبِ
سعيد ينصت لكلام هذا الشاب الحكيم ، فلقد تغلغلت كلماته إلى الأعماق ولامست شغاف القلوب ، ووجدت مكانا خاليا فتمكنت فيه ، فدنا منه ، مسلما عليه ، سائلا عن حاله وصحته ، ويقول في قرارة نفسه ، هذا رجلٌ أرسله الله ليخفف آلامي ويشحذ عزيمتي .
خلود تقترب من مريم أكثر فأكثر ، تسهر على راحتها ، وتوفر لها كل مطالبها ، أما الأخيرة فبدأت تفكر في بيع كل ورثها من أمها ، فهي تنوي فتح مدرسةٍ خيرية ، تكون مدرسةً صباحية للأطفال الصغار ، ومدرسة مسائية لتعليم محو الأمية ، وتهب كل الخير والأجر في صحائف أمها إن كان الله يتقبل منها ، فهي لا تنفك تدعو بالخير وحسن الثواب لأمها الراحلة ، بل وصل بها الأمر أنها تصلي في اليوم عشر مرات ، خمسا فرضا عليها ، والخمس الأخريات تهب أجرها وثوابها لأمها ، ولا تزال الحسرة في القلب على فقدانها ، والوجع يقتل كل ذرةٍ فرحٍ لديها .


،،،، يتبع ،،،،،

بيسان
21-12-2006, 03:07 PM
في انتظار البقية :thumbsup:

رقيق المشاعر
21-12-2006, 03:09 PM
في انتظار البقية :thumbsup:
للأسف لا بقية بعد اليوم هنا

بيسان
21-12-2006, 04:12 PM
:crazy: ليش ؟؟ ابي اعرف باقي القصه !

:sadwalk:


كمل القصه ،،، ارجوووك

رقيق المشاعر
05-01-2007, 09:10 PM
قررت وزارة الإسكان منحُ بدر بيتا شعبيا ، مكونا من ثلاث غرف ومجلس وصالة ، بالإضافة إلى راتب شهري من الشؤون ، يعينه على تسيير حياته، والفضل يرجع بعد الله إلى الشيخ محمود ، الذي بذل المستحيل لكي يحصل بدر على بيتٍ يؤويه ، فرح بدر بذلك ، وقرر الدراسة في أرض الوطن ، فهو الآن يقدم أوراقه في الجامعة ، ويختار كلية الهندسة ، فهو يسعى أن يكون مهندس نفط ، وترك حلمه القديم ،فهو الآن لا يعشق الطيران ، بعد أن تحطم جناحاه بوفاة أهله .

سمية حكت قصتها لأختها سامية ، قلبها يتقطع ، ودمعها لا يرقأ ، ولسانها لا يتلفظ إلا بذكر بدر ، أما سامية ، تعيش مأساة أختها ، تحاول أن تأخذها من العبوس إلى الأمل والإشراق ، تطلب من سمية أن تكون عونا لبدر في هذه المرحلة ، فهو يحتاج لدعمها وسندها ، وهي ستقف بكل تأكيد إلى جانب سمية وتوفر لها المناخ المناسب للقيا بدر .
عائشة تقع في يد أحد الشباب ، فلقد تبادلا النظرات طويلا في سوق الملابس ، وقد تمكن من اصطيادها عن طريق البلوتوث ، وها هي المكالمات تتكرر بينهما ، والحب والغزل سمة بارزة ، خصوصا عائشة التي تتأقلم مع كل شاب ، فقلبها يرفرف في صدرها ، لا يثبت في مكانٍ واحد ، ولا يستقر لشخص واحد ، فهي ترى نفسها ملكة الحب ، تهب حبها لكل الشباب .
بدر أنهى صلاة العصر ، أمسك بالمصحف يقرأ ويراجع محفوظاته ، وهو الآن يحفظ سورة النور ، ويقف عند الآية الخامسة والثلاثين كثيرا ، يتأملها وقلبه يتلذذ بحلاوة الإيمان ، ما أروع هذه الآية وأعظمها، فالقرآن كله عظيما ، ولكنها تصف نور الله :
" الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ".
ختم الآية وخرج من المسجد يمشي ، مستمتعا بنور الإيمان ، الطريق مزدحم بحركة الناس ، رجلاه تسوقانه نحو محل البوظة " الآيسكريم " ليسترجع أيام الصبا والطفولة ، طلب آيسكريم فراولة ، ومضى يكمل طريقه وهو يلعق الآيسكريم مثل الصبيان تماما ، تلمحه سمية من بعيد ، وتصرخ ذاك بدر ، إنه البدر يا سامية ، توقفت بجانبه ، تكاد لا تصدق عينيها ، أيعقل أن يكون هذا بدرا؟
سلمت عليه وعرفته على أختها ، سَعُد كثيرا برؤيتها ، وشعر بالأمان والدفء والحنان ، وعدها أن يأتي قريبا لخطبتها ، فهو لا يقوَ البعد عنها ، فرحت بذلك فرحا عظيما ، يكاد يغمى عليها ، لم تستطع الكلام ، فتكلمت سامية بدلا عنها ، نحن في انتظارك ، ولن نجد أفضل منك يا بدر الدجى ، ابتسموا ، ثم انصرفوا .



،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
05-01-2007, 09:17 PM
ما أجمل البيت الجديد ، فهو قريبٌ جدا من مسجد النور ، وفي الجهة المقابلة تقع حضانة الأطفال ، وبدر يملك عشقا خاصا للأطفال فهم البراءة وزينة الحياة وبسمة الدنيا وبهجتها ، لكنه موحشٌ جدا ، فلا أنيس يشاطره الحديث والحياة ، ولا حبيب يركن إليه عند الدعة والهم ، يتأمل الغرف الثلاث ، ينتقل بينهن ولا يرى شيئا يفتح النفس ويسعد الخاطر ، فتجيش به الذكريات نحو الأحبة ، يخاطب نفسه : أواه كم اشتقت لنصائحك أبي ، وكم عيني تود رؤيتك يا أماه ، فداك نفسي يا أختي الصغيرة " ربى " ، يجفف دموعه ، وينتقل للمجلس عل تباريح الجوى يخف وطؤها ، وعلّ النفس تسجد لخفتات الأمل القادم ، فلا بد أن نقبل الواقع بكل صروفه .
سامية تبدو أكثر سعادةً من أختها ، تنظر بنظرات خبثٍ لسمية ، وتحدثها بجمال بدر وخفته وظرفه الشديد ، مما بدأ الأمر يتطور للغيرة ، وأصبحت سُمية تفسر كل كلمة إعجابٍ من سامية لشخص بدر على أنها بذرات حبٍ قد تتأصل في أعماقها ، فالحب لا يقيد بقيود ولا يحده رسمٌ أو حدود ، إلا أن سامية ترسم الأمل الجميل في قلب سُمية حينما تحدثها باستمرار عن يوم زفافهما ، وكيف ستحيى حياة السعداء مع بدر ، وأنها ستكون خالةً عما قريب ، فتبدأ المغرمة سُمية في الغوص في أعماق الخيال ، عيناها لا تتوقفان عن النظر لأعلى ، وأصابع اليدين في حركة استشعارية ، والابتسامة تواكب التأمل العميق .
عائشة تحدد موعدا لعشيقها الجديد ، فاللقيا حياة الحب وماء القلوب ، والحبيب الجديد ، يبكى الصبابة والألم ، فالشوق يضرب أوتار جسده ، وقلبه يخفق بتراتيل وجده ، فالأنفاس حرّى دفينة ، والحنين يسكره ويصرعه ، ويدّعي أيضا ، بأنه بات حاله كسيرا ، ولقيا الحبيبة يجبره ويشعبه ، وكذلك عائشة المتيمة لا يغمض لها جفن ، فهي دائمة التفكير بالحبيب المخلص ، هذا الأنيق الذي شغل كل فكرها ، واستوطن كل مشاعرها ، فصار الهوية وملح الحياة ، والموعد يوم الأحد ، يوم نصرهم برؤية بعضهم .


