مشاهدة النسخة كاملة : محرمات الرضاع


orient
30-11-2007, 03:57 PM
المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً ... وبعد:
ورد التحريم بالرضاع في القرآن الكريم والسنة النبوية حيث يقول الحق عز وجل ]وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة[ في جملة الكلام عن المحرمات ، وقال صلى الله عليه وسلم ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) وقد أسهب الفقهاء في الكلام عن الرضاع ومقدار الرضاع المحرم والتحريم بالرضاع وآثاره .

تعريف الرضاع :

لغة: مصّ الرضيع من ثدي الآدمي في مدة الرضاع
شرعاً: للفقهاء عدة تعريفات في معنى الرضاع شرعاً:
فعند الحنفية: هو مص من ثدي آدميه في وقت مخصوص
عند المالكية: وصول لبن آدمي لمحل مظنة غذاء آخر
عند الشافعية: حصول لبن امرأة أو ما حصل منه في معدة طفل أو دماغه
عند الحنابلة: وصول لبن آدميه إلى جوف صغير
والناظر في هذه التعريفات لا يجد فرقاً جوهريا بينها وإنما اختلاف في الألفاظ.
دليل مشروعية التحريم بالرضاع:
ثبتت مشروعية التحريم بالرضاع في الكتاب والسنة والإجماع:
1- من القرآن قوله سبحانه وتعالى في عداد ذكر المحرمات من النساء ] وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة [وجه الدلالة أن الله سبحانه وتعالى ذكر الأم من الرضاع والأخت في عداد المحرمات من النساء فتأخذ حكمهن في التحريم وذلك أنه سبحانه وتعالى سمّى المرضعة أماً وسمّى بنتها أختاً منبّهاً بذلك على أن الرضاع يجري مجرى النسب.

2- من السنة: فقد وردت أحاديث عدّة تفيد ثبوت حكم التحريم بالرضاع منها قوله صلى الله عليه وسلم ( إنّ الرضاعة تحرّم ما تحرّم الولادة) وقوله في لفظ آخر ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) وقوله لعائشة ( انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة )

3- الإجماع: فقد انعقد إجماع علماء الأمة على كون الرضاع سبباً لتحريم الزواج أما سائر أحكام النسب من نفقة ورد شهادة وميراث فلا يتعلق به لأن النسب أقوى.



حكمة التحريم بالرضاع:
انفردت الشريعة الإسلامية من بين الشرائع السماوية القائمة الآن بجعل الرضاع سبباً من أسباب التحريم، وإن لذلك أسباباً قوية موجبة لهذا التحريم منها:
1- أن المرضع التي ترضع الولد إنما تغذوه بجزء من جسمها، فتدخل أجزاءها في تكوينه ويكون جزءاً منها وإن الحس والطب يثبتان ذلك، فإن لبنها درّ من دمها ينبت لحم الطفل وينشز عظمه وإذا كان جسمها ملوثاً بمرض مستكن فيه سرت عدواه إلى الطفل وإن كانت نقية الجسم سليمة قوية استفاد الطفل منها قوة ونماء.
وإذا كان الطفل جزءاً منها فهي كالأم النسبية بيد أن هذه غذته بدمها في بطنها وتلك غذته بلبنها بعد وضعه فإذا كانت الأم النسبية محرمة على التأبيد وبعض من يتصل بها من محرمات عليه فكذلك الأم الرضاعية فهذا أمر بديهي مشتق من الحس وكلام أهل الخبرة.
2- إن المرضع تندمج مع الأسرة التي ترضع أحد أولادها فتكون من آحادها كما يكون الطفل في بيت مرضعته مندمجاً في أسرتها، فيكون ذلك التشابك الذي يجعل أسرته أسرتها وأسرتها أسرته أيضاً، فإذا كانت العلاقة التي تكون من هذا النوع في النسب موجبة التحريم في كثير من الأحوال فينبغي أن تكون كذلك في هذه الأحوال.

3- هناك فائدة للتحريم بالرضاعة ذكرها بعض كتّاب الفرنجة المسيحيين الذين أعجبوا بنظام الإسلام في الرضاع وهي التشجيع على الإرضاع إحياءً للأطفال الذين ليس لهم أمهات يرضعنهم، فإن المرضع إذا علمت أنها في الشريعة أم ولها ما للأم من إجلال وتقديس ولذا تحرم على الولد كما تحرم عليه أمه فإنها تُقدم على الإرضاع من غير غضاضة وقد يكثر بذلك النسل، وقد قال في ذلك كاتب أوروبي ( قد استوحى فقهاء المسلمين تلك الحقيقة (وهي تقرير قرابة بين الولد والمرضع) مما جاء على لسان نبيهم ((تناكحوا تناسلوا تكاثروا)) فاحتاطوا كل الاحتياط لذلك الغرض الأسمى الذي هو الحياة الإنسانية وهذا هو السر في أن الإسلام أعطى المرضع هذه المكانة لأنها جادت بلبنها مساهمة في تنفيذ الوصية الربانية وهذا هو السر أيضاً في أن الإسلام رفع شأن الحامل ولقد جعل الإسلام للمرضع تلك المكانة ولو كانت غير مسلمة يهودية أو نصرانية، وإنها لمكانة سامية تجعلها في الأسرة في المكان التالي للأم).


