مشاهدة النسخة كاملة : بحث لــــ(( امرؤ القيس ))


بو حمود
10-03-2008, 06:07 PM
امرؤالقيس
نحو (130 - 80 ق. هـ = 496 - 544م)...

هو امرؤالقيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن معاوية بن ثور وهو كندة. شاعرجاهلي يعد أشهر شعراء العرب على الإطلاق، يماني الأصل، مولده بنجد. كان أبوه ملكأسد وغطفان، ويروى أن أمّه فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير أخت كليب ومهلهل ابنيربيعة التغلبيين. وليس في شعره ما يثبت ذلك، بل إنه يذكر أن خاله يدعى ابن كبشة حيثيقول:

خالي ابنُ كبشة قد علمتَ مكانه - وأبو يزيدَ ورهطُهُأعماميقال الشعر وهو غلام، وجعل يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب، فبلغ ذلكأباه، فنهاه عن سيرته فلم ينته، فأبعده إلى حضرموت موطن أبيه وعشيرته، وهو في نحوالعشرين من عمره. أقام زهاء خمس سنين، ثم جعل يتنقل مع أصحابه في أحياء العرب، يشربويطرب ويغزو ويلهو، إلى أن ثار بنو أسد على أبيه فقتلوه، فبلغه ذلك وهو جالس للشرابفقال: رحم الله أبي! ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً، لا صحو اليوم ولا سكر غداً،اليوم خمر وغداً أمر. وذهب إلى المنذر ملك العراق، وطاف قبائل العرب حتى انتهى إلىالسموأل، فأجاره ومكث عنده مدة، ثم قصد الحارث بن شمر الغساني في الشام، فسيرهالحارث إلى القسطنطينية للقاء قيصر الروم يوستينياس، ولما كان بأنقرة ظهرت في جسمهقروح فأقام فيها إلى أن مات.

وليس يعرف تاريخ ولادة امرئ القيس ولا تاريخوفاته، ويصعب الوصول إلى تحديد تواريخ دقيقة مما بلغنا من مصادر. وتذهب بعضالدراسات الحديثة إلى أن امرأ القيس توفي بين عام 530م. وعام 540م. وأخرى إلى أنّوفاته كانت حوالي عام 550م. وغيرها تحدّد عام 565م. إلاّ أن هناك بعض الأحداثالثابتة تاريخياً ويمكن أن تساعد على تحديد الفترة التي عاش فيها.

يقول ابنقتيبة إن قبَّاذ ملك الفرس ملَّك الحارث بن عمرو جدّ امرئ القيس على العرب. ويقولأهل اليمن إن تبّعاً الأخير ملَّكه وكان الحارث ابن أخته، فلما هلك قبَّاذ خلفهابنه أنو شروان فملَّك الحيرة المنذر بن ماء السماء. ولا يبدو من تناقض بين ما يراهابن قتيبة وما يرويه عن أهل اليمن فليس بمستبعد أن تبّعاً هو من ولَّى الحارث ملكاًفي الشمال. وكندة تعود إلى أصول يمنية، وذلك لا يمنع من أن يكون قبَّاذ قوَّى ملكالحارث وبسط نفوذه على مناطق لم تكن خاضعة له من قبل. وهذا ما يذهب إليه الأصبهانيناقلاً عن كثير من الروايات المتفقة على أن قبَّاذ طرد المنذر من الحيرة لأنه رفضالدخول معه في الدعوة التي قام بها مزدك في عهده والتي يدعو فيها إلى إباحة الحرم،على حدّ تعبير الأصبهاني، وشدَّد ملك الحارث الذي أخذ بالمزدكية عقيدة، ويبدو أنهملَّك الحارث على الحيرة مكان المنذر. ويرجّح أن الحارث أخذ بالمزدكية لبسط نفوذهونفوذ قومه على شبه الجزيرة حتى أصبح بإمكانه أن يولّي أبناءه الملك على مناطقشاسعة. ولما مات قبَّاذ أخذ الحكم ابنه أنو شروان وذلك عام 531م. وكان على خلاف معأبيه في شأن مزدك وتعاليمه، فأعاد المنذر إلى الحيرة، وقاتل الحارث الذي هرب إلىأرض كليب ونجا. ولا يعرف تاريخ وفاة الحارث، وتختلف الروايات عن كيفية موته: فكلبيزعمون أنهم قتلوه، وكندة تزعم أنه مات خلال رحلة صيد، وآخرون يقولون إنه مكث فيبني كلب حتى مات حتف أنفه. ويستنتج ممّا تقدم أن حجراً كان ملكاً على أسد قبل عام 531م. حين كان أبوه ما يزال في أوج سلطته. ولا خلاف على مولد امرئ القيس ببلاد أسدأي أنه ولد قبل عام 531م. وأي تاريخ محدَّد يوضع لولادته ليس أكثر من مجرَّدتخمين.

