مشاهدة النسخة كاملة : من السنة (2 1)


بن مضر
04-11-2008, 03:13 PM
فضل الله


عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال : ( إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيّن : فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ، وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ) رواه البخاري و مسلم في صححيهما.
الشرح
أفعال الله تعالى دائرة بين الفضل والعدل ، فما من تقدير في هذه الحياة ، بل ولا شيء في الدنيا والآخرة ، إلا داخلٌ ضمن فضل الله وعدله ، فرحمته سبحانه بالمؤمنين فضل ، وتعذيبه للعاصين عدل ، وهو – جلّ وعلا – مع ذلك أخبر أن رحمته سبقت غضبه ، وأن رحمته وسعت كل شيء ، وأَمَرَنا أن نسأله من فضله وعطائه الجزيل .
وهذا الحديث الذي بين أيدينا خير شاهد على فضل الله تعالى على عباده المؤمنين ، فالله سبحانه وتعالى لما حثّ عباده على التسابق في ميادين الطاعة والعبادة ، لم يجعل جزاء الحسنة بمثلها ، ولكنه ضاعف أجرها وثوابها عشرة أضعاف ، كما قال سبحانه : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } ( الأنعام : 160 ) ، ثم ضاعف هذه العشرة سبعين ضعفا ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل إن الله تعالى يُكاثر هذه الحسنات ويضاعفها أضعافا كثيرة ، لمن شاء من عباده .
وقد جاء في القرآن تصوير هذه الحقيقة في مثل رائع ، يجسد فيه معنى المضاعفة ، ويقرّب صورتها إلى أذهان السامعين ، إنه مشهد من يبذر بذرة في أرض خصبة ، فتنمو هذه البذرة وتكبر حتى تخرج منها سبع سنابل ، العود منها يحمل مائة حبة ، ثم تتضاعف هذه السنابل على نحو يصعب على البشر عده وإحصاؤه ، كذلك حال المؤمن المخلص لربه ، المحسن في عمله ، قال تعالى في محكم التنزيل : { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم } ( البقرة : 261 ) .
ولا يقتصر فضل الله عند هذا الحد ، بل يتسع حتى يشمل مجرد الهم والعزم على فعل العمل الصالح ، فإن العبد إذا هم بالحسنة ولم يفعلها ، كتب الله له حسنة كاملة – كما هو نص الحديث - ، لأن الله سبحانه جعل مجرد إرادة الخير عملا صالحا يستحق العبد أن ينال عليه أجرا .
ذلك حال من هم بالحسنة ، أما من هم بالسيئة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ) ، ولعل السر في ذلك : أن العبد إذا كان الدافع له على ترك المعصية هو خوف الله والمهابة منه ، فعندها تُكتب له هذه الحسنة ، وقد أتى بيان ذلك في الرواية الأخرى لهذا الحديث : ( وإن تركها – أي السيئة - فاكتبوها له حسنة ؛ إنما تركها من جرائي ) ومعناها : طلبا لرضا الله تعالى.
وهذا بخلاف من همّ بالسيئة وسعى لفعلها ، ثم عرض له عارض منعه من التمكن منها ، فهذا وإن لم يعمل السيئة ، إلا أنه آثم بها ، مؤاخذ عليها ؛ لأنه سعى إلى المعصية ولم يردعه عن الفعل خوف من الله ، أو وازعٌ من الضمير ، ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . فقيل : يا رسول الله . هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه ) .
وإذا ضعف وازع الخير في نفس المؤمن ، وارتكب ما حرمه الله عليه ، كُتبت عليه سيئة واحدة فحسب ، كما قال الله عزوجل في كتابه : { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون } ( الأنعام : 160 ) ، وذلك من تمام عدله سبحانه .
وعلاوة على ذلك ، فقد تدرك الرحمة الإلهية من شاء من خلقه ، فيتجاوز الله عن زلته ويغفر ذنبه ، كما دلّ على ذلك رواية مسلم : ( فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة أو محاها ) فهو إذاً بين عدل الله تعالى وفضله .
فإذا استشعر العبد هذه المعاني السامية أفاضت على قلبه الطمأنينة والسكينة ، والرجاء بالمغفرة ، ودفعته إلى الجد في الاستقامة ، والتصميم على المواصلة ، بعزيمة لا تنطفيء ، وهمّة لا تلين .



