مشاهدة النسخة كاملة : الأدب الأندلسي


البراء
09-10-2008, 11:45 AM
بحث عن الادب الاندلسي


تسمية الاندلس :
بالنسبة لتسمية الأندلس بهذا الاسم، فمن الطبيعي أن نجد اختلافاً حول أمر كهذا، خاصة حين لا يكون هناك سند علمي يجزم بالحقيقة..
و هناك آراء أقرب إلى الناحية الأسطورية، منها ذلك الرأي الذي يعتمد على رواية يوردها المقّري في كتابه نفح الطيب نقلاً عن الرازي - رغم أن كثيراً من الباحثين يأخذون به - و يقول فيه: (أول من سكن بالأندلس على قديم الأيام فيما نقله الإخباريون قوم يعرفون بالأندلش بهم سمي المكان، فعرب فيما بعد بالسين غير المعجمة، كانوا هم الذين عمروها و تناسلوا فيها و تداولوا ملكها دهراً على دين التمجس و الإهمال و الإفساد في الأرض، ثم أخذهم الله بذنوبهم فهلك أكثرهم.. فأقفرت الأندلس منهم و بقيت خالية فيما يزعمون مئة سنة و بضع عشرة سنة)
لكن هذه الرواية تفتقر إلى الدقة و الموضوعية في كثير من جوانبها، فإن كانت المصادر التاريخية قد أغفلت هذا الاسم فكيف قدر للعرب معرفة أول من سكنها. كما أن الرواية لا تحدد زمناً معيناً و لا تشير إلى هوية الإخباريين الذين ذكروا ذلك.

و لعل الرأي الأرجح هو أن البربر هم الذين أطلقوا هذه التسمية على بلاد الأندلس نسبة إلى قوم كانوا يعرفون بالوندال أو الفندال، سكنوا المناطق الجنوبية من إسبانيا في حدود القرن الخامس الميلادي ثم ارتحلوا إلى شمال إفريقيا، فأطلق البربر هذه التسمية على تلك البقعة الجغرافية نسبة إلى الفندال، فسموها فندلس و من ثم أندلس. و هذا التحوير يتفق مع السنن اللفظية البربرية و يتفق أيضاً مع ما نعرفه في التاريخ من أن الوندال سكنوا في الأندلس ثم ارتحلوا إلى الشمال الإفريقي، فليس غريباً أن ينسب البربر هذه البقعة إليهم. و عندما دخل المسلمون الأندلس كان من بين الجيش الإسلامي المشارك في الفتح عدد كبير من البربر، و لهذا فقد أطلقوا هذه التسمية عليها و أخذها العرب عنهم.
أما الفكرة التي تقول إن العرب هم الذين أطلقوا هذه التسمية على هذه البقعة نسبة إلى الوندال فلا أظنها فكرة صحيحة، لأن العرب لا يعرفون الوندال و لا يعرفون طبيعة صلتهم بالأندلس..
ويقال أن أولئك الفنداليين قد أطلقوا في بداية الأمر اسم فندليس (vandales ) على المرفأ الذي أبحروا منه ( ولعله مرفأ طريف أو الجزيرة ) وقد حافظ ذلك المرفأ على ذلك الاسم حتى جاء المسلمون فجعلوه شاملاً لجميع البلدان التي فتحوها بعد أن حرفوه وسموه ( أندلس ) .

