مشاهدة النسخة كاملة : السعادة وهم ام حقيقه !!!


حليم
22-03-2008, 08:19 PM
السعادة وهم أم حقيقة ؟
ثالثاً: أوهام السعادة
هل السعادة في جمع المال؟

بعد ذلك أنتقل إلى جزء من عنوان المحاضرة، وهو عن موضوع أوهام السعادة، سأقف طويلا -أيها الإخوة- مع هذا الموضوع، وأرجو من الإخوة الكرام أن يتحملوا التطويل مني في هذه القضية؛ لأنها قضية حاسمة ومهمة في تحديد مسيرة حياتنا، بل وتحديد مفاهيمنا الخاطئة.
نتساءل عن السعادة: هل السعادة في تكديس المال، أو في جمع المال وتكديس الثروات وبناء العقارات والقصور؟ هل هذه هي السعادة؟
نعم، كثير من الناس يتوهمون أن السعادة هي في جمع المال، فلان سعيد لأنه يملك الأرصدة في البنوك، فلان سعيد لأنه يملك كذا أرض وكذا عمارة، فلان سعيد لأنه يملك كذا وكذا، إلى آخره.
الناس كثير منهم يطلق هذا الوهم حقيقة، أي يطلقه بلسانه، والكثير منهم يطلقه بقلبه، فيتصرف من هذا المنطلق الخاطئ، أقول لكم: ليست السعادة في جمع المال.
ولست أرى السعادة جمع مال

