مشاهدة النسخة كاملة : بحث عن التفكك الأسري


بيسان
28-11-2007, 07:38 PM
معا لمواجهة عوامل تفككها
الأسرة العربية.. هل ستكون قوقعة فارغة؟



أمينة محمد عبداللّه - باحثة تربوية



أصبح التفكك الأسري من العلامات البارزة في الواقع الاجتماعي المعاش والذي يشهد فجوة بين القيم الاسلامية والضوابط الشرعية، وما اراده اللّه تعالى لجو الأسرة، وبين واقعها الراهن الذي يشهد أمثلة كثيرة على تصدع الاسر، وغياب جو المودة والرحمة والدفء الاجتماعي، وهو الامر الذي يدعو الى ضرورة مراجعة الوسائل التربوية، وكيفية تنزيل القيم الاسلامية على واقع الاسرة.

وتظهر تسميات اخرى الى جانب مفهوم التفكك الاسري للدلالة على ذات الظاهرة مثل: البيوت المحطمة، والتصدع الاسري، ويعزى التعدد الى ترجمة المفاهيم الاجنبية، وثمة عناصر مشتركة بينها حيث تشير الى: اختلاف السلوك في الاسرة، وانهيار الوحدة الاسرية، وانحلال بناء الادوار الاجتماعية لافراد الاسرة.

ويشير التفكك الاسري الى الاسرة التي تعاني من وجود مشكلات، وينقسم الى نوعين هما:

1 - التفكك النفسي، ويعنى وجود الوالدين بأجسادهما، وبينهما خلافات مستمرة، ويقل في ظله احترام حقوق الأفراد، ولا يشعر فيه الابناء بالانتماء.

2 - التفكك البنائي، وينشأ عن غياب الوالدين أو كليهما بالموت، أو الطلاق، أو هجر أحد الزوجين للأبناء بانشغاله بالعمل، بحيث لا يستطيع الإشراف على تربية هؤلاء الابناء.

وهناك العديد من الصور الحية على التفكك الاسرى بنوعيه، فتشير دراسة للاستاذ فهد الرويس ان نسبة 70% من الاحداث المنحرفين في دار رعاية الاحداث بالرياض يعيشون في جو اسري يسوده الشجار والصراعات العائلية.

وذكرت احدى الدراسات التي اجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر ان الاسر المفككة ترتفع فيها نسبة جرائم العنف الاسري، وأشارت هذه الدراسة ان 87% من مرتكبي هذه الجرائم هم من المتزوجين في مقابل حوالي 13% من غير المتزوجين، وأن الذكور يشكلون اغلبية مرتكبي العنف بنسبة تزيد على 87%، بينما تمثل الاناث حوالي 22%.

كما تؤكد الدكتورة سامية خضر - استاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس - ان التفكك البنائي الناتج عن سفر الازواج، ومن ابتعادهم عن زوجاتهم وابنائهم يعرض الابناء الى الانحرافات نظراً لعدم قدرة الام على السيطرة، كما يؤدي الى شعور الزوجة بأنها وحيدة ليس معها من يشاركها المسؤولية، ويجد ضعاف النفوس في هذه الاجواء الفرصة سانحة لمحاولة تبريد الممارسات غير الاخلاقية.

القوقعة الفارغة

ولعل من اهم اسباب التفكك الأسري عدم الالتزام بالاسس الشرعية ابتداء بقبول الزوجين، والرضا الزواجي، وتوافر شرط الصلاح والايمان بما يدعم استقرار الزواج، وتحقيق السكن والمودة، مروراً باساءة فهم مفهوم (القوامة) الذي يستغله بعض الرجال لقمع المرأة، أو تعتبره المرأة قيداً عليها، وانتهاء بالتربية الاسلامية السليمة التي يفشل بعض الازواج في تنشئة الابناء عليها، وهذا بلا شك يجعل الافراد يعيشون في اسرة واحدة لكنها تشبه القوقعة الفارغة، حيث يفشلون في اقامة علاقات طيبة وايجابية بينهم، وتبقى علاقاتهم العاطفية ضمن الحدود الدنيا.