،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
05-01-2007, 09:21 PM
يونس الولد الوديع ، يتحول إلى أسدٍ مفترس ، فلقد لطم أمه لطمةً أطارت بعقلها يوم أن منعته من الخروج مع صديقه الجديد موسى ، أصابها الذهول وبلغت بها الدهشة مبلغها ، ويحك يا يونس ، أتصفعني وأنا أمك ؟ أو نسيتَ سهر الليالي وبكاء الأسحار لأي مرضٍ يلم بك ، ألا تعلم بأن الحمى التي تؤلم جسدك هي تقتلني ، والآن وبعد كل هذه السنين تأتي لترفع يدك على من حملتك في بطنها تسعة أشهر وفطمتك في عامين ، أو يكون الشكر بالضرب ، شُلَّت يدك وقبّح الله صنيعك ، اغرب عني فأنت لستَ ابني .
لم تحرك تلك الكلمات والدموع شيئا من نفسية يونس ، فهو تمرد على كل شي ، ولا يعرف سوى القسوة ولغة الثأر ، إلا أنه حينما يخلو بنفسه ، يعود به الحنين إلى إخوته حسام وسوسن ، خصوصا حسام الذي كان سنده وعونه في كل شي ، فهو لا ينسى أبدا يوم أن باع كتبه التي يحتفظ بها ويغرم بقراءتها لأجل أن يشتري يونس دراجةً يلهو ويلعب بها ، قلبه لم يتعود على الصبر ، ونفسه لا تريد غير إخوته ، فقد تقطعت أوصاله ، وارتعشت أضلعه ، وبدأ يصرخ بصوت حسام ، الصريخ يرتفع ليصل إلى الأم المفجوعة والمكلومة ، فتأتي مسرعةً نحوه تحتضنه ، سقته الماء وأحضرت له عصير الليمون ، وأطعمته المعكرونة التي يحبها كثيرا ، وكأنه لم يفعل فعلته التي فعلها صباح اليوم وهو من الآثمين ، قلب الأم لا يحمل أي حقد لأبنائه ، فكأن شيئا لم يكن رغم مرارته وقسوته .
الرجل المجنون يظهر من جديد أمام جريمةٍ أخرى ، وكأنه لا يظهر إلا لهدفٍ وغرض ، فلقد كان شاهدا على سرقة سيدة كبيرة وهي تحمل نقودا كثيرة بمحفظتها الكبيرة ، وهو الشخص الوحيد الذي رأى يونس وموسى يضربانها ومن ثم يسحبان منها المحفظة بكل عنف ، ولا يزال لا يكشف عن شخصيته ، وأخبر الشرطة بأنه رأى عرضا مسرحيا مثيرا ، فلقد شاهد طفلين يقومان بالتمثيل وسرقة المال من هذه العجوز الشقراء ، وحينما سُئل عن الطفلين أجاب بضحكةٍ وبكاء وقال هما " توم وجيري " .
اتصلت الشرطة بأم حسام لتخبرها بأن زوجها معتقلٌ في الشرطة بتهم الأعمال المخلة بالآداب في بيت دعارة ، لتزداد المصائب على أم حسام ، والأمر الآن تجاوز الحزن والصدمة إلى الفضيحة والعار وسخرية الآخرين ، فالتورط في قضية آداب جَرمٌ يمقته المجتمع وتعفه العادات والتقاليد ، لم تجد من تلجأ إليه سوى نجم الدين ، فهو الرجل المخلص وقت الشدة والمحن ، حضر إلى الفور واصطحبها إلى مركز الشرطة ، ليتم استخراج أبو حسام وهو منُكس الرأس بكفالة نجم الدين ، لم يتفوه بأي كلمة ، ولم يكلمه أحد ، ويبدو أن هول المعصية أخرس لسانه ، والشعور بالذنب يقتل أحشائه.


،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
05-01-2007, 09:22 PM
الساعة تشيرُ إلى الخامسة فجرا ، والرجل المجنون يمارس رياضة الجري بكل نشاطٍ وحيوية ، والعجيب في الأمر أنه يحمل مخزونا هائلا من اللياقة فهو لا يشعر بالتعب إلا بعد طول جري ، فلقد قطع الخمسين كيلو مترا وهو لم يتوقف عن جريه أبدا ، انحرف في مساره إلى الحديقة ليلتقي بذلك الطفل الأبكم ، فيحتضنه طويلا ويبكي بكاءً مرا ، والرائد محمد يراقبه منذ فترةٍ طويلة ، حتى قبل واقعة حسام المسكين ، عقارب الساعة تتحرك والوقت الآن يدنو من الظهيرة ، والمجنون والطفل يتجولان في حديقة الحيوان بكل متعةٍ وسعادة .
موسى ويونس يخططان لسرقة محل الذهب ، فلقد تمكن موسى بحركةٍ خفيفة من سرقة المفتاح من البائع ، ليقوم بنسخه ، ويعيده إليه من جديد ، بدون أن يشعر البائع بشيء ، يونس يشعر بخوفٍ ورعب ، فهي المرة الأولى التي سيقوم فيها بسرقة محل تجاري ، ويبدون أنه بدأ يتضجر من الطريق المنحرف الذي يسلكه ، ولكنه محتاجٌ للمال لكي يبني بيتا مستقلا له ولأمه ، كي لا تقع عيناه على وجه أبيه ، فهو لا يود رؤيته إلا يوم دفنه بسكين الغدر التي سيغتاله بها على حين غرة .
أما أبوه ، فحاله لا يسر صديقا ولا عدوا ، لا يغادر غرفته أبدا ، حتى الصلاة المفروضة لا يهتم بها ، لا يحدث إلا الجدران والجمادات ، ولا يأكل إلا الدجاج المقلي ، وكأنه يود أن ينتحر بطريقةٍ بطيئة ، يتسلل اليأس إلى قلبه ، ويبرق الأمل في عيناه حيناً ، وهو بين بين ، تماما كقول الشاعر :
فلا أنت من أهل الحجون ولا الصفا *** ولا لك حظُّ الشربِ من ماء زمزمِ
أم حسام حائرة ولا تدري ما تفعله ، هل ستقف مع نفسها لتتذكر أيام الأنس بصحبة سوسن وحسام والجدة رقية ؟ أم أنها ستحاول القيام بدور الزوجة المكلومة حيال زوجها الغامض والملطخ بدم العار والفضيحة والمتهم بقتل فلذة الكبد وحشاشة الجوف ، ترددت في أمرها كثيرا ، وفي الأخير طلبت من نجم الدين أن يلتقي بها في حضانة المروج الباسمة مساء الغد ، فهي تود البوح له بكل مكنوناتها .
الجارة أمل أعدت العشاء لأهل بيت أم حسام ، غلفته في أكياس ألمونيوم ، خرجت في الطريق إلى بيت أم حسام ، فاستوقفها موسى صديق يونس ، يحاول العبث بكرامتها ، فنهرته ، إلا أنه لم يتوقف ، قام بلمسها من جسدها ، فألقت بالطعام واعتركت معه ، فاستمر في الاشتباك معها ، ومن سوء حظها أن يمر أصدقائه من نفس الطريق ويرون الموقف ، فيهبوا مسرعين إلى صديقهم لنجدته ، أوسعوها ضربا ، واركلوها بالأقدام ، وأردوها طريحة على الأرض لا حراك لها .


،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
05-01-2007, 09:23 PM
حياة السجن لم تكن مريرة مثلما تخيلها سعيد ، فصحبة الشيخ أنور تزيح الكدر وتمحو كل أدران الضيق والضياع ، هو رجلٌ فاضل ، محافظٌ على أداء الصلوات والسنن ، لا يترك الفضائل والمحاسن ، ويسمو بالنفس لتصل لدرجة النزاهة والطهر ، يصلي بهم إماما ، وهو محدثهم وفقيههم داخل السجن ، فبعد صلاة الفجر يحضهم على قراءة القرآن ، وبعد صلاة العصر يقرأ لهم في كتب التفسير وقد بدأ بتفسير المنار ، وبعد صلاة العشاء يتدارس معهم الفقه والأحكام الشرعية ، لا يترك فرصة إلا واستغلها في نشر الخير والصلاح ، ولله الحمد فسعيد الآن يجيد ترتيل القرآن وتجويده ، ويعلم الكثير من أمور الدين ، بل أنه بدأ يرتقي بفكره وطموحه ، إلا أن مريم بدأت تشعل الحنين في جوفه من الرغم أنه كان ولا يزال عاشقا لخلود .