وكذلك الأمر بالنسبة لتاريخ وفاته الذي يمكن أن يرجّح من خلالاستقراء الأحداث التاريخية المدوَّنة كما وصلتنا. فقد ثارت بنو أسد وقتلت حجراًأباه، ولا يعرف لهذا الحدث تاريخ، إلاّ أن معظم الروايات التي يوردها الأصبهانيتتفق على أن امرأ القيس كان شاباً عند مقتل أبيه. ويروي أبو عمرو الشيباني (م206هـ) أن امرأ القيس قاتل مع أبيه ضد بني أسد حين انهزمت كندة، وفرَّ على فرس له شقراءبينما يروي ابن السكيت (م245هـ) أنه كان في مجلس شراب يلعب النرد حين أتاه نعي أبيهووصيته بالثأر. غير أن الهيثم بن عدي (م 206هـ) يذكر أن امرأ القيس لما قتل أبوهكان غلاماً قد ترعرع. ولكن هذه الباحثة لا تطمئن إلى صحة هذه الرواية لأن امرأالقيس قال معظم شعره اللاهي، بما في ذلك مطوَّلته، "قفا نبكِ" قبل مقتل أبيه، وليسذلك بشعر غلام، بل شعر رجل ناضج. كما أن هذه الرواية لا تؤيِّدها الروايات الأخرىعن مقتل حجر التي تجعل من الشاعر إما مقاتلاً في جيش أبيه وإما لاهياً يقول: "ضيّعني صغيراً وحمَّلني دمه كبيراً" حسب رواية ابن الكلبي (م204هـ). كما أنها تنفيروايات سعيه للثأر لأبيه، المتفق عليها، فكيف يسعى غلامٌ ذلك المسعىالكبير.

وأما الحدث الذي يسهم، دون غيره، في تحديد الفترة التي توفي فيهاامرؤ القيس، فهو ذهابه إلى القسطنطينية ولقاؤه قيصر الذي توجّه إليه لطلب المعونةفي استرداد ملك أبيه، مستغلاً العداوة التاريخية بين الروم والفرس وصراعه مع المنذربن ماء السماء الذي أعاده أنو شروان إلى الحيرة طارداً منها جدّه الحارث. وقد كانتبين امرئ القيس وبين المنذر حروب طويلة. وكان إمبراطور بيزنطية حينذاك يوستنيانوس،وهو آخر أعظم أباطرة بيزنطية، وقد حكم من عام 527م. إلى 565م.، وخاض حروباً امتدتطوال حياته ضد أنو شروان، وكانت أنطاكية والمناطق المحيطة بها مسرحاً لتلك الحروب. وقد تم توقيع أول معاهدة سلم بينهما عام 532م.، وسُمِّيت "معاهدة السلام الأبدي". غير أن الحرب عادت إلى الاشتعال وسقطت أنطاكية بيد الفرس عام 540م. وبقيت بأيديهمحتى عام 545م. حين وقَّعت بينهما اتفاقية هدنة. وتجدَّدت الحرب عام 551م، واتفقمجدَّداً على هدنة عام 557م، ولم تعد أنطاكية إلى بيزنطية إلاّ عام 561م. حين اتفقيوستنيانوس وأنو شروان على هدنة لمدّة خمسين سنة بشرط أن تدفع بيزنطية الجزيةلفارس.

ولعلَّه يصحّ الاستنتاج ممَّا تقدّم أن امرأ القيس لم يذهب إلىالقسطنطينية إلا بعد عام 561م، بعد انتهاء تلك الحروب وبعد عودة أنطاكية إلى الروم،لأن طريق رحلته إلى القسطنطينية تمرّ في تلك المناطق التي لن يجتازها وهي بأيديأعدائه من الفرس وأنصارهم من العرب. وقد وفَّر امرؤ القيس نفسه دليلاً على الطريقالتي سلكها في تلك الرحلة في قصيدته "سما لك شوق بعدما كان أقصرا"، وفيها يذكر بلادالشام التي مرَّ بقراها ومدنها كحوران وبعلبك وحماه وخملى، ومنها إلى أراضيالإمبراطورية الرومانية الشرقية. ومن هنا تميل هذه الباحثة إلى تحديد تاريخ وفاةامرئ القيس، التي تجمع الروايات أنها حدثت في طريق عودته من القسطنطينية، بين عام 563م. و 564م. وقبل عام 565م، تاريخ وفاة يوستنيانوس.

ويذهب الرواة إلى أنقيصر بعث إليه في طريق عودته بحلّة مسمومة تقرّح جلده حين لبسها ومات، بعد أن كانقد أحسن وفادته زوَّده بجيش لمساعدته في استرداد ملك أبيه، وإن اختلفوا في الأسبابالتي قادته إلى قتله. ورواية الحلّة المسمومة ظاهرة التهافت وكذلك قصة قتلهوالوشاية به، وليس في شعره ما يوحي بذلك. ويبدو أن امرأ القيس مات بمرض جلديّ يذكرهفي شعره، وقد عانى منه في السابق وإن لم يكن بالحدّة نفسها، وهو افتراض يدعمه بيتشعر قاله:

تأوَّبني دائي القديمُ فغلّسا - أُحاذِرُ أن يرتدَّ دائيفأُنْكَساعاش امرؤ القيس حياة غنيّة بالتجربة بين قطبي اللهو الحرب. وكانفي عزّة ورخاء عيش حين كان أبوه ملكاً، يلهو ويشرب ويذهب إلى الصيد ويقول الشعر،إلى أن طرده أبوه فكان يسير في أحياء العرب مع شذّاذهم مواصلاً حياة اللهو والشربوالأكل والغناء. وبعد مقتل أبيه حرَّم على نفسه الخمر والنساء حتى يأخذ بثأره،وواصل السعي لاسترداد الملك المفقود. وسيرة امرئ القيس تكشف جوانب تاريخية مهمّة منتاريخ القبائل العربية في تلك الحقبة، من اليمن إلى أواسط شبه الجزيرة وشمالها،وتتضمّن صورة من صور الصراع المحتدم بين الروم والفرس وعملائهم من الغساسنةواللّخميين. وكان امرؤ القيس قد طاف في طول شبه الجزيرة وعرضها باحثاً عن أنصارلدعمه في سعيه للثأر لأبيه واسترداد ملكه أو هارباً من أعدائه. لقد استنصر أولاًبكراً وتغلب فنصروه وقاتلوا معه بني أسد حتى كثرت فيهم الجرحى والقتلى وهربوا،ولكنهم رفضوا أن يلحقوا ببني أسد حين أراد امرؤ القيس أن يتبعهم بحجة أنه قد أصابثأره. فذهب إلى اليمن واستنصر أزد شنوءة فأبوا أن ينصروه. فلحق بحمير فساعدته،واستأجر من قبائل العرب رجالاً وسار بهم إلى بني أسد، والتقاه المنذر ومعه جيوش منإياد وبهراء وتنوخ مع جيش من الأساورة أمدّه به أنو شروان. فتفرَّقت حمير وهرب هووجماعنه، فنزل في رجل من بني حنظلة ولبث عنده حتى بعث المنذر إلى الرجل مائة منأصحابه يوعده بالحرب إن لم يسلِّم امرأ القيس وجماعته، ونجا امرؤ القيس وابنته هندويزيد بنمعاوية بن الحارث ابن عمه، والتجأ عند سعد بن الضباب الإيادي، ثم نزل فيبني نبهان من طيء، وبعدها انتقل إلى رجل من بني ثعل من طيء استجار به فوقعت بينالثعلي وبعض أعداء امرئ القيس حرب فخرج من عندهم ونزل برجل من بني فزارة قيل إنه هومن نصحه بالذهاب إلى قيصر، وأرسله إلى السموأل بتيماء فاستودعه دروعه وماله وابنتهوبقي معها ابن عمه. وبعث به السموأل إلى الحارث بن أبي شمر الغسّاني بالشام الذيأوصله إلى قيصر. والحارث، وهو الذي ملَّكه الإمبراطور البيزنطي على الشام ليقاتلأعداء الإمبراطورية وبالأخص أنصار الفرس من العرب وعلى رأسهم اللخميين ممثلينبالمنذر بن ماء السماء، عدو امرئ القيس، ليس من المستغرب أن يساعد عدوّ عدوّه علىالوصول إلى غايته ليشتد في قتال ذلك العدو. ولا مجال لإثبات ما إذا كان قيصر قددعمه بجيش كما قال الرواة العرب، وليس بمستبعد أن لا يفعل ذلك خصوصاً إذا قبلناالافتراض بأن امرأ القيس توجَّه إليه بعد توقيع هدنة الخمسين سنة مع أنو شروان، بعداسترداد أنطاكية.

إن ما يبرز ممّا ذكرنا من أحداث هو أن هذه الفترة من تاريخالعرب كانت فترة صراع داخلي بين القبائل العربية المشتَّتة الولاء بين الروموالفرس، القوَّتين العظميين في ذلك الزمان، وقطبي الصراع السياسي العنيف في ذلكالتاريخ، وكانت تلك المرحلة مرحلة انحسار سياسي واقتصادي واجتماعي في تاريخ شبهالجزيرة العربية، فاليمن سقط سنة 525م. تحت الاحتلال الحبشي، وسقطت بذلك مملكة كندةالتي استمدَّت كيانها وقوّتها من اليمن، وتناثرت القبائل التي اتحدت تحت لوائها بعدأن كانت ? على حدّ قول برنارد لويس- بما حقَّقته من مكانة وانتصارات وتوسّع، أعظماتحاد قبل الإسلام، بين قبائل الشمال والوسط، وصلت إلى ذروة نضجها في القرن السادسالميلادي، ولها تدين اللغة العربية الموحَّدة ويدين التراث الشعري الموحَّد،بنشأتهما وتطوّرهما. وقد أخفقت محاولة امرئ القيس في تجميع شتات تلك القبائل وإعادةبناء المملكة، وكانت محاولة فردية جاءت في وقت عمَّ فيه الانحلال والفوضىوالانهيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وظلَّ الانحدار مستمراً، ولكنه كانينطوي على بذور نهضة كبيرة فتَّقتها الدعوة الإسلامية ففجَّرت انبعاثاً حضارياًأصيلاً حقَّق للعرب وحدتهم السياسية ودولة امتدَّت من الصين إلى أواسطأوروبا.