ومن المعروف أن المسلمين قد فتحوا بلاد الأندلس ( في عهد الأمويين أيام الوليد بن عبد الملك ) على يد طارق بن زياد وموسى بن نصير في عام 710م /92 هـ ولن ندخل هنا في تفاصيل قصة الفتح الإسلامي لتلك البلاد ولكن قد يكون من المفيد التعريف بللعهود التالية من الحكم التي خضعت لها بلاد الأندلس وميزات كل منها فيما يتعلق بالأدب و باختصار شديد حتى لا نطيل :
1 ) عهد الولاة ( 710ـ 755 م ) وهو العهد الذي ابتدأ بطارق بن زياد وموسى بن نصير ثم بابنه عبد العزيز وقد تخللت هذا العهد حروب بين المسلمين والنصارى وحدوث شقاق عظيم بين المسلمين أنفسهم فعهد الولاة كان عهداً مضطرباً قام البرابرة خلاله بثورات ضد العرب كانت صدى لما يحدث في بلاد المغرب آنذاك من ثورة للبرابرة على الشاميين والمصريين كما انتقلت العصبية القبلية مع الولاة القادمين من الشرق وبدأ النزاع ظاهراً بين القيسية واليمانية .
2) عهد عبد الرحمن الداخل حتى بداية عهد ملوك الطوائف ( 756ـ 1012 م )
بعد انهيار البيت الأموي في الشرق فر عبد الرحمن بن معاوية والذي لقب لاحقاً بالداخل من بطش العباسيين إلى الأندلس التي كانت تضم نواة أموية شامية واستغل حماية البربر له لأن أمه كانت بربرية كما استغل النزاعات التي كانت قائمة بين القيسيين واليمانيين ونجح في أن يصبح أميراً للأندلس ولقبه أبو جعفر المنصور بصقر قريش وجعل سرير ملكه في قرطبة واختط مدينة الرصافة على غرار رصافة الشام لجده هشام وبدأت بعهده إمارة قرطبة المستقلة والتي عززت سلطة الأمويين في الغرب الإسلامي ومن الذين تناوبوا على الحكم في تلك الفترة أبناء وأحفاد عبد الرحمن الداخل ومنهم هشام الأول والحكم الأول وعبد الرحمن الثاني وغيرهم وأثناء حكم هذا الأخير قدم المغني زرياب من بغداد للأندلس وهو تلميذ اسحق الموصلي وكان له تأثير كبير في نقل كثير من العادات الشرقية السائدة في بلاط بني العباس إلى الأندلس وفي الحياة الأدبية والفنية


الحضارة الاموية :

وقد بلغت الحضارة الأموية أوجها وعهدها الذهبي في عهد الرحمن الثالث والذي لقب بعد أن أصبح خليفة للمسلمين بعد انهيار العباسيين بالناصر لدين الله فكان أعظم ملوك الأندلس وأول خليفة فيها وازدهر الأدب والفن في عهده وبلغ أوجه كما احتلت الأندلس في عهده مكانة سياسية عظيمة في نظر العالم كله ونهضت الآداب والعلوم نهضة مباركة ونافست قرطبة بغداد في أعظم أيامها وبلغ عدد سكانها حوالي نصف مليون وكان فيها 113 ألف جامع و 23 ضاحية و 300 حمام حتى لم يعد لها في كل المغرب شبيه من حيث سعة المجال وفسحة الأسواق وكثرة العمارات والفنادق والحمامات .
وبنى الناصر على مقربة من عاصمة ملكه قرطبة قصراً سماه الزهراء وهو اسم لجارية له كانت قد تمنت عليه أن يبني لها قصراً واستغرق بناء القصر 25 سنة عمل فيه أمهر البنائين من بغداد والقسطنطينية وأجرى فيه المياه وأنشأ حوله الحدائق والبساتين حتى أصبحت قرطبة مدينة ساحرة تخلب الألباب .
وبعد وفاة الناصر تولى ابنه الحكم بن عبد الرحمن الناصر وكان عهده امتداداً لعهد والده ثم تعاقب على قرطبة خلفاء ضعفاء إلى أن انتهت الخلافة فيها بخلع هشام الثالث سنة 1031 م فصار الأمر فيها إلى الطبقة الأرستقراطية ثم قام رؤساء الطوائف في الولايات من بربر وعرب يقتسمونها ويستبدون بأمرها وهؤلاء عرفوا ب ..
ملوك الطوائف / دولة المرابطين / دولة الموحدين / دولة بني الأحمر ( 1012 ـ 1268م )
بعدما دب الضعف في جسم الدولة الأموية بدأ رؤساء الطوائف يستقلون بالإمارات التي يحكمونها وعرفوا بملوك الطوائف وقد أصبحت المدن الهامة في الأندلس عواصم لتلك الدويلات الصغيرة ومن