اليوم يقوم سمير بدورٍ عظيم ، فلقد رافق الصبي البائس إلى مدرسته الابتدائية ، وأصرَّ على مقابلة الأخصائية الاجتماعية ، فأتته ترفلُ في ثوب الغنج والدلال ، قوامٌ فتّان وعودٌ نحيلٌ قصير ، خدودٌ مُكتَنِزة ، شفاهٌ ناعمةٌ رقيقة ، لا تبدو عليها الحشمة والحياء ، ملابسها مخلة بالأخلاق ، وجهها قد صرخ من كثرة الأصباغ والألوان ، العطر الفرنسي يضج من مسيرة يومين ، وسمير لا يقوَ على رفع رأسه من على الأرض ، بادرته بالتحية والسلام ، وقد أحضرت له كوبا من الشاي ، سألته عن سبب مجيئه وإلحاحه على مقابلتها ، فأخبرها أنه لم يأتِ إلا ليطمئن على حال ذلك الصبي المطرق في جلباب الشرود والهم ، البائع للبسمة بكل نزف مشاعره وحنين وجده ، فأخبرته بأنه طفلٌ يتيم الأم ، ماتت يوم ولادته مباشرةً ، ولم يكن له أخٌ من أمه ، وقد تزوج أبوه بفتاةٍ صبية ورحل لبلدٍ بعيد ، وترك طفله هنا يعيش مع جدته المقعدة .


بدأت علاقة الصفاء تعود من جديد بين خلود ومريم ، فلقد أحست مريم بصدق مشاعر خلود وأنها حقا نادمه على فعلتها ، وبدأت تكشف لها الكثير من خبايا الزواج الأخير بينها وبين خلود ، وكيف أن المصلحة اقتضت أن يقترنا ببعض ، وكيف يبيع الإنسان ضميره من أجل مادةٍ رخيصة لا تسمن ولا تغني من جوع ، هنا بدأ طيف الخيال يراود مريم ، وأخذت تسترجع ذكريات سمير وهو يحمل الزهور كل صباحٍ في يديه ، وهي تحمل الورود له ، وكيف كان يسهر الليالي في صنع هديةٍ فريدة ، فهو لا يجيد الخياطة ، إلا أنه صنع قماشا صغيرا ، وزخرفه بخيوط صفراء كلون الأصيل ، وكأنه يقول لها أنتِ شمسي التي لا تغيب ، زفرت زفرات الوله والشوق ، ونادت بخلود أن تصاحبها إلى بيت المعلمة سلمى من أجل متابعة موضوع المدرسة الخيرية ومعرفة أبعادها وتفاصيلها .





،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
05-01-2007, 09:24 PM
تأسف سمير كثيرا لحال ذلك الصبي المسكين ، ومضى وقته كله يفكر فيه ، ويستغرب من شدة اهتمامه به ، ولماذا يشعر بعاطفة كبيرة نحوه ، إلا أنه يمني النفس بالوقوف معه والحنو عليه بيد الحنان والعطف ، لا بد من نشر البسمة والأمل في طيات قلب الصبي ، أطرق ببصره وجال بخياله ، وفي الأخير قرر أن يقتطع ثلث راتبه ويصرفه على احتياجات الصبي الصغير من مأكلٍ ومشربٍ ومستلزمات شخصية ومدرسية .


في الصباح الباكر ذهب للسوق ، واشترى معطفا جميلا ، وأهداه للطفل بعد عودته من المدرسة ، فرح الصبي محمود بتلك الهدية فرحا عظيما ، وذهب يجري ويرقص طربا ، يصرخ بصوته الطفولي البريء شكرا عمو سمير ، أنا أحبك ، سَعُد سمير بهذه النتيجة واطمئن قلبه وسكنت جوارحه وطابت نفسه ، فالشعور بفرحة طفلٍ بائس شيءٌ لا يوصف ، وها هي العلاقة تنمو بينهما بشكلٍ كبير ، وقد تعرف على جدة الطفل زكية ، وصار كل يومٍ يأتي للسلام عليها والاهتمام بها وإطعامها .


تمضي أيام سعيد وهو رهين الحبس لا يزوره أحد ، ولا يسأله عنه حتى أهله ، لكنه تعلم الكثير من السجن ، واكتسب مهنةً جديدة وهي الحلاقة ، ففي السجن أُجبِرَ على امتهان الحلاقة وتعلمها ، وهو الآن بارعٌ فيها ، ويفكر بإيجابية في أن يفتح محلا للحلاقة في بلدته ريث خروجه من السجن ، إلا أن أحد حراس السجن دائما ما يثير غضب سعيد ، فهو يتنبز عليه بكلماتٍ بذيئة ويرمقهُ بنظراتٍ حقيرة ، فلولا أن تداركه الشيخ أنور ليوشكنَّ سعيد على الاعتداء على ذلك الحارس الخبيث ، وعند ضحى اليوم أخبره ضابط المركز بأن أحدا جاء لزيارته ، تحيّر سعيد في أمر الزائر ومن يكون ؟ ومن الذي تذكَّره بعد طول غياب ؟ خرج لصالة الزيارات فوجد مريم تقف في ذبولٍ واصفرار تحمل بيدها مصحفا ، ابتسمت في وجهه وقالت : أعلمُ بأنك مظلوم ، ولكن ثق بأن تلك هي الأقدار تجري بما قدره لها خالقها ، وكن صبورا جلدا ، فقلبي نبأني بأنك طاهرٌ عفيف ، دمعت عينا سعيد ، توقف برهةً مدهوشا ، ولكنه تجمع قواه ، وشكر مريم على كل ما فعلته وتفعله معه ، أعطته المصحف وأخبرته أن ذلك المصحف هو مصحف والدتها وهو أغلى وأثمن ما تملكه ، وأمرته أن يحافظ على الهدية جيدا .


خلود والمعلمة سلمى ترسمان مخططا للمدرسة الخيرية المنتظرة ، وقد تكفلت سلمى باختيار مقاولٍ شريف ليمسك مشروع البناء ، وتم تحديد المبلغ وكان باهظا جدا ، فهو يتجاوز المائة ألف دولار ، ومريم لا تملك هذا المبلغ كاملا ، بل لا تملك نصفه ، تم عرض المشروع على أكثر من مقاول ، وللأسف كان المقاول السابق هو الأوحد في السعر المنخفض ، ولا بديل غيره لأمانته وصدقه ، والمفاجأة أن المقاول ذاته سيتبرع بعشرة آلاف دولار ، ومريم تملك أربعين ألفا ، ولكن من أين سيأتي بالنصف الآخر ؟





،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
05-01-2007, 09:25 PM
نسمات الفجر تنعش المزاج ، والشرفات مُشرَعة لطيف النور ، وبدأ الفجر بالانبلاج ، والشمس المشرقة ترسل أشعتها بدفء إلى غرفة عائشة ، فتدغدغ خديها ، وتقوم عائشة على الفور نشيطة على غير العادة ، فاليوم هو الأحد ، واللقاء المرتقب بعشيق القلب مازن ، قامت لتستعد وتجهز نفسها ، تأخرت كثيرا في الاستحمام ، وبكل تأكيد ستتأخر أكثر وهي تقف أمام المرآة تعدل من شعرها ، وترتب مكياجها ، وتصبغ جفنها وتلون شفايفها ، وترتدي أجمل حللها ، ها هي الآن تمشي الهوينا كعروسٍ تزف في يوم زواجها ، وفي المقابل فإن العاشق الولهان قام بتجهيز مكان اللقاء وتهيئته ، فالكاميرا الخفية مجهزة في شقته القريبة من الشاطئ ، والويسكي تم إعداده وتحضيره على طاولة الصالون ، وجهاز الموسيقى الصاخب في حالة استنفارٍ قصوى ، وكل شيء يسير قدما مثلما خطط له مازن "حبيب عائشة " .

