مشاهدة النسخة كاملة : الإسلام والفطرة


ملاك الشرق
11-09-2010, 10:08 PM
الإسلام والفطرة

هناك من يستدل بالفطرة، ويحسب أن الفطرة هي الإسلام ومعرفة الله عز وجل. ومنهم من يؤكد على أن الفطرة هي الإسلام ومعرفة الله عز وجل بالحديث النبوي الشريف وهو:
عَنْ أَبي هُريْرةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ما مِن مَولودٍ إلاّ يُولَدُ على الفِطرَةِ، فأبَواهُ يُهوِّدانهِ أو يُنَصِّرانِه أو يُمجِّسانه، كما تُنْتَجُ البَهيمةُ بَهيمة جمعاءَ، هل تُحِسُّونَ فيها مِن جَدعاءَ»؟
ثم يقولُ أبو هريرةَ رضيَ اللَّهُ عنه {فِطْرةَ اللّهِ التي فَطَرَ الناسَ عليها، لا تَبديلَ لِخَلْقِ اللّهِ، ذلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ}.رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

أقول إن الفطرة هنا لا تعني الإسلام أو معرفة الله تعالى فقد جاء في صحيح مسلم في كتاب القدر/ باب معنى كل مولود يولد على الفطرة ( 4/2049) فيه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ قَالَ: «كُلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ عَلَى الْفِطْرَةِ. وَأَبَوَاهُ، بَعْدُ، يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ. فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَمُسْلِمٌ. كُلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ يَلْكُزُهُ الشَّيْطَانُ فِي حِضْنَيْهِ، إِلاَّ مَرْيَمَ وَابْنَهَا».

لاحظ قول رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فإن كانا – أي الأبوين- مسلمين فمسلمٌ – أي أن المولود يكون مسلما لإسلام الأبوين.

قال شيخ الإسلام يحيى بن شرف النووي رحمه الله في معنى هذه الفطرة في الحديث وما المقصود منها في شرحه لصحيح مسلم (16/208) ما نصه : " ...والأصح أن معناه أن كل مولود يولد متهيئاً للإسلام ” اهـ

يعني ذلك أنه لا يولد مسلمًا ولكن يولد متهيئًا للإسلام.

إن كانت هذه الفطرة وهي العقيدة الصحيحة وهو أن المولود يولد وهو يعرف أن خالقه ورازقه هو الله تعالى أي يعرف الربوبية، وهذه الفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها ولا تبديل لخلق الله كما في الآية الكريمة
{فِطْرةَ اللّهِ التي فَطَرَ الناسَ عليها، لا تَبديلَ لِخَلْقِ اللّهِ، ذلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ}. [سورة الروم:30]

إذن كيف تتغير هذه الفطرة وهي الإسلام ويسيطران الأبوان على أولادهما ويغيران هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها؟؟!!! فيهودانه إن كانا يهوديين أو يمجسانه إن كانا مجوسيين وهكذا!! والله تعالى يقول : {لا تَبديلَ لِخَلْقِ اللّهِ} فكيف يستطيعان تغييره إذن؟

وتأكيدًا على أن الفطرة لا يعني الإسلام ومعرفة الله تعالى فإن الله قال في كتابه الكريم :{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سورة النحل:78].





ففي تفسير الإمام القرطبي – رحمه الله – (10/151) يقول فيه:
ذكر أن من نعمه أن أخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالاً لا علم لكم بشيء. وفيه ثلاثة أقاويل:-
أحدها ـ لا تعلمون شيئاً مما أخذ عليكم من الميثاق في أصلاب آبائكم.
الثاني ـ لا تعلمون شيئاً مما قضى عليكم من السعادة والشقاء.
الثالث ـ لا تعلمون شيئاً من منافعكم.
وتَمّ الكلام، ثم ابتدأ فقال: {وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ} أي التي تعلمون بها وتدركون؛ لأن الله جعل ذلك لعباده قبل إخراجهم من البطون وإنما أعطاهم ذلك بعد ما أخرجهم؛ أي وجعل لكم السمع لتسمعوا به الأمر والنهي، والأبصار لتبصروا بها آثار صنعه، والأفئدة لتصلوا بها إلى معرفته. : انتهى نقلي

وفي تفسير الألوسي – رحمه الله – يقول: والعلم بمعنى المعرفة أي غير عارفين شيئاً أصلاً من حق المنعم وغيره، وقيل: شيئاً من منافعكم، وقيل: مما قضى عليكم من السعادة أو الشقاوة، وقيل: مما أخذ عليكم من الميثاق في أصلاب آبائكم، والظاهر العموم ولا داعي إلى التخصيص " اهـ

إن المولود يولد سليمَ العقل ليس فيه شيء من الشرك وكذلك ليس له علم بالإيمان ومعرفة الله تعالى أيضُا فيحتاج إلى من يعلمه ويفقهه في الدين فالمولود لا يولد عالما بل يحتاج إلى تعليمٍ وتوعيةٍ وإلا أصبح فريسةً لمن يعلمه الكفرَ أو يعلمه التكفير والحقد على المسلمين والعياذ بالله تعالى، فإن كانا الأبوين مسلمين فالمولد مسلم،و ذلك أنه سوف يتعلم الدين منهما أولا.