وقال عنه ابن بليهد: بلدته (أي امرؤ القيس) ذو جرة قرية بمخلاف "السكاسك" في اليمن، وهو رجل كان كثير التنقل في أول شبابه، ولذلك ورد في شعره كثيرمن أسماء المواضع في مختلف أنحاء الجزيرة؛ فذكر مواضع من حضرموت، كدمون وعندل،ومواضع في شمال نجد كأسيس والطها وتيماء السموءل، ومواضع في عالية نجد الشمالية،كمنعِج وعاقِل؛ ومواضع في عالية نجد الجنوبية، كالدخول وحومل وتوضح والمقراة. ومنعادة الشعراء المتقدمين ذكر المواضع المتباعدة في القصيدة الواحدة. بل في البيتالواحد وقد وفد على قيصر ملك الروم، وهو يقول في هذه الرحلة:

بكى صاحبي لمارأى الدرب دونه - وأيقن أنّا لاحقان بقيصراوإذا كان الحديث يجر بعضه بعضاًفإني أحب أن أشير إلى غلط وقع فيه كثير من الباحثين في المواضع، وهو الاعتقاد بأنبلد الشاعر صاحب هذه المعلقة هي "مراة" المعروفة في الوشم، وأول من علمته وقع فيهذا الخطأ كاتب نشر في جريدة "أم القرى" منذ ثلاث وعشرين سنة تقريباً رحلة بعنوان "الرحلة السلطانية". ثم أتى كاتب آخر فنشر رحلة أخرى في جريدة "صوت الحجاز" فيسنتها الأولى، قال فيها إن "مراة" هي "المقراة" التي وردت في شعر امرئ القيس، ثمجاء كاتب ثالث فقال في كتاب مطبوع معروف: إن امرأ القيس ولد في "مراة" وآخر منعلمته وقع في ذلك الخطأ: الأستاذ أحمد حسين في كتابه "مشاهداتي في جزيرة العرب". ومنشأ هذا الخطأ: أن "مراة" قد نسبت في بعض مؤلفات القدامى إلى امرئ القيس، ولكناسم امرئ القيس اسم شائع في العهد الجاهلي، واشتهر به كثير من الشعراء وغيرهم،وللأستاذ حسن السندوبي بحث ممتع عن "المراقسة" طبعه مع ديوان امرئ القيس، وفي "المزهر" للسيوطي و "شعراء النصرانية" لليسوعي تفصيل عنهم. والذي وقع في مؤلفاتأسلافنا من العلماء صحيح. ولكن امرأ القيس الذي تنسب إليه "مراة" ليس هو امرؤ القيسبن حُجر الكندي، صاحب المعلقة؛ فقد جاء هذا الخطأ من الاغترار بذكر "امرئ القيس" وإنما هو امرؤ القيس بن زيد مناة بن تميم، وتميم هم سكان الوشم في العهد القديم. فمراة لبني امرئ القيس، وثرمداء لبني سعد، وأثيفية لبني يربوع من بني حنظلة الذينمنهم بلال الشاعر، وذات غسل لبني العنبر. وامرؤ القيس بن حجر الشاعر المشهور لميسكن مراة المعروفة في بلاد الوشم.

وقد اهتم المستشرقون الغربيون بشعراءالمعلقات وأولوا اهتماماً خاصاً بالتعرف على حياتهم، فقد قالت ليدي آن بلنت وقالفلفريد شافن بلنت عن امرئ القيس في كتاب لهما عن المعلقات السبع صدر في بداية القرنالعشرين: امرؤ القيس بن حجر، أقدم وأكثر شعراء الجاهلية الذين وصلت أعمالهم إليناإثارة للاهتمام. كان عربياً نبيل الدم ينحدر من ملوك حمير من كندة، الذين حكمواجزءاً من اليمن تحت سلطة رئيس عائلتهم، توبا، التي عرف بها أو لقب إمبراطور اليمن. يقول أبو عبيدة، مؤرخ عاش في زمن هارون الرشيد إن هؤلاء قد حصلوا على ملكهم في أياممملكة حمير، حيث انحدرت بعض القبائل من وائل ووجدوا أنفسهم في حالة من الفوضىلافتقارهم إلى رئيس كبير، فعقدوا اجتماعاً وقالوا:" صار للحمقى منا اليد الطولىوأكل القوي فينا الضعيف. لنذهب إلى توبا عله ينصب رئيساً علينا." فوضعهم تحت حكمقريبه حجر عقيل المرار الكندي وحكمهم حجر وأولاده من بعده. كان حجر والد امرؤ القيسالحفيد الأول لحجر الأول. الشيء نفسه حدث معه حيث اختارته قبيلة بني أسد وقطفانحاكماً عليهما. كان ملوك كندي آخر الذين حكموا اليمن من حمير وعادوا إلى موطنهمالأصلي حمير في حضرموت في آخر قرن قبل الإسلام.

والده حجر بن حارث أميرقبيلتي بني أسد وقطفان في اليمن. أنزل منزلة خاصة في خيمة والده كونه أصغر أخوته،وكذلك احتفت به نساء القبيلة في شبابه لوسامته وفطنته، ونسبت له كثير من المغامراتالغرامية بما في ذلك ما ذكره في معلقته. غضب والده عليه بسبب فضائحه وإفراطه في شعرالحب، فأرسله كما الحال والشباب في هذه الأيام ليرعى إبله في مكان بعيد في الصحراء،لكن هذا لم يستمر طويلاً. أهمل مهمته وقضى وقته في نظم الشعر عن دوابه وفرس والده،حتى أوكل إليه العمل كمجرد راعي خراف ما أعتبره امرؤ القيس إهانة عظيمة. جرح هذاكبرياءه فرفض وخرج في زمرة من الصعاليك حتى طرد أخيراً من مناطق نفوذوالده.