بدر قام بتأثيث منزله كاملا ، ولا ينقصه الآن شي ، إلا أنه لا يجيد طهي الطعام ، والمضحك أنه أعد شربة الدجاج ، وقد بذل كل مهارته فيها ، فلو ترى سعادته الباهرة بهذا الإنجاز ، لشعرت بأن أهله عادوا للحياة من جديد ، انتظرَ موعد البرنامج الحواري في قناة الجزيرة " الاتجاه المعاكس " ، لم يتناول الشربة بعد ، فهو يفضلها حينما يكون مندمجا في المشاهدة ، وقبل أن يبدأ البرنامج سمع صوت قط بجوار المنزل ، فطلَّ عليه مبتسما ، ليجده يبحث عن غذاء ، وأن الجوع يقتلع أحشائه ، أشفق عليه كثيرا ، وقرر أن يتبرع له بجزءٍ من شربته العظيمة ، فرح القط بكرم بدر وإحسانه ، تناول منه قليلا ، وإذا بالقط المسكين يخور مثلما يخور الثور ، ويترنح في الأرض يمنةً ويسرة وكأنه سكران ، ابتسم بدر ظناً منه أن القط يترنح مسرورا بالشبع والتخمة ، وما هي سوى دقائق معدودة حتى خرَّ صريعا على الأرض ميتاً ، فلقد قتلته شربة بدر العجيبة ، حزن بدر حزنا عميقا ، وقرر أن لا يقوم بالطبخ مرةً أخرى ، رحم الله القط ، فلقد كان الضحية الأولى لتجارب طبخ بدر وهو بكل تأكيد " كبش الفداء " .

سميّة تتصل ببدر لتطمئن على حاله ، فأخبرها بالخبر المؤسف ، فلم تتمالك نفسها من الضحك قائلةً ، دع الطبخ لأهله ، فأنت لا تجيد سوى مسك الورقة والقلم ، وأعطي الخبز لخبازه ، غضب منها بدر ، ووعدها بأن يصنع لها فطائر بالدجاج المحشي ، فترجته أن لا يفعل ، فهي لا تريد أن تودع الحياة سريعا ، وتحتاج لحياة بدر ، فهما ينتظرهما مستقبل يجمعهما ، لكن هذا الأمر بدأ يقلقها ، وأصبحت تخشى على بدر من نفسه ، ولا تأمن عليه من طريقته في إعداد الأكل ، أحضرت له كتاب ماما أنيسة ، وطلبت منه أن لا يقوم بطبخ أي شيء إلا بعد مشورتها ، سامية تستمع لسمية وهي تخبرها عن جنون بدر وكيف قتلَّ القط ، وأنها تخشى عليه من تجاربه المخيفة ، وهي لا تقو على إخفاء ضحكاتها ، بينما سمية في غضبٍ شديد وقد طغت عليها العصبية والخوف .

بدر متشوق لزيارة الحضانة ، فهو يقف طويلا في شرفته ينظر للأطفال وهم يمرحون في ساحة الحضانة ، تذكر أخته " ربى " ، يوم كانت تحتضن كراسة المدرسة قبل أن تنام ، وهي تحلم بدخول المدرسة ، وقد وعدها بدر بأن يقوم بتسجيلها في أقرب حضانة حينما ينتهي من دراسته الثانوية ، لكنه لم يفِ بوعده ، ليس إخلافا منه ، بل لرحيل غاليته عن عالمنا ، آهٍ يا ربى ، كم يقتلني الحنين نحوك ، وكيف تعبث بي الدنيا بعد رحيلك ، ليتكِ الآن معي فأعتني بكِ ، وأصطحبك للحضانة ، وأقضي وقتي كله معك ، لمن أشتري الألعاب الآن ؟ ومن سيرافقني إلى حديقة الأطفال ؟ كنتِ مصدر فرحي وسروري ، والآن ذكراكِ تطيح بي إلى جحيم الأحزان والشقاء .



،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
05-01-2007, 10:39 PM
لا مجال للصمت أكثر ، وليكن للجرأة توقيتٌ جيد ، والنظر من بعيد لا يأتي بفائدة ، وكان القرار بأن يسابق بدر الزمن ، ويطرق باب الحضانة زائرا ، ولمعالمها الداخلية متعرفا ، الأطفال في كل أرجائها ، والأنس والبهجة على وجوه ساكنيها ، والترتيب والجمال في كل نواحيها ، عالمٌ طفوليٌ جميل ، يرى أخته لبنى في كل وجوه الأطفال وخصوصا البنات ، سأله مدير الحضانة إن كان قد قدم لتسجيل أحد من أقاربه ، فارتبك بدر وارتسمت الحيرة والذهول على تقاسيم وجه ، ولكنه تخلص سريعا بقوله أنه أتى باحثا عن عملٍ مسائي بالحضانة ، وكان الجواب على الفور ، أن العمل هنا تطوعي وبدون أجر ، فرحب بدر بالفكرة وأعلن استعداده الكامل للعمل بالحضانة .

مازن يتصل بعائشة ، يعلمها بأنه سيمر عليها بسيارته بعد قليل ، ووعدته بتأخير الوقت قليلا ريثما يذهب والدها للمسجد لأداء صلاة الجماعة ، لتتمكن من الاطمئنان بأن أحدا من أهلها لن يراها وهي تركب سيارة حبيبها ، وتم لها ما أرادت ، والطريق مزدحمٌ بالمارة ، مما جعل مازن يقود بسرعة فائقة لكي لا يتمكن أحد من معرفته ، وصوت مسجل السيارة يبث موسيقى الحب والعاطفة ، عائشة لم تنطق بكلمة واحدة ، فالحياء يلجمها ، ولم تتعود على مازن بعد .

تفاجأت عائشة من ترتيب شقة مازن ، وروعة الأضواء الخافتة ، ورائحة العطر الفرنسي " انترنتي " تفوح في كل أركان الشقة ، أخذت جولة تفقديه سريعة لغرف الشقة الصغيرة ، فرحت كثيرا حينما رأت كعكة كبيرة على طاولة المطبخ ، وكانت الشموع الحمراء مزروعة في كل جوانبها ، أصر مازن على عائشة إصرارا قويا بأن تقوم هي بنفسها بتقطيعها وأن تأكل من يده ، فهو خادمها المطيع ، ومن سيهب نفسه لخدمتها طول الحياة .

في هذه الأثناء يقوم والد عائشة بزيارة بدر في بيته الجديد ، ويتذاكر الاثنان حياة والد بدر وعلمه الغزير وتواضعه الجم ، فتسيل الدموع من العيون ، وتكثر الدعوات من بدر لوالده الراحل ، إلا أن أم بدر كان لها نصيب الأسد من الشوق والحنان لها ، فهي لا تغيب أبدا من مخيلة بدر ، كانت معبد الحب لكل من يعيش بقربها ، ورغم صلابة بدر وقوة شخصيته ، فلا يزال غير قادر على تحمل مرارة الموقف ومضاضة الرحيل المفاجئ المميت ، قاطع شروده اتصالٌ من سمية تطمئن على صحته وحاله ، وقد لاحظت حزنه من نبرة صوته ، فأتت كلماتها في همسٍ رقيق ، تجلد يا حبيبي ، وكن قويا في عيني ، فأنت أملي وقدوتي ، أم أن وجودي بقربك لا يمنحك الأمان والرضا أبدا ؟؟

أنهى بدر المكالمة ، ليتلقى سيلا من الاستفسارات من والد عائشة عن صاحبة الرقم ، فأجاب بدر بكل هدوء ، هذه من اخترتها شريكةً لي في حياتي ، وهي من ستشاطرني ما تبقى من عمري ، فأجاب الشيخ ، ولكني كنتُ أريد لك عائشة ، تنهد بدر وقال : ولكني منحتُ عهدا لهذه الفتاة ولن أخلفه ، تبسم الشيخ ودعا لهما بالبركة ، مشترطا أن يكون هو من يخطبها له ويعقد قرانهما ، فرح بدر فرحا شديدا ، وأصبح زواجه حديث الساعة كلما التقى بوالد عائشة ، ويبدو أن العرس سيكون قريبا .



،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
07-01-2007, 06:49 PM
أمل بين الحياة والموت ، والشرطة تحقق في الحادثة ، ذهب يونس وأمه إلى المستشفى للاطمئنان عليها ، فوجدوها في حالةٍ حرجة ، والدكتور يطلب من الحاضرين التبرع بالدم ، وللأسف الشديد جميع فصائل دم الموجودين لا تتوافق مع فصيلة دم أمل ، ولشدة تعلق أم حسام وحبها لجارتها أمل فقد اتصلت بوالد حسام تطلب منه الحضور والتبرع ، لم يتردد في ذلك فأتى مسرعا ، وفي طريقه للمستشفى وجد الرجل المجنون وأحضره معه لعل يكون منه نفعا ، وصل أبو حسام بنشوة الفرح والسعادة ، فهو يشعر بأن ثقة زوجته بدأ تعود مثلما كانت .

