مشاهدة النسخة كاملة : أهازيجُ الظلم


البراء
17-10-2008, 11:22 PM
أهازيجُ الظلم

(1)

أبخِرةٌ حَمراء التفّت حَولي حَتى شعرتُ بطَعمها المُلوث، مرّرتُ أصَابعي في شعري الفوضَوي وعَيني تُعانِقُ عَقاربَ ساعة الحَائِط، وأذني تتلصصُ لحديثٍ خَلف الغُرفة:
- حتى التنفس لا تتنفسيه بدوني !
- ومن أنتْ ؟ ليسَ لديكَ السُلطة لتحرمني كما تشاء !
- أنا أخوكِ الأكبر ..أنا صَاحِبُ السُلطة العُليا هنا أتفهمين ؟!
- وإن يَكن، لا تستطيع أن تمنعني مِن مُشاهدة التلفـاز.
- بل أستطيع ..
- قلت لا تـــستــ ..
فإذا هشيم زُجاجٍ يَتبعْثر حَتى تصدّرَ{الخواء}..!
"ظلم مُؤلم "

(2)

"طلقني .. طلقني"
انطلقت عبارتها وهي ترمي "المزهرية" لتتناثر بين الأوراق ..
قال لها بكل استِنكار:
" أطلقكِ ؟!"
"قلت طلقني..طلقني"
رد عليها بكل دهشة :
"هل أخطأتُ بشيء ؟ ما الذي حدث حتى يدفعك لاتخاذ مثل هذا القرار!"
" إنك لن تبلغ رومانسية مهند .."
انتصبَ في وقفتهِ وقطب حاجبيه :
"ويحكِ يا امرأة ومن هذا المهند؟"
بعد سؤاله تنقض على فكرهِ أسراب التساؤلات، وتهجمُ عليه قطيع الشكوك ..
" تخونني بعد هذه السنوات ؟!
" تحب غيري بعدما امتصت رحيق شبابي "
في النهايةِ قررَ أن يتركها لمهندها ويرحل..!
. . .
في وحدتهِ يشعرُ بالأسى والملل، يفتحُ التلفاز وإذا بمهند يبتسمُ بظفرِ وقد تربع شاشة تلفازه !
ظلمٌ مُتأصل

(3)

- هل أكله الوحش بأسنانه المُسوسة؟
لمَ لديه عشرة أرجل؟
لمَ لا أطير مثله في السماء؟
يقاطعه : أشششش الزم الصمت وإلا ضربتك .!
العُتمة تعمُّ الغرفة، تكوّرَ خوفاً من أن يُضرب وهو يشاهدُ بقية التفاصيلِ عبر شاشةٍ صغيرةٍ مُغطاة بأثوابٍ مزركشة .
كرر أسئلته :
- هل هو نفس الجني "شندور"الذي يبزغ في الليل ليختطفَ الأطفال؟
كيف خرجت الدماء من فمه بدون أن يُضرب؟
لكــن هــــ ..
شعرَ بضرباتٍ مُتتالية في صدره، وزمجرة غضب تردد :
اسكت .. اسكت وإلا قتلتك ..!
" ظُلم مُخيف "

(4)