أهم تلك الدويلات :
الزيرية في غرناطة / الحمودية قرطبة ـ مالقة ـ الجزيرة الخضراء/ الهودية في سرقسطة / العامرية في بلنسية / العبادية في أشبيلية / بني الأفطس في بطليوس / الجهورية في قرطبة /ذي النون في طليطلة .
وقد قامت بين ملوك الطوائف حروب كان القوي فيهم يغلب الضعيف فيزيل سلطانه ولم يتنافسوا في السياسة فقط وإنما في العمران والأدب والفن وبناء الحصون والقلاع وفي مجالس الأدب والطرب وتشجيع الكتاب والشعراء والمغنين .
وقد دام أمر ملوك الطوائف حوالي 100 عام إستطاع ملوك الأسبان في أواخرها أن يجمعوا كلمتهم ويهاجموهم حتى بلغ الضعف بالمسلمين حده فاستنجدوا بيوسف بن تاشفين الذين قهر الإفرنج في موقعة الزلاقة عام 1086 م وثبت حكم المعتمد وسلطته وما كادت تنقضي 3 سنوات حتى أعاد الإفرنج الكرة فطلب المعتمد النجدة ثانية فعاد بن تاشفين وقضى على المناوئين وطابت له الأندلس ورياضها الغناء وقصورها فاستبد بالملك لنفسه وانتحل الخصومة مع المعتمد وأخذه أسيراً إلى أفريقيا حيث قضى غماً وحزناً في منفاه توفي بن تاشفين 1106 م بعد أن أصبحت الأندلس ولاية للمرابطين وآلت إمارة المسلمين لابنه عليَ الذي كان متعصباً لمذهب مالك ويكره غيره من المذاهب مما جعله آلة بيد الفقهاء فساد التعصب والإرهاب وكثرت الوشايات وخنقت حرية الفكر ثم ظهر في أيامه المهدي محمد بن تومرت في جبال الصامدة بالمغرب فكان ظهوره وبالاً على دولة المرابطين وسبباً لقيام دولة الموحدين الذين دام ملكهم حوالي 130 سنة تمسكوا فيها بأمور الدين وشجعوا العلوم والآداب وبلغت الدولة عزها في عهد أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الذي استقدم الفلاسفة إلى بلاطه ومنهم ابن طفيل وابن رشد وعني بالعمارة ومن آثاره الباقية منارة الجامع الكبير في إشبيلية ثم استطاع بعد ذلك ملوك النصارى في الأندلس قهر دولة الموحدين وإخراجهم والاستيلاء على أكثر ولاياتهم وسقطت قرطبة في أيديهم عام 1235 م بعد أن ظلت لمدة 520 سنة عاصمة إسبانيا المسلمة ولم يبق للمسلمين غير إقطاعة الأندلس وعاصمتها غرناطة يتولاها ابن الأحمر أمير المسلمين من قبل فرديناند الثالث واستطاعت هذه الدولة الصغيرة أن تقف في وجه التوسع الإفرنجي لمدة طالت نحو قرنين ونصف ويعود ذلك إلى أن الملوك الإسبانيين كانوا منشغلين عنها بمحاربة بعضهم بعضاً وكانت تستنجد بسلاطين المغرب حتى يردوا عنها هجمات النصارى وقد عرفت غرناطة أثناء حكم بني الأحمر أزهى عصورها وفيها شيدت قصور الحمراء التي لا تزال ماثلة حتى اليوم وامتاز عصرهم بتعزيز الأدب فنبغ في دولتهم جملة من الشعراء والكتاب وعرف جماعة من سلاطينهم بالشعر والنثر كأبي عبدالله بن محمد المخلوع ثالث ملوكهم وفي سنة 1492 م أي بعد ثمانية قرون من عام الفتح هاجم فرديناند وإيزابيلا بني الأحمر فسقطت غرناطة آخر معتقل للفاتحين وسلم أبوعبد الله آخر ملوكها مفاتيحها للغالبين .
ويروى أن أبا عبد الله قد أعطي ضيعة يقيم فيها فخرج وأهله من قصر الحمراء حزيناً منخلع القلب ومشى مطرقاً إلى منفاه حتى إذا انعطف به الطريق وكادت الحمراء تتوارى عنه أرسل إليها النظرة الأخيرة وهطلت عيناه بالدموع فقالت له أمه عائشة :



ابكِ مثل النساء ملكاً مضاعاًلم تحافظ عليه مثل الرجالِ .


