مشاهدة النسخة كاملة : شرح المقامة القريضية للصف الثاني عشر


ملاك الشرق
06-03-2010, 09:31 PM
التعريف بالكاتب:
هو أبو الفضل أحمد بن الحسين الكاتب المترسل والشاعر المبدع ،حافظ وأذكى دهره، وقدوة الحريري في إنشاء المقامات، وقريع اخوارزمي في المكاتبات.نشأ بهمذان ودرس العربية والأدب ونبغ فيهما، وضرب في الأرض يتكسب بأدبه ثم أقام بنياسبور مدة أملى بها أربعمائة مقامة بلفظ رشيق، وسجع رقيق، وعلى منوالها نسج الحريري.
ثم شجر بينه وبين الخوارزمي ما كان سببا في هبوب ريحه وبُعد صيته، إذ لم يكن في الحسبان أنَّ أحدا يجترئ على الخوارزمي، وبموت الخوارزمي خلا له الجو عند الملوك والأمراء، فجوّلَ في حواضرهم ثم استوطن هَـرَاه وصاهر أعيانها العلماء فحسنت حاله، ونَعِمَ باله، ولكنَّ المنية عاجلته وهو في سن الأربعين 398هـ.
وكان بديع الزمان أسْـرعَ أهل زماته بديهة.وأكثر كتابته وشعره مرتجل. وكانت عبارته لينة سهلة قصيرة السجع،تشهد بأن صاحبها لم يكدح فيها خاطره . ولم يتعمّل في صنعتها، وكان لغزارة مادته وحدة ذهنه، وتمكنه من صناعته تلقى عليه القصيدة الفارسية فيترجمها في الحال إلى العربية شعرا، ويُـقْـتَـرح عليه الكِـتاب فيبتدئ بآخر سطوره وينتهي بأوله ويخرجه كأحسن ما يكون.
جو النص :
المقامة حكاية خيالية تشتمل على حادثة في موقف لشخص يتكسب بالأدب،وتنتهي بموعظة أو فكاهة، وتدور المقامة حول قصة تدور في مجلس يضم جماعة من الناس،وقد بدأت المقامات على يد"لين دريد"الذي أنشأ أحاديث هدفها معرفة اللغة وألفاظها العربية.وبعده برع بديع الزمان في المقامات حتى أنه أملى على الناس مقاماته التي سبقت الإشارة إليها،
وقد أختار بديع الزمان أبا الفتح الإسكندري بطلا لمقاماته، والرواية الذي اختاره هو"عيسى بن هشام" ، والرواية يكشف حقيقة البطل ويتبعه كظله ويروي أخباره، والمقامة التي سندرسها يتحدث فيها الكاتب عن مجموعة من الشعراء السابقين وما اتصف بكل شاعر منهم.
المقامة القريضية
الفكرة : ( تغرب عيسى بن هشام وبعده عن الأوطان ووصفه لأحوال يومه).
(حَدّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: طَرَحَتْنيِ النّوَى مَطَارِحَهَا حَتّى إذَا وَطِئْتُ جُرْجَان الأَقْصى. فاسْتَظْهَرْتُ عَلَى الأَيامِ بِضِياعٍ أَجَلْتُ فِيهاَ يَدَ الْعِمَارةِ، وَأَمْوَالٍ وَقَفْتُهَا عَلى التّجَارَةِ، وَحَانُوتٍ جَعَلْتُهُ مَثَابَةٍ، وَرُفْقَةٍ اتّخَذْتُهَا صَحَابَةً، وَجَعَلْتُ لِلْدّارِ، حَاشِيَتَيِ النّهَار، وللحَانُوتِ ما بَيْنَهُمَا).
معاني المفردات :
طَرَحَتْنيِ النّوَى مَطَارِحَهَا: باعدت بي . النّوَى: البعد والفراق.وشطت بهم النوى: في البعد. وَطِئْتُ: وطء : نزلت و دست. - الأَقْصى: الأبعد.استظهرت: استعنت .ضِياعٍ : مفردها ضيعة : الأرض المُغِلة ، أو العمل النافع المربح والضيعة جمع ضِـياع وضيع..
وَقَفْتُهَا : قصرتها. - حَانُوتٍ : نكشف عنها في مادة(حنت)محل للتجارة، ودكان الخمّار ، جمع : حوانيت.مثابة: مكان يرجع إليه.رفقة : صحبة، والجمع(رُفـَـقٌ ورِفـاق. .حَاشِيَتَيِ النهار: جمعه : حواشي : جانبي وطرفي النهار.
التحليل :
وفي هذه المقامة يغترب عيسى ابن هشام وهو الراوية الوهمي الذي اتخذه بديع الزمان راويا لقصته ويبتعد عن الأوطان حتى يصل وينزل أرض جرجان وهي مدينة كانت قديما عاصمة بلد خوارزم وتعتبر الآن من بلاد التتار واستعان على حاجة الأيام بعقار وأرض مغلة حرك فيها يد العمارة وأموال قصرها ووقفها وجعلها خاصة بالتجارة.واستعان أيضا بحانوت أي دكان الخمار جعله مكان إقامة ومرجعا واتخذ له رفقة صحابة وخلطاء. .وجعل عيسى الرجوع للدار أول النهار وآخره أي طرفاه وبقية اليوم في الحانوت.
التعبير :
أسلوب المقامة مصنوع يلتزم فيه الكاتب السجع،وتكثر فيه المحسنات البديعية من سجع وجناس وطباق ومقابلة..
السجع: توافق الحروف الأخيرة في نهاية الجمل ، وسر جماله أنه يمنح الكلام جرسا وإيقاعا يجذب السامع ويزيد من تأثير الكلام في نفسه ومن أمثلة السجع في هذه المقامة: (الْعِمَارةِ- التّجَارَةِ) \\( مَثَابَةٍ ِ- صَحَابَةً).