فانظر يا أخي وفقنا الله وإياك إلى عظيم لطف الله تعالى وتأمل هذه الألفاظ وقوله عنده إشارة إلى الإعتناء بها وقوله كاملة للتأكيد وشدة الإعتناء بها وقال في السيئة التي هم بها ثم تركها كتبها الله عنه حسنة كاملة فأكدها بـ ( كاملة ) وإن عملها كتبها سيئة واحدة فأكد تقليلها بـ ( واحدة ) ولم يؤكدها بـ ( كاملة ) فلله الحمد والمنة سبحانه لا نحصي ثناء عليه وبالله التوفيق
قال الشراح لهذا الحديث : هذا حديث شريف عظيم بين فيه النبى صلى الله عليه وسلم مقدار تفضل الله عز وجل على خلقه : بأن جعل هم العبد بالحسنة وإن لم يعملها حسنة وجعل همه بالسيئة وإن لم يعملها حسنة وإن عملها سيئة واحدة فإن عمل الحسنة كتبها الله عشرا وهذا الفضل العظيم بأن ضاعف لهم الحسنات ولم يضاعف عليهم السيئات وإنما جعل الهم بالحسنات حسنة لأن إرادة الخير هو فعل القلب لعقد القلب على ذلك
فإن قيل : فكان يلزم على هذا القول : أن يكتب لمن هم بالسيئة ولم يعملها سيئة لأن الهم بالشئ عمل من أعمال القلب أيضا قيل : ليس كما توهمت فإن من كف عن الشر فقد فسخ اعتقاده للسيئة باعتقاد آخر نوى به الخير وعصى هواه المريد للشر فجوزى على ذلك بحسنه وقد جاء في حديث آخر : [ إنما تركها من جرائى ] أى من أجلى وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم : [ على كل مسلم صدقة ] قالوا : فإن لم يفعل ؟ قال : [ فليمسك عن الشر فإنه صدقة ] ذكره البخارى في كتاب الأدب فأما إذا ترك السيئة مكرها على تركها أو عاجزا عنها فلا تكتب له حسنة ولا يدخل في معنى هذا الحديث
قال الطبرى : وفي هذا الحديث تصحيح مقالة من قال : إن الحفظة تكتب ما يهم به العبد من حسنة أو سيئة وتعلم اعتقاده لذلك ورد لمقالة من زعم أن الحفظة إنما تكتب ما ظهر من أعمال العبد أو سمع والمعنى : أن الملكين الموكلين بالعبد يعلمان ما يهم به بقلبه ويجوز أن يكون قد جعل الله تعالى لهم سبيلا إلى علم ذلك كما جعل لكثير من الأنبياء سبيلا في كثير من علم الغيب وقد قال الله في حق عيسى عليه السلام أنه قال لبني إسرائيل : { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم } ونبينا صلى الله عليه وسلم قد أخبر بكثير من علم الغيب فيجوز أن يكون قد جعل الله للملكين سبيلا إلى علم ما في قلب بني آدم من خير أو شر فيكتبانه إذا عزم عليه وقد قيل : إن ذلك بريح تظهر لهما من القلب وللسلف اختلاف في أى الذكرين أفضل : ذكر القلب أو ذكر العلانية ؟ هذا كله قول ابن خلف المعروف بابن بطال وقال صاحب الإفصاح في كلام له : وإن الله تعالى لما صرم هذه الأمة أخلفها على ما قصر من أعمارها بتضعيف أعمالها فمن هم بحسنة احتسب له بتلك الهمة حسنة كاملة لأجل أنها همة مفردة وجعلها كاملة لئلا يظن ظان أن كونها مجرد همة تنقص الحسنة أو تهضمها : فبين ذلك بأن قال [ حسنة كاملة ] وإن هم بالحسنة وعملها فقد أخرجها من الهمة إلى ديوان العمل وكتب له بالهمة حسنة ثم ضوعفت يعني : إنما يكون ذلك على مقدار خلوص النية وإيقاعها في مواضعها ثم قال : بعد ذلك [ إلى أضعاف كثيرة ] هنا نكرة وهي أشمل من المعرفة فيقتضي على هذا أن يحسب توجيه الكثرة على أكثر ما يكون ثم يقدر ليتناول هذا الوعد الكريم بأن يقول : إذا تصدق الآدمي بحبة بر فإنه يحسب له ذلك في فضل الله تعالى : أنه لو بذرت تلك الحبة في أزكى أرض وكأن لها من التعاهد والحفظ والري ما يقتضيه حالها ثم إستحصدت فظهر حاصلها ثم قدر لذلك الحاصل أن يدرس في أزكى أرض وكان التعاهد له على ما تقدم ذكره ثم هكذا في السنة الثانية ثم في السنة الثالثة والرابعة وما بعدها ثم يستمر ذلك إلى يوم القيامة فتأتي الحبة من البر والخردل والخشخاش أمثال الجبال الرواسي وإن كانت الصدقة مثقال ذرة من جنس الإيمان فإنه ينظر إلى ربح شئ يشتري في ذلك الوقت ويقدر أنه لو بيع في أنفق سوق في أعظم بلد يكون ذلك الشئ فيه أشد الأشياء نفاقا ثم تضاعف ويتردد هذا إلى يوم القيامة فتأتي الذرة بما يكون مقدارها على قدر عظم الدنيا كلها : وعلى هذا جميع أعمال البر في معاملة الله عز وجل إذا خرجت سهامها عن نية خالصة وأفرغت في نوع قوس الإخلاص
ومن ذلك أيضا : أن فضل الله تعالى يتضاعف بالتحويل في مثل أن يتصدق الإنسان على فقير بدرهم فيؤثر الفقير بذلك الدرهم فقيرا آخر هو أشد منه فقرا فيؤثر به الثالث رابعا والرابع خامسا وهكذا فيما طال فإن الله تعالى يحسب للمتصدق الأول بالدرهم عشرة فإذا تحول إلى الثاني انتقل ذلك الذي كان للأول إلى الثاني فصار للثاني عشرة دراهم وللأول عن عشر مئات فإذا تصدق بها الثاني صارت له مائة وللثاني ألف وللأول ألف ألف وإذا تصدق بها صارت له مائة وللثاني عشرة آلاف فيضاعف إلى ما لا يعرف مقداره إلى الله تعالى
ومن ذلك أيضا أن الله سبحانه وتعالى إذا حاسب عبده المسلم يوم القيامة وكانت حسناته متفاوتة فيهن الرفيعة المقدار وفيهن دون ذلك فإنه سبحانه بجوده وفضله يحسب سائر الحسنات بسعر تلك الحسنة العليا لأن جوده جل جلاله أعظم من أن يناقش من رضى الله عنه في تفاوت سعر بين حسنتين وقد قال جل جلاله : { ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } كما أنه إذا قال العبد في سوق من أسواق المسلمين لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخره رافعا بها صوته كتب الله له بذلك ألفي ألف حسنة ومحا عنه ألفي ألف سيئة وبنى له بيتا في الجنة على ما جاء في الحديث وهذا الذي ذكرناه إنما هو على مقدار معرفتنا لا على مقدار فضل الله سبحانه وتعالى فإنه أعظم من أن يحده أو يحصره خلق
وصلي الله علي سيدنا محمد وأله وصحبه 0
المصادر :--
1 - ألأربعون النووية لآبن دقيق العيد 0