إذن ما المقصود من الفطرة هذه؟

قال الحذاق من أهل العلم الأفاضل
الفطرة : هي القابلية التي خلقها الله تعالى في الإنسان للنظر في مصنوعات الله، والاستدلال بها على موجده، فيؤمن به ويتبع شرائع دينه



حقيقة الفطرة من خلال النصوص الشرعية


أولاً: قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}
- قولـه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ} الفاء هي الفاء الفصيحة، وقد أفصحت عن شرط مقدر دخلت هي على جوابه والتقدير: إذا علمت أحوال المعرضين عن دلائل الحق، فأقم وجهك للدين والمقصود من الأمر دوام القيام لا بدايته لأنه كان مقيماً عليه وقت نزول الآية. وأقم من أقام العود، أو قوّمه إذا عدّله، والمراد الأمر بالإقبال على دين الإسلام والاستقامة والثبات عليه، والاهتمام بترتيب أسبابه ، على أن الكلام تمثيل لذلك، فإن مَنْ اهتم بشيء محسوس بالبصر عقد إليه طرفه وسدّد إليه نظره، وأقبل عليه بوجهه غير ملتفت عنه، وقيل إقامة الوجه للشيء كناية عن كمال الاهتمام به. وقيل لأن إقامة الوجه تبع لإقبال القلب، ويترتب على الأمرين سعي البدن، وقيل لأن الوجه جامعُ حواس الإنسان وأشرفُه، قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: "فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملّة إبراهيم الذي هداك لها وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره".
- قوله {لِلدِّينِ} المقصود به دينٌ معيّن فأل فيه للعهد، وهو دين الإسلام.
- قولـه {حَنِيفًا} الحنف هو الميل، "وغلب استعمال هذا الوصف في الميل عن الباطل أي العدول عنه بالتوجه إلى الحق، أي عـادلاً ومنقطعاً عن الشرك كقوله تعالى: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
وقد ذكر ابن جرير -رحمه الله- اختلاف أهل التأويل في تفسير الحنيف ثم قال بعد ذلك ما خلاصته: أن الحنيفية ليست خاصة بالختان وحده، ولا حج البيت وحده، بل هي الاستقامة على ملة إبراهيم واتباعه عليها والائتمام به فيها، وسبب إضافة الحنيفية إلى إبراهيم وملّته دون من قبله من الأنبياء أن الله لم يجعل أحداً منهم إماماً لمن بعده من عباده إلى قيام الساعة، كما فعل بإبراهيم حيث جعله إماماً فيما بيّنه من مناسك الحج والختان وغير ذلك من شرائع الإسلام وجعل التعبد بذلك إلى قيام الساعة، بل جعل ما سنّه إبراهيم عَلَماً مُميزاً بين مؤمني عباده وكفارهم والمطيع منهم والعاصي. فسمي الحنيف من الناس حنيفاً باتباعه ملته ، واستقامته على هديه ومنهاجه وسمي الضال عن ملته بسائر أهل الملل فقيل: يهودي ونصراني ومجوسي، وغير ذلك من صنوف الملل. "فالحنيفية ملة إبراهيم تتناول كل من عبدالله وحده بما أمره به كما قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[11] فكل الأنبياء الذين بعثوا بعد إبراهيم وأتباعهم على ملة إبراهيم، لكن محمد - صلى الله عليه وسلم- أولاهم به، وشرعه أقرب إلى شرع إبراهيم من وجوهٍ متعددة، كأمره بحج البيت وغيره، ... وقوله: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا}نفي أن يكون على ما اختص به شرع التوراة والإنجيل، وليس على ملة إبراهيم، بل ملة إبراهيم أن يعبد الله وحده بما أمر، ومحمد أمر بملة إبراهيم، وأمر بها أن يعبد الله وحده، ورفع به الآصار والأغلال التي كانت على أهل الكتاب ولم تكن مشروعة لإبراهيم ، فكان الشرع الذي بعث به أولى بإبراهيم" قال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا}
ومن الآيات التي تشهد أن الحنيفية هي الإسلام قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} وقوله { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا } وقوله { قلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
ومن الأحاديث الدالة على ذلك أيضاً قوله -عليه الصلاة والسلام-: "بعثت بالحنيفية السمحة". وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قيل يا رسول الله أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: "الحنيفية السمحة". وعن أُبي بن كعب –رضي الله عنه-: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، فقرأ عليه : { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} وفيها إن ذات الدين عند الله الحنيفية المسلمة لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية من يعمل خيراً فلن يكفره... الحديث" . ومن الشواهد قول الشاعر:
أخليفة الرحمن إنّا معشـر حنفاء نسجد بكـرة وأصـيلا
عرب نرى لله في أموالنـا حق الزكاة منـزلٌ تنـزيـلا
- قولـه {فِطْرَتَ اللَّهِ} منصوبة بفعل مقدر، أي اتبع أو الزم فطرة الله، وقيل منصوبة على المصدرية التي دلَّ عليها الفعل الأول "أقم" ومعناها: فطر الله الناس على ذلك فطرة، وعلى أيّ من التقديرين فإن إ قامة الوجه للدين حنيفاً هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، وذلك مأمور باتباعه إما صراحةً وإما تلميحاً، لأنها جاءت مضافة إلى الله إضافة مدح لا إضافة ذم، وفي هذا ما فيه من تشريفها وتوكيد تمامها وكمالها وتمام الدين المعبّر بها عنه وكماله، وقد أمر نبيه بلزومها فعلم أنها الإسلام.
وقيل بأن "فطرة الله" بدل من "حنيفاً" بدل اشتمال فهو في معنى الحال من الدين وهو حال ثانية، وهذا يفيد أن هذا الدين مختص بوصفين هما: التبرؤ من الإشراك، وموافقة الفطرة.