الجناس : اتفاق كلمتين في النطق مع اختلافهما في المعنى
ومن الجناس الناقص : (الْعِمَارةِ- التّجَارَةِ).
الفكرة : تذاكر عيسى بن هشام وصحبه للشعر والشعراء .
(فَجَلَسْنَا يَوْماً نَتَذَاكَرُ القـرِيضَ وَأَهْلَهُ، وَتِلْقَاءَنا شَابّ قَدْ جَلَسَ غَيْرَ بَعِيدٍ يُنْصِتُ وَكَأَنّهُ يَفْهَمُ، وَيَسْكتُ وَكَأَنّهُ لاَ يَعْلَمُ حَتّى إِذَا مَالَ الكَلاَمُ بِنَا مَيْلَهُ، وَجَرّ الْجِدَالُ فِينَا ذَيْلَهُ، قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ عُذَيَقَهُ، وَوَافَيتُمْ جُذَيْلَهُ، وَلَوْ شِئْتُ لَلَفْظْتُ وَأَفَضْتُ، وَلَوْ قُلْتُ لأَصْدَرْتُ وَأَوْرَدْتُ، وَلَجَلَوْتُ الْحقّ في مَعْرَضِ بَيَانٍ يُسْمِعُ الصُّمَّ، وَيُنزلُ الْعُصْمَ، فَقُلْتُ: يَا فَاضِلُ أدْنُ فَقَدْ مَنَّيْتَ، وَهَاتِ فَقَدْ أَثْنَيتَ، فَدَنَا وَقَالَ: سَلُونِي أُجِبْكُمْ، وَاسْمَعُوا أُعْجِبْكُمْ.)
معاني الكلمات :
نتذاكر القرِيضَ وَأَهْلَهُ : نذكر الشعر و الشعر والشعراء. تِلْقَاءَنا : أمامنا. - يُنْصِتُ : يصغي ويستمع ويحسن الاستماع. مَالَ الكَلاَمُ بِنَا مَيْلَهُ: انحرف عن الصواب قليلا.جرَّ: سحب.جر الجدال فينا ذيله : اشتدت بيننا المناقشة والخصام واحتدت. أَصَبْتُمْ عُذَيَقَهُ:أدركتم نخله بما عليه أو أخذتم.ووافيتم: جديله : آتيتم أو فاجأتم.جذيلة:أصل الشجر وغيرها بعد ذهاب الفروع.لو شئت: لو أردت. لَلَفْظْتُ:أتيت بالألفاظ وتحدثت..الْجِدَالُ : النقاش والمخاصمة. وَأَفَضْتُ: زدت في الكلام. ولو قلت لأَصْدَرْتُ: أي نشرت وأذعت. وَأَوْرَدْتُ : ذكرت. – جَلَوْتُ الحق: أظهرته جليًّـا..الصُّم : المفرد : أصم، وهو ذو الصمم، والصلب المصمت، والذي لا يُطمع فيه ولا يرد عن هواه.العُصم : الوعول.يافاضا : الفاضل المتصف بالفضيلة وهي الدرجة الرفيعة في حسن الخلق .مَعْرَضِ بَيَانٍ : كلام يكشف عن حقيقة الحال أو يحمل في طياته بلاغا.أدْنُ : اقترب. - مَنَّيْتَ : مني لكذا: وفق له – مني بكذا : ابتلي به( والمقصود وفقت وحصلت على ما تريد).. أَثْنَيتَ: تحدثت بمحاسنك وأحسنت الثناء، أو أثني عليك.سلوني : أسألوني..
التحليل :
ولم ينس نفسه من لذة الرفاق والندمان فجلسوا يوما يتذاكرون الشعر وأهله من الشعراء وقد جلس أمامهم فتى غير بعيد علم من أساريره أنه يفهم ما يقولون لأنه يصغي إصغاء الذي يعلم ولكنه كان صامتا حتى ليتوهمه الناظر أنه جاهلا لا يستطيع الإبانة حتى إذا تشعبت أمامهم طرق المذاكرة واستفاض الحديث وكثرت فنون القول وطال بينهم الجدال في موضوعات مذاكراتهم قال قد أصبتم عذيقه ووافيتم جذيله والمقصد هنا التعظيم لنفسه مثل قول الحباب " أنا عذيقها المرجب وجذيلها المحكك " أي أن أبا الفتح الإسكندري "الفتى " يرجع إليه ويعتمد عليه وإذا رغب في الكلام سيفيض ويندفع فيه وإن تكلم سيفيض ويفصح ويبين في كلامه حيث أن لديه فن البلاغة كما يزعم. ولو قلت لأصدرت بمعنى وفقت وسأحدثكم حديثا مختلفا فكلامي ذو فنون وأساليب متفاوتة.يقول :إنه حيثما كثر بيننا الجدل وتعددت أمامنا مناحي الكلام واختلفت موارد الأحاديث وتعددت أطراف القول قال لنا ذلك الفتى : لقد وجدتم صاحب الأمر البيان وإني لو شئت أن أتكلم لما تركت شاردة ولا واردة ولجئتكم بالذي يأخذكم لعجب منه..
التعبير :
أمثلة السجع : ( يَفْهَمُ - يَعْلَمُ) \\( مَيْلَهُ - ذَيْلَهُ ِ) \\( عُذَيَقَهُ - جُذَيْلَهُ)\\ (الصُّمَّ - الْعُصْمَ)// ( أُجِبْكُمْ - أُعْجِبْكُمْ)//(أوردت- أصدرت)//(منبت- أثنيت).
ومن الجناس الناقص : ( مَيْلَهُ - ذَيْلَهُ ِ)\\ (الصُّمَّ - الْعُصْمَ)// (منبت- أثنيت) // ( أُجِبْكُمْ - أُعْجِبْكُمْ).
ومن الطباق : (أصدرت- أوردت).
تضمين : قوله(قد أصبتم عذيقة ووافيتم جذيله) مأخوذ من الجملة المأثورة. "أنا عُذَيْقُها المرجَّب, وجُذَيلها المُحَكَّك".