ولكـن التقـي هـو السـعيد


أقف معكم حول هذه القضية؛ لأنها من أهم القضايا في أوهام السعادة، حتى لا أتوقع أنني أستطيع أن أزيل هذا الوهم من بعض النفوس في أن صاحب المال ليس بسعيد، أو بعبارة أدق: "ليس كل صاحب مال سعيد".
كثير من أرباب المال وأصحاب المال والثروات يعيشون في شقاء وفي تعاسة دائمة، في حياتهم الدنيا قبل الآخرة، لماذا؟
لأنه -أولا- يشقى في جمع المال.
ثانيا: يتعب في حفظه واستثماره، إذا جمعه تعب في حفظه.
ثالثا: ينتابه القلق والخوف من فوت هذا المال وزواله.
كم من إنسان يملك المليارات، ولكنه خائف، لماذا هو خائف؟ قلق، لماذا هو قلق؟ يخاف على هذا المال، يخاف أن تأتي هزة سياسية، أو يأتي لصوص فيزيلون هذا المال، والمال بين يديه، والمليارات بين يديه، ومع ذلك يعيش في شقاء، خوف، قلق، هم، غم، لا ينام الليل.
هذا أمر مجرب مشاهد ترونه بأعينكم، بل قد يكون المال سبب هلاكه ومماته، كم اختطف من إنسان بسبب تجارته؟ بل كم حرم غني من لذاته بسبب أمواله؟ لا يمشي طليقا، لا يمشي حرا، لا يسافر كما يريد، لا ينام كما يريد؛ بسبب أمواله.
ثم كم من إنسان صاحب مال صاحب ملكه، زال ماله، وزالت ثرواته فعاش بقية حياته في تعاسة وشقاء؟
اسمعوا إلى الأمثلة:
المثل الأول: يقصه القرآن الكريم، يقول -سبحانه وتعالى- عن قصة قارون: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ)([1] (http://www.hesnoman.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=8#_ftn1)) في قمة سعادته، ثم يقول القائل، أو يقول القائلون: (إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)([2] (http://www.hesnoman.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=8#_ftn2)) خرج في زينته، ذو حظ عظيم، أوهام السعادة، والنتيجة كما يقول الله -سبحانه وتعالى-: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ)([3] (http://www.hesnoman.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=8#_ftn3)).
أي سعادة، وأي خاتمة، وأي نهاية؟!
أمية بن خلف ماذا يقول -وأمثاله- يوم القيامة (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ)([4] (http://www.hesnoman.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=8#_ftn4)) بئس المال الذي لا يغني عن صاحبه.
واسمعوا إلى هذه القصة العجيبة، التي تؤكد لكم أن المال مهما زاد لا يمكن أن يكون وحده سببا للسعادة، المال مهما كبر، والمال مهما زاد، لا يمكن أن يكون سببا للسعادة، هذه قصة عجيبة، تابعت فصولها على مدى خمسة عشر عاما، وانتهى آخر فصل فيها منذ شهر فقط، انتهى آخر فصل من هذه القصة منذ شهر فقط، وقد تابعت شخصيا هذه القصة منذ أكثر من خمسة عشر عاما، هي قصة "كريستينا أوناسيس".
الله -سبحانه وتعالى- ذكر لنا في القرآن، ضرب الأمثلة من الكفار، فلا غرو ولا عيب، بل من ضمن المنهج الإلهي، من ضمن منهج القرآن أن نضرب لكم مثلا حتى باسم هذه المرأة، انظروا إلى هذه المرأة، أو إلى قصة هذه المرأة، كريستينا أوناسيس، شابة يونانية أبوها أوناسيس المليونير المالي اليوناني المشهور، يملك المليارات، يملك الجزر، يملك الأساطيل.
هذه الشابة مات أبوها، وقبل ذلك ماتت أمها، وبينهما مات أخوها، وبقيت هي الوريثة الوحيدة مع زوجة أبيها لثروته، أتدرون كم ورثت؟ ورثت من أبيها ما يزيد على خمسة آلاف مليون ريال، مرأة تملك أضخم أسطول بحري في العالم.
الواحد منا إذا كان عنده بيت فهو بخير، ونعم هو بخير، هي تملك الجزر، جزر كاملة، تملك شركات طيران.
أسألكم: مرأة تملك أكثر من خمسة آلاف مليون ريال بقصورها وسفنها وطائراتها، أليست في مقاييس كثير من الناس أسعد امرأة؟ كم من إنسان يتمنى أن يكون كمثل هذه المرأة؟ أنتم تعلمون أن لو وزعت ثروتها على مائة فرد لأصبحوا من كبار الأثرياء، كل واحد يطوله خمسين مليون ريال، نعم هو من كبار الأثرياء، فما بالكم امرأة تملك هذه الثروة؟!
السؤال: هل حقيقة هذه المرأة سعيدة؟ اسمعوا إلى فصول قصتها العجيبة، غام أبوها وطلق أمها، ثم ماتت أمها بحياة مأساوية، ثم مات أخوها؛ سقطت به طائرته يلعب بها كما يلعب أبناؤكم بألعابهم، فسقطت به هذه الطائرة وهلك.
بقي أبوها، اختلف مع زوجته التي هي جاكلين كنيدي زوجة الرئيس الأمريكي كنيدي، تزوجها أبوها بأكثر من مائة مليون دولار يبحث عن اللذة، فقط حتى ليقال: إنه تزوج بزوجة الرئيس الأمريكي جون كنيدي، ومع ذلك عاش معها في شقاء، من بنود العقد قرأته منذ عشرين عاما ألا تنام معه في فراش، من بنود العقد الذي دفع فيه أكثر من مائة مليون ريال ألا يسيطر عليها، أن ينفق عليها شهريا بمعدل عشرة ملايين دولار، ألا تنام معه في فراش، أي زوجه لا تنام مع زوجها في فراش، ومع ذلك اختلفت معه، وعندما مات اختلفت مع ابنته، وأخذت البنت حظها من التركة، وماذا جرى لها؟
تزوجت في حياة أبيها برجل أمريكي، وعاش معها شهورا ثم طلقها أو طلقته، وبعد وفاة أبيها تزوجت برجل آخر يوناني، وعاش معها شهورا ثم طلقها أو طلقته.
ثم انتظرت طويلا تبحث عن السعادة، تعلمون من تزوجت المرة الثالثة هذه المرأة؟ أغنى امرأة في العالم على الإطلاق، وقد تكون من أغنى الرجال، أما على النساء فهي أغنى امرأة على الإطلاق، أتعلمون من تزوجت؟ تزوجت شيوعي روسي، قمة الرأسمالية تلتقي مع قمة الشيوعية، فسألها الناس وسألها الصحفيون: أنت تمثلين الرأسمالية بمعاييرها الفذة كيف تتزوجين بشيوعي؟ قالت: أبحث عن السعادة.
ثم ذهبت معه إلى روسيا، والنظام هناك لا يسمح بامتلاك أكثر من غرفتين، ولا يسمح بخادمة، فجلست تخدم في بيتها بغرفتين، فجاءها الصحفيون -وهم يتابعونها في كل مكان- فسألوها: كيف يكون هذا؟ قالت: أبحث عن السعادة. وعاشت معه سنة أو سنة ونصف، ثم طلقها أو طلقته بالأصح.
ثم بعد ذلك أقيمت حفلة في فرنسا، وسألها الصحفيون: أنت أغنى امرأة؟ قالت: نعم، الناس يقولون عني: إني أغنى امرأة، بل لقد يتوهم البعض أني أسعد امرأة، ولكن أقول لكم بحق: أنا أغنى امرأة، ولكني أشقى امرأة.
ثم بعد ذلك، وآخر فصل من فصول المسرحية تزوجت برجل فرنسي -لاحظوا من أربع دول- لم تتزوج من دولة واحدة؛ لعلها تجرب حظها، ثم تزوجت بالغني الفرنسي، وبعد فترة يسيرة أنجبت بنتا، ثم طلقها أو طلقته؛ لأنها تملك حق الطلاق.
ثم عاشت بقية حياتها في تعاسة ووهم، وآخر منذ شهر وجدوها ميتة في شالية في الأرجنتين، لا يعلمون هل ماتت موتة طبيعية، أو قتلت، حتى أمر الطبيب الأرجنتيني بتشريح جثتها، ثم دفنت في جزيرة أبيها مع أبيها.
هل أغنى عنها مالها؟ ما أغنى عنها مالها في الدنيا، أما في الآخرة فستقول -لأنها ماتت كافرة-: (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ)([5] (http://www.hesnoman.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=8#_ftn5)).
إذن، المال وحده -أيها الإخوة- لا يجلب السعادة، ولا يحقق السعادة، فمن أكبر أوهام السعادة هي قضية التجارة.
وفي عصرنا الحاضر تلاحظون وتشاهدون كثيرا من التجار يعيشون في قلق دائم، يعيشون بيننا، تشاهدون من انسحبت أو من ذهبت منه تجارته يعيش في هم وغم، أذكر مثالا واحدا: أعرف أحد التجار، ملك الملايين، ثم ذهبت منه، وأخيرا ذهب يبحث عن عمل، وكانت وظيفته من كبار المسئولين في وزارة من الوزارات، فعين بماذا؟ على بند العمال. هذا موجود بيننا، نعم أيها الإخوة، أي سعادة في هذا المال؟!
هل السعادة في الشهرة؟