2 - شبكة ألأنترنت 0

دفئ الكون
30-11-2008, 09:45 AM
مجهود رائع ,, وقيم

جعله الله في ميزان حسناتك

حوراء الحصن
30-11-2008, 12:53 PM
لا حرمنا جهودك..
كل الشكر لك اخي..

كحل العين
30-11-2008, 01:22 PM
جزاك الله ألف خير أخوي تسلم

نورنور
01-12-2008, 10:45 AM
[ يقول الله عز وجل من عمل حسنة فله عشر أمثالها أو أزيد ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أو أغفر ومن عمل قراب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بي شيئا جعلت له مثلها مغفرة ومن اقترب إلي شبرا اقتربت إليه ذراعا ومن اقترب إلي ذراعا اقتربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ]

(إن مثل الذي يعمل السيآت ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ثم عمل حسنة فانفكت حلقه ثم عمل حسنة أخرى فانفكت حلقة أخرى حتى يخرج إلى الأرض )

(إن الله عز وجل لايظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيعطى بحسناته [ ما عمل بها لله ] في الدنيا فإذا لقي الله عز وجل يوم القيامة لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا )
(أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب أحدنا ألف حسنة قال يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة )
..
..

بارك الله فيك
ووفقك ربي للخير مسعاك
رعاك ربي وحماك

جامعي متميز
01-12-2008, 07:13 PM
تسلم أخي بن مضر على الموضوع الشيق ..


ما شاء الله مواضيعك دوم مميزة ...

بالتوفيق .

بن مضر
04-12-2008, 06:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ألأفاضل

كحل العين حوراء الظاهرة
ابن الصحراء نورنور دفئ الكون
مروركم ومشاركاتكم دائما تسعدنا
دمتم بخير

ألذ مافي الدنيا عبادة الله فأشبع منها فليس بعد الموت سجود
..سبحان الله وبحمده... سبحان الله وبحمده..