التصوير :
المقامة زاخرة بالصور الخيالية المؤثرة ،التي تؤثر في نفس السامع وتشده إلى متابعة القصة والتمتع بها.وقد اشتمل النص على صور بلاغية تعتمد على الاستعارة والكناية ، وهي صور قصيرة منها : (جَرّ الْجِدَالُ فِينَا ذَيْلَهُ ) : استعارة مكنية.
.................................................. ............................
الفكرة : حوار عيسى بن هشام مع أبي الفتح الاسكندري حول الشعر والشعراء .
(فَقُلْنَا : مَا تَقُولُ فِي امْرِىءِ الْقَيسِ? قَالَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ وَقَفَ بِالدِّيارِ وَعَرَصَاتِهَا، وَاغْتَدَى وَالطَّيرُ فِي وَكَنَاتِهَا، وَوَصَفَ الْخيلَ بِصِفَاِتهَا، وَلَمْ يَقُلِ الشِّعْرَ كَاسِياً. وَلَمْ يُجِدِ القَوْلَ رَاغِباً، فَفَضَلَ مَنْ تَفَتَّقَ للْحِيلةِ لِسَانُهُ، وَاْنتَجَعَ لِلرَّغْبَة بَنَانُهُ، قُلْنَا: فَما تَقُولُ فِي الْنَّابِغَةِ? قالَ: يَثلِبُ إِذَا حَنِقَ، وَيَمْدَحُ إِذَا رَغِبَ، وَيَعْتَذِرُ إِذَا رَهِبَ، فَلاَ يَرْمي إِلاَّ صَائِباً، قُلْنَا:فَمَا تَقُولُ فِي زُهَيرٍ? قَالَ يُذِيبُ الشِّعرَ، والشعْرُ يُذيبَهُ، وَيَدعُو القَولَ وَالسِّحْرَ يُجِيبُهُ، قُلْنَا: فَمَا تَقُولُ فِي طَرَفَةَ: قَالَ: هُوَ ماَءُ الأشْعَارِ وَطينَتُها، وَكَنْزُ الْقَوَافِي وَمَديِنَتُهَا، مَاتَ وَلَمْ تَظْهَرْ أَسْرَارُ دَفَائِنِهِ وَلَمْ تُفْتَحْ أَغْلاَقُ خَزَائِنِهِ، قُلْنَا: فَمَا تَقُولُ فِي جَرِيرٍ وَالْفَرَزْدَقِ? أَيُّهُمَا أَسْبَقُ? فَقَالَ: جَرِيرٌ أَرَقُّ شِعْراً، وَأَغْزَرُ غَزْراً وَالْفَرَزْدَقُ أَمْتَنُ صَخْراً، وَأَكْثَرُ فَخْراً وَجَرِيرٌ أَوْجَعُ هَجْواً، وَأَشْرَفُ يَوْماً وَالْفَرَزْدَقُ أَكَثَرُ رَوْماً، وَأَكْرَمُ قَوْماً، وَجَرِيرٌ إِذَا نَسَبَ أَشْجَى، وَإِذَا ثَلَبَ أَرْدَى، وَإِذَا مَدَحَ أَسْنَى، وَالْفَرزدقُ إِذَا افْتَخَرَ أَجْزَى، وَإِذَا احْتَقرَ أَزرَى، وَإِذا وصَفَ أَوفَى، قُلنَا: فَمَا تَقُولُ فِي المُحْدَثِينَ منْ الشُّعَراءِ والمُتَقَدِّمينَ مِنهُمْ? قالَ: المُتَقَدِّمونَ أَشْرفُ لَفْظاً، وَأَكثرُ منْ المَعَاني حَظاً، وَالمُتَأَخِّرونَ أَلْطَفُ صُنْعاً، وَأَرَقُّ نَسْجا)ً.
معاني الكلمات :
عرضاتها: المفرد : عرصة، وهي ساحة الدار، والبقعة الواسعة بين الدور لا بناء فيها.اغتدى:انطلق وأذهب صاحبا.وَكَنَاتِهَا:المفرد : وُكْنة :عش الطائر حيث كان. - كَاسِباً: رغبة في كسب المال. لم يُجِد : لم يتقن ويُـحسن. راغبا : مُـكرها - ففَضَلَ:أي سبق، وكان له الفضل. تَفَتَّقَ للحيلة لسانه : انطلق به لسانه بالكلام، وكان حاذقا يجيد النظر ويحسن التصرف في الأمور.انتجع: قصد. الْحِيلةِ : الخديعة ، الجمع:حِوَل +حِيل. -بَنَانُ : أطراف الأصابع مفردها بنانه.يثلب: يعيب وينقص - حَنِقَ : اشتد غيظه. رغب : أراد أو حرص على الشئ وطمع فيه. يعتذر: يطلب قبول معذرته.- رَهِبَ : خاف وفزع. فَلاَ يَرْمي : ولا ينطلق إلا مصيبا غير مخطئ، أو يرمي فيصيب. صَائِباً : محقا.يذيب الشعر والشعر يذيبه : يصلح الشعر والشعر يصلحه.يدعو القول والسحر يجيبه : يدعو القول الرقيق لطيف المأخذ والقول يُواتيه ويُتاح له. - أَغْلاَقُ : كل شيء مغلق مكتم ( الأسرار) ومفردها" غـَـلَـق" .ماء الأشعار وطينتها: طلاؤها وزخرفتها وزينتها، وهو كنز القوافي قصائده وأشعاره كالكنز الذي لم تظهر أسراره.