- قولـه {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} بيان لمعنى الإضافة في قوله "فطرة الله" وتصريح بأن الله خلق الناس سالمة عقولهم مما ينافي الفطرة ، وكون الإسلام هو الفطرة وملازمة أحكامه لمقتضيات الفطرة صفة اختص بها الإسلام من بين سائر الأديان في تفاريعه أما أصوله فاشتركت فيها الأديان الإلهية
وقد ذكر ابن عبدالبر إجماع أهل التأويل من السلف على أن المراد بـ "فطرة الله" في الآية دين الإسلام-وسـيأتي ذكر القائلين بهذا القول من السلف عند ذكر من قال به-.
- قوله {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} ذكر ابن كثير في تفسيره قولين هما:
1- أنه خبر بمعنى الطلب، ومعناه لا تبدلوا خلق الله، فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها.
2- أنه خبر على بابه، ومعناه أن الله تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة فلا يولد أحد إلا على ذلك، ولا تفاوت بين الناس في ذلك.
ولهذا قال ابن عباس، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، وابن زيد، في قوله: (لا تبديل لخلق الله) أي لدين الله.
وقال البخاري "قوله: (لا تبديل لخلق الله) لدين الله، (خلق الأولين): دين الأولين. والفطرة الإسلام" .
ولا تعارض بين القول بأن اللام في قوله: "لا تبديل" للنفي أو للنهي، فالنفي صحيح فلا يولد مولود إلا وهو على الفطرة لا يستطيع أحد أن يبدل ذلك، فيجعل بعضهم يولد على الفطرة، وبعضهم يولد على غير الفطرة، والنهي أيضاً صحيح فمعناه لا تُغيّروا ولا تبدلوا دين الله وفطرته التي فطر الناس عليها.
- قولـه: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} اسم إشارة هنا يدل على زيادة تمييز هذا الدين مع تعظيمه كالإشارة في قوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} والقيّم يعني: المستقيم الذي لا عوج فيه عن الاستقامة من الحنيفية إلى اليهودية و النصرانية، وغير ذلك من الضلالات والبدع المحدثة.
وبعد هذا البيان لهذه الآية الكريمة يتبين أن هذه الآية بكل مفرداتها تدل على أن مقتضى الفطرة التي أمر الله بإقامة الوجه لها ولزومها هي الدين الحنيف وهو الإسلام، وأن خلق الناس على هذا المقتضى سُنة مطردة لا تتبدل ولا تتغير.
ثانياً: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول أبو هريرة: إقراؤا إن شئتم: { فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}
وفي رواية "قالوا: يا رسول الله أرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين" وهذا الحديث يدل على أن المراد بالفطرة الإسلام وذلك من وجوه عدة منها:
1- ألفاظ الحديث الأخرى الصريحة التي يفسر بعضها بعضاً في أن المولود يولد على الإسلام ومن هذه الألفاظ:
"ما من مولود يولد إلا وهو على الملّة".
"ما من مولود يولد إلا على هذه الملّة حتى يبين عنه لسانه".
"ليس مولود يولد إلا على هذه الملّة".
"لا يولد مولود إلا على هذه الملّة".
"من يولد يولد على هذه الفطرة"
"ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة"
"ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام حتى يعرب"
"كل مولود يولد من والد كافر أومسلم يولد على فطرة الإسلام"
"كل مولود يولد على الملّة".
"كل مولود على الفطرة".
"ما من مولود في بني آدم إلا يولد على الفطرة".
"ليس من مولود يولد إلا على هذه الملّة حتى يبين عنه لسانه".
"ما من مولود يولد إلا على الملّة".
ففي هذه الألفاظ التصريح بفطرة الإسلام، وبالملّة التي هي الإسلام.
2- قول أبي هريرة -رضي الله عنه- في آخر الحديث: إقرأوا إن شئتم {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} يدل على أنه فسر الحديث بالآية، وأن الفطرة عنده هي الإسلام، وهذا التفسير له أهميته من وجوه:
أ- أنه تفسير صحابي، وتفسير الصحابة له دلالته وأهميته واعتباره، لأنهم هم نقلة الوحي وهم أعلم الأمة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ب- أنه تفسير راوي الحديث، وتفسير الراوي له اعتباره لكونه أعلم بما سمع، قال شيخ الإسلام -ابن تيمية- رحمه الله: "الدلائل الدالة على أنه أراد فطرة الإسلام كثيرة ... [ومنها] تفسير أبي هريرة وغيره من رواة الحديث ذلك، وهم أعلم بما سمعوا"
ج- قراءة الآية عقب الحديث: صريح في أن المراد بالفطرة الإسلام
3- الحديث مطابق لقوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ} وهذا يعم جميع الناس فعلم أن الله فطر الناس كلهم على فطرته المذكورة، وفطرة الله أضافها إليه إضافة مدح لا إضافة ذم، فعلم أنها فطرة محمودة لا مذمومة وهي الإسلام -كما سبق في وجه دلالة الآية-.
4- قوله: "فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه "يدل أن المراد بالفطرة الإسلام لما يلي:
أ- ليس فيه لوجود الفطرة شرط بل ذكر ما يمنع موجبها كحصول اليهودية مثلاً متوقف على أشياء خارجة عن الفطرة بخلاف الإسلام، فعلم أن حصوله سبب منفصل غير حكم الكفر .
ب- اقتصر في أحوال التبديل على ملل الكفر دون ملة الإسلام، ولو كانت الفطرة هنا شيئاً غير الإسلام، لكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد ذكر الإسلام في جملة ما ذكر من الأديان التي تَفسُدْ الفطرة بالتحول إليها بفعل الأبوين أو الشياطين، ولقال "فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ويسلمانه" ولكنه لم يذكره، لأنه الدين الذي تتغير الفطرة بتحولها عنه وليس، بتحولها إليه