وهكذا زال ملك العرب من بلاد تركوا فيها مجدهم وحضارتهم وآثارهم .
وباختصار تميزت أدوار الحكم في الأندلس بما يلي :
العصر الأموي في الأندلس تميز بالقوة والسيادة العربية وتوضحت فيه أسس النهضة الأدبية والغنائية .
و دور الطوائف تميز بازدهار الحركة الادبية وكثرة الشاعرات والشعراء وشاع فن الموشح
ودور المرابطين تميز بالتعصب الديني وبتسلط البرابرة وضعف الحركة الأدبية وظهور الزجل .
ودور الموحدين تميز بالحماسة الدينية التي لم تقيد الفلاسفة فنمت الحركة الفلسفية نموا دعا إليه التأمل الديني من ناحية والتفكير الفلسفي الحر من ناحية أخرى .
وفي دور بني الأحمر نضجت الموشحات والأزجال وشعر الأنين والاستنجاد والصراخ حيث حلت أعظم محنة بالعرب على يد الإفرنج وتجلت في ألوان من الاضطهاد الديني والقسوة والتعذيب وكانت دواوين التفتيش التي أنشأها الإفرنج لمحو كل أثر للإسلام والعرب لطخة عار في تاريخ المدنية وتم إحراق كتب عربية كثيرة وأبيدت روائع الفكر الإسلامي وأتلفت آثار العبقريات والتي كانت تشهد على ما شاده الفكر العربي في بلاد الأندلس من مجد ..ساهم في بناء الحضارة الأوروبية .
انتهت هذه المقدمة التاريخية وأرجو ألا تكونوا قد أصبتم بالملل .
وبعد ..
فالأندلس بلاد جميلة ، خضرة وماء وبساتين وأنهار وجبال وسهول وفاكهة ورياحين وقد أحب الأندلسيون بلادهم ومدنها فتغنوا بها وكتبوا شعراً خلد أسماء تلك المدن مما يدل على أن كل واحد منهم كان متعلقاً ببلدته ويشتاق ويحن إليها إذا ما غاب عنها ومما قاله الشاعر الرقيق ابن خفاجة

إن للجنة بالأندلسِمجتلى حبٍ وريَّا نَفَسِ .
فسنا صُبْحَتِها من شنبٍودجى ليلتها من لَعَسِ .
وإذا ما هبت الريح صباًصحتُ واشوقي إلى الأندلسِ


وقال شاعر آخر :



حبذا أندلسٍ من بلدٍلم تزل تنتج لي كل سرورْ .
طائرٌ شادٍ وظلٌ وارفٌومياهٌ سائحاتٌ وقصورْ .


وهذا شاعر من مدينة شلب واسمه أبو عمر بن مالك يحن إلى مدينته شلب ويصفها وصف لوعة وصبابة :




أشجاكَ النسيم حين يهبُّأم سنا البرق إذ يخُبُّ ويخبو .؟
أم هتوفٌ على الأراكة تشدوأم هتونٌ من الغمامة سكْبُ .؟
كل هذاك للصبابة داعٍأي صبٍّ دموعه لا تصبُّ .؟
أنا لولا النسيمُ والبرقُ والورقُ ، وصوب الغمام ما كنت أصبو .
ذكَّرتني شلبا وهيهات منيبعدما استحكم التباعد شلبُ .


وهذا شاعر من مدينة برجة يقول :



إذا جئتَ برجة مستوفزاًفخذ في المقام وخلِّ السفرْ .
فكل مكانٍ بها جنةٌوكل طريقٍ إليها سقرْ .


وقال آخر في طليطلة :



زادت طليطلةٌ على ما حدَّثوابلدٌ عليه نضرةٌ ونعيمُ
الله زيَّنه فوشَّح خصرهنهرُ المجرةِ والغصون نجومُ


وقال الشاعر ابن اللبانة في وصف جزيرة ميورقة :



بلدٌ أعارته الحمامةُ طوقهاوكساه حلةَ ريشهِ الطاووسُ .
فكأنما الأنهارُ فيه مدامةٌوكأن ساحات الديار كؤوسُ .


وهذان بيتان طريفان قالهما شاعر في مدينة بلنسية بعد أن ضاق بها لكثرة براغيتها وبعوضها




ضاقت بلنسيةُ بيوذاد عني غموضي .
رقصُ البراغيتِ فيهاعلى غناء البعوضِ .


ويبدو أن البعوض كان يطاردهم حتى في غرناطة فقد قال آخر :




بعوضٌ جعلن دمي قهوةًوغنينني بضروب الأغانْ .
كأن عروقيَ أوتارهاوجسمي ربابٌ وهنَّ القيانْ .