خَزَائِنِهِ : المفرد خزانة : مكان الخزن وما يجمع فيها الشئ.أرق شعرا: ألين وأسهل.أغزر عزرا : أكثر كثرة.أمتن صخرا : أقوى تماسكا.وأكثر فخرا:أكثر تباهيا بماله وبما لقومه من محاسن، وجرير أوجع هجوا : أشد في الهجاء ذما وحصرا وذكرا للمعايب.أشرف يوما : أعلى وأرفع.. نَسَبَ:تغزل - أَشْجَى:أحزن وهيج الشوق. - ثَلَبَ : ذم وعاب.أَرْدَى : أهلك - أَسْنَى : أرفع وأحسن. احْتَقرَ : أهان. وجرير إذا نسب أشجى : إذا عرض بهواه وحبه شوّق وهيّج الأحزان.وإذا ثلب أردى : إذا عاب فلانا ونقصه.أردى : أهلك وأسقط.وإذا مدح أثنى : أي أحسن. أَوفَى : أتم وأكمل .والفرزدق إذا افتخر أجزى : إذا تباهى بماله وبما لقومه من محاسن أكفى وأغنى.وإذا احتقر أرزى : أي إذا استهان وعاب وعتب.وإذا وصف أوفى : أتم وأكمل وأظهر صدقه.المتقدمون أشرف لفظا : أرفع وأعلى مكانة.حظا : نصيبا(ج : حظوظ).ألطف صنعا : أرق وأكثر مهارة وحذقا.أرق نسجا : ألين نسجا وأسها نظما.
التحليل :
فقلنا ما تقول في امرئ القيس؟وامرؤ القيس هو ذو القروح الملك الضليل أبو الحارث حندج بن حجر الكندي شاعر اليمانية ورأس شعراء الجاهلية وأميرهم وقائدهم إلى التفنن في أبواب الشعر وضروبه والمقدم في الطبقة الأولى منهم.
قال هو أول من وقف بالديار وساحاتها. :قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وأنه من اغتدى والطير في أعشاشها ومن ذلك قوله يصف الخيل :وقد اغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكل...مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل..كميت يزل اللبد عن حال متنه كما زلت الصفواء بالمتنزل ..ولم يقل الشعر كاسبا:أي أنه لم يقصد بشعره المال ولم يقله رغبة في الدنيا وحبا في الجمع كعادة الشعراء المتكسبين بشعرهم.
ولم يجد القول راغبا : يعني أنه كانت تواتيه الألفاظ وتجيئه عفوا فلم يكن يتعمد الإجادة ولكنه أجاد عن غير قصد واستوى على عرش البيان دون مجهود وإنما الطبيعة والسليقة كانت سبب نبوغه وتفوقه.
ففضل من تفتق للحيلة لسانه وانتجع للرغبة بنانه أي زاد رفعة وقدرا يعني ؟أنه سما على هؤلاء الذين لم تحرك ألسنتهم غير الرغبة في المال ولم ينطقهم بالشعر إلا انتجاع الكرماء والذهاب إلى المياسير وأناف على غواربهم فكان أبعدهم شأوا وأفضلهم مقولا وأجودهم شعرا.
قلنا فما تقول في النابغة؟
النابغة هو : أبو أمامه زياد بن معاوية أحد الشعراء في الجاهلية وزعيمهم وحكمهم بعكاظ أحسنهم ديباجة وجلاء معنى ولطف اعتذار.وإنما لقب بالنابغة لنبوغه ولتفوقه في الشعر فجاءة وهو كبير بعد أن امتنع عليه وهو صغير.
قال يثلب إذا حنق : أي أنه يسب ويشتم ويقذع في الهجاء إذا اشتد به الغضب وثارت في نفسه الحدة
ويمدح إذا رغب : أي أنه إذا أراد مدح المديح الذي يخرس الألسنة ويعجز الفصحاء.
ويعتذر إذا رهب : النابغة أكثر الشعراء تفننا في الاعتذار وأبرعهم سبكا وأرقهم عذرة وأرقهم تدخلا إلى القلب ومن بديع اعتذاراته قوله :أتاني أبيت اللعن أنك لمتني وتلك التي أهتم منها وأنصب.
فبت كأن العائدات فرشن لي هراسا به يعلى فراشي ويقشب.
قلنا ما تقول في زهير :
هو زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني ثالث فحول الطبقة الأولى من شعراء الجاهلية وأعفهم قولا وأوجزهم لفظا.قال يذيب الشعر والشعر يذيبه ويدعو القول والسحر يجيبه: أي أنه سلس القياد للشعر وأنه ملك زمامه فإذا قال سحر القلوب واستهوى الأفئدة واسترعى الأسماع.
قلنا فما تقول في طرفة ؟
طرفة بن لعبد البكري هو عمرو بن العبد البكري أقصر فحول الجاهلية عمرا مات مقتولا فهو الشاعر الذي حمل رسالة قتله من غير أن يعلم .مات في العشرين من عمره أجود الشعراء طويلة وأوصفهم للناقة .
قال هو ماء الأشعار وطينتها.أي أنه يملك أصل الشعر وزمامه ويملك كنز الشعر و مدينته ومات ولم تظهر أسرار كنوزه ولم تفتح أسرار خزائنه.
قلنا فما تقول في جرير والفرزدق :
جرير هو أبو حرزة جرير بن عطية بن الخطفي التميمي اليربوعي أحد فحوا الشعراء الإسلاميين وبلغاء المداحين الهجائين وأنسب ثلاثتهم ( هو،الفرزدق ،الأخطل ) ولد باليمامة سنة 42 ه من بيت اشتهر بالشعر ونشأ بالبادية وفيها قال الشعر ونبغ.
الفرزدق هو أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي أفخر ثلاثة الشعراء الأمويين وأجزل المقدمين في الفخر والمدح والهجاء ولد سنة 19 ه ونشأ بالبصرة بين فصحاء آبائه وقومه منذ أول تمصيرها فلم تختلط لهجته بعجمة ولا لحن فأراده أبوه على رواية الشعر ونظمه فرواه ونظمه وبرع فيه.