5- قوله: "كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء" فيه تشبيه المولود في ولادته عليها بالبهيمة الجمعاء، وهي الكاملة الخلق، ثم تشبيهه إذا خرج عنها بالبهيمة التي جدعها أهلها فقطعوا أذنها وهذا دليل على أن الفطرة هي الفطرة المستقيمة السليمة، وما يطرأ على المولود من التهويد والتنصير بمنـزلة الجدع والتغيير في ولد البهيمة. وهذا جمع منه -صلى الله عليه وسلم - بين تغيير الفطرة بالتهويد والتنصير وتغيير الخلقة بالجدع وهما أمران أخبر إبليس أنه لابد أن يغيرهما فغير فطرة الله بالكفر وهو تغيير الخلقة التي خلقوا عليها، وغير الصورة بالجدع والبتك فغير الفطرة إلى الشرك والخلقة إلى البتك والقطع، فهذا تغيير خلقة الروح وهذا تغيير خلقة الصورة.
6- ورود كلمة "الفطرة" في الحديث مطلقة معرفة باللام دليلٌ على أنه لا يراد بها إلا فطرة التوحيد والإسلام وهي الفطرة الممدوحة[ ، وقد وردت الفطرة لا يراد بها إلا الإسلام في نصوص أخرى غير هذا الحديث[ .
7- لو لم يرد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالفطرة الإسلام، لما سأله الصحابة عقب ذلك عن أطفال المشركين الذين يموتون صغاراً، لأنه لو لم يكن هناك ما يغير الفطرة ما سألوه .
ثالثاً: حديث عياض بن حمار -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربّه -جل و علا- وفيه : "إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً" ووجه دلالة الحديث على أن الفطرة هي الإسلام ما يلي:
1- أن الحديث صريح في خلق الناس كلهم على الحنيفية، والحنيف في كلام العرب يطلق على المستقيم المخلص ولا استقامة أكثر من الإسلام]. - وقد سبق بيان أن الحنيفية هي الإسلام-].
2- أن بعض الروايات للحديث صرحت بالإسلام فقالت: "حنفاء مسلمين"[] وهذا يدل على أن الخلق، أول ما خلقوا وفطروا على الإسلام.
3- أن الحديث بيّن أن انحراف الناس عما خلقوا عليه كان بفعل الشياطين، ولاشك أن الشياطين لا تَحرِف إلا عن الإسلام مما يدل على أنهم فطروا عليه.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "هذا صريح في أنهم خلقوا على الحنيفية وأن الشياطين اقتطعتهم بعد ذلك عنها، وأخرجوهم منها. قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}] وهذا يتناول إخراج الشياطين لهم من نور الفطرة إلى ظلمة الكفر والشرك، ومن النور الذي جاءت به الرسل من الهدى والعلم إلى ظلمات الجهل والضلال"].
رابعاً : حديث الأسود بن سريع -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية يوم خيبر فقاتلوا المشركين فأفضى بهم القتل إلى الذرية، فلما جاؤا قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: ما حملكم على قتل الذرية فقالوا: يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين، قال: وهل خياركم إلا أولاد المشركين؟ والذي نفس محمد بيده ما من نسمة تولد إلا على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها" وفي رواية "ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام حتى يعرب فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه".
ويقال في دلالة هذا الحديث ما قيل في حديث أبي هريرة من تعدد الرويات التي يفسر بعضها بعضاً ومن ذكر الملل دون ملة الإسلام وغير ذلك، ويضاف إليها:
1- أن نهيه - عليه الصلاة والسلام- عن قتل أولاد المشركين وقوله لهم: وهل خياركم إلا أولاد المشركين؟ ثم ذكره لحديث الفطرة بعد ذلك دليل على أنهم ولدوا على الإسلام ثم طرأ الكفر بعد ذلك.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وقد ظن بعضهم أن معنى قوله: "أو ليس خياركم أولاد المشركين" معناه: لعله أنه قد يكون سبق في علم الله أنهم لو بقوا لآمنوا فيكون النهي راجعاً إلى هذا المعنى من التجويز، وليس هذا معنى الحديث ولكن معناه إن خياركم هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وهؤلاء من أولاد المشركين، فإنَّ آبائهم كانوا كفاراً ثم إنَّ البنين أسلموا بعد ذلك فلا يضر الطفل أن يكون من أولاد المشركين إذا كان مؤمناً، فإن الله إنما يجزيه بعمله لا بعمل أبويه"[.
2- قولـه: "حتى يعرب عنها لسانها" جَعلٌ للمولود على الفطرة التي هي الإسلام، إلى أن يعقل ويميز وتعرب عنه لسانه وبعد ذلك يثبت له أحد الأمرين الكفر أو الإسلام، ولو كان كافراً في الباطن بكفر الأبوين، لكان ذلك من حين يولد، وقبل أن يعرب عنه لسانه[.
خامساً: قوله -عليه الصلاة والسلام-: "خمس من الفطرة..." وفي رواية: "عشر من الفطرة.." وهذه الأحاديث تدل على أن الفطرة هي الإسلام لما يلي:
1- أن هذه الخصال التي عُدت من الفطرة هي من خصال الإسلام وشعائره المعروفة.
2- ورد في رواية بدل "من الفطرة" "من السنة[ فالفطرة السنة والسنة هي الطريقة والشريعة، أي شريعة الإسلام.
3- صرح في لفظ بالإسلام بدل الفطرة فقال: "عشرٌ من سنن الإسلام".
سادساً: حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتيت مضجعك... الحديث". وفيه "فإن مُتَّ مت على الفطرة" أي الإسلام.
سابعاً: رأى حذيفة[ -رضي الله عنه- رجلاً لا يتم الركوع والسجود، قال: "ما صليت ولو مُت مُت على غير الفطرة التي فطر الله محمداً -صلى عليه وسلم - عليها"[.
قال ابن الأثير -رحمه الله-: "أراد دين الإسلام الذي هو منسوب إليه"[.