تم أخذ عينات من دمه ، وظهرت ملامح الدهشة على وجه الطبيب ، قام بتحليل دمه مرارا وتكرارا إلا أن النتيجة واحدة ، فالإيدز قد تحكم بالجسم ، وأبو حسام أسير الموت لا محالة ، طلب منه المكوث معه في المستشفى ، ولم يطلعه على النتيجة فهو ينتظر الفحص الأخير ، فالتعجل في هذا الأمر له عواقب وخيمة ، وأخبر الطبيب الحاضرين بأن دم والد حسام لا يتوافق البتة مع دم أمل ، فتقدم المجنون بابتسامة إلى الطبيب وهو يمد يده قائلا : " هاك دمي فانفثه في جسم أمل ، ففصيلتنا واحدة " ، يا للهول لقد صمت الكل مبهورين ، وحقا كان كلام المجنون في محله ، وتم نقل الدم منه إلى أمل ، ليتم إسعافها من وضعها الصحي الحرج .
لا زالت الشرطة تنتظر تحسن صحة أمل ليتم التحقيق معها ومعرفة تفاصيل الجريمة بكل حيثياتها ، الطبيب يشير إلى الشرطة بالانتظار أكثر ، ريثما تفيق أمل من غيبوبتها ويسري الدم إلى كامل أجزائها ، والد حسام يتقرب إلى زوجته بنظرات مودة وابتسامات رضى ، والزوجة تسند رأسها على كتف زوجها ، وهي سارحة تستعيد ذكريات سوسن وولدها الغالي حسام ، الحنين أخذ بها إلى متاهات بعيدة من التخيل والذكرى الحزينة ومحاولة فك خيوط العنكبوت المتشابكة في قتل حسام وسوسن وقضية بيت الدعارة ، أما يونس فهو يرمق أباه بنظرات الكره والحقد ، يخاطب أباه في ضميره ، ابتعد عن أمي أيها القاتل الجبان ، فقريبا ستلقى مصيرا أسودا ، وستموت على يدي ، سأتلذذ بقتلك ، مثلما تلذذت أنت بحرماننا من سوسن وحسام ، سأقتص لهما منك ، يا لك من وغدٍ حقير .
،،، يتبع ،،،

بيسان
07-01-2007, 07:48 PM
اهلا بعودتكـ اخي رقيق المشاعر ،،،

نتلهف لمعرفه الباقي من القصة،،،

رقيق المشاعر
02-02-2007, 10:26 PM
الشرطة بدأت في التحقيق مع أمل بعدما تحسنت صحتها ، وكشفت عن تفاصيل الواقعة إذ أن صديقي يونس هو من تعرض لها بالتحرش في البداية ، ومن ثم قام بضربها ضربا مبرحا ، وقد استعان بأصدقائه ليكملوا عليها ، ولا تدري إن نالوا من شرفها بعد سقوطها مغشيا عليها ، إلا أنها تطلب من الشرطة اتخاذ الإجراءات الصارمة تجاه المعتدين لكي لا تسول لهم أنفسهم تكرار ذلك مع أي فردٍ من أفراد المجتمع أو أي جنسٍ من البشر ، سألوها عن أوصافه ما دامت لا تعرف اسمه ، فقال هو شابٌ متوسط الطول ، عريض الكتفين ، حنطاوي البشرة ، ذو شعرٍ كثيف .
تم استدعاء يونس والتحقيق معه ، سألوه عن أوصاف المجني فقال هو صديقي موسى ، ودوّن لهم عنوان بيته ، وقد بدأت عليه ملامح الحزن والغضب في آنٍ واحد ، اتجه نحو أمل يبكي ، معتذرا لها بأن صديقه المقرب يفعل ذلك بجارته المخلصة الودودة ، شعرت أمل بالحنان وقد أمسك يونس بيدها ، وشعرت بقوة العاطفة وهو يضع يده على جبينها ، ما ألذ الإحساس حينما يقبل جبينها بطريقةٍ حنونة ، ردد يونس بهمسٍ في أذن أمل " سامحيني يا أمل ، ولأجلك فإني أتبرأ من صديقي ، وسأقف في وجهه كلما رأيته " .

تحدّثُ أمل نفسها بغرابة ، " ما سر انجذابي إلى هذا الطفل الصغير ، أيكون بداية الحب ، من المستحيل ذلك ، فأنا تجاوزت الخامسة والثلاثين ربيعا ، ولدي أبناءً أكبر من يونس بكثير ، ماذا يقول عني طليقي لو علم بأن قلبي منجذبٌ لطفلٍ صغير ، من المؤكد سيزداد سخريةً لي ، لا لا ، لا يجب التفكير بهكذا أمر ، فيونس لا يعرف الحب ، ولا يزال صغيرا على التفكير في هذه الأمور ، لكني بدأت أشعر بحنانه وعطفه ، ربما هو خجلٌ من فعلة صديقه بي " ، ولا تزال أمل في حوارٍ مستمرٍ مع ذاتها حتى ازدادت حالتها سوءً مما جعل الأطباء يمنعون عنها الزيارة .

النتيجة النهائية لفحص والد حسام تأكد بأنه مصابٌ بفيروس نقص المناعة المكتسبة " الإيدز " ، والمرض في مرحلته الأولى ، وربما لم يتعد شهرا واحدا بعد ، وكان على الطبيب أن يحذر والدة حسام من مرض زوجها الخطير لكي لا ينقل لها المرض ، ولابد من الفصل بينهما ، فالمستشفى لا يملك الحق في حجز والد حسام ، بعدما تدخلت منظمة حقوق الإنسان بمنع حجز المصابين بالإيدز ، ولهم مطلق الحرية في معايشة ما تبقى لهم من حياتهم بالطريقة التي يريدونها شريطة أن لا يحاولوا نقل العدوى لأي أحد .

والدة حسام بدأت تشعر بقرب أبو حسام منها ،فهي تحبه كثيرا ، وتمني نفسها بأن تعود حياتهما مثلما كانت ، بغض النظر عن ما آلت إليه حياة زوجها في الأيام السابقة ، فالحب يلتمس كل الأعذار ، ولا ذنب للحبيب مهما اقترف من أخطاء ، وكانت الصدمة لها حينما أخبرها الطبيب بالخبر ، لم تصدق شيئا ، عقلها لم يستوعب الحقيقة ، ربما هي الواقعة الأمرّ بالنسبة لها ، وتقول في ذهولٍ وحسرة " ربِ آمنتُ بقضائك ، فقدتُ سوسن ، وودعت رقية ، ورحل عني حسام ، والآن أفجع بحبيب القلب ، لمَ السعادة لا تسكن إلى نفسي ، وعلامَ الحسرة تلاحقني ، أكُتِبَ عليَّ أن أحيا هكذا ؟؟ "

،،،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
05-02-2007, 05:52 PM
لا يزال سعيد في ذهوله واستغرابه من حنان مريم له ، فعلت كل شيءٍ لأجله ، بالرغم أنه لم يكن صاحب فضلٍ أبدا عليها ، أليس من المفترض أن تقوم بهذا الدور خلود ؟ أيعقل أن يكون قلبها حجرا جلمدا لا تهزه المشاعر ولا تحركه النوائب والأحداث ؟ قاطع شروده الشيخ أنور مشيرا إليه بيده إلى اقتراب موعد صلاة المغرب ، وعليه أن يبادر بالوضوء سريعا كي لا تفوته صلاة الجماعة ، امتثل سعيد للأمر وقام على الفور بالاغتسال والوضوء ، شعر براحة كبيرة وهو يتوضأ للصلاة على غير العادة ، تأخر في الوضوء والشيخ أنور بدأ في الصلاة بالمساجين ، أنهى قراءة الفاتحة ولا يزال سعيد يتوضأ ، بدأ الإمام في قراءة السورة ، وحينها التحق سعيد بالمصلين ، واسترسل الشيخ أنور في القراءة من سورة مريم إلى أن وصل إلى قوله تعالى " واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذتْ من أهلها مكاناً شرقيا " ، هنا تسمر سعيد في مكانه ، وأنصت بخشوع وتأمل لقراءة الشيخ ، وبعد الانتهاء من الصلاة سأل سعيد الشيخ أنور عن السورة التي قرأها في الصلاة فأخبره بأنها سورة مريم ، نبض قلبه وتحركت مشاعره ، وأمسك بالمصحف الذي أهدته إياه مريم وأخذ يقرأ سورة مريم كاملةً وقد قطع عهدا على نفسه أن يبدأ بحفظ سورة مريم ، خصوصا بعدما أبكته الآيات الأخيرة منها ، فهي تتحدث عن يوم القيامة والحساب .