وكان الرجال الذين يرتكبون أخطاء أخلاقية بحق القبيلة يطردون منهاوينبذون من قبل أفراد القبيلة. ما زال هؤلاء الهاربين يشكلون عصابات من اللصوصالخارجين عن القانون حتى هذه الأيام، وهم أشد خطراً على المسافرين من غزوات البدوالعادية. يعيشون في الجبال بين الصخور وفي الكهوف حيثما وجدت في الجزيرة. وصفهمدوفتي باسم " هبيلة " في كتابه " الصحراء العربية " يقول:" الهبيلة أشرار الصحراءالذين يخشاهم رجال القبائل البدو الرحل، كما يخشى الحضر وسكان الواحات البدو. الهبيلة عادة شباب أوغاد لا يملكون ماشية أو قطعان يعرضون أنفسهم لكل مخاطرة شرسة،لكن بعضهم رجال وحيدين مفعمين بالنشاط يحركهم مزاجهم غير الهادىء من كسلهم في ظلالخيام إلى التجوال خلسة كالذئاب بحثاً عن فريسة في البراري. يتحمل هؤلاء الخارجينعن القانون المصاعب الشاقة وغالباً ما تكون لهم صفات الوثنية المتوحشة. يقال إنهملا يتركون أحداً حياً. إلى حد ما هم دوماً من الخدم الذين لا يفهمون بسهولةويترصدون فريستهم تحت الصخور وفي الأدغال. خلال سنوات ترحاله والسنوات التي تلت،عندما كان في الخامسة والعشرين تقريباً، كتب معلقته الشهيرة، أولالمعلقات.

كما تزوج في الفترة نفسها زوجته الأولى، لم يكن ذلك أقل أعمالهالطائشة، إذ قيل إنه أقسم بعدم الزواج ثانية إلا أن يقابل المرأة التي تحل لغزاًابتدعه. كان سؤال اللغز " ما ثمانية وأربعة واثنان ?" وكانت الإجابة التي يتلقاهاعادة " الرقم 14 " حتى كان يوماً فيه مسافراً في نجد، وقابل في طريقه شيخاً معابنته الذكية التي حلت اللغز بقولها:" أما ثمانية فأطباء الكلبة، وأما أربعة فأحلافالناقة وأما اثنان فثديا المرأة." فخطبها إلى أبيها فزوجه إياها وأنجب منها عدةأبناء وابنته هند. لا تعرف زوجة امرؤ القيس الأولى باستثناء أنها من عائلة كريمة. وشرطت هي عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال. فجعل لها ذلك وأن يسوق لها مائةمن الإبل وعشر أعبد وعشرة وصائف وثلاث أفراس. ففعل ذلك. ثم أن بعث عبداً له إلىالمرأة وأهدى إليها نحياً من السمن ونحياً من عسل وحلة من عصب. فنزل العبد ببعضالمياه فنشر الحلة ولبسها فتعلقت بعشرة فانشقت. وفتح النحيين فطعم أهل الماء منهمافنقصا. ثم قدم على حي المرأة وهو خلوف. فسألها عن أبيها وأمها وأخيها ودفع إليهاهديتها. فقالت له أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيداً ويبعد قريباً، وأن أمي ذهبتتشق النفس نفسين، وأن أخي يراعي الشمس وأن سماءكم انشقت وأن وعاءكم نضبا. فقدمالغلام على مولاه فأخبره. فقال: أما قولها إن أبي ذهب يقرب بعيداً ويبعد قريباً فإنأباها ذهب يحالف قوماً على قومه. وأما قولها ذهبت أمي تشق النفس نفسين، فإن أخاهافي سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به. وأما قولها: إن سماءكم انشقت فإنالبرد الذي بعثت به انشق. أما قولها إن وعاءكم نضبا، فإن النحيين الذين بعثت بهمانقصا. فأصدقني. فقال : يا مولاي، إني نزلت بماء من مياه العرب. فسألوني عن نسبيفأخبرتهم إني ابن عمك ونشرت الحلة فانشقت وفتحت النحيين فأطعمتمنهما أهل الماء. فقال: أولى لك!