ثامناً: "أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يُغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فإن سمع أذاناً أمسك وإلا أغار، فسمع رجلاً يقول: الله أكبر، الله أكبر، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الفطرة".
أي على الإسلام، لأن الأذان من شعائر الإسلام.
تاسعاً: قولـه -عليه الصلاة والسلام-: "لا تزال أمتي بخير أو قال على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم". وقوله: على الفطرة أي السنة.
عاشراً: الأحاديث التي تبين أن الناس فطروا على معرفة الحق ومحبة الخير وأن ذلك عادة فيهم وأن التحول عنه لا يكون إلا لشبهة أو غفلة ومن هذه الأحاديث:
حديث "الخير عادة والشر لجاجة"[ وقد أشار الرسول -صلى الله عليه وسلم - إلى هذه القضية ودورها في تمييز الخير من الشر والحق من الباطل والحلال من الحرام، وخصوصاً في مواطن الشبهات فقال لوابصة بن معبد[: جئت تسأل عن البر؟ قال: نعم فقال رسول الله: استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس... واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك"[.
ولاشك أن الفطرة التي تقود المرء إلى تمييز الخير من الشر والحق من الباطل و الحلال من الحرام لا تكون إلا الفطرة المقتضية للإسلام الحنيف، وقد جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم - سلامة هذه الفطرة وبقائها على الإسلام الحنيف أساساً لصلاح سائر الجسد فقال: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"[.
إحدى عشر: قوله تعالى:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}] ووجه دلالة هذه الآية التنبيه على أن التوحيد والهدى والصلاح هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها حين خلقهم كما دلت عليه آية: "ألست بربكم" وأنها ماغشاها إلا تلقين الضلال وترويج الباطل وأن الله بعث النبيين لإصلاح الفطرة إصلاحاً جزئياً فكان هديهم مختلف الأساليب على حسب اختلاف المصالح والأهلية وشدة الشكائم[].
ثاني عشر: قولـه تعالى: {وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}[].
فهذا الإشهاد المذكور في هذه الآية من لوازم الإنسان فكل إنسان قد جعله الله مقراً بربوبيته شاهداً على نفسه بأنه مخلوق والله خالقه. ثم قال في الآية : "أن تقولوا" أي كراهة أن تقولوا إنّا كنا عن هذا غافلين: عن الإقرار بالربوبية وعلى نفوسنا بالعبودية ثم قال في الآية : "أو تقولوا" أي لئلا تقولوا نحن معذورون وآباؤنا هم الذين أشركوا ونحن كنّا ذرية لهم بعدهم اتبعناهم بموجب الطبيعة المعتادة من اتباع الأبناء للآباء ولم يكن عندنا ما يبين خطأهم. فإذا كان في فطرتهم ما شهدوا به من أن الله وحده ربهم كان معهم ما يبين بطلان هذا الشرك وهو التوحيد الذي شهدوا به على أنفسهم، فإذا احتجوا بالعادة الطبيعية من اتباع الآباء، كانت الحجة عليهم الفطرة الطبيعية العقلية السـابقة لهذه العادة الأبوية[].
ثالث عشر: الأحاديث والآثار الدالة على أن الله أشهد الناس على أنفسهم بالإسلام والتوحيد ومنها:
حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى ا لله عليه وسلم - قال: "يقول الله لأهون أهل النار عذاباً، لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم. قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم، ألا تشرك بي، فأبيت إلا الشرك" وقد وردت أحاديث أخرى تفصل كيفية هذا الميثاق ليس هذا مقام ذكرها]. إلا أن وجه دلالتها جميعاً على أن الفطرة هي الإسلام هي أن هذا الإشهاد على معرفة الله وتوحيده جعل هذه المعرفة والتوحيد علماً ضرورياً لابد من تحققه في كل أحد، فلا يحتاج في معرفته إلى النظر والاستدلال، بل هو فطري ضروري في كل أحد، وهذا هو مقتضى القول بأن الفطرة هي الإسلام.
رابع عشر: "أن الحنيفية التي هي دين الله ولا دين لله غيرها إما أن تكون مع غيرها من الأديان متماثلين أو الحنيفية أرجح أو تكون مرجوحة والأول والثالث باطلان قطعاً، فوجب أن يكون في الفطرة مرجح يرجح الحنيفية. وامتنع أن يكون نسبتها ونسبة غيرها من الأديان إلى الفطرة سواء"].
خامس عشر: ومن الأدلة على أن الفطرة هي الإسلام، أنه يمتنع أن يفطر على تأليه غير الله تعالى وذلك لعدة وجوه منها:
1- أن هذا خلاف الواقع.
2- أنه ليس هذا المخلوق، بأن يكون إلهاً لكل الخلق بأولى من هذا.
3- أن المشركين لم يتفقوا على إله واحد، بل عبد كل قوم ما استحسنوه.
4- أن ذلك المخلوق إن كان ميتاً الحي أكمل منه، وإن كان حياً فله إله يألهه، فلو كان هذا يأله هذا، وهذا يأله هذا للزم الدور الممتنع.
فإذا قال قائل: لم لا يجوز أن يكون مطلوب النفس مطلق المألوه لا مألوهاً معيناً وجنس المراد لا مراداً معيناً.
يقال له: هذا ممتنع، فإن ا لمراد إما أن يراد لنوعه أو لعينه، فالمراد لنوعه إذا حصل عين منه حصل مقصود المريد، أما المراد لذاته فلا يكون نوعاً، لأن أحد المعنيين ليس هو الآخر، فلو كان هذا مراداً لذاته للزم أن لا يكون الآخر مراداً لذاته. وإذا لم يكن مراداً لذاته لزم أن يكون ما يختص به كل منهما ليس مراداً لذاته، فتبين أنه لابد من إله معين هو المحبوب لذاته من كل حي، ومن الممتنع أن يكون هذا غير الله، فلزم أن يكون هو الله].
سادس عشر: أن عبادة الله وحده بما يحبه إما أن تكون أكمل للناس علماً وقصداً أو الإشراك به أكمل. والثاني معلوم الفساد بالضرورة، فتعين الأول، وهو أن يكون في الفطرة مقتض يقتضي توحيده وتألهه وتعظيمه