فقال جرير أرق شعرا وأغزر غزرا أي :أن جرير يفوق صاحبه في كثرة معانيه والفرزدق أمتن صخرا وأكثر فخرا..أي أنه متمكن في فن القول قادر على صقله وتصريفه وهو فخور بنسبه صلف بمجده والمقصود أنه مجيد في الفخر بأيام قومه الماضية وأنمه وجد من قومه أحسابا عالية وأمجادا شامخة فاستطاع أن يشيد بها.
وجرير أوجع هجوا وأشرف يوما: يريد أنه أكرم من صاحبه حاضرا أي أنه أفضل في نفسه من صاحبه أو أنه أشرف ذكرا لأيام قومه .
والفرزدق أكثر مطلبا وروما وأكرم قوما وجرير إذا تغزل أحزن وإذا ثلب وذم أهلك وإذا مدح أرفع وأحسن والفرزدق إذا افتخر عظم فخره وجزل فهو أفخر الشعراء الثلاثة وإذا احتقر وأهان أزرى وعاب وعتب وإذا وصف أتم وأكمل وأوفى.
قلنا فما تقول في المحدثين من الشعراء والمتقدمين منهم ؟
وقد شجر بين الأدباء وصيارف الكلام خلاف أي الفريقين خير منزلة في الأدب وأحسن مقاما فيه ؟ القدماء وهم شعراء دولة بني أمية وما قبلها أو المتأخرون وهم شعراء الدولة لعباسية وما وليها؟ وتعصب جماعة لهؤلاء ورأى قوم الفضل لأولئك ، غير أن القول الفصل هو الذي ذكره أبو العباس المبرد في الكامل حيث يقول : "وليس لقدم العهد يفضل القائل ولا لحدثان العهد يهتضم المصيب ،ولكن يعطى كل ذي حق حقه " وذلك رأي البديع في حكمه.
التعبير :
أمثلة السجع : ( عرصاتها ، وكناتها،صفاتها )// ( أَجْزَى- أَزرَى )//(كاسيا- راغبا)//(لسانه-بنانه)//(رغب –رهب)//(يذيبه- يجيبه)//(طينتها-مدينتها)//(دفائنه-خزائنه).//(شعرا-صخرا-فخرا)//(يوما- روما- قوما)//(أشجى- أردى-أثنى)//(أجزى-أزرى- أوفى)//((أشرفا لفظا- أكثر حظا)//((صنعا-نسجا)
الجناس: اتفاق كلمتين في النطق مع اختلافهما في المعنى.
(رَغِبَ- رَهِبَ)\\ \\ (يَوْماً –رَوْماً- قَوْماً)
الطباق : هو الجمع بين الشيء وضده ، وسر جماله إثارة الانتباه وتأكيد المعنى.
(يَثلِبُ - َيَمْدَحُ )\\ ( ِبَطْنٍ - ظَـهْـر)\\ (أَنْفيهِ – َأُثْبتُهُ)//(وقف-اغتدى)//(المحدثين- المتقدمين)//(روما- قوما).
المقابلة : ( وَإِذَا ثَلَبَ أَرْدَى، وَإِذَا مَدَحَ أَسْنَى) \\( إِذَا افْتَخَرَ أَجْزَى، وَإِذَا احْتَقرَ أَزرَى).
التصوير :
(يُذِيبُ الشِّعرَ، والشعْرُ يُذيبَهُ) : استعارة مكنية.
(وَلَمْ يَقُلِ الشِّعْرَ كَاسِباً. وَلَمْ يُجِدِ القَوْلَ رَاغِباً) : كناية عن غنى امرئ القيس ورخاء عيشه.
(هُوَ ماَءُ الأشْعَارِ وَطينَتُها، وَكَنْزُ الْقَوَافِي وَمَديِنَتُهَا) : تشبيهات توحي بمقدرته الشعرية وفصاحته وتفوقه على أقرانه من الشعراء.
.................................................. .........................
الفكرة: تكدي أبو الفتح الإسكندري بشعره ووصفه لسوء حاله ومدى حاجته للمال.
قُلْنا: فَلَو أَرَيْتَ مِنْ أَشْعارِكَ، وَرَوَيْتَ لَنا مِنْ أَخْبارِكَ، قالَ: خُذْهَما في مَعْرِضٍ واحِدٍ، وَقالَ:
أَما تَرَوْني أَتَغَشَّـى طِـمْـرَاً ** مُمْتَطِياً في الضُّرِّ أَمْراً مُـرَّاً
مُضْطَبناً عَلى اللَّيالي غِـمَـراً* * مُلاقِياً مِنْها صُرُوفاً حَـمْـرَا
وَكانَ هذَا الحُرُّ أَعْلـى قَـدْراً** و َماءُ هذَا الوَجْهِ أَغْلى سِعْـرَا
فَانْقَلَبَ الدَّهْرُ لِبَطْنٍ ظَـهْـرا** وَعَادَ عُرْفُ العَيْشِ عِنْدي نُكْرَا
لَمْ يُبْقِ مِنْ وَفْـرِى إِلاَّ ذِكْـرَا** ثُمَّ إِلى الـيَوْمِ هَـلُـمَّ جَـرَّا
لَوْلا عَجُوزٌ لِي بِسُـرَّ مَـنْ رَا** وَأَفْرُخٌ دونَ جِبَالِ بُـصْـرَى
قَدْ جَلَبَ الدَّهْرُ عَلَيْهِـمْ ضُـرَّا** قَتَلْتَ يَا سَادَةُ نَفْسي صَـبْـرَا
معاني الكلمات :
- خُذْهَما في مَعْرِضٍ واحِدٍ :أي الأخبار والأشعار في موضع عرض واحد فيه تبجيل وتعظيم لي.أَتَغَشَّـى : أتغطى.طِـمْـرا: ثوبا باليا. - مُمْتَطِيا : راكبا. الضُّرِّ : ما كان من سوء حال أومن فقر وشدة في البدن(ومعناها فالسياق : الحاجة والفاقة والفقر).