يبدو أن حلم مريم سيتبخر حينما علمت بأن التكلفة الإجمالية للمدرسة مائة ألف دولار ، فالمبلغ كبيرٌ جدا ولا يمكنها بأي حالٍ من الأحوال توفير خمسين ألف دولار من جديد ، فهذا المبلغ يفوق الخيال والتوقع ، آلمها كثيرا أن تقف عاجزة عن تنفيذ مشروعها الخيري ، ومضت تتأمل بحسرة في تصور المستقبل ، وإذ بها تتلقى اتصالا من المعلمة سلمى تخبرها أنها ستساهم بعشرة آلاف دولار ، وأن خلود أيضا ستساهم بعشرين ألفا ، فقد باعت نصف الأرض التي أمهرها إياها سمير ، حتى وإن لم يدخل عليها فهو لا يزال زوجها باسم الشرع والقانون ، لم تصدق مريم أذُنيها فالحلم بدأ يتحقق ، وموقفُ نبيلٌ جدا من خلود وسلمى ، والمتبقي من المبلغ لا يتجاوز العشرين ألفا ، وستحاول مريم توفيره ريثما ينتهي المقاول من بناء المدرسة بأي طريقةٍ كانت ، وإنشاء المدرسة يتطلب وقتا زمنيا كبيرا لا يقل عن سنةٍ كاملة .
مرةً أخرى يأتي زائرٌ جديد لسعيد ، لم يصدق سعيد ذلك ، وأسرّ إلى نفسه بأن الزائر هي مريم ، خرج سريعا لصالة الزيارة ، وهنا كانت المفاجأة ، كذّب عينيه وارتجفت أعضاؤه ، من الغير المعقول تصديق ذلك ، باغتته خلود وقالت ، أعانك الله يا سعيد على هذا الحال ، أتيتُ لزيارتك لأني لا أنسى الماضي الجميل الذي كان بيننا ، ونحن أبناء اليوم ، والماضي قد أفل بكل أحداثه ، وقبل أن أكون خلود الحبيبة أو الخائنة مثلما تظن بي ، فأنا خلود القريبة ، والإسلام أمرنا بصلة الرحم ، لم يتكلم سعيد ، سوى أن سألها عن أهله وأخبار بلدته ، حكت له كل التفاصيل ، لم تترك شيئا إلا وأخبرته به ، وقد تعجب من فكرة مريم الرائعة ، طلب منها الحضور إليه وزيارته بعد يومين لأمرٍ هام .
ما أروع فرحة سمير وهو يصطحب الطفل إلى السوق والمدرسة ، ولم يعد بائسا كسابق أيامه ، يرجع من مدرسته ليتناول غدائه ويرتاح قليلا ، بعدها يذهب مسرعا ليقضي وقتا طويلا مع سمير ، وأحيانا يسامره في وقت عمله ، والجميل أن لدى هذا الطفل مواهب متعددة ، أبرزها الرسم والغناء ، في كل لواحاته يرسم وجه امرأة شابة تشع نورا وضياء ، يتخيلها أمه التي توفت يوم ولادته ، وكل أغانيه حزينة ترجع النفس إلى ذكريات الألم والعذاب .


،، يتبع ،،،

orient
09-02-2007, 08:59 AM
لا زلت أتابع وبصمت !!

مستشارة
09-02-2007, 06:09 PM
رقيق أكمل القصة فقد شغفتنها الاحداث..

رقيق المشاعر
10-02-2007, 12:22 AM
سمير يعيش مرحلة جميلة في حياته ، فهو يشعر بالأبوة الكاملة تجاه الطفل " جرجس " ، تنتهي مناوبته قبيل الفجر ، يحسب الدقائق والثواني انتظارا لخروج صديقه الصغير من شقته ليرافقه إلى المدرسة مشيا على الأقدام ، يعود بعدها ليرتاح قليلا ويأخذ قسطا من الراحة ، ليستعد لاستقبال جرجس من المدرسة ، ولكن اليوم تأخر جرجس كثيرا في الخروج ، مما بدأ القلق يتسرب إلى قلب سمير ، وقرر مقاطعة الانتظار أمام بوابة المدرسة ، والإسراع للبحث عنه داخل أركانها وممراتها ، فلمحه من بعيد في عراكٍ قوي مع أحد زملاءه ، وبلا وعيٍ وإدراك صرخ سمير في وجه الطفل الآخر ابتعد أيها الأحمق عن جرجس وإلا حطمتُ عظامك ، إلا أن عناد الطفل وحرارة الغضب في دمه جعلته يلطم جرجس في خده الأيمن ، وكانت المفاجأة حينما لم يفعل جرجس شيئا سوى أن أدار له خده الأيسر ليلطمه عليه أيضا ، مما أثار استغراب سمير من هذا التصرف الغريب ، حاول سمير أن يلحق بالطفل ليعاقبه على فعلته ، لكنه اختفى بسرعة البرق في زحام الطلبة المنتشين فرحا بنهاية اليوم الدراسي .


جرجس يبكي بكاءً مرا ويقول لو كان أبي معي لما تجرأ أحدٌ على ضربي ، يمسح دموعه سمير قائلا له ، لا تحزن يا حبيبي فأنا بمثابة الأب لك والخال والعم ، إلا أنك لم تخبرني لمَ تركته يصفعك ولم تبدي أي مقاومة بل هيأت له الفرصة ليلطمك في الجانب الآخر ؟ يجب عليك أن تقاوم يا ولدي ، ابتسم جرجس قائلا ، لكن التسامح الديني يأمرني بذلك ، أو نسيت أنني قبطيٌ من مصر الحبيبة ؟ هز سمير رأسه مشيرا إلى أنه لم يفهم شيئا ، فسمير ثقافته محدودةٌ جدا ، ومن المؤكد أن الأيام القادمة ستشهد حوارا دائما عن مصر الجميلة ، وعن شعبها الودود المحب للمرح والنكتة ، وهو بشوقٍ كذلك لمعرفة المزيد عن القبط وحياتهم ومعتقداتهم .


سعيد طول يومه يتحدث مع الشيخ أنور عن تضحيات مريم ووقوفها بجانبه ، وعن مشروعها الخيري الذي تهدف من خلاله إلى نشر بساط العلم والمعرفة ومساعدة الفقراء والمساكين في مواصلة دراستهم وتسلحهم بالعلم ، ذلك السلاح الذي لا يقدّر بثمن ، وتظهر السعادة على محيّا الشيخ أنور ، والابتسامة مرتسمةٌ على شفتيه ، ويغمز بعينه لسعيد مازحا ، أهذا كل ما يعجبك في مريم ؟ لا تقلق فأنا أشعر بك ، وسأقوم بعقد قرانكما ، يحمرُّ وجه سعيد خجلا ، ويطرق بفكره نحو خلود وخيانتها له مع شقيقه ، ويتذكر الأحداث التي توالت في حياته من حبٍ وسجنٍ وتوهان ، إلا أنه لا يحمل أية مشاعر زواج تجاه مريم ، والمحبة في القلب ، وربما يصدق القائل :


نقل فؤادك حيث شئت من الهوى *** ما الحب إلا للحبيب الأولِ


كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى *** وحنينه أبدا لأول منزلِ


مريم وسلمى وخلود يواجهن الآن مشكلةٍ جديدة ، لم تكن على البال أبدا ، والغريب أنها لم تطرَ على بال أحدٍ منهن رغم أنها أساس كل شي ، والمضحك أن المقاول بادرهن بالسؤال أين أبني المدرسة ؟؟ فكانت ردة مريم قوية ، قائلة ويحي كيف أغفلُ هذا ؟؟ قاتل الله النسيان ، وبدأت الوساوس تدق عرش خيال مريم ، والنفس تعلن بداية الانهيار ، وتندب المسكينة حظها ، وأن التوفيق أدار ظهره لها ، فهي بين مطرقة الأرض وسندان الأمل ، لكنها حتما لن تيأس ، فلا يزال الأمل يتورد في قلبها ، ولن تستلم لليأس والهزيمة أبدا ، ومن الأفضل الآن البدء في البحث عن أرضٍ مناسبة وبسعرٍ معقول ، فالمساحة المحددة للمدرسة في الخريطة تبدو كبيرةً جدا ، وهذا يضاعف من قيمتها المالية بكل تأكيد .