المحرمات بسبب الرضاع:

*التحريم بالنسب: إذا قلنا بأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، فالمحرمات من الرضاع هنّ:
1- أصول الرجل رضاعاً مهما علون:
فإذا أرضعت المرأة طفلاً حرمت عليه هي وأمها وجداتها لأمها وأبيها مهما علون.
-2 فروع الرجل رضاعاً مهما نزلن:
فإذا رضعت بنت من امرأة حرمت على زوجها – مسألة لبن الفحل – وحرمت عليه كذلك بناتها وبنات بناتها وبنات أبنائها مهما نزلن.
3- فروع الأبوين رضاعاً:
فإذا رضعت طفلة من امرأة حرم عليها أبناء المرضع، فالأخ من الرضاع هو كل رجل أرضعته الأم من الرضاع أو النسب، أو ارتضع بلبن الأب نسباً أو رضاعاً – أي الأخوة الأشقاء أو لأب أو لأم. وإن كان الراضع ولداً حرمت عليه بنات المرضع سواءً كنّ شقيقات أو لأب أو لأم. وسواء كنّ في مثل سنّه أو أكبر منه أو أصغر لعموم قوله تعالى ] وأخواتكم من الرضاعة [ والأصل في ذلك أن كل اثنين اجتمعا على ثدي واحد صارا أخوين وأختين أو أخاً وأختاً من الرضاعة فلا يجوز لأحدهما أن يتزوج بالآخر .

4- فروع الأجداد رضاعاً:
فالعمة والخالة ، وكذلك كل امرأة أرضعتها واحدة من الجدّات بالرضاع ، أو ارتضعت بلبن الأجداد من النسب أو الرضاع .

*التحريم بالمصاهرة: من المعلوم أن من المحرمات مؤبداً بالمصاهرة كالمحرمات بالنسب ، ولما كانت المحرمات بالنسب يحرمن من الرضاع ، فهل يلحق بهن المحرمات بالمصاهرة ، فيحرمن بالرضاع كذلك؟ للفقهاء في هذه المسألة قولان:
القول الأول: يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة ، وهو قول الأئمة الأربعة.
ودليلهم أن المحرمات بالمصاهرة اللاتي ورد ذكرهن في كتاب الله يشملهن التحريم بالرضاع ، وبيان ذلك أن هؤلاء المحرمات أربعة أصناف:
1- أمهات الزوجة رضاعاً وإن علون: فيحرمن بمجرد العقد وإن لم يحصل دخول ، وذلك لإطلاق قوله تعالى ] وأمهات نسائكم [في عداد المحرمات وهي بعمومها لا تفرق بين أم النسب أو الرضاع .

2- فروع الزوجة رضاعاً وإن نزلن: فتحرم بنت الزوجة من الرضاع على زوج أمها ، وكذلك بنات ابنها وبنات بنتها إن دخل بها الزوج في عقد صحيح أو فاسد ، لإطلاق قوله سبحانه] وربائبكم اللاتي في حجوركم [ أي لبنات الزوجات نسباً أو رضاعاً .

3- زوجات الأصول من الرضاع مهما علوا: فتحرم زوجة الأب والجد من الرضاع على الرضيع ، دخل بها أم لا لقوله سبحانه وتعالى ] ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء [والأب من الرضاع أب .

4- زوجات الفروع من الرضاع وإن نزلوا: فتحرم زوجة الإبن وابن الإبن وابن البنت من الرضاع وإن نزلوا ، لقوله تعالى ] وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم [.

5- الجمع بين الأختين ، وبين المرأة وعمتها ، أو المرأة وخالتها رضاعاً .

القول الثاني: لا يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة ، وهو قول ابن القيم، وقد ناقش أدلة الجمهور بأمور منها :
1- إن الأدلة قد وردت على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب كما نص على ذلك الحديث ، ولم يذكر المصاهرة والمصاهرة قسيمة النسب ] وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهرا ً[ فلما أغفلت الأحاديث ذكر المصاهرة دلَ على أن حكمها يختلف عن النسب.

2- إن ثبوت أحكام النسب من وجه لا يعني ثبوتها من كل وجه بدليل أن أمهات المؤمنين هن أمهات في تحريم النكاح فقط ، لا في المحرمية ومن ثم لا تحل الخلوة بهن ، ولا النظر إليهن ، فدل على أن التحريم بالرضاع في نظير ما يحرم من النسب لا يطّرد ليشمل المحرمات بالمصاهرة فيحرم نظيرهم بالرضاع.