مُـرَّاً : غير مقبول الطعم وهو ضد الحلو.مضطبنا : حاملا في إبطي ومايليه ويكشف عنها في ضبن. غِـمْـرا : حقدا وغلا. - صُرُوفاً : أحداث ومصائب ونوائبه مفردها (صَـرْرف). عُـرْف:ما تعارف عليه الناس" المعروف".نكرا: مجهولا.وَفـري : مالي ومتاعي، وما أملك (جمع: وَفـُـور).- قَـدْراً: المكانة والمنزلة والدرجة. سِعْـرَا : قيمة وقدر. هَـلُـمَّ جَـرَّا : تعبير يقال لاستدامة الأمر وتعظيمه. سر من را : سُـرَّ مَـنْ رأى : هي مدينة عراقية بناها المعتصم العباس واسمها الآن " سامراء"–
أَفْرُخٌ: الفرخ من الأولاد : الذليل، والفرخ أيضا : ولد الطائر والصغير من الحيوان والنبات والشجر..المفرد:فَـرْخ. دون : أمام أو خلف. جِبَالِ بُـصْـرَى:بصري مدينة في سوريا وهي أول مدينة فتحت في الشام على يد خالد بن الوليد. - جَلَبَ : ساق وجمع.
أنلته : أعطيته.
التحليل :
قلنا فلو أريت من أشعارك ورويت من أخبارك ؟ قال خذها في معرض واحد وقال من الرجز أبياتا استخدم فيه الحيلة لينال في ذلك مالا ..ففي البيت الأول أظهر قلة حيلته وفقره بارتدائه وتغطيه بالثوب البالي أو الأطمار وراكبا في ذلك العسرة والشدة من فقره وسوء حاله . وفي الثاني:حاملا الحقد على الليالي لطول ما غمرته من بلايا وشدة ما يجد من كروبها وآلامها وملاقيا منها أشد الكوارث وأصعبها حيث يشق احتمالها .
وفي الثالث وكان هذا الحر أي نفسه أعلى قدرا ومكانة منزلة ودرجة أي كنت مثريا ذا بسطة من المال وكانت النعمة ظاهرة علي والوفر تشهد لي دلائله وتحتج لي علاماته وماء وجهه أغلى قيمة وقدرا.
وفي الرابع انقلب عليه الدهر وانقطع عنه طيب العيش فأصبح لا صلة له بطيب العيش و أصبحت أمت واتصل بالفاقة والعوز الذي كنت أنكرهما سابقا. وفي الخامس لم يبق من ثروتي وجاهي غير الذكريات المؤلمة إلى يومي هذا أيضا .
وفي السادس والسابع لولا زوجي العجوز التي تقيم بسر من را وأبنائي الذين يقطنون قريبا من جبال بصرى ولولا كراهتي أن يموت هؤلاء بموتي وألا يجدوا عائلا بعدي لما وسعني المقام في هذه الحياة الفانية مع هذا البؤس الأليم والضنك الملازم بل كنت أقتل نفسي صبرا وذلك بأن أمنعها التصرف حتى تموت.
السجع(أشعارك- أخبارك)
(بطن- ظهرا / عرف – نكر) طباق؛لتقوية المعنى وتوضيحه.
التصوير :
(أَما تَرَوْني أَتَغَشَّـى طِـمْـرَاً)استفهام غرضه التقرير.
(مُمْتَطِياً أَمْراً مُـرَّاً) : استعارة مكنية.
(صُرُوفاً حَـمْـرَا) : كناية عن شدة هذه لمصائب وهول وقعها عليه./ استعارة مكنية(شبه أحداث الدهر بأشياء مادية لها ألوان.
(فَانْقَلَبَ الدَّهْرُ لِبَطْنٍ ظَـهْـرا) : استعارة مكنية توحي بتقلب الأحوال وتغيرها.
(وَأَفْرُخٌ ) : استعارة تصريحية (شبه أولاده بالأفراخ، وحذف المشبه وصرح بالمشبه به).
(جَلَبَ الدَّهْرُ عَلَيْهِـمْ ضُـرَّا)استعارة مكنية.
(يَا سَادَةُ نَفْسي صَـبْـرَا)أسلوب إنشائي نداء غرضه النصح والتنبيه.
.................................................. .........................
الفكرة: حصول أبي الفتح الإسكندري على العطاء والشكوى من الدهر وتقلبه .
قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ، فَانَلْتُهُ مَا تَاحَ. وَأَعْرَضَ عَنَّا فَرَاحَ. فَجَعَلْتُ أَنْفيهِ وَأُثْبتُهُ، وَأَنْكِرُهُ وَكَأَنِّي أَعْرِفُهُ، ثُمَّ دَلَّتْنِي عَلَيهِ ثَنَاياهُ، فَقُلْتُ: الإِسْكَنْدَريُّ وَاللَّهِ، فَقَدْ كَانَ فَارَقَنَا خِشْفاً، وَوَافانا جِلْفاً، وَنَهَضْتُ عَلى إِثرِهِ، ثَمَّ قَبَضْتُ عَلَى خَصْرِهِ، وَقُلْتُ: أَلَسْتَ أَبَا الفَتْحِ? أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ? فَأَيُّ عَجُوزِ لَكَ بِسُرَّ مَنْ رَا? فَضَحِكَ إِليَّ وَقَالَ:
وَيْحَكَ هذَا الزَّمَان زُورُ** فَلَا يَغُرَّنَّكَ الـغُـرُورُ
لاَ تَلْتَزِمْ حَالَةً، وَلكِـنْ** دُرْ بِالَّليَالِي كَمَا تَدُورُ.
معاني الكلمات :
فَانَلْتُهُ : أعطيته. َأَعْرَضَ: صدّ و ولّى وأضرب. ما تاح : ما قدّر وهيَّأ.- فَرَاحَ : فذهب. ثَنَاياهُ : المفرد : ثنِيّة : هي إحدى الأسنان الأربع التي في مقدمة الفم. خشفا : ولد الظبية.وافانا : أتانا أو جاءنا أو فاجئنا.