كذلك تولد المشكلات المادية أو النفسية النزاعات داخل الاسرة، بما ينعكس سلباً على نمو الابناء النفسي، وشيوع الفوضى داخل الاسرة، واقامة احلاف تآمرية فيها، بحيث يستقطب الاب مجموعة من الاطفال، وتستقطب الأم مجموعة اخرى، فتصبح بذلك غير متماسكة تهددها الأزمات التي ينبغي إدراكها.

ومن الوامل المهمة للتفكك الأسري تدهور الاوضاع الاقتصادية لقطاعات كبيرة من الأسر وتواجدهم في مساكل غير صحية بما يؤدي الى عدم اشباع الحاجات، وتدني مكانة الاب، وضعف سيطرته، وشيوع النزاعات والتوترات الدائمة التي تكون من احدى نتائجها المشكلات من قبيل التشرد والتسول.

وايضا تؤدي معدلات الطلاق، وتفسخ العلاقات العائلية، الى الفشل في انماء شخصية الابناء بإشباع حاجاتهم العاطفية والوجدانية، وتوفير التربية الملائمة للانحرافات والتشرد، والحرمان العاطفي، والفشل في تكوين القيم الاجتماعية لديهم، وعدم الثقة بالذات وبالآخرين.

كذلك فإن من الاسباب الاخرى لهذه الظاهرة تقليد الآباء والابناء للعادات الغربية تحت شعارات العصرية والحداثة والتطور، والخيانات الزوجية التي تعد خروجاً عن الحقوق الشرعية للزوجين باعتبار الاصل هو الوفاء الزوجي، ووجود الخدم في البيوت العربية، وخصوصاً التي تقوم بدور الام البديلة، حيث بات الاعتماد عليها مهدداً لمفهوم الامومة، اضافة الى انها تأتي من أسرة غير مسلمة، ومن خلفيات اجتماعية مجهولة.

وقد يتعرض الاطفال لإساءة معاملة وابتزاز اخلاقي من الخدم، كما يتعلمون القيم والسلوكيات غير المقبولة اجتماعيا، ودينياً، وينشأون على جهل قيمهم الاسلامية، ولغتهم العربية، وهويتهم الوطنية، وهذا يساعد على تفريغ الاسرة من محتواها الخلقي، والقيمي، والوطني.

إصابات بالغة

كلما كانت الاسرة مبنية على اسس سليمة وبناءة، كلما انتجت من الكفاءات ما يمد المجتمع بعوامل القوة والنجاح غير ان وجود ظاهرة التفكك الأسري يعد من اخطر العوامل المؤدية الى بروز حالات الانحراف في هذه النواة الاجتماعية الهامة، حيث ان سلوك الآباء يرسم للابناء منهجاً يسيرون عليه في حياتهم لميزة التقليد التي يتوارثونها عن آبائهم، وفي ذلك بالطبع خطورة بالغة على مستقبل الابناء.

وقد أدى التفكك الأسري الى اصابات اسرية بالغة على رأسها غياب جو المودة والرحمة والدفء الاجتماعي، واضطراب الصحة النفسية للاسرة، والتي تعني الجوانب السلوكية، والعاطفية، والاجتماعية للحياة اليومية، وتكون وسيلة للترابط والتضامن الأسري، وصحتها تعنى صحة المجتمع بأسره، واضطرابها وتدهورها فيكون سبباً رئيساً للخلافات والطلاق، وضياع الاطفال.

كما يؤثر التفكك الأسري على التقاليد، والقيم، والتربية، والثقافة نظراً لان للأسرة دوراً اكبر في التنشئة الاجتماعية، ونقل الميراث الثقافي للاجيال الناشئة، فضلاً عن انه ذو اثر واضح في عملية التنمية الشاملة، فكل ما تضعه اجهزة الدولة من قوانين وانظمنة تحمل في داخلها اعاقة لعجلة التنمية وتعطيلاً لآلياتها، وما يمكن ان يمتد اليه مفعول الاعاقة لمؤسسة الاسرة بسبب الالغام القانونية المؤهلة لنسف كيان الاسر، أو تعريضها للتفكك والخراب.

