مشاهدة النسخة كاملة : التحكيم ف الاسلام


orient
31-01-2008, 09:58 AM
عرف العرب التحكيم قبل الإسلام ، بل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحترم هذا العرف ، وأصبح هو يوماً حكماً في قضية رفع الحجر الأسود . وتطرق القرآن الكريم إلى التحكيم ، وأوصى باتباعه في :
ـ الحياة السياسية، إذ يقول تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيـما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليـماً النساء: 65. وقوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل النساء : 58
ـ الشؤون الدينية كقوله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النِّعَم يحكم به ذوا عدل منكم المائدة : 95.
ـ الأمور العائلية والاجتماعية كقوله تعالى وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما النساء: 35.
فالإسلام عرف مبدأ التحكيم سواء في الأمور العائلية أو القضايا الدينية أو الحياة السياسية ، من أجل التوصل إلى تسوية النزاع بتوسط طرف ثالث . والتحكيم من الوسائل السلمية لحل النزاعات ، وذلك ما ينسجم مع روح الإسلام ومبادئه وأهدافه السامية ، وإرساء السلام بين أتباعه ، فالله تعالى يقول إنما المؤمنون إخوة ، فأصلحوا بين أخويكم ، واتقوا الله لعلكم ترحمون الحجرات: 10 .
ومورس التحكيم في المجتمع الإسلامي سواء بين الأفراد أو الجماعات المسلمة . ولعل أهم حادثة في التحكيم في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هي التحكيم بقضية بني قريظة، وكيفية التعامل معهم . فقد كان يهود بني قريظة قد أعطوا ميثاقهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكنهم نكثوا عهدهم في معركة الخندق إذ عرضوا مساعدتهم على قريش لمحاصرة المسلمين . فلما هرب المشركون توجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إليهم فحاصرهم خمسة عشر يوماً وهم في حصونهم ، ثم استسلموا ، فقبل صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون سعد بن معاذ حكماً ليحكم في خيانتهم وغدرهم ، فرضي اليهود بذلك ، فحكم سعد بقتل الرجال وسبي النساء والأطفال وتقسيم الأموال
ويرى بعض الباحثين ان سعد بن معاذ حكم بالقانون اليهودي الذي يقضي عند احتلال مدينة غير يهودية بقتل الرجال وسبي النساء والذرية وهناك من يرى بأن تطبيق ذلك الحكم يستند إلى دستور المدينة الذي ينص على أنه لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، ومواليهم ، وأنفسهم إلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يهلك إلا نفسه وأهل بيته ، والدين يشمل تطبيق أحكام شريعة كل طرف على أتباعه . كما أن الغدر والخيانة أقصى درجات الظلم ، والنص يقول يهلك نفسه وأهل بيته ، وهل أشد من القتل والسبي عقوبة للخائن وأهل بيته ، إذ رضي اليهود بهذا الشرط من قبل .
أما أكبر قضية تحكيم شهيرة فهي قضية التحكيم التي أعقبت حرب صفين بين الخليفة علي بن أبي طالب عليه السلام وحاكم سوريا المنشق معاوية بن أبي سفيان . وقعت الحرب عام 37هـ/ 657م بعد رفض معاوية الانصياع للخليفة الشرعي ، إذ كان يطالب بالخلافة لنفسه ، وإن ادعى المطالبة بقتلة الخليفة عثمان بن عفان . وحين دارت رحى الحرب على جيش معاوية ، لجأ إلى الحيلة ، فرفعت المصاحف ، ونداءات إن الحكم إلا لله . فحدث انشقاق داخل جيش علي عليه السلام ، فاضطر لقبول فكرة التحكيم ، كما أُجبر على قبول الحَكَم الذي يمثله ، وهو أبو موسى الأشعري ، مع أنه رشح عبدالله بن عباس . وكان الحَكَم الذي يمثل معاوية هو عمرو بن العاص المعروف بفطنته ودهائه . وبعد مفاوضات توصل الطرفان إلى اتفاق ، وكتب به عهد ، سمي بصحيفة الصلح والتحكيم، وقعه علي عليه السلام ومعاوية .
تضمن العهد الاتفاق على الرجوع إلى حكم الله وكتابه ، وتعيين أسماء الحَكَمين ، وهدنة لمدة عام كامل ، يأمن فيها الجنود والناس حتى يتخذ الحكمان قرارهما . والتقى الحكمان في دومة الجندل ، فأخذ عمرو بن العاص يتحدث بأمور خارج موضوع التحكيم الذي اجتمعا لأجله ، مثل قضية مصرع الخليفة عثمان بن عفان ، وأنه قتل مظلوماً ، وأن معاوية هو وليه ، ولديه كفاءة سياسية وحسن تدبير ... ثم عرض على أبي موسى الأشعري حيلة تقضي بأن يخلع كل واحد منهما صاحبه أي الطرف الذي انتدبه للتحكيم . فأقبلا إلى الناس ، وأعلن أبو موسى الأشعري خلعه لأمير المؤمنين علي عليه السلام ، ولكن عمرو رفض ذلك وقال : إن هذا قد قال ما سمعتم ، وخلع صاحبه ، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه ، وأثبت صاحبي في الخلافة
وقد أدان أمير المؤمنين قرار الحكمين ، لأنهما تركا القضية الأصلية وهو البت في النزاع وانشغلا بقضية الخلافة ، و لم يعتمدا في حكمهما كتاب الله كما جرى الاتفاق في العهد المكتوب ، بل اتبعا رأيهما الشخصي وأهواءهما . قال علي عليه السلام : ألا أن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حَكَمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما ، وأحييا ما أمات القرآن ، واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدىً من الله ، فحَكَما بغير حجة بينة ، ولا سُنة ماضية ، واختلفا في حكمهما ، وكلاهما لم يرشد ، فبرئ اللهُ منهما ورسولُه وصالحُ المؤمنين . وكتب علي كتاباً بنتيجة الحكم إلى الخوارج جاء فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالله علي أمير المؤمنين ، إلى زيد بن حصين وعبدالله بن وهب ومن معهما من الناس .
أما بعد ، فإن هذين الرجلين اللذين ارتضينا حكمهما قد خالفا كتاب الله ، واتبعا أهواءهما بغير هدى من الله ، فلم يعملا بالسنة ، ولم ينفذا للقرآن حكماً ، فبرئ الله ورسولُه منهما والمؤمنون . فإذا بلغكم كتابي هذا فأقبلوا فإنا سائرون إلى عدونا وعدوكم ، ونحن على الأمر الأول الذي كنا عليه ، والسلام
شرعياً ، يُعتبر التحكيم باطلاً ولاغياً ، كما يقول أبو يوسف القاضي ، لأن طرفاً واحداً قد رضي بحكم الحكمين بينما رفضه الطرف الآخر فهو غير ملزم به وقد تبين موقف أمير المؤمنين عليه السلام وأسباب رفضه للحكم ، لأنه خالف الاتفاق أولاً ، ثم لم يبت بقضية الحرب وعدم طاعة معاوية للخليفة الشرعي ثانياً ، ولم يستند على القانون المتفق عليه أي القرآن . لقد انحرف التحكيم ، إذ كان المفروض أن يكون ذا صبغة قانونية شرعية ، ولكنه غدا قضية سياسية كما أراد عمرو بن العاص