جِلْفاً : غليظ جافي ، الجمع : أجلاف +جلوف+أجْلُف. .نهضت : قمت .إِثرِه : أثره أي تتبع أثره(بعده ووراءه). قبضت : أمسكت.–
قبضت على خَصْرِهِ : أمسكت بوسطه المستدق فوق الوركين والجمع: خصور.ولبثت: بقيت ومكثت.
وَيْحَكَ : كلمة توجع وترحم وتأتي بمعنى " ويل" وهنا بمعنى( عجبا لك).- زُورُ : باطل أو شهادة باطل. - يَغُرَّنَّكَ:يخدعك. والغَـرور : كل ما غرَّ الإنسان من مال أو جاه أو شهوة أو شيطان. طُـفْ : دُر ولف وتجوّل.
التحليل :
وهنا شرب عيسى بن هشام مقلبا ساخنا من أبي الفتح الإسكندري المحترف البارع في فن الكدية والتسول والاحتيال.فأعطاه وأغدق عليه من المال ما تاح له وتيسر وتهيأ وأمكن ما يعطيه من مال إشفاقا عليه وعلى عياله,فابتعد عنهم البطل أبو الفتح وراح.
فجعلت أنفيه وأثبته : أي أنه تردد في التعرف عليه فتارة ينفي معرفته وتارة يثبتها ثم دله عليه ثناياه أي أسنانه في مقدمة فمه. فقلت الإسكندري والله فقد كان فارقنا خشفا أي صغيرا جميل الرواء بهي المنظر ووافانا جلفا أي أتاهم جافيا غليظا. يقول إن السبب في عدم تعرفهم عليه من أول وهلة أنه قد تغير حاله واختلف سمته عما كنا نعهده .
وتبعه عيسى ثم قبض على خصره أي وسطه وقال له : ألست أبا الفتح الإسكندري ؟ ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين؟ فأي عجوز لك بسر من را ، فضحك أبو الفتح وقال :
ويلك هذا الزمان غير الزمان السابق فهذا زمان زور وكذب وباطل فلا يخدعك فيه الغرور.
لا تلتزم بحالة واحدة ولكن مثلما تنقلب عليك الليالي وتدور در مثلها.
التعبير :
السجع(خِشْفاً، جِلْفاً )//(ما تاح- فراح)//(إثره- خضره)..
الطباق:. (خِشْفاً، جِلْفاً )//(أنفيه-أثبته)//(فارقنا-ووافانا)//(أنكره- أعرفه)..
المقابلة : (فَارَقَنَا خِشْفاً، وَوَافانا جِلْفاً).
(أَلَسْتَ أَبَا الفَتْحِ? أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً)استفهام يفيد التقرير
( أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) : اقتباس من القرآن الكريم
(فَارَقَنَا خِشْفاً ) : استعارة تصريحية.
(فَأَيُّ عَجُوزِ لَكَ بِسُرَّ مَنْ رَا?)استفهام غرضه الإنكار(ينكر عليه مايقوله).
في البيتين الآخرين : (هذَا الزَّمَان زُورُ) : كناية عن كثرة الكذب والزور.
( لا يَغُرَّنَّكَ الـغُـرُورُ)أسلوب إنشائي نهي غرضه النصح والحث
........................................
..اختار الكاتب أبا الفتح الإسكندري بطلا لمقاماته، وفي هذه المقامة يقول:يروي لنا عيسى بن هشام أنه كان كثير الترحال ، وفي إحدى امرات التي كان يسافر فيها نزل أرض جرجان فاستعان على الأيام كي يعيش بإصلاح صناع كي يسترزق فيها وبأموال كان يتاجر بها وبدكان يباع فيه الخمر يجلس فيه هو وندماء الشراب وكان يجلس في الحانوت معظم النهار، ويأوي إلى الدار أول النهار وآخره، فيقول:جلست يوما أنا ورفاقي نتذكر الشعر وأهله، وكان أمامنا شاب غير بعيد ينصت ويصغي(هذا الشاب هو أبو الفتح الإسكندري)حتى إذا انحرف بنا الكلام قليلا عن الصواب، قال هذا الشاب قد أدركم رجلا شابا منحكا كالنخلة ثابتة الأصول، وإنني لو أردت الإتيان بالألفاظ لأفصحت وأبلغت وجلوت الحق، فأنا لن أترك شيئا تسألوني عنه إلا جئتكم بالقول الفصل فيه،
فقلنا له : ماذا تقول في امرى القيس؟ قال :
هو أول من وقف يتأسى ويحزن على الديار والأطلال وذكرها في شعره، وهو الذي أجاد وصف الخيل في شعره، كما أنه لم يقل الشعر كغيره من الشعراء من أجل الكسب المادي ، وأنه لم يتعمد الإجادة وإنما كانت تأتيه الألفاظ عفو الخاطر، فسبق الشعراء الذين يحتالون ويمدحون رغبة في الكسب المادي ويقصدون الأمراء والملوك من أجل ذلك،.قلنا: ماذا تقول في النابغة؟ قال: يعيب وينقص إذا اشتد غضبه، ويمدح إذا حرص على الشئ وطمع فيه، ويمدح فيعجز الألسنة عن الإتيان بمثل مديحه، ويعتذر إذا خاف وفزع، ولا يقول في اعتذاره إلا قولا صائبا يشفع له كما يصيب السهم الرمية،
قلنا:ماذا تقول زهير؟ قال:يصلح الشعر والشعر يصلحه، ويرمي إلى القول الحسن والكلام يواتيه ويطاوعه فهو صاحب الحكم والخبرة في الحياة،
قلنا: ماذا تقول في طرفة؟ قال : هو زينة الشعر وصورته الحسنة وهو كنز القصائد الذي لم تكشف كل أسرار دفائنه؛لأنه مات صغيرا،
قلنا : ماذا تقول في جرير والفرزدق وأيهما أسبق؟ فقال مقدما جريرا :
جرير : رقيق الشعر ويتفوق على الفرزدق في غزارة معانيه/ أشد هجاءً وحصرا للمعايب وذكرا لها، وجاؤه له الغلبة، وهو أشرف ذكرا لقومه/ إذا عرَّض بهواه شوَّق وهيَّج الأحزان/ إذا عاب ونقص أهلك وأسقط من يعيبه.