،،، يتبع ،،،،

رقيق المشاعر
10-02-2007, 06:32 PM
من العبث أن تصدق عائشة بأن مازن محبٌ لها ، فهي كذلك لا تحبه حبا صادقا ، إنه الطيش والجنون وموت العفة ، وتحولت الأضواء الحمراء الخافتة إلى مشاعر تخدش الحياء والوقار ، وأصبحت عائشة ترتمي في أحضان مازن يفعل بها ما يشاء ، لم يجد ممانعةً أو مقاومةً منها ، فهي أسلمت نفسها لها وقالت هيت لك ، افعل بي ما تشاء ، فأنا ملك يمينك وطوع بنانك ، هنا طُويت صفحة الشرف ودارت رحى الرذيلة ، ولا عزاء إذ أن عائشة لها تجارب لا تحصى في مجال المراهقة والعلاقات الغرامية ، ولا تدري تلك المعتوهة بأن مازن لا يكتفي بممارسة الجنس فقط ، بل ينوي فضحها واستغلال ميوعتها الرخيصة ، فكاميرا الفيديو لم تتوقف عن التصوير أبدا من حين ولوج عائشة المنزل .


هذا أول يومٍ لبدر في الحضانة ، السعادة لا تفارقه ، والبسمة عنوانه ، قضى يومه كله بالحديث مع الأطفال ومداعبتهم والتعرف على أسمائهم ، هو اليوم الوحيد الذي اختلطت فيه كل المشاعر ، حنينٌ ولوعةُ وعذابٌ وتحنان ، شوقٌ لماضٍ لم يعد له حاضر ، وحنينُ لمستقبلٍ يطرق به عالم النسيان للأحزان وبدأ مرحلة الإنتاج وجني ثمار الحياة ، في وسط معمعة الأفكار ، تأتيه رسالةٌ في جواله من الغالية سمّية ، تستنكر انقطاعه عنها ، وعدم الاهتمام بها طيلة اليوم ، فتتحرك كل اللواعج وتجيش المشاعر ، ويمسك ورقةً وقلما ، يكتب رسالةً لها على غير العادة :


" لا تخف ما صنعت بك الأشواقُ *** واشرح هواك فكلنا عشاقُ


قد كان يخفى الحبُ لولا دمعك *** الجاري ولولا قلبك الخفاقُ


كلما أسمعُ تلك الأبيات يطرقني داعي الود بالوصل مع قلبك المتدفق بالحنان ، فأمني النفس برؤية وجهك ، فلا سعدت عيني إلا بالتأمل في محياك ، وحينها سأقرؤكِ من عينيك وأستحضر السحر الذي حمّلكِ إياه هاروت وماروت ، وسأملأ الدنيا بنشيد فرحي وأنسي .


الحب أيتها الحبيبة ليس حروفا تقال بل هو إحساسٌ عميق يتولد في داخل المرء فتستجيب له كل حواسه ، وينطق به دمه إذ يسري في الجسم وهو ينكتُ بلسان الحب ، فما ذنب حواسي ودمي أن لا تتشرف بلقائك .


أناشدك برب الحطيم وزمزم ، أن لا تتركيني أهيم في صحراء يبيد فيها البيد ويضيع فيها الذكي والبليد ، وقد مددتُ يدي إليك طالبا النجدة ، بأن لا أهلك بقوة الحنين ، فالجسم أيتها الغالية قد هزل من قسوة أشواقه لمصافحة عيناك ، أتعلمين أن أصابعي الآن ترتعش وأنا أكتب لكِ الرسالة ، فهي تخشى أن تكتب حرفا لا يروق لك ولا يرق لقلبك لتحني بعطفة لقاء .


نذراً عليَّ يا سميتي أن أعيرك أنفاسي وهمسي يوم اللقاء ، فإن لم يكن لنا سبيلٌ في الاجتماع لبعض فاعلمي أن لا حياة لي ولا بقاء ، فإني راحلٌ إلى دنيا الأمواتِ مستعر ....


حبيبك بدر "


حينما لم تسمع سمية همسا لبدر ، قلقت عليه كثيرا ، وذهبت إلى الحضانة تسأل عنه ، فقابلها بوجهٍ حرٍّ طليق ، وسلمها الرسالة ، لم تنتظر العودة إلى البيت ، فالشوق لا يترك لها مجالا ، قرأت الرسالة فلم تصدق حالها ، حلمٌ جميل ، ودنيا تسبح في بحرٍ من الخيال ، يا لعذوبة القراءة حينما يكون القارئ إلهام الكاتب .





،،، يتبع ،،،

خادم الإسلام
14-02-2007, 08:25 AM
ما شاء الله ما شاء الله تبارك الرحمن... قسما أن قلمي يعجز عن وصف ما كتبت.. قصصك أكثر من رائعة ... ولكن أكملها فقد نفذ صبرنا:ongue: :ongue:

القلم الحزين
14-02-2007, 11:08 AM
بارك الله فيك أخي رقيق المشاعر ..
وجزيل الشكر على هديتك المتواضعة ..
ننتظر بقية الأحداث ..
جاري الانتظاري .................................................. ..

الملاك الغريب
14-02-2007, 11:11 AM
:) ومــا زلنــا نتنفس ع ــبق قصتكـ ,,

خادم الإسلام
14-02-2007, 12:59 PM
:sadwalk: :sadwalk: :sadwalk: :sadwalk: :sadwalk:

جــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاري الإنتظــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار .....................

رقيق المشاعر
15-02-2007, 05:24 PM
لم تعد سمية نشيطةً كالعادة ، والمدير ينتقدها بشدة ، الأعمال تتراكم في مكتبها ، ولا تنجز إلا القليل ، تغرق في لجة السرحان ، تناجي بدر في كل دقائق حياتها ، تقرأ رسالة بدر الأخيرة عشرات المرات في كل يوم ، إلا أن التمادي في إهمال الواجبات المنوطة بها في العمل والإفراط في التخاذل ، ستكون عواقبه وخيمة ، وليس من العدل في شي أن تطلب من زميلتها زهرة إنجاز كل أعمالها ، وهي الأخرى لم تعد قادرة على مجاملة سمية أكثر من ذلك ، وإن لم تتدارك سمية نفسها فإن إنهاء خدماتها في السفارة بات وشيكا .





يبدو أن اليوم الثاني أجمل من سابقه ، حيث أن بدر يزداد تعلقا بالحضانة ، فهي تطوي الهموم ، وتشرح الصدر ، وتذكي نار المودة ، والأستاذ عماد يبدو أنيقا في كل شيئا ، راقيا في تعامله ، ودودا لزملائه ، بشوشا للأطفال ، يملك رصيدا هائلا من الثقافة ، متمسكٌ بتعاليم دينه ، محافظٌ على أصالته ، ومنفتحا على الدنيا بمدنيتها وحضارتها ، أهدى لبدر كتاب " دع القلق وابدأ الحياة " للكاتب الرائع دايل كارنيجي ، وأوصاه بعدم ترك ممارسة الرياضة ، اندهش بدر من فراسته وذكائه ، حيث أن بدر كان يلعب كرة القدم بكل مهارةٍ وإجادة ، هز عماد رأسه وأشار بيده لبدر أن الموعد يوم الخميس في نادي الاتفاق .





عائشة تعضُّ الآن أصابع الندم على ما فعلته بالأمس ، شعرت بأنها تافهةٌ حقيرة ، وكان عليها أن لا تنجرف خلف رغباتها وشهواتها ، ومن يطع الهوى فالحضيض مآله ، والنكسة والخزي والعار سيلازمانه ، ولكن لا جدوى من الحزن الآن ، فمازن الجبان كل همه إشباع نزواته ، وبدأ يكرر الطلب على عائشة بكل نذالةٍ ووقاحة ، يتصل بها كل حين ، وحينما رفضت الخروج معه ، وأخبرته بفظاعة الجرم الذي اقترفته ، بدأ يهددها بشريط الفيديو ، إما أن تلبي كل أوامره ، وإما أن تدفع له خمسمائة ألف دولار ، ولا خيار غير ذلك ، وهو على أتم الاستعداد لإيصال الشريط لأبيها وكل صويحباتها .