ثم ساق مائة من الإبل وخرج نحوها ومعه الغلام. فنزل منزلاً. فخرج الغلام يسقي الإبل فعجز، فأعانه امرؤ القيس فرمى به الغلام في البئر، وخرج حتىأتى المرأة بالإبل وأخبرهم أنه زوجها. فقيل لها: قد جاء زوجك. فقالت: والله ما أدريأزوجي هو أم لا! ولكن انحروا له جزوراً وأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا. فقالت: اسقوه لبناً جزوراً وهو الحامض فسقوه فشرب. فقالت: افرشوا له الفرث والدم. ففرشواله فنام فلما أصبحت أرسلت إليه إني أريد أن أسألك. فقال: سلي عما شئت. فقالت: مماتختلج شفتاك? قال لتقبيلي إياك. قالت: فمم يختلج كشحاك? قال: لالتزامي إياك. قالت: فمما يختلج فخذاك? قال لتوركي إياك. قالت: عليكم العبد فشدوا أيديكم به. ففعلوا. قال: ومر قوم فاستخرجوا امرؤ القيس من البئر. فرجع إلى حيه. فاستاق مائة من الإبلوأقبل إلى امرأته. فقيل لها قد جاء زوجك. فقالت: والله ما أدري أزوجي هو أم لا،ولكن انحروا له جزوراً فأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا. فلما أتوه بذلك قال: وأينالكبد والسنام والملحاء! فأبى أن يأكل. فقالت: اسقوه لبناً حارزاً. فأبى أن يشربهوقال: فأين الصريف والرثيئة! فقال: افرشوا له عند الرف والدم. فأبى أن ينام وقال: افرشوا لي فوق التلعة الحمراء واضربوا عليها خباء. ثم أرسلت إليه: هلم شريطتي عليكفي المسائل الثلاث. فأرسل إليها أن سلي عما شئت. فقالت: مما تختلج شفتاك? قال: لشربالمشعشعات. قالت: فمما يختلج كشحاك? قال: للبسي الحبرات. قالت: فمما تختلج فخذاك? قال لركضي المطهمات. فقالت: هذا زوجي لعمري! فعليكم به واقتلوا العبد. فقتلوه. ودخلامرؤ القيس بالجارية.

أتاه أثناء تجواله نعي أبيه وقد قتل في تمرد بني أسد. أوصى الوالد قبل موته بمواشيه وقطعانه لمن يأخذ بثأره من أبنائه ولا يبكي حين يأتيهخبر موته. بكى الأبناء الكبار كلهم، لكن امرؤ القيس كان منهمكاً في لعبة الداما عندوصول الخبر فلم يوله اهتماماً حتى أتم لعبته وربحها. ثم دون إشارة على أسى نهضوامتطى حصانه وعاد مع الرسل الذين جلبوا الخبر ليستعد للأخذ بالثار. هذا ما أرادهحجر وبذلك حصل امرؤ القيس على الإرث.

وشكك بعض المعلقين الأوائل في أن هذاهو الاسم الحقيقي للشاعر الذي اسماه ابن قاسم المغربي "جنداه" مفسراً أن اسم امرؤالقيس كان مجرد اسم مستعار فقط. يقولون إن امرؤ القيس تعني "رجل الأسى" وإن الاسمالمستعار أعطي للشاعر بسبب المحن التي واجهها. يقول الشيخ محمد عبده، أعظم دارسللعربية في عصرنا، إن هذا غير صحيح. يؤكد أن معنى امرؤ القيس ببساطة هو "الرجل" أيعبد قيس، أحد الآلهة الوثنية عند العرب، وإن الاسم استخدم دوماً كاسم علم مثلمايستخدم المسلمون الآن اسم عبد الله والمسيحيون عبد المسيح. صحيح أن قيس تحمل معنىالأسى أو المصاعب وربما كان الصنم يعني قديس الأسى الورع. يتكلم المؤرخوناليونانيون عن الشاعر ببساطة باسم قيس.

كان ما تبقى من تاريخ حياته، كمارواه صاحب كتاب الأغاني المصدر الرئيسي لمثل هذه القصص حكاية طويلة من المصاعبجلبتها عليه طاعته لوالده. عند عودته إلى اليمن، ناصره أقاربه من تغلب وبكر فيقتاله فوراً- تنحدر القبيلتان من وائل وينتمي امرؤ القيس إلى تغلب من جهة أمه. إنهما القبيلتان اللتان شكت أمرهما إلى عمر بن هند، ما سبب في نظم معلقة عمر بنكلثوم والحارث- وأوقع اتحادهم الرعب في بني أسد، حتى أنهم أرسلوا رسلاً إلى امرؤالقيس عارضين، علاوة على الفدية المعتادة، تقديم أحد زعمائهم إليه ليفعل به مايشاء. لكن بعد قضاء امرؤ القيس ليلة قلقة رفض في الصباح والدموع في عينيه كلمساومة. أعاد الرسل وهاجم بني أسد. حدث أن خيم هؤلاء مع قبيلته كنانة. ثم هجم قبلبزوغ الفجر تماماً مما أدى إلى ذبح رجال تغلب وبكر دون علم بعض أفراد من قبيلةكنانة التي لم تكن لها عداوة معهما. غضبت القبيلتان من امرؤ القيس حملاه مسؤوليةالخطأ، مع ذلك تبعوا معه قبيلة بني أسد عند نبع ماء وهزموهم، وإن فر بعضهم أثناءالليل. أراد امرؤ القيس مطاردتهم، لكن تغلب وبكر رفضتا وتركتاه لائمتان " ويل لك،أنت رجل شؤم! " وعادتا إلى ديارهما. طلب امرؤ القيس مساعدة أقاربه الآخرين، لكنهمرفضوا تباعاً، وبمساعدة مرتزقة من القبائل فقط استطاع الأخذ بثأره. يقال إنه عندماأدرك بني أسد في " بباله " وبها صنم تعظمه العرب يقال له ذو الخلصة. متبعاً عادةعربية وثنية، استقسم عنده بقداحة وهي ثلاثة الآمر والناهي والمتربص. فأجالها فخرجالناهي، ثم أجالها فخرج الناهي، ثم أجالها فخرج الناهي ثم أجالها فخرج الناهي. فجمعها وكسرها وضرب بها وجه الصنم وقال: مصصت بظر أمك! لو أبوك قتل ما عقتني " ثمخرج فظفر ببني أسد.