3- إن أم الزوجة بالرضاع لا تحرم على زوجها وأنه ليس بينه وبينها نسب ولا مصاهرة ولا رضاع ، فكذلك الرضاعة إذا جعلت كالنسب في حكم ، لا يلزم أن تكون مثله في كل حكم.

4- إن الله تعالى حين ذكر المحرمات من النساء لم يجعل الأم من الرضاع ، والأخت من الرضاع داخلة تحت أمهاتنا وأخواتنا ، فدلّ على أن لفظ الأمهات عند الإطلاق إنما يراد به الأم من النسب وعليه فقوله تعالى ] وأمهات نسائكم [ كقوله ] وأمهاتكم [ أي من النسب فلا يشمل الأمهات من الرضاع.

آثار القرابة الرضاعية:

1- تحريم النكاح: ويكون تحريم النكاح بين الرضيع والمرضع وقريباتها من النسب والمصاهرة بين الأصناف الذين تم ذكرهم في المبحث السابق والدليل على ذلك ما روى الشافعي عن سفيان عن ابن جدعان عن سعيد بن المسيب يحدث أن علي بن أبي طالب قال: يا رسول الله هل لك في بنت عمك حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش ، فقال عليه الصلاة والسلام: أما علمت أن حمزة أخي في الرضاعة ، وإن الله حرّم من الرضاعة ما حرّم من النسب ، والأحاديث الواردة في ثنايا هذا البحث كلها تدل على ذلك.

2- جواز النظر والخلوة: من الأحكام التي تثبت بالتحريم بالرضاع أنه يجوز للمحرم بالرضاع أن يخلو بمن حرمت عليه ، ويدل على ذلك حديث عائشة أنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي رجل ، فقال يا عائشة ، من هذا؟ ) قلت: أخي من الرضاعة ، فقال: ( يا عائشة ، انظرن من إخوانكن ، فإنما الرضاعة من المجاعة) ، فقد أقر الرسول عليه الصلاة والسلام الخلوة بذلك الرجل بعد أن عرف أنه أخوها من الرضاعة.

3- جواز المسافرة: وهي مترتبة على جواز الخلوة ، وقد سئل مالك عن الرجل يسافر مع أخته من الرضاعة ، هل تراه ذا محرم؟ قال: نعم إذ محرم .

4- عدم انتقاض الوضوء بلمسها: لأنها من المحرمات مؤبداً ، وجازت الخلوة بها ، والنظر إليها والمسافرة معها فكذلك لا ينتقض الوضوء بلمسها .



الأحكام التي يفترق فيها التحريم بالنسب عن التحريم بالرضاع فهي:

1- التوارث: فإذا مات من بينهما بنوة أو أبوة ..... بالرضاع فلا يرث أحدهما الآخر ، لأن الآيات والأحاديث خصّت التوارث بالنسب والزوجية والولاء ولم تذكر الرضاع.

2- النفقة: فلا ينطبق على القرابة بالرضاع ما ينطبق على القرابة بالنسب من وجوب النفقة.

3- سقوط القصاص: فقد ذهب جمهور الفقهاء أنه لا يقتص من الأب إذا قتل ابنه من النسب متعمداً ، في حين يقتص منه إذا قتل ابنه بالرضاع.

4- رد الشهادة: فالشهادة بين الأقارب من النسب مردودة لتهمة المحاباة وليس كذلك شهادة القريب من الرضاع لعدم تحقق هذا المعنى بالضرورة.







الخاتمة







من خلال البحث توصلت من خلاله إلى النتائج التالية:

1. يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والمصاهرة.
2. التحريم بسبب الرضاع ينبني عليه تحريم الزواج وإباحة النظر والخلوة فقط بين المحرّم بالرضاع ومن حرمت عليه.
3. التحريم بسبب الرضاع لا يكون سبباَ في التوارث والنفقة وسقوط القصاص ورد الشهادة بين الذين بينهم تحريم بسبب الرضاع.





الفهرس








الموضوع رقم الصفحة
المقدمة 1
تعريف الرضاع 2
دليل مشروعية التحريم بالرضاع 3-2
حكمة التحريم بالرضاع 5-4-3
المحرمات بسبب الرضاع:
-التحريم بالنسب
-التحريم بالمصاهرة
6-5
9-8-7-6
آثار القرابة الرضاعية 10-9
الأحكام التي يفترق فيها التحريم بالنسب عن التحريم بالرضاع 10

الخاتمة 11



*المصادر والمراجع:

1- القرآن الكريم.
-2 بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، علاء الدين الكاساني ، 587هجري ، الطبعة الثانية ، 1982م ، دار الكتاب العربي ، بيروت.
-3 المغني، عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي ، 620هجري ، مكتبة الرياض الحديثة ، 1981م.
-4 مغني المحتاج ، محمد الخطيب الشربيني ، دار الفكر ، بيروت.
-5 الأحوال الشخصية ، الإمام محمد أبو زهرة ، الطبعة الثالثة ، دار الفكر العربي