يالله تضاعفتِ البلوى ، وزاد القلب لهيبا وجوى ، تناجي نفسها وتلطم خدودها ، وتشق ثوبها ، فالكارثة لا تقدر ، وحجم الخسارة فادحٌ جدا ، شرفٌ ذهب ، وحياءٌ مات ، وإنسانيةٌ مستباحة ، وجرمٌ لا يغتفر ، وطريقٌ مظلم ، وحوشٌ وذئاب ، وعاهرةٌ بدون جلباب ، إما الخضوع والاستسلام ، وإما الفضيحة والذل والصغار ، وكلاهما مميت ، يا إلهي كوني عوني ومغيثي .


" الآن وقد عصيت " ، بأي وجهٌ أطلب الرحمة وأنا لم أصلي لله ركعة ، لم أتركُ ركنا من أركان الشيطان ، ولم ألتزم نهجا يرضي الرحمن ، لا خيار سوى الانتحار لا خيار .


،،، يتبع ،،،

رقيق المشاعر
15-02-2007, 06:30 PM
روحي ليست أغلى من روح زوجي ، هكذا تفكر أم حسام ، فأزهار الإنسانية الجميلة لا تسقى إلا بدم التضحيات ، وما كتبه الله في كتابه كائنٌ لا محالة ، والأنفس إذا تآلفت لا تهرم أبدا ، ويبقى شبابها حيا بحياة قلوبها ، كذا حال كل المخلصين وطريق الأوفياء ، لم يزعزعها خبر الإيدز في زوجها ، بل اتصلت به روحا وجسدا ، وأعلنت تضامنها معه ، وأن الموت لا يرهبها والمرض لا يمنعها أن تعيش حياتها بصفاءٍ مع زوجها الذي افتقدت حنانه واهتمامه ، أما الزوج لم يتمالك نفسه من هول الصدمة ، لم يخطر له بالاً بهذه النتيجة ، فالحدث مأسويٌ بحق ، تأخذه الحسرة إلى ذكريات الضياع وبداية الانهيار ، إلى وجع المستقبل وجذوة القلب ، إلى موتٍ محتوم ، ونهايةٍ مخزية ، نعم يحشر المرء على ما مات عليه .


تمسح أم حسام على رأس زوجها وكأنه طفلٌ صغير مبتسمةً في وجهه : "لا تقلق يا عذب القلب ، فأنا لن أجد طريقا غيرك ، انظر إلى احتراق مهجتي ، إلى اهتياج خيالي ، إلى نبض أشلائي ، إلى حنين وجدي ، إلى أنين آهاتي ، إلى بركان مشاعري ، إلى ترقرق عبراتي ، بل يا همسي ونجواي انظر إلى تحناني وحبي ، إلى إخلاصي وعفتي ، أنا لك ماضيا وحاضرا ، معك يسرا وعسرا ، أنت قلبي وأنا نبضك ، فلا تيأس رحمة الله أكبر ، وعطف الخالق أقوى وأعظم ، لن تنطوي صفحة النور ما دام الأمل يتورد في الشرايين .


حسام لم يكن ميتا أبدا ، فهو يعيش في قلب يونس دائما :" آهٍ أيها الشوق ما بالك تطحنني طحن الرحى ؟ أو ما يرق قلبك لي ؟ سأعدك يا حسام أن تبقى رمزي ومثلي وقدوتي " ، هذا حديث النفس للنفس ، يبوح لنفسه ليجد التخفيف والسلوان ، فالنفس هي الصديق الذي لا يغدر ، وفي حديقة المدرسة تجيش الذكريات بوابلٍ من القسوة والعذاب ، هذا كرسي حسام المعتاد ، لا لن أبرحك أبدا ، ولن أجعلك تشتاق لحسام أكثر مني ، وفي الركن القصي من الحديقة كان مرتضى يقطف الزهور ، لا لولعٍ بها ، لكنَّ حسام كان يفعلها ، لم يشعر مرتضى بقوة الحنين لحسام مثلما يشعر الآن ، احتضن يونس طويلا ، كلاهما يبكي ، ولا يجدان من يجفف دموعهما ، آهٍ يا مرتضى طال الغياب ، وما عاد قلبي يحتمل ، أواه أواه يا يونس قلبي يكاد ينشطر وكبدي تتفطر ، وقتي لم يكن ثمينا إلا بمجالسة حسام ، وروحي لم تعرف الراحة إلا بلقيا حسام ، أين حسام ؟!!! ، قاتل الله المنون لم تترك لي حبيبا ولا قريبا .


أمل ، هل يتحول هذا الاسم الجميل إلى حقيقة يتمناها الأقربون ؟ ، هل أملُ الحياة لأمل بات ضعيفا ؟ الأطباء يؤكدون بأن الضرب المبرح سبّبَ مضاعفات داخلية لجسد أمل ، والإشارة تتجه صوب الكليتين ، وإذا لم يتحسن الوضع سريعا ، فإن الفشل الكلوي يتربص بأمل ، والشرطة تعتقل موسى ويرفض الإدلاء بأي حقيقة ، وينكر الحادثة من أساسها ، فهو لا يعرف أمل ، ولم يعتدِ عليها يوما ، وطول وقته يقضيه في البيت لمتابعة أفلام الكرتون ، ولعب البلاستيشن بصحبة أخته الصغيرة " عبير " ، ومع استخدام بعض القوة من رجال الأمن سيكون للتحقيق منعطفا آخرا ، ولن تغيب الحقيقة ما دام يحكمه شرعٌ وقانون .


،،، يتبع ،،،

خادم الإسلام
17-02-2007, 07:36 AM
لو سمحت اخي رقيق المشاعر اكمل القصص......:sadwalk: :sadwalk: :sadwalk:

القلم الحزين
17-02-2007, 02:33 PM
بارك الله فيك أخي العزيز ..
ولا زلنا نتابع أحداث روايتك بشغف ..
كل الشكر والتقدير لك على هذه الجهد ما أن تكمل احداثها حتى سنعلن عنها ونطلب من الجميع قراءتها والوقوف على محاورها .
جزيل الشكر وعظيم التقدير لك ..

مستشارة
17-02-2007, 11:14 PM
أكمل ايها الرقيق فكلنا متشوقين لمعرفة باقي الاحداث والمستجدات

مستشارة
22-02-2007, 03:52 PM
رقيق لا تطول علينا ننتظر القصة بارك الله فيك

بيسان
22-02-2007, 04:56 PM
الحمد لله ع السلامه اخوي رقيق المشاعر

زين كملت لنا القصه

متلهفه اعرف البقيه

في انتظارك......

orient
22-02-2007, 05:31 PM
نتابع وننتظر بصمت

صقر الإمارات
20-03-2007, 06:08 PM
عصر القصة ..الدولة الوسطى (عام 2160 ق.م- 1700 ق.م)

تقع فصول هذه القصة في عصر الدولة الوسطى، الذي يعتبر بحق من أهم العصور في تاريخ مصر القديم. إذ تم فيه إنقاذ البلاد من الفوضى التي كانت تعانيها إثر سقوط الأسرة السادسة (الدولة القديمة)، حينما ساد البلاد عصر مظلم استغرق حوالي 300 عام،




تحياتي:.....صقر الإمارات

رقيق المشاعر
18-08-2007, 10:16 PM
http://www.hesnoman.com/vb/images/frames/11_cur.gifhttp://www.hesnoman.com/vb/images/frames/11_cul.gif
عصر القصة ..الدولة الوسطى (عام 2160 ق.م- 1700 ق.م)

تقع فصول هذه القصة في عصر الدولة الوسطى، الذي يعتبر بحق من أهم العصور في تاريخ مصر القديم. إذ تم فيه إنقاذ البلاد من الفوضى التي كانت تعانيها إثر سقوط الأسرة السادسة (الدولة القديمة)، حينما ساد البلاد عصر مظلم استغرق حوالي 300 عام،




تحياتي:.....
صقر الإمارات




http://www.hesnoman.com/vb/images/frames/11_cdr.gifhttp://www.hesnoman.com/vb/images/frames/11_cdl.gif

عفواً أخي
عن أي عصور تتحدث ؟
وكأنك تتجنى عليَّ
أنتظر ردك ربما هنالك لبس
كن مشرقا

جريح الذكريات
23-08-2007, 12:07 PM
ربما التبس عليه الأمر أخي رقيق المشاعر ....

أكمل ونحن معك .