وصلت هذه الأخبار المنذر ملك الحيرة، فأرسل فرسان ضدامرؤ القيس الذي هرب من مكان إلى آخر ومن قبيلة إلى أخرى، من اليمن حتى نهر الفرات،باحثاً عن مأوى وحاملاً معه ما تبقى من إرث. كان يستقبل في كل مكان بالترحاب بسببقصائده، لكن بخشية من غضب ملك الحيرة. جاء في ترحاله إلى تلال طي، وعجا وسلمى (جبلشمر الآن) فاستقبله زعيم طي استقبالاً حسناً، وزوجه من ابنة من قبيلة أم جندب التيكانت زوجته الثانية. يقال إنها كانت ذكية أيضاً وفي أحد الأيام، كانت تصغي من خلفستارة إلى زوجها وشاعر غريم، علقمه، يلقيان بقصائد في مدح خيولهما، وكان الحكم منأفضل منهما. منحت الجائزة للغريب وحجتها أن امرؤ القيس افتخر بسرعة جواده لأنه يحثهبصوته وسوطه، بينما افتخر الآخر بأن جواده ليس بحاجة لهذا. غضب امرؤ القيس وطلقهافي الحال وسافر بحثاً عن مكان إقامة جديد مريح، وعداوة المنذر تطارده.

وكانهناك ثأر عائلي بين ملوك كندة وملوك الحيرة سبب ذلك كما ذكر في كتاب الأغاني: فيالأيام التي كان الحارث بن حجر ملك كندة والمنذر ملك الحيرة وكسرى كبعد الفيروز علىعرش فارس، ظهر في البلاط الفارسي مدرساً اسمه مردك بمذهب جديد بشر بثنائية الله (كروح طيبة وأخرى شريرة) وكذلك بمشاعة الحريم وإلى حد ما لا ينبغي على رجل رفضتقديم زوجته لرجل آخر. اعتنق كبعد هذه المبادىء وطلب من المنذر وأتباعه اعتناقهاأيضاً وكذلك الحارث.

أطاع الحارث طلبه، لكن المنذر رفض. لهذا السبب فصل كعبدالمنذر من حكومته وعين الحارث حاكماً للحيرة مكانه. حدث أن كان كبعد جالساً معزوجته يوماً، أم ابنه أنوشروان، وطلب مردك الملكة لإشباع شهوته. وافق كسرى، لكنأنوشروان نقم على إهانة أمه وتوسل مردك أن يتراجع حتى لو طلب منه تقبيل قدمه. أذعنمردك لذلك، غير أن المرارة بقيت في نفس أنوشروان. عند وفاة كبعد وتولي أنوشروانالحكم، انتقم من مردك وطائفته، الزنادقة، وقضى عليهم وأعاد المنذر إلى مملكته. كماأرسل فرسانه الفرس مع المنذر لإخراج الحارث من حكم الحيرة ومعهم رجال بني تغلبوالبحرة وإياد وتبع المنذر الحارث حتى إلى أرض كليب، وأخذ بني تغلب من الحارث ثروتهوثمانية وأربعين من رجال بيته، الذين ذبحهم المنذر في حفر الأملاك في أرض مزينا،وعلى هذا أنشد عمر بن كلثوم:

وسيد معشر قد توجوه - بتاج الملك يحميالمحجريناأخيراً بعد ترحال طويل لجأ إلى السموءل الذي بني لنفسه حصناً فيواحة تيما شمال نجد، حيث كان بإمكانه تحدي كل القادمين. يقال إن امرؤ القيس كان مازال يحمل خمسة أطقم قتال ورثها عن أجداده، لكل منها اسم، كما كانت سيوف الفرسانالأبطال المسيحيين. كان معه ابنته هند وابن عمه زيد. استقبل السموءل كل هؤلاء تحتحمايته وبقوا هناك حتى زادت ضغوط المنذر ولم يود امرؤ القيس توريط مضيفه في المشاكلوبناءً على نصيحته ذهب إلى القيصر في القسطنطينية.

كان وضع الحدود الشماليةللجزيرة العربية آنذاك مثلما هي اليوم أو قبل مئة سنة بين القبائل والإمبراطوريةالعثمانية. ادعى الإمبراطور، الذي لا يملك أي سلطة حقيقية جنوب فلسطين، دوماً ملكيةالجزيرة بكاملها، بينما في الجزء الشرقي من الصحراء، ادعى كسرى فارس أن له سلطانعلى قبائل الفرات عبر وسائط ملوك الحيرة. وعليه، كان الإمبراطور الحامي الطبيعي ضدالمنذر، ولم يكن طلب امرؤ القيس بلا طائل. مر عبر حكام فلسطين وسوريا وآسيا الصغرىإلى القسطنطينية، ووصل بلاط الإمبراطور حيث استقبل بكل حفاوة. أهله منصبه كأمير منعائلة كندي الملكية في حمير الدخول إلى الإمبراطور شخصياً ونزل في القصر مثلما كانالأمراء الأعوان المنفيين من نجد ينزلون في قصر يلدز. مع ذلك، لم يستمر حسن طالعهطويلاً حيث اتهم بعلاقة غرامية مع ابنة الإمبراطور، فأجبر على الرحيل ثانية عائداًصوب بلده، لكنه لم يعش حتى يراها. لحقه ضباط القيصر في أ نقرة وتظاهروا بتقديم هديةوداع له من سيدهم عبارة عن رداء شرف مسموم أدى إلى قتله، كما يقال سنة 565 ميلاديةوهو في الخامسة والأربعين. كان قبره موجوداً حتى القرن الثاني الهجري.