الفرزدق : شعره متماسك البناء، يكثر الفخر والتباهي بنفسه./ أكثر نطقا ومطلبا، وقومه أكثر جورا وعطاءً/ إذا افتخر وتباهى كان فخره أعظم وأروع/ وإذا استهان عاب واحتقر/ وإذا وصف كان وصفه أتمَّ وأكمل وأصدق.
أما المتأخرون : أرقَّ صناعة، وألين وأسهل نظما.
قلنا له : لو رويت لنا من أشعارك ورويت لنا من أخبارك، قال:خذهما في موضع واحد:إنني رجل فقير أتعظى بثوبٍ قديم ولّت أيامَ عِـزه، وأنا شديد الفقر والحاجة.أحمل حقدا على الليالي؛لأنها لم تأت إليَّ بجديد، فنوائب الدهر مستمرة، والمعاناة غير متوقعه. فقد كنت إنسانا حرا ذا مكانة عالية وشرف وثراء وغنى، وكانت النعمة ظاهرة على وجهي،تقلب الدهر ظهر المجن، وتبدلت أحوالي من ثراء إلى ضنك وم عز إلى ذل، ولم يبقَ لي من مالي الكثير إلا الذكريات المؤلمة، ولولا زوجتي العجوز، وأولادي الصغار الضعفاء الذين يسكنون بالقرب من جبال بصري، لصبرت وتحملت المشقة والتعب، وامتنعت عن الاستجداء من أحدٍ ولكن الصغار والعجوز الذين أصابهم الدهر بضره لا يتحملون ذلك.
وهنا ينخدع عيسى بن هشام بكلامٍ( و تُـجَـازُ عليه الحيلة) فيعطيه ما يطلبه من مال، ولكنه يتشكك في أمره كأنه يعرفه من قبل، ويتبين له من مقدمة أسنانه أنه هو أبو الفتح الإسكندري، الذي فارقهم صغيرا ثم أتاهم جافيا غليظا ، فيمسك بوسطه ويسأله: ألم نربك فينا صغيرا، ومكثت معَـنا بعض الأعوام؟! وأي عجوز ب" سامراء" التي تتحدث عنها؟!
فيضحك الإسكندري؛لأنه حقق هدفه، ويقول:لقد أصبح الزمان غير الزمان الذي عرفتني فيه، فهذا زمان الكذب وشهادة الباطل، فلا يخدعـْـك لقد مال أو جاه أو ......و لاتلتزم بخلق واحد، وتكوَّن كما تتكون الأيام وتتغير.
تعليق عام على النص"المقامة" :
1-تعد المقامات مصدرا من مصادر اللغة، ففيها:
حفظ للأساليب اللغوية وحافظة على القديم،وفيها كثير من الشعر والنحو وغيرها...
2-فيها استخدام للغريب من الألفاظ أحيانا.
الخصائض الفنية لأسلوب الكاتب من خلال هذه المقامة :
1-التزام السجع والإكثار من المحسنات البديعية.
2-اختلاف الأداء اللغوي وتنوعه بين الرقة والغرابة.
3-فيها نقد اجتماعي لسلوك الأفراد وعرض قطاعات من الحياة.
4-المزاوجة في الأسلوب بين النثر والشعر.
5-تتضمن بعض الألغاز والفكاهة أو المرح.
6-تتضمن كثيرا من عناصر القصة القصيرة.
خصائص أسلوب المقامة :
1.الاعتماد على الزخارف اللفظية والمحسنات البراقة.
2.الاعتماد على الجمل القصار.
3.الاقتباس من القرآن الكريم، والتضمين من الشعر.
4.كثرة الاستعارات.
أثر البيئة في النص :
1.إعجاب الناس بالشعر والتذاكر به.
2.معرفتهم بالشعراء والقدرة على نقدهم.
3.تسخير الأدب للكسب عن طريق الاحتيال.
4.الاستجداء والتحيل لكسب الرزق.
5.سيطرة قيم المال في مقابل تراجع قيم الأدب.

•عناصر المقامة(خصائص المقامة/ بنية المقامة) :
1-العنوان(المقامة القريضية).
2-ثانئية البطل والراوي( الراوي:عيسى بن هشام/ البطل: أبو الفتح الإسكندري).
3-حديث مسند( حدثنا عيسى بن هشام،قال:...).
4-ثنائية النثر والشعر(النثر: حدثنا عيسى بن هشام.../الشعر:أما ترون ....).
5- السجع(مثلا العمارة والتجارة).
6-الحادثة/ الحكاية(الفصاحة /الشعر).
7-شكوى الدهر( ويحك هذا الزمان...).
• تحولات شخصية أبي الفتح الإسكندري:
1-شخص يُنصت ويسكت(تلقاءنا شاب...)
-2القرب من المجلس والحكم على كلام أصحابه بالنقصان( ادنُ فقد منيت، وهات فقد أثنيت،) ثم ادّعاء المعرفة الحق في موضوع الشعر وأهله....
3- محور المجلس، فهم يسألون وهو يجيب (أسألوني أُجبكم...).
4-عالم بأمور الشعر وأهله، وبليغ في صياغة الموقف من الشعر والشعراء( فقلنا ماذا تقول في امرئ...)؟
5- شاكٍ من الدهر مستجديا بالمال في المجلس بشعرٍ بليغ.
6-محتال يكذب على الجماعة أجل الحصول على المال.
7-شاعر مكد يبرر الاحتيال والكذب مسايرة للزمان.