يُقبِلُ بقميصه الأحمر المُخطط بالسواد عَليّ وفي يَده صحيفة الصَباحِِ فيها خاتِمة الليل والنهار، وبِها نكشفُ خبايا الأسرارِ "كما أتوهم"..!
مَدّ يَده المُختلِطةِ باليَباس وأعطاني الصحيفة، استغربتُ مِنه !
لأني لم أعهد مِن صَاحب القميص المُخططِ كمَا سَمّته عَائلتي "أشرف بيك" أن يُبادِر منحي الصَحيفة "يوماً ما"!
شعرتُ بالسَعادة "أشرف بيك"أخيراً أدرك ما مَعنى "صحيفة "وما أهمية "الصحيفة " رغم محَاولاتي السَابقة لأدخلَ هذه المعلومة إلى مُخه الصَغير!
بدأتُ أتصفحُ الصحيفة، ولفت انتِباهي أنه ما زال واقفاً أمامي ويحدق بي مع شبه ابتسامة كَسَرت أغلال "جَهله" - كَما توهمت-!
تجاهلت وُجوده وأقنعت نفسي أن سبب وجوده ليسَ إلا ليعرض بطولتهُ أمَامي لأنه نجَح أخيراً في فهم مُعادلاتي، لكنه بدأ يحرك يده تارة، ورأسه تارةً أخرى ..
قلت له :
ما بِكْ ؟!
رَد عَليّ بعد أن اعتدلَ في جَلسته:
- "أنا أول إنسان معلوم..أنا أول إنسان معلوم"!!
سقطَ فكي السُّفلي بدون إرادة، هززت رأسي لأستفسر بكل ضجر :
- "معلوم مو ؟! "
ابتسم بكل ثقة وقال :
- "معلوم أن جونو في جاي .. وفي شل كل نفرات .."
أكمل عبارته الأخيرة وهُو يؤشر على أول خبرٍ نُشر في الصحيفة بالخطِ العَريض
(نفي قدوم الإعصار جُونو إلى أراضي السلطنة) :
"واجد فرحان..أنا أول إنسان معلوم..جونو في جاي"!!
ظُلمٌ مُبَطن..!

(5)

أشعلَ سِيجارتهُ العَتيقة بأعوادٍ خشبيةٍ ملأت صالتهُ الصَغيرة، وضَعَها في فوهة فمه البنفسجي، استنشقَ "التبغ" بُكِلِ ما يملكْ مِن قوة، وأطلقَ زفرةً انبعثت مِنها كُتلٌ دُخانية مُحاطة بأفلاكٍ وَهمية، سَقطَ أرضاً ليَغرس بَقايا سيجارته في يَده اليُمنى التي تكدست فيها بصمات سيجاراته السَابقة .
أطلقَ آهة ألمٍ ..
وصَرخة نَدمٍ ..
لعلهُ يُكفرُ يَوماً عن ذنوبه، وتغتسِلَ أدرانَ خطيئتهِ بفضيلة "العذاب"، لأنه رَمى بطِفلتهِ الرَضيعَةِ في حَوشِ مَنزلِهم حَتى دهسها "تنكر الماي"!
ظُلمٌ قاسٍ

(6)

يستمرُ في محاضرته الطويلة عن أهمية المحافظة على نظافة الأسنان وطرق الوقاية منها، وفي نهاية المحاضرة يتيحُ المجال ليسألَ الطلاب عن ما يدور في عقولهم الصغيرة من أسئلة حول الأسنان.
يستأذنهُ أحد الطلاب ليسألهُ ببراءة:
" هل لديكَ يا دكتور أسنانٌ لبنية مثلنا ؟ "
يضحكُ الطبيب لسؤاله.. وبضحكتهِ ألقى على رؤوسهم آلاف علامات استفهامٍ وتعجب وهُم ينظرونَ بصمتٍ لأطلالٍ باليةٍ من أسنانٍ صَفراء ..!
ظلمٌ مُتوارٍ

(7)

كُتلٌ صَخريةٌ اصطفت بثبات، اصطبَغت بألوانٍ الحُزنِ، وتِلكَ الحشائشُ اليابِسَةِ التفتْ حَولها بعَزاء، أكوامُ غيومٍِ اعتلت السَماء، وطُقوسُ النسَائِمِ عمت الأرجاء، وفتاةٌ ترتدي الحِدادَ وتقِفُ أمام الصُخورِ بوهنٍ، في يدِها شرائِطٌ بَيضاء..
فجأة..
بدأت تنبشُ الصَخرة، وتقتِلعُ الحشائش من جُذورِهَا وتبكي ..
وتبكي معَها الغيومُ مَطراً، والنسائِمُ تتهادى على وترٍ شجيٍّ ..
وضعتْ الشرائِط تحت الثرى وصَرخت:
" رحلت يا بابا..
رحلت بسببهم، وبسببِ حقدهم، رحلت عَني بعد أن وعَدتني أن تهديني دُمية العَيد، ونرتدي مَعاً حُللَ الفرحِِ من جَديد..
أعدكْ سأنتقم ..
سأنتــــ ..
سقطتْ في الأرضْ حَتى طمرها الوَحل والطين..!
ظُلمٌ آسِن