وقد قيل الكثير من الشعر في مدن أخرى ولكني أكتفي بما قلته فقط كإشارة إلى هذا الباب الذي تناوله كثير من الشعراء .
هناك من قال بوجود ظاهرة التطرف والإسراف في الأدب الأندلسي حيث ( أسرف ) الأندلسيون في وصفهم للطبيعة : الروض والمنتزهات والحدائق والجداول والرياحين إسرافاً شديداً وارتبط شعر الطبيعة بالأندلس وأسرفوا في وصف مجالس الطرب والمجون والشراب ( وأسرفوا ) أيضاً كما يقال في شعر التصوف والزهد..
قبل أن نبتعد عن شعر وصف الطبيعة لا بد من الإشارة إلى أسباب تميز الأندلسيين بهذا الفن، فمن ذلك حب الأندلسيين لوطنهم حباً تميزوا فيه عن غيرهم، و سحر الأندلس و جمالها، مما فرض على معظم الأدباء أن يصفوا هذا الجمال في قطع مفردة أو قصائد طويلة، و لعل خير ما يعبر عن هذا الجمال و السحر قطعة لابن خفاجة يقول فيها:




يا أهل أندلس لله دركمُماء و ظل و أنهار و أشجار
ما جنة الخلد إلا في دياركمُو لو تخيرت هذا كنت أختارُ



و من أسباب هذا التميز أيضاً كثرة مجالس الأنس الخاصة و العامة، حيث كانت تتخذ من الطبيعة مسرحاً لها و كان الشعراء يقومون بمزج وصف المجالس بوصف الطبيعة.

و نجد أن تغني الشعراء بجمال الطبيعة الأندلسية قد انقسم إلى قسمين؛ فمنهم من تغنى بجمال الطبيعة الأندلسية بشكل عام، و منهم من تغنى بمسقط رأسه كما في تلك الأشعار الجميلة التي أوردها أخي خميس.
و من الأمثلة على القسم الأول قصيدة لابن سفر المريني يتغنى فيها بجمال الطبيعة الأندلسية، و يقول فيها:




في أرض أندلس تلتذ نعماءو لا يفارق فيها القلب سراءُ
و ليس في غيرها بالعيش منتفعو لا تقوم بحق الأنس صهباءُ
أنهارها فضة و المسك تربتهاو الخزّ روضتها و الدرّ حصباءُ
و للهواء بها لطف يرقّ بهمن لا يرقّ و تبدو منه أهواءُ
فيها خلعتُ عذاري ما بها عِوضٌفهي الرياضُ و كلّ الأرض صحراءُ



و لم يقتصر وصف الطبيعة على ذلك، فكما أشار أخي خميس، اتسع فن وصف الطبيعة ليشمل مجالي الطبيعة؛ الأرض و السماء، فقد أكثر الأندلسيون في هذا الاتجاه حتى إنهم لم يتركوا صغيرة أو كبيرة في الأرض و لا في السماء إلا و توقفوا عندها و وصفوها وصفاً جزئياً أو كلياً، يضاف إلى ذلك وصفهم لمجالس الأنس و القصور الذي امتزج بوصفهم للطبيعة.
يقول ابن خفاجة واصفاً نهراً:




لله نهر سال في بطحاءأشهى وروداً من لمى الحسناء
متعطفٌ مثل السوار كأنهو الزهر يكنفه مجرّ سماء
قد رقّ حتى ظُنّ قوساً مفرغامن فضة في روضة خضراء
و غدت تحفّ به الغصون كأنهاهدب تحف بمقلة زرقاء
و الريح تعبث بالغصون و قد جرىذهب الأصيل على لجين الماء



أما سمات شعر وصف الطبيعة فأبرزها التشخيص؛ أي إسباغ الحياة على الأمور المعنوية أوعلى الجمادات و تجسيمها و مخاطبتها مخاطبة الكائن الحي، و هي سمة انتشرت في الشعر الأندلسي كثيراً. و من أشهر القصائد التي تمثل هذه السمة قصيدة لابن خفاجة شاعر الطبيعة في وصف جبل، يقول فيها:




وقور على ظهر الفلاة كأنهطوال الليالي ناظر في العواقب
أصخت إليه و هو أخرس صامتٌفحدثني ليل السّرى بالعجائب
و قال ألا كم كنت ملجأ قاتلو موطن أوّاه تبتل تائب
و كم مرّ بي من مدلج و مؤوّبو قال بظلّي من مطي و راكب

ومن السمات أيضاً أن معظم شعر وصف الطبيعة جاء في قطع قصيرة، و قد قلت القصائد فيه. ثم إن معظم شعر الطبيعة جاء سهلاً واضحاً لا غرابة فيه و لا تعقيد.
كما نجد أن هذا الفن قد امتزج في معظم الأحيان بموضوعات تقليدية أخرى كالغزل و المدح و الخمر، و كانت تفتتح به بعض القصائد عوضاً عن المقدمة التقليدية، حتى إن بعض الشعراء مزج بين الرثاء و وصف الطبيعة.