كسبالسموءل سمعة جيدة بين العرب لإخلاصه في هذه المغامرة. ضغط عليه خادم الإمبراطورالحارث ملك غسان لإعطائه الأطقم الخمسة المتروكة في عهدته في تيما، لكنه رفض ودفعحياة ابنه ثمناً لذلك، الذي قبض عليه الحارث كرهينة، وهكذا بقيت أمانته مضرب مثلبين العرب لوقت طويل.

يعرف وزن بيت معلقة امرؤ القيس بالبحر الطويل حيثينتهي كل بيت بتفعيلة مزدوجة وبصوت " لي " يقول المستشرقون إنها الأنموذج الذياستخدمه باقي شعراء المعلقات تقريباً وأسس لمدرسة جديدة في الشعر العربي قبل ذلك. بين المعلقات السبع هي التي تحتوي على أهم العناصر الإنسانية والطبيعية وأقلهاقدحاً، كما أنها الأسهل للفهم. باستثناء النقل المفاجيء من موضوع إلى آخر، ما هومشترك بين المعلقات كلها، هناك قليل من الإرباك أو ما يصعب فهمه. يبدأ الشاعربمغامراته الغرامية المروية بواقعية ثم يذهبإلى وصف الليل في الصحراء والسحروامتطاء جواده، وقيادة الضباء والاحتفال عند الغروب. تنتهي القصيدة بصورة عاصفةمفاجئة بيت التلال، قطعة تعتبر أرفع مستوى من الشعر وصل إلينا من شعراء الصحراء. إنها أول وأسهل المعلقات السبع ومبنية بأقل فن واع لذاته.

وقال دبليو إىكولستون عن امرئ القيس في كتاب من تحريره وتقديمه عن الشعر العربي: كان ابن حجر بنالحارث أميراً من قبيلة كندة. اسمه الحقيقي صندج، سمي امرؤ القيس لكثرة ما ألم بهمن مصائب. أطلق الرسول عليه لقب "الملك الضليل" لكونه أفضل شعراء عرب الجاهلية، كماقال فيه أيضاً إن بإمكانه قيادته إلى المحن. يلمح إلى مغامراته الغرامية مع فتاة منقبيلة أخرى في معلقته. سخط والده عليه ونفاه من القبيلة. هام سنوات حيث عاش حياةمجنون بين عرب الصحراء، حياة محفوفة بالمخاطر تشوبها الفاقة، تتراوح بين الوقوفببئر ماء إلى الاحتفال ورفاقه بلحم ناقة واحتساء خمر بينما تغني المطربات. وهكذاكان الشاعر منهمكاً في الشراب واللعب عندما جاءه رسول من قبيلته يعلمه بمقتل والدهمن قبل متمردين من رعيته. لم يجب أمرؤ القيس وقال لرفيقه الذي توقف عن اللعب " استمر " لكن عند نهاية اللعبة قال لرفيقه إنه لم يود إفساد لعبته، ثم التفت إلىالرسول واستمع إلى تفاصيل اغتيال والده وقال " ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً،اليوم خمر وغداً أمر".

زحف امرؤ القيس بجيش من قبيلتي تغلب وبكر (لم تكوناعلى خلاف آنذاك) إلى المتمردين الذين فروا خشية ثأره واحتموا بملك الحيرة، حينئذتخلى أنصاره عنه فطلب العون من أمير الحمرية مرتضى الخير، الذي وعده بخمسة مئة رجل،لكنه مات ولم يبد خلفه حماساً لمساعدة الأمير التعيس.

التجأ امرؤ القيس إلىمطالعة طالعه، كما كانت عادة العرب في الجاهلية قبل اتخاذ قرار. سحب سهام الحظالثلاثة " الأمر، الناهي، والمتربص" وكان المنع حظه ثلاث مرات. كسر الأسهم وألقىبها في وجه الصنم قائلاً:" لو أبوك قتل ما عقتني ".

حين وجد أنه لن يحصل علىمساعدة من أمير اليمن، قصد بلاط الإمبراطور جوستينين، لكن لسوء حظه أن عربياً كانقد سبقه هناك وكان والد امرؤ القيس قد قتل والده، فلعب في عقل الإمبراطور وجعلهيحقد على امرؤ القيس. غادر امرؤ القيس البلاط فلحقه رسول بثوب مسموم إلى أنقرة وماأن لبسه حتى أصيب بألم حاد وغطى جسده القرح ومات بعد حين. كانت آخركلماته:

رب خطبة مسحنفره - وطعنة مثعنجرةوجفنة متحيرة - حلت بأرضأنقرة