سنن الفطرة وآثارها التربوية

إن الإسلام دين الفطرة التي قال فيها الحق سبحانه:((فِطْرَتَ اللهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)) وتتمثل هذه الفطرة في طهارة المسلم ظاهراً وباطناً، فـأمـا طهارة الباطن فهـي متعلقة بالقلب وتعني تطهير النفس الإنسانية من الشرك بالله ، وتتطـلـب إخــلاص العـبادة لله وحده لا شريك له ، والقيام بالأعمال الصالحة والأفعال الخيرة . وأما طـهـارة الـظـاهر فهي الفطرة العملية التي تشتمل على كل ما كان متعلقاً بجمال المظهر عند الإنسان المسلم وحسن سمته . لما في ذلك من ملاءمة للفطرة السوية التي خلق الله الإنسان عليها ، والتزام بهدي النبوة المبارك. فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جــزءاً مـن النبوة" رواه أبو داوود .
ولأن الإسلام هو دين الفطرة الذي عرف أسرارها ، وكشف خباياها ، وسبر أغوارها ، فقد قدم لها ما يُصلحها وما يصلح لها من تعاليم وسنن وتوجيهات جاءت كالثوب الـمـنـاسـب لمختلف الأعضاء ، والملائم لشتى الأبعاد . لذلك كله جاءت سنن الفطرة لتشكل رافداً مــن روافــد الـتـربية الجمالية في حياة المسلم ، ولتعرض نموذجاً مثالياً لحياة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، كما إنهـا تحقـق مـعـنـى التوازن الذي تفتقده جميع الفلسفات البشرية التي عرفها الإنسان قديماً وحاضراً حيث إنـهـا ترتكز مرة على الجانب الجسدي ، وتارة على الجانب العقلي ، وأخرى على الجانب الـنفـسي وهكذا..
كل هذا يعني أن سنن الفطرة تضع الشخصية المسلمة في وضع متوازن عادل يمثل الوسطية المطلوبة فلا إفراط ولا تفريط . وليس هذا فحسب بل إن هـذه الـسـنـن فـي مجـموعها تمنح الإنسان تكريماً إلهياً يأتي كأبدع ما يكون التكريم .
وهـذا الـبـحـث يقــدم مــن خـلال سنن الفطرة نموذجاً للتربية الإسلامية يتحقق في كرامة الإنسان المسلم الذي أراد الله -جـل وعــلا- أن يكون خليفة في الأرض ، ويتمثل في توازن شخصيته في جوانبها المختلفة ، كما يتحقــق فـيـه أيـضـاً هدف التربية الغائي في استقامة الإنسان واستقامة الحياة، وذلك أسمـى مــا تصـبـو إلـيـه الـتـربـية، عند بنائها لشخصية الإنسان المسلم .
سنن الفطرة نموذج تربوي نبوي :
تحتاج كل تربية إلى نموذج واضح يجسد معالم هذه التربية ويوضح تعاليمها بصورة واقعية تنقل المجرد إلى محسوس ، والقول إلى عمل ، والنظرية إلى تطبيق .
وفي التربية الإسلامية لا يوجد أعظم ولا أكمل ولا أفضل من شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - لتكون نموذجاً حياً ، وقدوة حسنة للإنسان المسلم في كل زمان ومكان . ولا ريب فهو من اصطفاه ربه -جلا وعلا- وقال فيه : ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)) [الأحزاب 21] . وهو الذي بعثه الله لأمته معلماً ومزكياً ومربياً . قال تعالى: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ والْحِكْمَةَ)) [آل عمران 164] . وهو الذي مدحه ربه سبحانه بما منحه فقال له سبحانه في كلمات موجزات : ((وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم 4] . فكان كل خلق فاضل وسلوك سليم متمثل في حياة رسول الله وشخصيته المتكاملة التي استوعبت كل جوانب الحياة .
وبذلك جسَّد الرسول - صلى الله عليه وسلم - منهج التربية الإسلامية السامية في الواقع العملي لحياته متمثلاً في سنن الفطرة . من هنا كان للمحافظة على هذه السنن أثر تربوي عظيم يتمثل في أن التزام المسلم بها وتطبيقه لها في واقع حياته يدل على أمرين هما :
* التصديق بما ورد في سيرة الرسول والتقليد والاتباع لهدي التربية النبوية في كافة الأعمال وجميع التصرفات . وهذا بدوره كفيل بتعود المجتمع المسلم بمن فيه من أفراد على السمع والطاعة والامتثال لأوامر الله والرسول - صلى الله عليه وسلم - ، لا سيما وأن في الناس نزعة فطرية لتقليد ومحاكاة من يحبون ، وليس هناك أحب عند المسلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