صفات الحَكَم
يعرف القضاء الإسلامي نوعين من القضاة :
1 ـ القاضي المنصوب .
2 ـ قاضي التحكيم ، أو الحَكَم
والنوع الأول هو الذي يُعين من قبل الحكومة ليقضي بين الناس ، ويمارس عمله في المحكمة . أما النوع الثاني فهو الذي يتم اختياره من قبل الأطراف المتنازعة . وقد وضع الفقهاء شروطاً للحَكَم مثل :
1 ـ البلوغ
2 ـ العقل
3 ـ الذكورة
4 ـ الإيمان
5 ـ طهارة المولد
6 ـ العدالة
7 ـ الرشد
ولا يعتبر في قاضي التحكيم الإجتهاد خلافاً للمشهور ولا تعتبر الحرية ، أي يكون عبداً ، كما لا تعتبر فيه الكتابة ولا البصر ، فإن العبرة بالبصيرة . على أية حال يجب أن يكون الحكم متصفاً بالأخلاق العالية ولديه مؤهلات تؤهله للقيام بالتحكيم وفق مبادئ الحق والعدل . ويرى احد العلماء المسلمين أن هناك فئات غير مؤهلة لتولي التحكيم كالمحكوم بقضايا القذف ، القاصر ، النساء ، العبد ، الأعمى ، الفاسق ، المسلم الأسير بيد العدو الطرف في التحكيم ، المسلم الخائن المقيم لدى العدو ، المسلمين التابعين للكافرين ، سواء في منزله أو في معسكر المسلمين ويتفق الفقهاء على عدم أهلية غير المسلم في تولي التحكيم ، لكن بعض العلماء يرى أنه لا مانع من تولي غير المسلمين التحكيم .

المصدر : الانترنت