إذن، هل السعادة في الشهرة كالرياضة والفن؟ أقول: لا؛ لأن الشهرة شقاء لا سعادة، ولأن الشهرة لا حقيقة لها إن لم ترتبط بتقوى الله -سبحانه وتعالى- والذي يتقي الله -سبحانه وتعالى- لا يريد الشهرة، أن الشهرة فإذا ارتبطت بغير سبب أصيل فإنها تزول سريعا، وإذا زالت عن صاحبها عاش في شقاء وتعاسة دائمة.
أهل الرياضة لا يعيشون في سعادة، فأمراض القلب تنتابهم، وخفقات قلوبهم عند كل مباراة، تضطرب نفوسهم، وبعد سنوات ينساهم الناس، فيزدادون ألما.
أما أهل الفن، فمن أسوأ حياة يعيشها البشر حياة أهل الفن، طلاق.. مخدرات.. انحلال.. قلة حياء.. موت فضيلة، وأقصد بأهل الفن أهل الغناء والطرب، وموت الفضيلة، ولا أقول هذا من عندي، بل هو من مذكراتهم التي تعج بها الصحف صباح مساء.
خذوا مثلين: أنور وجدي زوج الممثلة اليهودية ليلى مراد، تقول في مذكراتها: إن زوجي كان ممثلا بسيطا، فقال: أتمنى أن أرزق أو أن أملك مليون جنيه، ولو أصبت بمرض. فقلت له: ما ينفعك المال إذا جاءك المرض؟ قال: أنفق جزءا من المال في علاج المرض، وأعيش في بقيته سعيدا. فملك أكثر من مليون جنيه وابتلاه الله بسرطان الكبد، فأنفق المليون جنيه وزيادة، ولم يجد السعادة، حتى إنه كان لا يأكل إلا شيئا يسيرا من الطعام، ثم مات بهذا المرض حسيرا نادما.
المثل الثاني: نيازي مصطفى، وهو من كبار المخرجين، واسمحوا لي لا أحب أن أؤذي مسامعكم بهؤلاء العفن، نعم. نيازي مصطفى من كبار المخرجين، ولكنه عاش حياة شقاء، وعندما بلغ السبعين من عمره وجدوه قد مات في شقته، ووجدوا أنه في تلك الليلة التي مات فيها قد أقام حفلة صاخبة شاركه فيها أكثر من عشر فتيات، دعر وسكر وخيانة، ومات في هذه الحالة المأساوية التي ترونها.
عبد الحليم حافظ، كل حياته يعرفها كثير منكم، مات في مرض، أو عاش حياته مريضا، ولم يتزوج، ومات في منتصف العمر، أي بعد الخمسين بقليل، في قمة الشقاء.
أي حياة؟ إذن، لا سعادة لهؤلاء.
هل السعادة في نيل أعلى الشهادات؟