* اتخاذ القدوة الحسنة من المعلم الأول والمربي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - كشخصية فذة متكاملة متوازنة . وتتضح هذه القدوة في اهتمامه بالجوانب المتعلقة بالجانب الجسمي والنظافة العامة حينما يتفقد المسلم أظافره فيقصها ، وفمه فينظفه ، وأسنانه فيسوكها ، وشاربه فيقصه ، وإبطيه فينتفهما... الخ .
وهذا بدوره ينفي الزعم الباطل القائل بأن الإسلام لا يهتم بالناحية الجسمية بل ويؤكد قضية التوازن في اهتمام التربية الإسلامية ورعايتها لمختلف الجوانب الجسمية والروحية والعقلية ، فلا يستغرب بعد ذلك أن يعرف المسلم لأول وهلة حين يرى سمته ووقاره ، وهيئته الخارجية وشكله العام الذي يميزه عن غيره من الناس. لأن هذه السنن في مجموعها جعلت له شخصية مميزة ، ومظهراً خاصاً ، ونموذجاً فريداً يقتدي فيه بإمام الطاهرين وقدوة الناس أجمعين - صلى الله عليه وسلم - .
سنن الفطرة والتربية الجمالية :
تدعو التربية الإسلامية دائماً ، وتحث على الاهتمام بالمظهر الشخصي والناحية الجمالية ، ليكون المسلم جميلاً في مظهره ، متناسقاً في هندامه ، بعيداً عن الدروشة والقذارة والإهمال . قال تعالى: ((يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)) [الأعراف 31] . فالله سبحانه كما جاء في الحديث : "جميل يحب الجمال" . وليس هذا فحسب بل إن في ذلك إشباع لحاسة الجمال في نفس المسلم ، فيتولد في أعماقه إيمان شديد بعظمة الخالق سبحانه الذي أحسن كل شيء خلقه ، والذي صورنا فأحسن صورنا ، وخلقنا في أحسن تقويم .
ومن عناية الإسلام بالمظهر الحسن والهيئة الجميلة أمره للمسلم وحثه إياه للالتزام بسنن الفطرة التي تربي المسلم تربية جمالية تتمثل في :
* الطهارة الحسية الجسدية ، وهي مما يحبه الله سبحانه . قال تعالى : ((واللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ)) [التوبة 108] . ولما روي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "تنظفوا فإن الإسلام نظيف" رواه ابن حبان . ويتمثل ذلك في تطهير البدن بالوضوء والغسل فينعكس ذلك بدوره على المظهر الخارجي .
* الطهارة المعنوية التي تغرس في النفوس تطهير الضمير كعبادة وطاعة وامتثال لأوامر الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وهذه التربية الجمالية تؤدي بدورها إلى تطهير النية والعمل والسلوك ، فنظافة المظهر مدعاة لنظافة الجوهر ، ونظافة الشكل مدعاة لنظافة الضمير ، ونظافة الفرد مدعاة لنظافة المجتمع . وبذلك يتحقق بعد تربوي إسلامي عظيم متمثل في طهارة المجتمع المسلم طهارة معنوية من الفواحش والمعاصي والذنوب والآثام ، فترتفع النفس المسلمة من رجس الفوضى وأوحال الوحشية إلى نظافة الأخلاق وتهذيب السلوك . ومن ثم يتم تطهير الحياة الاجتماعية عامة حتى تصبح التربية شاملة للنفس والعقل والجسم .
وليس هذا فحسب بل إن في هذه السنن مدعاة لتأليف القلوب ومد جسور المحبة والمودة ، وتوطيد الصلة بين الإنسان المسلم وزوجه ، فتكون حياتهما مبنية على الرحمة والمودة ، وقائمة على السكن والراحة والقبول . وليس أجمل من أن يكون - كلا الزوجين مناسباً للآخر ، وملائماً له ، مقبولاً عنده في شكله وهيئته لأن ذلك مدعاة للائتلاف والرضى ، وسبب مباشر لقناعة كل منهما بالآخر . وهذا بدوره سيؤدي إلى استمرارية سعادتهما الزوجية .
ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قدوة تحتذى في هذا الشأن . يقول ابن الجوزي : "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أنظف الناس وأطيب الناس" . وقد قالت الحكماء : من نظف ثوبه قلّ همه ، ومن طاب ريحه زاد عقله ، ومن طال ظفره قصرت يده . ثم إن المسلم بالتزام سنن الفطرة يقرب من قلوب الخلق ، وتحبه النفوس لنظافته وطيبه . كما أن سنن الفطرة تنمي لدى الإنسان الإحساس بالجمال ، وتنمي طاقاته وملكاته المستشعرة لمعنى الجمال في خلق الله سبحانه .
وأحسب أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله جميل يحب الجمال" إنما هو دعوة إلى التخلق والتحلي بالجمال الذي هو البهاء والحسن وجمال الصورة وجمال المعنى على حد سواء .