(8)

لا تغفو عيني إلا وتمتزِجُ في تفاصيلِ مَلامِحهَا ..
كَانتْ تحْتويني بلهْفةٍ كُلّ مسَاء ..
وبعد أن أعْلنتُ إفلاسي ..
احتوتني العتمة .. وورقة بَيضاء ..
بها كَلِمة تقودني إلى الانتِهاء !
" ظُلم صامت"

(9)

احتشدَ الكِبارُ من حولهِ في حَلقةٍ دائرية، كانَ يقفُ ويسقط أمامهم وفي يده
(مينو بفك عُمان) قال أحدهم له :
- قُل (ســــاخِن)!
يفتح فاهُ لتطلَ أسنانهُ الأربع، يفكرُ قليلاً بينما يديه مُستندة على الكرة المُلونة، تنزاحُ من بين يديه ويسقط مُردداً:
- (سـانو) !
يتقلبونَ ضَحِكاً، ترتفعُ الأيادي لتصفقَ جَدلاً، و(هوَ) ينظرُ إليهم باندهاش بريء !
ظلمٌ مُسترسل

(10 )

مَرّرت أصابِعها في أصَابعهِ بدفء ..
- أنتَ كُل ما أملكْ ..
نظرَ إلى عَينيها بتأن :
- وأنا بدونكِ لستُ "أنا"..
انحَنتْ خَجلاً ..
احتواها، واحتوتهم الأضواء الخافِتة ..
هِي ترسمُ بفُرشاةِ السَعادةِ أحلامَها..
وهُو:
يُفكِرُ مَاذا سَيُهدي حَبيبته الأخرى..!
ظُلمٌ أعمَى ..!

( 11 )

تمرُ الساعات وأصابعه تنقر بشراهة أزرار حاسوبه، وأبخرةُ الشاي تعانقُ قطرات الإجهاد على وجهه ..
" أخيراً "
رددها بفخر، وبذهنه يرحل إلى المستقبل حيثٌ صباح سيستقبل فيهِ مديره ببشاشة مفرطة ويبشره بأنه أنجز عمله بكل إتقان وإخلاص، شاهدَ انبهارُ مديره عندما أطلقَ عبارات الثناء والتكريم أمام زملائه..
يبتسمُ ابتسامة رضا وهوَ يغلق عَمله:
" إنني متشوق إلى العمل "
قالها وغفا بين كُتبه المُتكدسة في السرير ..!
يحضرُ مبكراً ويسلمُ على الجميع في ثقةٍ مفرطة ..
"هل أنجزت عملك"
"نعم أستاذي لقد أنجزتهُ بكل إتقان وإخلاص"
يجمع جميع الموظفين ليطلعوا على عمل زميلهم، وهوَ يضعُ جهاز الذاكرة ِبالحاسوب ليفتحَ عمله ..
يحاول ..
ويحاول ..
يتصببُ منه العَرق ..
ثم ..
تنهالُ عليه كلماتُ التوبيخ ليصغر ويصغر
حتى يكون كنقطة في نهاية جُملة .
ظلم مُعربد

مخر ج :
( هم )
استمروا ينفثونَ ظلمهم ..
ويعيثون بالقلبِ فساداً..
عبثوا..
ظلموا ..
ثم قتلتهم أهازيجهم الآثمة ..
وبقيتَ ( أنت) ..
ترسمُ ابتسامتك بفرش النقاء
رغم ظلمهم
(ظلمهم)..!


قاصة عمانية

savy
19-10-2008, 03:05 AM
تسلم اخوي على النقل الجميل ........... http://www.3roos.com/forums/images/smilies/Ta_clap.gif
كلمات رائعة وذات دلالة واضحة ...


تقبل تحياتي ..
اختكم // ســـــــــــــافي