طيب، إذًا هل السعادة في نيل أعلى الشهادات؟ أن يصبح دكتورا؟ أقول لكم: لا، وحتى لا أطيل عليكم اسمعوا إلى هذه القصة الحديثة التي نشرتها مجلة اليمامة منذ عددين أو ثلاثة: طبيبة تصرخ تقول: أعطوني زوجا، اسمعوا ماذا تقول هذا الطبيبة؟ تصوروا امرأة طبيبة دكتورة، في نظر كثير من الناس أن هذه سعيدة جدا، ما دامت امرأة، واستطاعت أن تكون دكتورة، وطبيبة أيضا؛ لأن الناس ينظرون إلى أن أعلى الشهادات هي التي في الطب، وهذا نظر خاطئ، ولكن أقول هذا نظر الناس.
إذا كان إنسان دكتورا وفي الطب، فإن هذا يعيش قمة السعادة، اسمعوا ماذا تقول هذه المرأة؟ وماذا سطرت بقلمها؟ حقيقة لا أنقلها من خيال ولكن من واقع، تقول هذه المرأة، ونقلت لكم جزءا منها:
"السابعة صباحا أو السابعة من صباح كل يوم وقت يستفزني، ويستمطر أدمعي، لماذا؟ أركب خلف السائق متوجهة صوب عيادتي" -تقول هكذا، ثم تعقب بين قوسين: "متوجهة صوب عيادتي، بل مدفني، بل زنزانتي".
تعبر عن عيادتها التي طالما كافحت حتى تصل إلى هذه العيادة، تعبر عنها بالمدفن، تعبر عنها بالزنزانة، ثم تقول: "أصل مثواي"، بدل أن تقول أصل إلى مكتبي، وإلى مقر سعادتي، تقول: "أصل مثواي، النساء ينظرن إلى معطفي"، إذا أقبلت ينظر النساء اللاتي ينتظرن -وهي طبيبة أطفال- إليها تقول: "النساء ينظرن إلى معطفي الأبيض، وكأنه بردة حرير فارسية، هذا في نظر الناس، وهو في نظري لباس حداد لي".
ثم تواصل قولها: "أدخل عيادتي، أتقلد سماعتي، وكأنها حبل مشنقة يلتف حول عنقي، هذه السماعة التي طالت تدربت على حملها واستعمالها".
تقول: "أتقلد سماعتي وكأنها حبل مشنقة يلتف حول عنقي، الآن العقد الثالث يستعد لإكمال التفافه حول عنقي -أي بلغت الثلاثين- والتشاؤم ينتابني على المستقبل".
وأخيرا تقول: "خذوا شهاداتي ومعاطفي، وكل مراجعي، وجالب السعادة الزائفة -هي تقول ذلك- خذوا جالب السعادة الزائفة المال، وأسمعوني كلمة "ماما".
ثم تقول هذه الأبيات:
لقـد كـنت أرجـو أن يقال: طبيبة

فقد قيل, ماذا نالني من مقالهـا؟
فقـل للتـي كـانت ترى فيّ قدوة:

هي اليوم بين الناس يرثى لحالها
وكـل مناهـا بعض طفـل تضمه

فهـل ممكن أن تشـتريه بمالها؟


دكتورة (س. ع.غ ) الرياض.
هل السعادة في المنصب؟

إذن، لعل أصحاب السعادة هم السلاطين والزعماء، وأصحاب المناصب من الوزراء وأمثالهم، أقول لكم: لا. لماذا؟
لأن المسئولية همٌ في الدنيا، وحسرة وندامة يوم القيامة، أن من انتقى، أو أن من ابتغى المنصب والسلطان لا يفارقه الهم خوفا من زواله، ويشقى للمحافظة عليه، أنه إذا زال منصبه -ولا بد أن يزول- عاش حياته تعيسا بقية عمره، أن المنصب قد يكون سببا في هلاك صاحبه؛ ولذلك يعيش في خوف وقلق دائمين.
سأذكر لكم الأمثلة، ولكن أذكر قبل هذه الأمثلة قصة عجيبة حدثت لأحد الزعماء، تبين لكم الخوف الذي ينتابهم، يقول أحد حراسه: في يوم من الأيام سمعنا صوتا مفزعا في قصر هذا الرئيس، في قصر هذا الزعيم، فأعلنت حالة الطوارئ، ودخل البعض للمخابئ، ونكتشف الحقيقة أن برميل الغاز قد انفجر، برميل الغاز سبب الهلع، وكاد أن يقيم الحرب.
إذن، هذا يدل على أن النفسية من الداخل قد انهارت؛ استعدادا لأي طلقة تطلق في أي لحظة من اللحظات.
أما الدليل على ذلك: فرعون وهامان، وقصتهما قد خلدها القرآن، أما في العصر الحاضر فأسرد أمثلة بسرعة: ماذا فعل شاه إيران؟ الذي أقام حفلا ليعيد في ذكرى مرور 2500 على الدولة الفارسية، وأراد أن يبسط نفوذه عل الخليج ثم على العالم العربي بعد ذلك؛ ليلتقي مع اليهود، الذي كان يتغنى، يتقلب كالطاووس، كيف حاله؟ تشرد، طُرد، لم يجد بلدا يؤويه، حتى أمريكا الذي كان أقل من أذل عميل لها ماذا فعلت به؟ حتى مات شريدا طريدا في مرض السرطان والهم والغم في مصر، وأولاده الآن متفرقين في سبع قارات.
رئيس الفلبين ماذا حدث له؟ والله لقد قلبت نظري منذ عدة سنوات، جاء إلى الرياض فأجرت معه الجزيرة، أو أجرت مع زوجته مقابلة في غاية الجزيرة، وتتحدث كأن الدنيا باقية لها ولزوجها، هذه الزوجة، كيف بطش بالمسلمين، بطش بشعبه، وكأنه خالدا مخلدا، انظروا حاله الآن، يعيش طريدا، يحاكم من أمريكا، وهو من أخس عملائها، يطلب الآن الرجوع إلى بلده ولكنه لا يستطيع، سبحان الله! سبحان مالك الملك!
بوكاسا، وما أدراك ما بوكاسا! الذي صور لنفسه أنه إمبراطور، وكثير منكم يذكر صورته في أفريقيا الوسطى، عندما زار فرنسا قام انقلاب عليه، فتشرد في فرنسا حتى ضاقت به الأرض، وجاء باسم مستعار إلى بلده فقبضوا عليه، وهو يحاكم، وحوكم في بلده، ولا أعلم هل قتل الآن أو لم يقتل، ولكن أصيب بعدة أمراض أقلها أمراض التعاسة والهم والغم، في البلد الذي قبل سنوات نصب نفسه إمبراطورا لها.
وأخيرا ماذا جرى لبورقيبة؟ سنن، عجائب، أدلة، يريه الله الذلة في حياته قبل مماته؛ لأنه كفر بالله -سبحانه وتعالى- وبطش وتجبر واستكبر على يد أقرب الناس إليه، وغيرهم كثير وكثير، ومضى كثير، ويلحق كثير.
إذن، هذه هي السعادة الوهمية التي يتصور الناس أنها هي حقيقة السعادة، فكم من أناس نحسب أنهم سعداء وهم في قمة الشقاء والبؤس، يصور هذا المعنى حمد الحج -رحمه الله- في قصيدته التي يقول فيها:
مـا لقيت الأنـام إلا رأوا منـي

ابتسـاما وليس يـدرون مـا بي
أُظهـر الانشـراح للنـاس حتى

يتمنــوا أنهــم فــي ثيـابي


يقولون: هذه قمة السعادة، ثم يقول:
لـو دروا أننـي شـقي حـزين

ضـاق فـي عينه فسيح الرحاب
لتنـاءوا عنـي ولـم ينظرونـي

ثــم زادوا نفورهم بـاغتيابـي
فكــأني آتــي بـأعظم جـرم

لـو تبـدت التعاسـة للصحـاب
هـكذا النـاس يطلبـون المنايـا

للـذي بينهـم جـليل المصـاب


وهذا معنى دقيق صحيح.
ومن الأدلة على السعادة الوهمية ما تعيشه أوربا، وبخاصة الدول الإسكندنافية، حيث إنها أغنى الدول في مستوى دخل الفرد فيها ومستوى الدولة، ومع ذلك فهي تمثل أعلى نسب الانتحار.
والسويد أغنى دولة في العالم بالنسبة لدخل الفرد، وهي أعلى دولة في نسب الانتحار، أي سعادة أيها الإخوة؟
والدول الإسلامية -وأكثرها فقيرة- تمثل أقل نسبة من نسب الانتحار.

[1] (http://www.hesnoman.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=8#_ftnref1) - سورة القصص آية : 79 .

[2] (http://www.hesnoman.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=8#_ftnref2) - سورة القصص آية : 79 .

[3] (http://www.hesnoman.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=8#_ftnref3) - سورة القصص آية : 81 .

[4] (http://www.hesnoman.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=8#_ftnref4) - سورة الحاقة آية : 28 .

[5] (http://www.hesnoman.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=8#_ftnref5) - سورة الحاقة آية : 28 .