سنن الفطرة والتوازن في شخصية المسلم :
مما لا شك فيه أن الكيان البشري يشتمل على عدة وحدات هي : الجسم ، والعقل ، والروح . ولذلك فإن التربية الإسلامية حرصت على الربط بين هذه الوحدات لتجعل منها كياناً واحداً مترابطاً ، واختطت لذلك منهجاً فريداً في إحاطته بجميع الجوانب الإنسانية ، فجاء هذا المنهج متوازناً مهتماً بالذات الإنسانية في كل حالاتها . ولا ريب فهي تربية للإنسان كله جسمه وعقله ، روحه ووجدانه ، خُلقه وسلوكه ، سرائه وضرائه ، شدته ورخائه ، أي أنها تشمل كل الجوانب الشخصية دون قهر أو كبت أو فوضى أو تسيب أو إفراط أو تفريط.
ولذلك جاءت شخصية الإنسان المسلم متوازنة سوية متكاملة ، لا يطغى فيها جانب أو يهمل على حساب الجانب الآخر . وهذا هو ما نلمسه في هذه السنة هي التي إلى جانب كونها من المظاهر الدنيوية فهي عبادة يثاب عليها المرء ، وتكسبه الأجر والثواب متى قصد بها وجه الله سبحانه والاقتداء بهدي النبوة . وهذا بدوره يربط بين الهدفين الديني والدنيوي للتربية الإسلامية . وبذلك يتحقق التوازن في شخصية الإنسان المسلم حينما نرى أن التزامه بهذه السنة يجعل الجسم يحظى بحق من العناية والرعاية والاهتمام فيما يخص المظهر الخارجي والشكل العام اللائق المقبول . فيدل ذلك على أن الإنسان ينعم بعقل راجح وتفكير سديد ، ومدارك واسعة وفهم عميق لحقائق الأشياء وجوهرها . الأمر الذي يدفعه من ثم إلى السمو الروحي والرفعة الإنسانية والتعالي عن سفاسف الأمور وصغائرها وحطامها المادي الحقير .
كما أن اتباع المسلم لما يسمى بسنن الفطرة يؤدي إلى ما يسمى بالقبول الاجتماعي للفرد . حين يقترب منه الناس ويطمئنون إليه ويعاملونه بكل حب وتقدير واحترام لأنه يفرض ذلك عليهم بحسن مظهره وحسن تدبيره . لذلك كله نقول ونؤكد أن دين الإسلام هو الدين الوحيد القادر على ربط الإنسان بخالقه وإصلاح حاله في كل زمان ومكان حينما يمشي على الأرض بجسم ، ويتوجه بروحه إلى السماء ليستمد منها أنوار الهداية والمعرفة فيحكم عقله فيها ويختار منها ما يناسب حاله ، ويوافق قدراته ، ويلبي حاجاته ، فتسير حياته وفق منهج مستقيم وهدي قويم .
سنن الفطرة دليل تكريم الله للإنسان المسلم :
لما كان الدين الإسلامي هو المنهج الرباني المتكامل والمناسب للفطرة الإنسانية ، لأنه جاء من عند الخالق -عز وجل- لصياغة شخصية الإنسان صياغة متوازنة متكاملة ، لا ترفعه إلى مقام الألوهية ، ولا تهبط به إلى درك الحيوانية أو البهيمية ، وإنما لتجعل منه خير نموذج على الأرض ؛ فقد خصه -جل وعلا- بتكريم يليق به لكونه جُعل في الأرض خليفة ليعمرها وينشر منهج الله بين ربوعها ويقيم شريعته فيها . ثم لأنه - جلا وعلا - خلقه في أحسن تقويم فكرمه بالصورة الحسنة والمظهر الجميل ، فكانت سنن الفطرة عاملاً مهماً في إبراز هذا الجمال والمحافظة عليه . وليس هذا فحسب بل إن الله كرم الإنسان بأن نفخ فيه من روحه ، قال تعالى : ((إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ * فَإذَا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)) [سورة ص 71-72] . فكان ذلك تكريماً للكائن البشري وتمييزاً له عن سائر المخلوقات ، إضافة إلى ما خصه الله به من نعمة العقل . فكان للجانب العقلي انعكاس على سلوكه وتصرفاته تجعله يحكم ذلك العقل كثيراً ، لا سيما وأن ذلك العقل يعد مناط التكريم الإلهي للإنسان .
ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن في هذه الخصال والسنن النبوية نمطاً تربوياً إسلامياً يتناسب مع مسئوليات هذه الخلافة ووظائف تعمير الكون ، إلى جانب كونها تحقق مبدأ التكريم الإلهي للإنسان في هذه الحياة الدنيا . وهو أمر يتميز به الإنسان عن غيره من الكائنات الحية الأخرى لقوله تعالى : ((ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ والْبَحْرِ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)) [الإسراء 70] . ففي قص الأظافر مثلاً تمييز للإنسان المسلم عن غيره من الكائنات ذات المخالب من كواسر وقوارض ونحوها . وفي حلق الشعر وقصه ونتفه تمييز للإنسان المسلم عن غيره من المخلوقات ذات الشعور المرسلة ، والمسدلة على أجسادها بلا ترتيب ولا انتظام . وفي السواك والمضمضة تمييز للإنسان المسلم عن غيره من الكائنات التي لا تنظف أفواهها ولا تعتني بنظافة أسنانها.. وهكذا .
وهذا فيه رفع لمستوى الإنسان المسلم وتكريم له على غيره من الكائنات والمخلوقات الأخرى لذا كان على الإنسان المسلم أن يحترم هذه المكانة التي أنزله الله إياها ، وألا يهبط بها عن مستواها الإنساني الرفيع الذي خصه الله به عمن سواه . ومن هنا نرى أن سنن الفطرة دليل على تكريم الخالق سبحانه للإنسان المسلم لأمرين هما :
* إن تكريم الله سبحانه للإنسان نابع في الأصل من كون هذا الإنسان يحمل منهج الله في الأرض ، وأن هذا المنهج يعتمد على مصدرين رئيسيين أحدهما متمثل في اتباع الهدي النبوي والسنة المطهرة .
* أن من السنة الاقتداء برسول الله ، وهذا يحصل للمسلم عن طريق محافظته على سنة الفطرة .
سنن الفطرة والاستقامة الإيمانية :
من المسلمات أن التربية الإسلامية تسعى إلى تحقيق غاية عظمى ، وهدف أسمى يتمثل في استقامة النفس البشرية على نهج الإيمان الواضح الصحيح الذي لا تشوبه شائبة ، وذلك أمر لا يمكن تحقيقه إلا بممارسة شرائع الإسلام واتباع تعاليمه ، والانقياد لأوامره والابتعاد عن نواهيه . فالاستقامة إذاً مرحلة ثانية تأتي بعد الإيمان لأنها أثر من آثاره ونتيجة من نتائجه . قال تعالى : ((ومَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وجْهَهُ لِلَّهِ وهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً)) [النساء:125] . وقال - صلى الله عليه وسلم - : "قل : آمنت بالله ، ثم استقم" رواه مسلم . فهذه الاستقامة الإيمانية لا تتحقق إلا بالفقه الشرعي ومعرفة أمور الدين ، والإحاطة بتعاليمه ، ورعاية الأخلاق وتطبيقها في واقع الحياة ليصبح الإنسان المسلم بذلك كله قدوة صالحة وأسوة حسنة. ثم لأنه متى استقام قلب المسلم على معرفة الله سبحانه وعلى خشيته وتقواه في كل لحظة وفي كل صغيرة وكبيرة؛ استقامت جوارحه كلها على الطاعة والامتثال .
وهذا يؤهل من قام به والتزمه ليكون من حملة الرسالة الخالدة الذين قال الله سبحانه فيهم : ((إنَّ الَذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)) [ فصلت 30] .
ومن هنا يمكن القول بأن من ثمرات التزام المسلم بسنن الفطرة ما تحققه من ملامح الاستقامة الإيمانية عنده حينما يطبها بشكل مناسب ومقبول يعتمد في المقام الأول على الاعتدال والاتزان والاتباع لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - دونما إفراط أو تفريط . إضافة إلى تربية المسلم على الاستمرارية والمواصلة والمحافظة على هذه السنن المباركة والخصال الحميدة لما فيها من خير للفرد وصلاح المجتمع .