ومن الغريب ان كثيرا من المشاريع التي تقدم من طرف بعض الاتجاهات العلمانية تحت شعارات تنموية هي في حقيقة الامر لا تعدو ان تكون معاول لهدم الاسرة عن طريق تجريدها من سر قوتها المتمثل فيما تنتجه من شروط نفسية وعاطفية وتنظيمية تمد الجهود التنموية بسندها الضروري.

لقمان وابنه

والوقاية من هذه الظاهرة ترتبط بإعادة الاعتبار للدور التربوي، وتصحيح هذا الفهم لهذا الدور بعدما اعرض عنه البعض، أو اقتصر عند الكثيرين على الرقابة، والامر والنهي فقط، ولعل قصة لقمان وحواره مع ابنه تبقى قدوة في ذلك، ورسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يولى هذا الجانب اهميته، فيعني بتربية من تحت يديه وتوجيههم، فعن الحسن بن علي (رضى اللّه عنه) قال: علمني رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كلمات اقولهن في الوتر: «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت».

ويتمثل هذا الدور في تقوية الوازع الديني على اعتبار أن التفكك الاسري، وما يؤدي اليه من مظاهر عديدة من الانحرافات يعبر عن تراجع هذا الوازع الديني من خلال فكرة العناية الالهية الحامية، والمسيطرة والموجهة لافعاله ونشاطاته، مما يجعل الاسرة فريسة للمعتقدات والافكار والممارسات التي تشوش على الفكر والعقل والروح.

ويتمثل في تعهد الابناء وترسيخ القيم الايجابية لديهم حيال العمل والانتاج والتعامل مع مشكلات الحياة من جهة وتخليتهم من القيم التي تذكى الفردية والنفعية، والمظهرية والتعصب، والبحث عن اللذة من جهة اخرى.

ويساعد على القيام بهذا الدور ترسيخ احساس كل من الجنسين بالاعتزاز بجنسه، وتقوية استعداده للعمل، وتزكية نفسه من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة بجملة من القيم التي من شأنها أن تشكل حصناً واقياً من كل ما يهدد امن الاسرة، بالاضافة الى العدل بين الاولاد في الرعاية والمحبة، والاهتمام والهدايا، فلا يخص الوالدان احد الابناء بالعاطفة أو الهدية أو التقبيل.


محكمة الأسرة

ولا تقتصر الشريعة على وقاية الاسرة من المشكلات التي تتهددها، وانما هي ذات توجيه بارز في علاج ازمة التفكك الاسري، وتشير احدى فتاوى المجلس الاوروبي للافتاء والبحوث اليه بالقول ان الزواج رباط مقدس، وميثاق غليظ، وللحياة الزوجية دعائم يجب ان تؤسس عليها، يقول تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) (الروم: 21)، فالسكون النفسي والمودة القلبية، والرحمة الخلقية هي اركان الحياة الزوجية في القرآن الكريم.

وهذا ما يجب ان يفهمه كل من الزوجين ويتعاونا معاً على اشاعة جو السكينة والمودة والرحمة في بيتهما المشترك، وان يتحمل كل منهما صاحبه ويصبر عليه فيما لا يتوافقان فيه، ولا يحكما العواطف، أو النزوات الطارئة في مصير حياتهما، وان تكون المعاشرة بينهما بالمعروف.

وتؤكد الفتوى أنه ليس هناك دواء سحري للمشكلات انما تعالج بحسن الفهم، والرفق، والصبر، والاستعانة باللّه تعالى، والصلاة له، كما قال عز وجل (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ان اللّه مع الصابرين) (البقرة: 153) وفي حالة الخلاف حين يستفحل بين الزوجين ولا يستطيعان حل مشاكلهما الخاصة بالتفاهم والتراضي، فإن على المجتمع المسلم ان يتدخل «محكمة عائلية» مكونة من حكمين أي شخصين من اهل الرأي، والمكانة، والقدرة على الحكم يجتهدان في الاصلاح بينهما ما وجدا الى ذلك سبيلاً، وليس امامهما سوى طريقين: النصح بالقرآن، والمعروف، أو التسريح بإحسان، وأبغض الحلال إلى اللّه الطلاق.

http://www.iico.org/al-alamiya/issues-1425/issue-175/images/family.gif